10 - (والذين جاؤوا من بعدهم) من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا) حقدا (للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)
يقول تعالى ذكره : والذين جاءوا من بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين الأولين " يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " من الأنصار ، وعني بالذين جاءوا من بعدهم المهاجرين أنهم يستغفرون لإخوانهم من الأنصار .
وقوله : " ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " يعني غمراً وضغناً ، وقيل : عني بالذين جاءوا من بعدهم : الذين أسلموا من بعد الذين تبوءوا الدار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " والذين جاؤوا من بعدهم " قال : الذين أسلموا نعتوا أيضاً .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ثم ذكر الله الطائفة الثالثة ، فقال : " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا " حتى بلغ " إنك رؤوف رحيم " إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمروا بسبهم .
وذكر لنا " أن غلاماً لحاطب بن أبي بلتعة جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ليدخلن حاطب في حي النار ، قال : كذبت إنه شهد بدراً والحديبية ، وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أغلظ لرجل من أهل بدر ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا عمر لعله قد شهد مشهداً اطلع الله فيه إلى أهله فأشهد ملائكته إني قد رضيت عن عبادي هؤلاء ، فليعملوا ما شاءوا ، فما زال بعضنا منقبضاً من أهل بدر ، هائباً لهم ، وكان عمر رضي الله عنه يقول : وإلى أهل بدر تهالك المتهالكون " ، وهذ الحي من الأنصار أحسن الله عليهم الثناء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " قال : لا تورث قلوبنا غلا لأحد من أهل دينك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن ابن أبي ليلى ، قال : كان الناس على ثلاث منازل : المهاجرون الأولون والذين اتبعوهم بإحسان " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " وأحسن ما يكون أن يكون بهذه المنزلة .
وقوله : " للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " يقول جل ثناؤه مخبراً عن قيل الذين جاءوا من بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان أنهم قالوا : لا تجعل في قلوبنا غلا لأحد من أهل الإيمان بك يا ربنا .
وقوله : " إنك رؤوف رحيم " يقول : إنك ذو رأفة بخلقك ، وذو رحمة بمن تاب واستغفر من ذنوبه .
الأولى -: قوله تعالى : " والذين جاؤوا من بعدهم " يعني التابعين ومن دخل في الاسلام إلى يوم القيامة . قال ابن أبي ليلى : الناس على ثلاث منازل : المهاجرون ،والذين تبوءوا الدار والإيمان ، والذين جاءوا من بعدهم .فاجتهد ألا تخرج من هذه المنازل .وقال بعضهم : كن شمسا ، فإن لم تستطع فكن قمرا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا ،ومن جهة النور لا تنقطع ومعنى هذا : كن مهاجريا . فإن لم تستطع فإن قلت : لا أجد ، فكن أنصاريا . فإن لم تجد فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم ، فإن لم تستطع فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله . وروى مصعب بن سعيد قال: الناس على ثلاث منازل ، فمضت منزلتان وبقيت منزلة ، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزله التي بقيت . وعن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه ، أنه جاءه رجل فقال له : يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما تقول في عثمان ؟ فقال له : يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم : " للفقراء المهاجرين " الآية . قال لا ! قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية فأنت من قوم قال الله فيهم : " والذين تبوؤوا الدار والإيمان " الآية . قال : لا ! قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام ! وهي قوله تعالى : " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " الآية . وقد قيل : إن محمد بن علي بن الحسن ، رضي الله عنهم ،روي عن أبيه : أن تفرا من أهل العراق جاءوا إليه ، فسبوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ثم عثمان - رضي الله عنه - فأكثروا ، فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم ؟ قالوا لا . فقال أفمن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ؟ فقالوا لا . فقال قد تبرأتم من هذين الفريقين ! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل : " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " قوموا ، فعل الله بكم وفعل !! ذكره النحاس .
الثانية -: هذه الآية دليل عل وجوب محبة الصحابة ، لأنه جعل لمن بعدهم حظا في الفيء ما أقاموا على محبتهم ومولاتهم والاستغفار لهم ، وأن من سبهم أو واحد منهم أو اعتقد فيه شرا إنه لاحق له في الفيء ، روي ذلك عن مالك وغيره . قال مالك : من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كان في قلبه عليهم غل ، فليس له حق في فيء المسلمين ، ثم قرأ " والذين جاؤوا من بعدهم " الآية .
