1 - (عم) عن أي شيء (يتساءلون) يسأل بعض قريش بعضا
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا يتساءلون بينهم فنزلت عم يتساءلون عن النبأ العظيم
يقول تعالى ذكره : عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون بالله ورسوله من قريش يا محمد ؟ وقيل ذلك له صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشاً جعلت فيما ذكر عنها تختصم وتتجادل ، في الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار بنبوته ، والتصديق بما جاء به من عند الله ، والإيمان بالبعث ، فقال الله لنبيه : فيم يتساءل هؤلاء القوم ويختصمون ؟ و ( في ) و ( عن ) في هذا الموضع بمعنى واحد .
ذكر من قال ما ذكرت :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع بن الجراح ، ع، مسعر ، عن محمد بن جحادة ، عن الحسن ، قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا يتساءلون بينهم ، فأنزل الله " عم يتساءلون * عن النبإ العظيم " يعني الخبر العظيم .
قال أبو جعفر : لم أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الذي يتساءلون عن النبأ العظيم : يعني : عن الخبر العظيم .
واختلف أهل التأويل في المعني بالنبأ العظيم ، فقال بعضهم : أريد به القرآن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله " عن النبإ العظيم " قال : القرآن .
وقال آخرون : عني به البعث
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله " عن النبإ العظيم " وهو البعث بعد الموت .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سعيد ، عن قتادة " عن النبإ العظيم " قال : النبأ العظيم : البعث بعد الموت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " عم يتساءلون * عن النبإ العظيم * الذي هم فيه مختلفون " قال : يوم القيامة ، قال : قالوا هذا اليوم تزعمون أنا نحيا فيه وآباؤنا ، قال : فهم فيه مختلفون ، لا يؤمنون به ، فقال الله : بل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ، يوم القيامة لا يؤمنون به .
وكان بعض أهل العربية يقول : معنى ذلك عم يتحدث به قريش في القرآن ، ثم أجار فصارت عم كأنها في معنى : لأي شيء يتساءلون عن القرآن ، ثم أخبر فقال " الذي هم فيه مختلفون " بين مصدق ومكذب ، فذلك إخلافهم ، وقوله " الذي هم فيه مختلفون " يقول تعالى ذكره : الذي صاروا هم فيه مختلفون فريقين : فريق به مصدق ، وفريق به مكذب ، يقول تعالى ذكره : فتساؤلهم بينهم في النبأ الذي هذه صفته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة عن النبإ " الذي هم فيه مختلفون " البعث بعد الموت ، فصار النار فيه فريقين : مصدق ومكذب ، فأما الموت فقد أقروا به لمعاينتهم إياه ، واختلفوا في البعث بعد الموت .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " الذي هم فيه مختلفون " : صار الناس فيه رجلين : مصدق ومكذب ، فأما الموت فإنهم أقروا به كلهم ، لمعاينتهم إياه ، واختلفوا في البعث بعد الموت .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " الذي هم فيه مختلفون " قال : مصدق ومكذب .
مكية وتسمى سورة النبأ وهي أربعون أو إحدى وأربعون آية
قوله تعالى:" عم يتساءلون"؟ عم لفظ استفهام، ولذلك سقطت منها ألف ((ما))، ليتميز الخبر عن الاستفهام. وكذلك (فيم، ومم) إذا استفهمت. والمعنى عن أي شيء يسأل بعضهم بعضاً. وقال الزجاج: أصل ((عم)) عن ما فأدغمت النون في الميم، لأنها تشاركها في الغنة. والضمير في ((يتساءلون)) لقريش. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدق ومنهم المكذب به فنزلت((عم يتساءلون))؟ وقيل: ((عم )) بمعنى: فيم يتشدد المشركون ويختصمون.
