10 - (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) في الدنيا والآخرة فلا تنال منه إلا بطاعته فليطعه (إليه يصعد الكلم الطيب) يعلمه وهو لا إله إلا الله ونحوها (والعمل الصالح يرفعه) يقبله (والذين يمكرون) المكرات (السيئات) بالنبي في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في الانفال (لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) يهلك
اختلف أهل التأويل في معنى قوله " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " فقال بعضهم: معنى ذلك: من كان يريد العزة بعبادة الآلهة والأوثان، فإن العزة لله جميعاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " من كان يريد العزة " يقول: من كان يريد العزة بعبادته الآلهة ( فإن العزة لله جميعا) ( النساء: 139).
وقال آخرون: معنى ذلك: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " يقول: فليتعزز بطاعة الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من كان يريد علم العزة لمن هي، فإنها لله جميعاً كلها: أي كل وجه من العزة فلله.
والذي هو أولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال: من كان يريد العزة، فبالله فليتعزز، فلله العزة جميعاً، دون كل ما دونه من الآلهة والأوثان.
وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب، لأن الآيات التي قبل هذه الآية، جرت يتقريع الله المشركين على عبادتهم الأوثان، وتوبيخه إياهم، ووعيده لهم عليها، فأولى بهذه أيضاً أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، وكانت في سياقها.
وقوله " إليه يصعد الكلم الطيب " يقول تعالى ذكره: إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه " والعمل الصالح يرفعه " يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلى ما أمر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: أخبرني جعفر بن عون، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن عبد الله بن المخارق، عن أبيه المخارق بن سليم، قال: قال لنا عبد الله: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، الحمد لله لا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك، فجعلهن تحت جناحيه، ثم صعد بهن إلى السماء، فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بهن وجه الرحمن، ثم قرأ عبد الله " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قال كعب: إن لسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لدوياً حول العرش كدوي النحل، يذكرن بصاحبهن، والعلم الصالح في الخزائن.
حدثني يونس، قال: ثنا سفيان، عن ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب الأشعري، قوله " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " قال: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب.
حدثني علي، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه، حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله، ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه، رد كلامه على عمله، فكان أولى به.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدن قوله " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " قال: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " قال: قال الحسن وقتادة: لا يقبل الله قولاً إلا بعمل، من قال وأحسن العمل قبل الله منه.
وقوله " والذين يمكرون السيئات " يقول تعالى ذكره: والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثني سعيد، عن قتادة، قوله " والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد " قال: هؤلاء أهل الشرك.
وقوله " ومكر أولئك هو يبور " يقول: وعمل هؤلاء المشركين يبور، فيبطل فيذهب، لأنه لم يكن لله، فلم ينفع عامله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ومكر أولئك هو يبور ": أي يفسد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب " ومكر أولئك هو يبور " قال: هم أصحاب الرياء.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن أبي عامر، قال: ثنا جعفر الأحمر، عن شهر بن حوشب، في قوله " ومكر أولئك هو يبور " قال: هم أصحاب الرياء.
حدثن يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ومكر أولئك هو يبور " قال: بار فلم ينفعهم، ولم ينتفعوا به، وضرهم.
قوله تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " التقدير عند الفراء : من كان يريد علم العزة وكذا قال غيره من أهل العلم . أي من كان يريد علم العزة التي لاذل معها ، لأن العزة إذا كانت تؤدي إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلة ، والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل "جميعا" منصوب على الحال . وقدر الزجاج معناه : من كان يريد بعبادته الله عز وجل العزة - والعزة له سبحانه - فإن الله عز وجل يعزة في الآخرة والدنيا . قلت : وهذا أحسن ، وروي مرفوعا على ما يأتي . فالله العزة جميعا ، ظاهر هذا إيئاس السامعين من عزيه ، وتعريفهم أن ما وجب له من ذلك لا مطمع فيه لغيره ، فتكون الألف واللام للعهد عند العالمين به - سبحانه - وبما وجب له من ذلك ، وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس : " ولا يحزنك قولهم إن العزة لله " يونس -65 .