الثالثة -: هذه الآية تدل على أن الصحيح من أقوال العلماء قسمة المنقول ، وإبقاء العقار والأرض شملا بين المسلمين أجمعين ، كما فعل عمر رضي الله عنه ، إلا أن يجتهد الوالي فينفذ أمرا فيمضي عمله فيه لاختلافا الناس عليه وأن هذه الآية قاضية بذلك ، لأن الله تعالى أخبر عن الفيء وجعله لثلاث طوائف المهاجرين والأنصار - وهم معلومون - " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ". فهي عامة في جميع التابعين والآتين بعدهم إلى يوم الدين . "وفي الحديث الصحيح :
أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا قالوا : يا رسول الله ألسنا بإخوانك ؟ فقال بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض " فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن إخوانهم لك من يأتي بعدهم ، لا كما قال السدي والكلبي إنهم الذين هاجروا بعد ذلك . وعن الحسن أيضا " والذين جاؤوا من بعدهم " من قصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد انقطاع الهجرة .
الرابعة -: قوله تعالى : " يقولون " نصب في موضع الحال ، أي قائلين " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " فيه وجهان : احدهما - أمروا أن يستغفروا لمن سبق هذه الأمة من مؤمني أهل الكتاب . قالت عائشة رضي الله عنها : فأمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم . الثانية - أمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .قال ابن عباس : أمر الله تعالى بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يعلم أنهم سيفتنون . وقالت عائشة أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد فسببتموهم .
سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها " "وقال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعن الله أشركم " . وقال العوام بن حوشب : أدركت صدر هذه الأمة يقولون اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب ، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس عليهم . وقال الشعبي : تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة ، سئلت اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا أصحاب موسى .وسئلت النصارى : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب عيسى . وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب محمد ، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة ، لا تقوم لهم راية ، ولا تثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسيف دمائهم وإدحاض حجتهم . أعاذنا الله وإياكم من الأهوال المضلة . " ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " أي حقدا وحسدا " ربنا إنك رؤوف رحيم " .
يقول تعالى مبيناً حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم "الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً" أي خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه "وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون" أي هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم وهؤلاء هم سادات المهاجرين. ثم قال تعالى مادحاً للأنصار ومبيناً فضلهم وشرفهم وكرمهم, وعدم حسدهم وإيثارهم مع الحاجة فقال تعالى: " والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم " أي سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم. قال عمر: وأوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم كرامتهم, وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل, أن يقبل من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم رواه البخاري ههنا أيضاً.
قوله تعالى: "يحبون من هاجر إليهم" أي من كرمهم وشرف أنفسهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد حدثنا حميد عن أنس قال: قال المهاجرون يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً في كثير, لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال "لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم" لم أره في الكتب من هذا الوجه.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يقطع لهم البحرين. قالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها قال "إما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة" تفرد به البخاري من هذا الوجه. وقال البخاري: حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل, قال: لا. فقالوا: أتكفوننا المؤنة ونشرككم في الثمرة. قالوا: سمعنا وأطعنا. تفرد به دون مسلم "ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" أي ولا يجدون في أنفسهم حسداً للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف والتقديم في الذكر والرتبة.
قال الحسن البصري "ولا يجدون في صدورهم حاجة" يعني الحسد "مما أوتوا" قال قتادة يعني فيما أعطى إخوانهم. وكذا قال ابن زيد ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أنس قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يطلع عليكم الان رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال, فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك, فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى, فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً, فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى, فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لا حيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً, فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال "نعم".
قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً, فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أن أحتقر عمله, قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة, ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات "يطلع عليكم الان رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاث المرات, فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به, فلم أرك تعمل كبير عمل, فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماهو إلا ما رأيت, فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله: فهذه التي بلغت بك وهي التي لا تطاق, ورواه النسائي في اليوم والليلة عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن معمر به, وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري عن رجل عن أنس, فالله أعلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: "ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" يعني مما أوتوا المهاجرين, قال وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم في الأنصار فعاتبهم الله في ذلك فقال تعالى: "وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير" قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم" فقالوا أموالنا بيننا قطائع, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو غير ذلك" قالوا: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: "هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر" فقالوا: نعم يا رسول الله. وقوله تعالى: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" يعني حاجة أي يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الصدقة جهد المقل" وهذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه" وقوله "وآتى المال على حبه" فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به, وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به, وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه, ومن هذا المقام تصدق الصديق رضي الله عنه بجميع ماله, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك ؟" فقال رضي الله عنه: أبقيت لهم الله ورسوله, وهكذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه, وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء, فرده الاخر إلى الثالث فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير حدثنا أبو أسامة حدثنا فضيل بن غزوان حدثنا أبو حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال: أتى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد, فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا رجل يضيف هذه الليلة رحمه الله" فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله, فذهب إلى أهله فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئاً, فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية. قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم, وتعالي فأطفيء السراج ونطوي بطوننا الليلة, ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لقد عجب الله عز وجل ـ أو ضحك ـ من فلان وفلانة" وأنزل الله تعالى: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" وكذا رواه البخاري في موضع آخر ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن فضيل بن غزوان وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة رضي الله عنه.