تفسير سورة النبأ
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى منكراً على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكاراً لوقوعها " عم يتساءلون * عن النبإ العظيم " أي عن أي شيء يتساءلون عن أمر القيامة وهو النبأ العظيم, يعني الخبر الهائل المفظع الباهر, قال قتادة وابن زيد : النبأ العظيم البعث بعد الموت وقال مجاهد : هو القرآن. والأظهر الأول لقوله: "الذي هم فيه مختلفون" يعني الناس فيه على قولين مؤمن به وكافر, ثم قال تعالى متوعداً لمنكري القيامة: "كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد. ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره فقال: "ألم نجعل الأرض مهاداً" أي ممهدة للخلائق ذلولاً لهم قارة ساكنة ثابتة "والجبال أوتاداً" أي جعلها لها أوتاداً أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها. ثم قال تعالى: "وخلقناكم أزواجاً" يعني ذكراً وأنثى يتمتع كل منهما بالاخر ويحصل التناسل بذلك كقوله: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" وقوله تعالى: "وجعلنا نومكم سباتاً" أي قطعاً للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار وقد تقدم مثل هذه الاية في سورة الفرقان "وجعلنا الليل لباساً" أي يغشى الناس ظلامه وسواده كما قال: "والليل إذا يغشاها" وقال الشاعر:
فلما لبسن الليل أوحين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح
وقال قتادة في قوله تعالى: "وجعلنا الليل لباساً" أي سكناً, وقوله تعالى: "وجعلنا النهار معاشاً" أي جعلناه مشرقاً نيراً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك. وقوله تعالى: "وبنينا فوقكم سبعاً شداداً" يعني السموات السبع في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات ولهذا قال تعالى: "وجعلنا سراجاً وهاجاً" يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم. وقوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً" قال العوفي عن ابن عباس : المعصرات الريح, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "وأنزلنا من المعصرات" قال: الرياح, وكذا قال عكرمة ومجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن إنها الرياح, ومعنى هذا القول أنها تستدر المطر من السحاب, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من المعصرات أي من السحاب, وكذا قال عكرمة أيضاً وأبو العالية والضحاك والحسن والربيع بن أنس والثوري واختاره ابن جرير , وقال الفراء : هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد, كما يقال امرأة معصر إذا دنا حيضها ولم تحض. وعن الحسن وقتادة : من المعصرات يعني السموات وهذا قول غريب, والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب كما قال تعالى: "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله" أي من بينه.
وقوله جل وعلا: "ماء ثجاجاً" قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس : ثجاجاً منصباً وقال الثوري : متتابعاً وقال ابن زيد : كثيراً, وقال ابن جرير ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج وإنما الثج الصب المتتابع ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الحج العج والثج" يعني صب دماء البدن هكذا قال, قلت وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنعت لك الكرسف" يعني أن تحتشي بالقطن فقالت: يا رسول الله هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً, وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير, والله أعلم. وقوله تعالى: " لنخرج به حبا ونباتا * وجنات ألفافا " أي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك "حباً" يدخر للأناسي والأنعام "ونباتاً" أي خضراً يؤكل رطباً "وجنات" أي بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة وإن كان ذلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعاً ولهذا قال وجنات ألفافاً, قال ابن عباس وغيره: ألفافاً مجتمعة, وهذه كقوله تعالى: " وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
وتسمى سورة النبأ، وهي أربعون آية، وقيل إحدى وأربعون آية
وهي مكية عند الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت "عم يتساءلون" بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
قوله: 1- "عم يتساءلون" أصله عن ما فأدغمت النون في الميم، لأن الميم تشاركها في الغنة، كذا قال الزجاج. وحذفت الألف ليتميز الخبر عن الاستفهام، وكذلك فيم ومم ونحو ذلك، والمعنى: عن أي شيء يسأل بعضهم بعضاً. قرأ الجمهور عم بحذف الألف لما ذكرنا، وقرأ أبي وابن مسعود وعكرمة وعيسى بإثباتها، ومنه قول الشاعر:
علاما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في دمان
ولكنه قليل لا يجوز إلا للضرورة، وقرأ البزي بهاء السكت عوضاً عن الألف، وروي ذلك عن ابن كثير. قال الزجاج: اللفظ لفظ استفهام، والمعنى تفخيم القصة كما تقول: أي شيء تريد: إذا عظمت شأنه. قال الواحدي: قال المفسرون: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بتوحيد الله والبعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن، جعلوا يتساءلون بينهم يقولون: ماذا جاء به محمد وما الذي أتى به؟ فأنزل الله "عم يتساءلون" قال الفراء: التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل: وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به وإن لم يكن بينهم سؤال. قال الله تعالى: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون". "قال قائل منهم إني كان لي قرين" الآية، وهذا يدل على أنه التحدث، ولفظ ما موضوع لطلب حقائق الأشياء وذلك يقتضي كون المطلوب مجهولاً، فجعل الشيء العظيم الذي يعجز العقل عن أي يحيط بكنهه كأنه مجهول، ولهذا جاء سبحانه بلفظ ما.
1- "عم"، أصله: عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقوله: فيم، و بم؟ "يتساءلون"، أي: عن أي شيء يتساءلون، هؤلاء المشركون؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ماذا جاء به محمد؟ قال الزجاج: اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم، كما تقول: أي شيء زيد؟ إذا عظمت أمره وشأنه.
1-" عم يتساءلون " أصله عما فحذف الألف لما مر ، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه ، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ، أو يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين عنه استهزاء كقولهم : يتداعونهم ويتراءونهم أي يدعونهم ويرونهم ، أو للناس .
Surah 78. An-Nabaa
1. Whereof do they question one another?
SURA 78: NABA'
1 - Concerning what are they disputing?