ويحتمل أن يريد سبحانه أن ينبه ذوي الأقدار والهمم من أين تنال العزة ومن أين تستحق ، فتكون الألف واللام للإستغراق ، وهو المفهوم من آيات هذه السورة ، فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها بافتقار وذل ، وسكون وخضوع ، وجدها عنده - إنشاء الله - غير ممنوعة ولا محجوبة عنه ، "قال صلى الله عليه وسلم : من تواضع لله رفعه الله ، ومن طلبها من غيره وكله إلى من طلبها عنده " ، وقد ذكر قوم طلبوا العزة عند من سواه فقال : " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " النساء- 139 فأنبأك صريحا لا إشكال فيه أن العزة له يعز بها من يشاء ويذل من يشاء .
" وقال صلى الله عليه وسلم مفسرا لقوله : من كان يريد العزة فالله العزة جميعا من أراد عز الدارين فليطع العزيز " وهذا معنى قول الزجاج . ولقد أحسن من قال : وإذا تذللت الرقاب تواضعا منا إليك فعزها في ذلها
فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ويدخل دار العزة - ولله العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والإعتزاز به . فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ، ومن اعتز بالله أعزه الله . قوله تعالى :" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " فيه مسألتان :
الأولى :قوله تعالى : " إليه يصعد الكلم الطيب " وتم الكلام . ثم تبدئ " والعمل الصالح يرفعه " على معنى : يرفعه الله ، أو يرفع صاحبه . ويجوز أن يكون المعنى : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، فيكون الكلام متصلا على ما يأتي بيانه .والصعود هو الحركة إلى فوق ، وهو العروج أيضا . ولا يتصور ذلك في الكلام لأنه عرض ، لكن ضرب صعوده مثلا لقبوله ، لأن موضع الثواب فوق ، وموضع العذاب أسفل . وقال الزجاج : يقال ارتفع الأمر إلى القاضي أي علمه ، فهو بمعنى العلم . وخص الكلام والطيب بالذكر لبيان الثواب عليه . وقوله إليه أي إلى الله يصعد . وقيل يصعد إلى سمائه والمحل الذي لا يجري فيه لأحد غيره حكم . وقيل : أي يحمل الكتاب الذي كتب فيه طاعات العبد إلى السماء . والكلم الطيب هو التوحيد الصادر عن عقيدة طيبة . وقيل : هو التحميد والتمجيد ، وذكر الله ونحوه . وأنشدوا :
لا ترض من رجل حلاوة قوله حت يزين ما يقول فعال
فإذا وزنت فعاله بمقاله فتوازنا فإخاك ذاك جمال
وقال ابن المقفع : قول بلا عمل ، كثريد بلا دسم ، وسحاب بلا مطر ، وقوس بلا وتر . وفيه قيل :
لا ثيكون المقال إلا بفعل كل قول بلا فعال هباء
إن قول بلا فعال جميل ونكاحا بلا ولي سواء
وقرأ الضحاك يصعد بضم الياء . وقرأ جمهور الناس الكلم جمع كلمة . وقرأ أبو عبد الرحمن الكلام . قلت : فالكلام على هذا قد يطلق بمعنى الكلم وبالعكس ، وعليه يخرج قول أبو القاسم : أقسام الكلام ثلاثة ، فوضع الكلام موضع الكلم ، والله أعلم .
" والعمل الصالح يرفعه " ، قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : المعنى والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب . وفي الحديث " لا يقبل الله قولا إلا بعمل ، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية ، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بإصابة السنة " ، قاتل ابن عباس : فإذا ذكر العبد الله وقال كلام طيب وأدى فرائضه ، ارتفع قوله مع عمله ، وإذا قال ولم يؤدي فرائضه رد قوله على عمله .