وقوله تعالى: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" أي من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح.
قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا داود بن قيس الفراء عن عبيد الله بن مقسم, عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" انفرد بإخراجه مسلم فرواه عن القعنبي عن داود بن قيس به.
وقال الأعمش وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الأقمر عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, واتقوا الفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش, وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم, أمرهم بالظلم فظلموا, وأمرهم بالفجور ففجروا, وأمرهم بالقطيعة فقطعوا" ورواه أحمد وأبو داود من طريق شعبة والنسائي من طريق الأعمش, كلاهما عن عمرو بن مرة به, وقال الليث عن يزيد بن الهاد عن سهيل بن أبي صالح عن صفوان بن أبي يزيد عن القعقاع بن الجلاح عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبداً, ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبدة بن سليمان, أخبرنا ابن المبارك, حدثنا المسعودي عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن إني أخاف أن أكون قد هلكت, فقال له عبد الله: وما ذاك ؟ قال: سمعت الله يقول "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئاً, فقال عبد الله: ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله في القرآن, إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً, ولكن ذاك البخل وبئس الشيء البخل.
وقال سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن أبي الهياج الأسدي قال: كنت أطوف بالبيت فرأيت رجلاً يقول: اللهم قني شح نفسي لا يزيد على ذلك, فقلت له, فقال: إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل, وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. رواه ابن جرير. وقال ابن جرير: حدثني محمد بن إسحاق, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي, حدثنا إسماعيل بن عياش, حدثنا مجمع بن جارية الأنصاري عن عمه يزيد بن جارية عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة".
وقوله تعالى: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء وهم المهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم بإحسان كما قال في آية براءة "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه" فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لاثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة الداعون لهم في السر والعلانية, ولهذا قال تعالى: في هذه الاية الكريمة " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون " أي قائلين " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا " أي بغضاً وحسداً " للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الاية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب, لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي, حدثنا محمد بن بشر, حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عائشة أنها قالت: أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم ثم قرأت هذه الاية " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " الاية. وقال إسماعيل بن علية عن عبد الملك بن عمير عن مسروق عن عائشة قالت: أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسببتموهم. سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها" رواه البغوي, وقال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا أيوب عن الزهري قال: قال عمر رضي الله عنه "وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب" قال الزهري: قال عمر رضي الله عنه: هذه لرسول لله صلى الله عليه وسلم خاصة وقرى عربية فدك وكذا مما أفاء الله على رسوله من أهل القرى, فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ـ وللفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم ـ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ـ والذين جاؤوا من بعدهم فاستوعبت هذه الاية الناس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق. قال أيوب ـ أو قال حظ ـ إلا بعض من تملكون من أرقائكم. كذا رواه أبو داود وفيه انقطاع.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا أبو ثور عن معمر عن أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قرأ عمر بن الخطاب " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " ثم قال: هذه لهؤلاء, ثم قرأ "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى" الاية. ثم قال: هذه لهؤلاء, ثم قرأ " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب * للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاؤوا من بعدهم " ثم قال: استوعبت هذه المسلمين عامة وليس أحد إلا له فيها حق ثم قال: لئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه فيها لم يعرق فيها جبينه.
ثم لما فرغ سبحانه من الثناء على المهاجرين والأنصار، ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء بعدهم، فقال: 10- " والذين جاؤوا من بعدهم " وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وقيل هم الذين هاجروا بعد ما قوي الإسلام، والظاهر شمول الآية لمن جاء بعد السابقين من الصحابة المتأخر إسلامهم في عصر النبوة، ومن تبعهم من المسلمين بعد عصر النبوة إلى يوم القيامة، لأنه يصدق على الكل أنهم جاءوا بعد المهاجرين الأولين والأنصار، والموصول مبتدأ وخبره "يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" ويجوز أن يكون الموصول معطوفاً على قوله: " والذين تبوؤوا الدار والإيمان "، فيكون يقولون في محل نصب على الحال، أو مستأنف لا محل له، والمراد بالأخوة هنا أخوة الدين، أمرهم الله أن يستغفروا لأنفسهم ولمن تقدمهم من المهاجرين والأنصار "ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا" أي غشاً وبغضاً وحسداً. أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق، فيدخل في ذلك الصحابة دخولاً أولياً لكونهم أشرف المؤمنين، ولكون السياق فيهم، فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية، فإن وجد في قلبه غلاً لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه وخير أمة نبيه صلى الله عليه وسلم وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجأ إلى الله سبحانه والاستغاثة به، بأن ينزع عن قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون وأشرف هذه الأمة، فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم، فقد انقاد للشيطان بزمام ووقع في غضب الله وسخطه، وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلي بمعلم من الرافضة أو صاحب من أعداء خير الأمة الذين تلاعب بهم الشيطان وزين لهم الأكاذيب المختلفة والأقاصيص المفتراة والخرافات الموضوعة، وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور، فاشتروا الضلالة بالهدى، واستبدلوا الخسران العظيم بالربح الوافر، وما زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منزلة إلى منزلة ومن رتبة إلى رتبة حتى صاروا أعداء كتاب الله وسنة رسوله وخير أمته وصالحي عباده وسائر المؤمنين، وأهملوا فرائض الله وهجروا شعائر الدين، وسعوا في كيد الإسلام وأهله كل السعي ورموا الدين وأهله بكل حجر ومدر، والله من ورائهم محيط "ربنا إنك رؤوف رحيم" أي كثير الرأفة والرحمة بليغهما لمن يستحق ذلك من عبادك.
وقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال: أوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؟ أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً فقال: ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله، فقال رجل من الأنصار، وفي رواية فقال أبو طلحة الأنصاري: أنا يا رسول الله، فذهب به إلى أهله، فقال لامرأته أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئاً، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت، ثم غدا الضيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب الله الليلة من فلان وفلانة، وأنزل فيهما "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال: إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا، فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول، فنزلت فيهم "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أن رجلاً قال: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: إني سمعت الله يقول: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود: ليس ذلك بالشح، ولكنه البخل ولا خير في البخل. وإن الشح الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال: ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، ولكنه البخل وإنه لشر، إنما الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له. وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: من أدى زكاة ماله فقد وقي شح نفسه. وأخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما محق الإسلام محق الشح شيء قط. وأخرج أحمد والبخاري في الأدب ومسلم والبيهقي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم الشح. وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: الناس على ثلاث منازل قد مضت منزلتان وبقيت منزلة، فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ " والذين جاؤوا من بعدهم " الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن عائشة قالت: أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم، ثم قرأت هذه الآية " والذين جاؤوا من بعدهم ". وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سمع رجلاً وهو يتناول بعض المهاجرين فقرأ عليه "للفقراء المهاجرين" الآية، ثم قال: هؤلاء المهاجرون أفمنهم أنت؟ قال لا، ثم قرأ عليه " والذين تبوؤوا الدار والإيمان " الآية. ثم قال: هؤلاء الأنصار أفأنت منهم؟ قال لا، ثم قرأ عليه " والذين جاؤوا من بعدهم " الآية، ثم قال: أفمن هؤلاء أنت؟ قال أرجو، قال: ليس من هؤلاء من سب هؤلاء.
قوله عز وجل: 10- " والذين جاؤوا من بعدهم "، يعني التابعين وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان والمغفرة، فقال: "يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً"، غشاً وحسداً وبغضاً، "للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم"، فكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية، لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاثة منازل: المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله، فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجاً من أقسام المؤمنين.
قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: الفقراء المهاجرين، والذين تبوؤا الدار والإيمان، والذين جاؤوا من بعدهم، فاجتهد أن لا تكون خارجاً من هذه المنازل.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا ابن نمير، حدثنا أبي عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسببتموهم سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها".
وقال مالك بن مغول: قال عامر بن شراحبيل الشعبي: يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ فقالت: أصحاب موسى عليه السلام. وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ فقالوا: حواري عيسى عليه السلام. وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وإدحاض حجتهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة.
قال مالك بن أنس: من يبغض أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى"، حتى أتى على هذه الآية: "للفقراء المهاجرين" ... " والذين تبوؤوا الدار والإيمان " ... "والذين جاؤوا من بعدهم" إلى قوله: "رؤوف رحيم".
10-" والذين جاؤوا من بعدهم " هم الذين هاجروا حين قوي الإسلام ، أو التابعون بإحسان وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل : إن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين . " يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " أي لإخواننا في الدين . " ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا " حقداً لهم . " ربنا إنك رؤوف رحيم " فحقيق بأن تجيب دعاءنا .
10. And those who came (into the faith) after them say: Our Lord Forgive us and our brethren who were before us in the faith, and place not in our hearts any rancor toward those who believe. Our Lord! Thou art Full of Pity, Merciful.
10 - And those who came after them say: Our Lord! Forgive us, and our brethren who came before us into the Faith, and leave not, in our hearts, rancour (or sense of injury) against those who have believed. Our Lord! Thou art indeed Full of Kindness, Most Merciful.