10 - (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) بالستر في ذلك (وأن الله تواب) بقبوله التوبة في ذلك وغيره (حكيم) فيما حكم به في ذلك وغيره ليبين الحق في ذلك وعاجل بالعقوبة من يستحقها
يقول تعالى ذكره : ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم ، وأنه عواد على خلقه بلطفه وطوله حكيم في تدبيره وسياسته لهم لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم وفضح أهل الذنوب منكم بذنوبهم ولكنه ستر عليكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عادلا رحمة منه بكم ، وتفضلا عليكم ، فاشكروا نعمه ، وانتهوا عن التقدم عما عنه نهاكم من معاصيه . وترك الجواب في ذلك ، اكتفاء بمعرفة السامع المراد منه .
قوله تعالى " ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم"
هذه الاية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته, وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدعي عليها بما رماها به, فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا "والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين" فإذا قال ذلك, بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء, وحرمت عليه أبداً, ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا,ولا يدرأ عنهاالعذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, أي فيما رماها به "والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" ولهذا قال "ويدرأ عنها العذاب" يعني الحد "أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" فخصها بالغضب, كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور, وهي تعلم صدقه فيما رماها به, ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها, والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه.
ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق, فقال تعالى: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته" أي لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم "وأن الله تواب" أي على عباده, وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة "حكيم" فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه, وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الاية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة.
فقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد , أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً" قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه: أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم ؟ فقالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور, والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً, وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله, ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء, فو الله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته ـ قال: فما لبثوا إلا يسيراً ـ حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم, فجاء من أرضه عشاء, فوجد عند أهله رجلاً, فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح, فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلاً, فرأيت بعيني وسمعت بأذني, فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه, واجتمعت عليه الأنصار وقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الان, يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس, فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به, والله يعلم إني لصادق. فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي, وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه, يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي, فنزلت " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله " الاية, " فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليها فأرسلوا إليها فجاءت, فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما, فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الاخرة أشد من عذاب الدنيا, فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت عليها, فقالت: كذب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما فقيل لهلال : اشهد, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال اتق الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة, وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب, فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها, فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين, ثم قيل للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, وقيل لها عند الخامسة: اتقي الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة, وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف, ثم قالت: والله لا أفضح قومي, فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين, ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما, وقضى أن لا يدعى ولدها لأب, ولا يرمى ولدها, ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد, وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أن يفترقا من غير طلاق ولا متوفى عنها, وقال إن جاءت به أصيهب أريشح حمش الساقين, فهو لهلال , وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين, فهو الذي رميت به فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميراً على مصر, وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب . ورواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون به نحوه مختصراً.
ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة, فمنها ما قال البخاري : حدثني محمد بن بشار , حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن حسان , حدثني عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "البينة أوحد في ظهرك فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد, فنزل جبريل وأنزل عليه " والذين يرمون أزواجهم " إلى قوله " إن كان من الصادقين " فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليهما, فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب, فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت, فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة, قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع, ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها فان جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين, فهو لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي و لها شأن" انفرد به البخاري من هذا الوجه, وقد رواه من غير وجه عن ابن عباس وغيره.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الزيادي , حدثنا يونس بن محمد , حدثنا صالح وهو ابن عمر , حدثنا عاصم يعني ابن كليب عن أبيه , حدثني ابن عباس قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى امرأته برجل, فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلم يزل يردده حتى أنزل الله تعالى "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء" فقرأ حتى فرغ من الايتين, فأرسل إليهما فدعاهما فقال: "إن الله تعالى قد أنزل فيكما فدعا الرجل فقرأ عليه, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه, فقال له كل شيء أهون عليه من لعنة الله ثم أرسله فقال لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم دعاها فقرأ عليها, فشهدت أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين, ثم أمر فأمسك على فيها فوعظها وقال: ويحك كل شيء أهون من غضب الله ثم أرسلها فقالت: غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لأقضين بينكما قضاء فصلا قال: فولدت فما رأيت مولوداً بالمدينة أكثر غاشيةً منه, فقال إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا, وإن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا فجاءت به يشبه الذي قذفت به " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: " سئلت عن المتلاعنين أيفرق بينهما في إمارة ابن الزبير , فما دريت ما أقول, فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن , المتلاعنان أيفرق بينهما ؟ فقال: سبحان الله إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان, فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فسكت فلم يجبه, فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: الذي سألتك عنه قد ابتليت به, فأنزل الله تعالى هذه الايات في سورة النور "والذين يرمون أزواجهم" حتى بلغ " أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " فبدأ بالرجل فوعظه وذكره, وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة فقال: والذي بعثك بالحق ما كذبتك, ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها, وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة. فقالت المرأة: والذي بعثك بالحق إنه لكاذب, قال: فبدأ بالرجل, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين, ثم ثنى بالمرأة, فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين, ثم فرق بينهما " , رواه النسائي في التفسير من حديث عبد الملك بن أبي سليمان به, وأخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن حماد , حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا جلوساً عشية الجمعة في المسجد, فقال رجل من الأنصار: أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً إن قتله قتلتموه, وإن تكلم جلدتموه, وإن سكت سكت على غيظ, والله لئن أصبحت صالحاً لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فسأله, فقال: " يا رسول الله إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً فقتل قتلتموه, وإن تكلم جلدتموه, وإن سكت سكت على غيظ, اللهم احكم, قال: فأنزلت آية اللعان, فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به. انفرد بإخراجه مسلم , فرواه من طرق عن سليمان بن مهران الأعمش به.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو كامل , حدثنا إبراهيم بن سعد , حدثنا ابن شهاب عن سهل بن سعد قال : جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال له: " سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلاً وجد رجلاً مع امرأته فقتله أيقتل به, أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل, قال: فلقيه عويمر فقال: ما صنعت ؟ قال: ما صنعت إنك لم تأتني بخير, سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل, فقال عويمر : والله لاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه. فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما قال: فدعا بهما فلاعن بينهما. قال عويمر : لئن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها. قال: ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين, عظيم الأليتين, فلا أراه إلا قد صدق, وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة, فلا أراه إلا كاذباً فجاءت به على النعت المكروه " . أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن الزهري به.