قال ابن عطية : وهذا قول يرد معتقد أهل السنة ولا يصح عن ابن عباس . والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله وقال كلام طيب فإنه مكتوب له متقبلا منه ، وله حسناته وعليه سيئاته ، والله تعالى يتقبل من كل من اتقى الشرك . وأيضا فإن الكلام الطيب عمل صالح ، وإنما يستقيم قول من يقول : إن العمل هو الرافع للكلم ، بأن يتأول أنه يزيده في رفعه وحسن موقعه إذا تعاضد معه كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك ، إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر الله تعالى كانت الاعمال أشرف ، فيكون قوله " والعمل الصالح يرفعه " موعظة وتذكرة وحضا على الأعمال . وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها ، كالتوحيد والتسبيح فمقبولة . قال ابن العربي : ( إن كلام المرأ بذكر الله إن لم يقترن به عمل صالح لم ينفعه ، لأن من خالف قوله فعله فهو وبال عليه . وتحقيق هذا : أن العمل إذا وقع شرطا في قبول القول أو مرتبطا ، فإنه لا قبول له إلا به ، وإن لم يكن شرط فيه فإن كلمه الطيب يكتب له وعمله السيء يكتب عليه ، وتقع الموازنة بينهما ، ثم يحكم الله بالفوز والربح والخسران .) قلت : ما قاله ابن العربي تحقيق . والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب . وقد جاء في الآثار أن العبد إذا قال : لا إله إلا الله بنية صادقة نظرت الملائكة إلى عمله فإن كان العمل موافقا لقوله صعدا جميعا وإن كان عمله مخالفا وقف قوله حت يتوب من عمله . فعلى هذا العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله والكناية في يرفعه ترجع إلى الكلم الطيب . وهذا قول ابن عباس و شهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبي العالية والضحاك . وعلى أن الكلم الطيب هو التوحيد ، فهو الرافع للعمل الصالح ، لأنه لا يقبل العمل الصالح غلا مع الإيمان والتوحيد . أي والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ، فالكناية تعود على العمل الصالح وروي هذا القول عن شهر بن حوشب قال : الكلم الطيب القرءان والعمل الصالح يرفعه القرءان . وقيل : تعود على الله جل وعز ، أي أن العمل الصالح يرفعه الله على الكلم الطيب ، لأن العمل تحقيق الكلم ، والعامل أكثر تعب من القائل ، وهذا هو حقيقة الكلام ، لأن الله هو الرافع والخافض ، والثاني والأول مجاز ، ولكنه سائغ جائز قال النحاس : القول الأول أولاها وأصحها لعلو من قال به ، وأنه في العربية أولى لأن القراء على رفع العمل . ولو كان المعنى : والعمل الصالح يرفعه الله ، أو العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ، لكن الإختيار نصف العمل . ولا نعلم أحد قرأه منصوبا إلى شيئا روي عن عيسى بن عمر أنه قال : قرأه أناس والعمل الصالح يرفعه الله . وقيل : والعمل الصالخ يرفعه صاحبه ، وهو الذي أراد العزة وعلم أنها تطلب من الله تعالى ، ذكره القشيري .
الثانية : ذكروا عند ابن عباس أن الكلب يقطع الصلاة ، فقرأ هذه الآية : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه . وهذا استدلال بعموم على مذهب السلف في القول بالعموم ، وقد في الصلاة بشروطها ، فلا يقطعها عليه شيئ إلا بثبوت ما يوجب ذلك ، من مثل ما اعقدت به من قرءان أو سنة أو إجماع . وقد تعلق من رأى ذلك " بقوله عليه السلام : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود " فقلت : يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأبيض من الكملب الأحمر ؟ فقال : إن الأسود شيطان خرجه مسلم.
وقد جاء ما يعارض هذا وهو ما خرجه البخاري عن ابن أخي ابن شهاب أنه سأل عمه عن الصلاة يقطعها شيء ؟ فقال : لا يقطعها شيء " أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثوم فيصلي من الليل ، وإني لمعترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله " . قوله تعالى : " والذين يمكرون السيئات " . ذكر الطبري في كتاب آداب النفوس : حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الأشعري في قوله عز وجل : " والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور " . قال : هم أصحاب الرياء ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وقال ابو العالية : هم الذين مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في دار الندوة . وقال الكلبي : يعني الذين يعملون السيئات في الدنيا مقاتل يعني الشرك ، فتكون السيئات مفعولة . ويقال : بار يبور إذا هلك وبطل . وبارت السوق أي كسدت ومنه : نعوذ بالله من بوار الأيم . وقوله : " وكنتم قوما بورا " الفتح - 12 . أي هلكى . والمكر : ما عمل على سبيل احتيال وخديعة . وقد مضى في سبأ .
كثيراً ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها, كما في أول سورة الحج ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها, فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها "اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها, أنزل من تحت العرش مطراً يعم الأرض جميعاً, ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض ولهذا جاء في الصحيح "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب, منه خلق ومنه يركب" ولهذا قال تعالى: "كذلك النشور" وتقدم في الحج حديث أبي رزين قلت: " يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ قال صلى الله عليه وسلم يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلاً ثم مررت به يهتز خضراً قلت: بلى, قال صلى الله عليه وسلم: فكذلك يحيي الله الموتى"
وقوله تعالى: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً" أي من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والأخرة فليلزم طاعة الله تعالى, فإنه يحصل له مقصوده لأن الله تعالى مالك الدنيا والأخرة وله العزة جميعاً, كما قال تعالى: "الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً" وقال عز وجل: " ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا " وقال جل جلاله "و لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون" قال مجاهد "من كان يريد العزة" بعبادة الأوثان "فلله العزة جميعاً" وقال قتادة "من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً" أي فليتعزز بطاعة الله عز وجل, وقيل من كان يريد علم العزة لمن هي "فلله العزة جميعاً" وحكاه ابن جرير .
وقوله تبارك وتعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب" يعني الذكر والتلاوة والدعاء, قاله غير واحد من السلف. وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي , أخبرني جعفر بن عون عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى, " إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله وبحمده والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر تبارك الله, أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا واستغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الله عز وجل " , ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" وحدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا ابن علية , أخبرنا سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: قال كعب الأحبار : " إن لسبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر لدوياً حول العرش كدوي النحل يذكرن لصاحبهن والعمل الصالح في الخزائن " , وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار رحمة الله عليه, وقد روي مرفوعاً.
قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير , حدثنا موسى يعني ابن مسلم الطحان عن عون بن عبد الله عن أبيه أو عن أخيه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله, يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل, يذكرن بصاحبهن, ألا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به" وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشر خلف عن يحيى بن سعيد القطان عن موسى بن أبي عيسى الطحان , عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه أو عن أخيه , عن النعمان بن بشير رضي الله عنه به.
وقوله تعالى: "والعمل الصالح يرفعه" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: الكلم الطيب ذكر الله تعالى, يصعد به إلى الله عز وجل, والعمل الصالح أداء الفريضة, فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله وذكر الله تعالى به إلى الله عز وجل, ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله, فكان أولى به, وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب, وكذا قال أبو العالية وعكرمة وإبراهيم النخعي والضحاك والسدي والربيع بن أنس وشهر بن حوشب وغير واحد. وقال إياس بن معاوية القاضي , لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام. وقال الحسن وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل.
وقوله تعالى: "والذين يمكرون السيئات" قال مجاهد وسعيد بن جبير وشهر بن حوشب : هم المراؤون بأعمالهم, يعني يمكرون بالناس يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى, وهم بغضاء إلى الله عز وجل يراؤون بأعمالهم "ولا يذكرون الله إلا قليلاً" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المشركون, والصحيح أنها عامة, والمشركون داخلون بطريق الأولى, ولهذا قال تعالى: "لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" أي يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى, فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه, وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها إن خيراً فخير وإن شراً فشر, فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي, أما المؤمنين المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم, بل ينكشف لهم عن قريب وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية.
وقوله تبارك وتعالى: "والله خلقكم من تراب ثم من نطفة" أي ابتدأ خلق أبيكم من تراب, ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين "ثم جعلكم أزواجاً" أي ذكراً وأنثى, لطفاً منه ورحمة أن جعل لكم أزواجاً من جنسكم لتسكنواإليها. وقوله عز وجل: "وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه" أي هو عالم بذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء بل "ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ".
وقوله عز وجل: " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب " أي ما يعطي بعض النطف من العمر الطويل يعلمه وهو عنده في الكتاب الأول " ولا ينقص من عمره " الضمير عائد على الجنس لا على العين, لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لا ينقص من عمره, وإنما عاد الضمير على الجنس قال ابن جرير : وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي هو ونصف ثوب آخر, وروي من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير" يقول: ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك له, فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه, وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر, ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له, فذلك قوله تعالى: "ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير" يقول: كل ذلك في كتاب عنده, وهكذا قال الضحاك بن مزاحم .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه "ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" قال: ما لفظت الأرحام من الأولاد من غير تمام وقال عبد الرحمن في تفسيرها: ألا ترى الناس يعيش الإنسان مائة سنة وآخر يموت حين يولد فهذا هذا. وقال قتادة : والذي ينقص من عمره فالذي يموت قبل ستين سنة. وقال مجاهد "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" أي في بطن أمه يكتب له ذلك لم يخلق على عمر واحد, بل لهذا عمر, ولهذا عمر هو أنقص من عمره. فكل ذلك مكتوب لصاحبه بالغ ما بلغ, وقال بعضهم: بل معناه "وما يعمر من معمر" أي ما يكتب من الأجل "ولا ينقص من عمره" وهو ذهابه قليلاً قليلاً, الجميع معلوم عند الله تعالى سنة بعد سنة, وشهراً بعد شهر, وجمعة بعد جمعة, ويوماً بعد يوم, وساعة بعد ساعة, الجميع مكتوب عند الله تعالى في كتابه, نقله ابن جرير عن أبي مالك , وإليه ذهب السدي وعطاء الخراساني , واختار ابن جرير الأول , وهو كما قال.