ورواه البخاري أيضاً من طرق عن الزهري به فقال: حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع , حدثنا فليح عن الزهري عن سهل بن سعد أن رجلاً " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه, أم كيف يفعل؟ فأنزل الله تعالى فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قضى فيك وفي امرأتك قال: فتلاعنا, وأنا شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففارقها فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين, وكانت حاملاً فأنكر حملها, وكان ابنها يدعى اليها ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها " .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن الضيف , حدثنا النضر بن شميل , حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن زيد بن بتيع عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر " لو رأيت مع أم رومان رجلاً ما كنت فاعلاً به ؟ قال: كنت والله فاعلاً به شراً, قال : فأنت يا عمر ؟ قال: كنت والله فاعلاً, كنت أقول: لعن الله الأعجز فإنه خبيث. قال: فنزلت "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم" " ثم قال: لا نعلم أحداً أسنده إلا النضر بن شميل عن يونس بن إسحاق , ثم رواه من حديث الثوري عن ابن أبي إسحاق عن زيد بن بتيع مرسلاً, فالله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي , حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لأول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته, فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربعة شهود, وإلا فحد في ظهرك فقال: يا رسول الله إن الله يعلم إني لصادق, ولينزلن الله عليك ما يبرىء به ظهري من الجلد, فأنزل الله آية اللعان "والذين يرمون أزواجهم" إلى آخر الاية, قال: فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا فشهد بذلك أربع شهادات, ثم قال له في الخامسة ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ففعل, ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا فشهدت بذلك أربع شهادات, ثم قال لها في الخامسة وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا قال: فلما كانت الرابعة أو الخامسة, سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف, ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم, فمضت على القول, ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما, وقال انظروا فإن جاءت به جعداً حمش الساقين, فهو لشريك بن سحماء, وإن جاءت به أبيض سبطا قصير العينين, فهو لهلال بن أمية فجاءت به جعداً حمش الساقين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن " .
"ولولا فضل الله عليكم ورحمته" جواب لولا محذوف. قال الزجاج: المعنى ولولا فضل الله لنال الكاذب منهما عذاب عظيم. ثم بين سبحانه كثير توبته على من تاب وعظيم حكمته البالغة فقال: "وأن الله تواب حكيم" أي يعود على من تاب إليه، ورجع عن معاصيه بالتوبة عليه والمغفرة له، حكيم فيما شرع لعباده من اللعان وفرض عليهم من الحدود.
وقد أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "إلا الذين تابوا" قال: تاب الله عليهم من الفسوق، وأما الشهادة فلا تجوز. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك. وأخرج ابن مردويه عنه قال: توبتهم إكذابهم أنفسهم، فإن أكذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: من تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل. وفي الباب روايات عن التابعين. وقصة قذف المغيرة في خلافة عمر مروية من طرق معروفة. وأخرج البخاري والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس "أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة، وإلا حد في ظهرك، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، ونزل جبريل فأنزل عليه "والذين يرمون أزواجهم" حتى بلغ "إن كان من الصادقين" فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد،
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة، فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن". وأخرج هذه القصة أبو داود الطيالسي وعبد الرزاق وأحمد وعبد حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مطولة. وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما، ولم يسموا الرجل ولا المرأة. وفي آخر القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اذهب فلا سبيل لك عليها، فقال: يا رسول الله مالي، قال: لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد قال: "جاء عويمر إلى عاصم بن عدي، فقال، سل رسول الله: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فقتله، أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، فقال عويمر: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسألنه، فأتاه فوجده قد أنزل عليه، فدعا بهما فلاعن بينهما. قال عويمر: إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها، ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة للمتلاعنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبصروها، فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذباً، فجاءت به مثل النعت المكروه" وفي الباب أحاديث كثيرة وفيما ذكرنا كفاية. وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود، قالوا لا يجتمع المتلاعنان أبداً.
قوله: 10- "ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم"، جواب لولا محذوف، يعني لعاجلكم بالعقوبة، ولكنه ستر عليكم ودفع عنكم الحد باللعان، وإن الله تواب يعود على من يرجع عن المعاصي بالرحمة، حكيم فيما فرض من الحدود.
10 -" ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم " متروك الجواب للتعظيم أي لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة .
10. And had it not been for the grace of Allah and His mercy unto you, and that Allah is Clement, Wise, (ye had been undone).
10 - If it were not for God's grace and mercy on you, and that God is Oft Returning, full of wisdom, (ye would be ruined indeed).