وقال النسائي عند تفسير هذه الاية الكريمة: حدثنا أحمد بن يحيى بن أبي زيد بن سليمان قال: سمعت ابن وهب يقول: حدثني يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه". وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يونس بن يزيد الأيلي به.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا الوليد بن الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله أبو سرح , حدثنا عثمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله عن عمه أبي مشجعة بن ربعي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله تعالى لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها, وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد, فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره, فذلك زيادة العمر". وقوله عز وجل: "إن ذلك على الله يسير" أي سهل عليه, يسير لديه علمه بذلك وبتفصيله في جميع مخلوقاته, فإن علمه شامل للجميع, لا يخفى عليه شيء منها.
10- "من كان يريد العزة" قال الفراء معناه من كان علم العزة لمن هي؟ فإنها لله جميعاً. وقال قتادة: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله، فجعل معنى فلله العزة: الدعاء إلى طاعة من له العزة، كما يقال من أراد المال فالمال لفلان: أي فليطلبه من عنده. وقال الزجاج: تقديره من كان يريد بعبادة الله العزة، والعزة له سبحانه، فإن الله عز وجل يعزه في الدنيا والآخرة. وقيل المراد بقوله: "من كان يريد العزة" المشركون، فإنهم كانوا يتعززون بعبادة الأصنام: كقوله: "واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً" وقيل المراد: الذين كانوا يتعززون بهم من الذين آمنوا بألسنتهم "الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة" الآية "فلله العزة جميعاً" أي فليطلبها منه لا من غيره، والظاهر في معنى الآية: أن من كان يريد العزة ويطلبها فليطلبها من الله عز وجل: فلله العزة جميعاً، ليس لغيره منها شيء، فتشمل الآية كل من طلب العزة، ويكون المقصود بها التنبيه لذوي الأقدار والهمم من أين تنال العزة، ومن أي جهة تطلب؟ "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" أي إلى الله يصعد لا إلى غيره، ومعنى صعوده إليه قبوله له، أو صعود الكتبة من الملائكة بما يكتبونه من الصحف، وخص الكلم الطيب بالذكر لبيان الثواب عليه، وهو يتناول كل كلام يتصف بكونه طيباً من ذكر لله، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتلاوة وغير ذلك، فلا وجه لتخصيصه بكلمة التوحيد، أو بالتحميد والتمجيد. وقيل المراد بصعوده صعوده إلى سماء الدنيا. وقيل المراد بصعوده علم الله به، ومعنى "والعمل الصالح يرفعه" أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، كما قال الحسن وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبو العالية والضحاك، ووجه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا مع العمل الصالح. وقيل إن فاعل يرفعه هو الكلم الطيب، ومفعوله العمل الصالح، ووجهه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإيمان. وقيل إن فاعل يرفعه ضمير يعود إلى الله عز وجل. والمعنى: أن الله يرفع العمل الصالح على الكلم الطيب، لأن العمل يحقق الكلام. وقيل والعمل الصالح يرفع صاحبه، وهو الذي أراد العزة. وقال قتادة: المعنى أن الله يرفع العمل الصالح لصاحبه: أي يقبله، فيكون قوله: "والعمل الصالح" على هذا مبتدأ خبره يرفعه، وكذا على قول من قال يرفع صاحبه. قرأ الجمهور "يصعد" من صعد الثلاثي. و "الكلم الطيب" بالرفع على الفاعلية. وقرأ علي وابن مسعود يصعد بضم حرف المضارعة من أصعد، والكلم الطيب بالنصب على المفعولية وقرأ الضحاك على البناء للمفعول وقرأ الجمهور "الكلم" وقرأ أبو عبد الرحمن الكلام وقرأ الجمهور "والعمل الصالح" بالرفع على العطف أو على الابتداء. وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بن عمر بالنصب على الاشتغال "والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد" انتصاب السيئات على أنها صفة لمصدر محذوف: أي يمكرون المكرات السيئات وذلك لأن مكر لازم، ويجوز أن يضمن يمكرون معنى يكسبون، فتكون السيئات مفعولاً به. قال مجاهد وقتادة: هم أهل الرياء. وقال أبو العالية: هم الذين مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في دار الندوة. وقال الكلبي: هم الذين يعملون السيئات في الدنيا. وقال مقاتل: هم المشركون، ومعنى "لهم عذاب شديد" لهم عذاب بالغ الغاية في الشدة "ومكر أولئك هو يبور" أي يبطل ويهلك، ومنه "وكنتم قوماً بوراً" والمكر في الأصل: الخديعة والاحتيال، والإشارة بقوله: "أولئك" إلى الذين مكروا السيئات على اختلاف الأقوال في تفسير مكرهم، وجملة "هو يبور" خبر مكر أولئك.
قوله عز وجل: 10- "من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً"، قال الفراء: معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعاً.
وقال قتادة: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة، أي: فليطلب العزة من عند الله بطاعته، كما يقال: من كان يريد المال فالمال لفلان، أي: فليطلبه من عنده، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا به التعزيز كما قال الله: " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا " (مريم-81)، وقال: "الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً" (النساء-139).
"إليه"، أي: إلى الله، "يصعد الكلم الطيب"، وهو قوله لا إله إلا الله، وقيل: هو قول الرجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا الحجاج بن نصر، أخبرنا المسعودي عن عبد الله بن المحارق، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: إذا حدثتكم حديثاً أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل: ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله، إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيى بها وجه رب العالمين، ومصداقه من كتاب الله عز وجل قوله: "إليه يصعد الكلم الطيب"، ذكره ابن مسعود.
وقيل: الكلم الطيب: ذكر الله. وعن قتادة: إليه يصعد الكلم الطيب أي: يقبل الله الكلم الطيب.
قوله عز وجل: "والعمل الصالح يرفعه"، أي: يرفع العمل الصالح الكلم الطيب، فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، وعكرمة، وأكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة: الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال حسناً وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسناً وعمل صالحاً يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"، وجاء في الحديث: "لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ولا قولاً ولا عملاً إلا بنية".
وقال قوم: الهاء في قوله يرفعه راجعة إلى العمل الصالح أي: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادراً عن التوحيد، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل.
وقيل: الرفع من صفة الله عز وجل/ معناه: العمل الصالح يرفعه الله عز وجل.
وقال سفيان بن عيينة: العمل الصالح هو الخالص، يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال، دليله قوله عز وجل: "فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" (الكهف-110)، فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء، "والذين يمكرون السيئات"، قال الكلبي: أي: الذين يعملون السيئات. وقال مقاتل: يعني الشرك. وقال أبو العالية: يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النبوة، كما قال الله تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" (الأنفال-30).
وقال مجاهد: وشهر بن حوشب، هم أصحاب الرياء.
"لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور"، يبطل ويهلك في الآخرة.
10 -" من كان يريد العزة " الشرف والمنعة . " فلله العزة جميعاً " أي فليطلبها من عنده فإن له كلها ، فاستغنى بالدليل عن المدلول . " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح ، وصعودهما إليه مجاز عن قبوله إياهما ، أو صعود الكتبة بصحيفتهما ، والمستكن في " يرفعه " لـ " الكلم " فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد ويؤيده أنه نصب " العمل " ، أو لـ " العمل " فإنه يحقق الإيمان ويقويه ، أو لله وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة . وقرئ " يصعد " على البناءين والمصعد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك . وقيل " الكلم الطيب " يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن . " وعنه عليه الصلاة والسلام : هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن ، فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل " . " والذين يمكرون السيئات " المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله وإجلائه . " لهم عذاب شديد " لا يؤبه دونه بما يمكرون به . " ومكر أولئك هو يبور " يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله :
10. Whoso desireth power (should know that) all power belongeth to Allah. Unto Him good words ascend, and the pious deed doth He exalt; but those who plot iniquities, theirs will be an awful doom; and the plotting of such (folk) will come to naught.
10 - If any do seek for glory and power, to God belong all glory and power. To Him mount up (all) Words of Purity: it is He Who exalts each Deed of Righteousness. Those that lay Plots of Evil, for them is a Penalty terrible; and the plotting of such Will be void (of result).