102 - (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) وحدوه (وهو على كل شيء وكيل) حفيظ
قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره: الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، هو الله ربكم، أيها العادلون بالله الآلفة والأوثان، والجاعلون له الجن شركاء، وآلهتكم التي لا تملك نفعاً ولا ضراً، ولا تفعل خيراً ولا شراً، "لا إله إلا هو".
وهذا تكذيب من الله جل ثناؤه للذين زعموا أن الجن شركاء اله . يقول جل ثناؤه لهم: أيها الجاهلون، إنه لا شيء له الألوهية والعبادة، إلا الذي خلق كل شيء، وهو بكل شيء عليم، فإنه لا ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادة جميع من في السموات والأرض إلا له خالصةً بغير شريك تشركونه فيها، فإنه خالق كل شيء وبارئه وصانعه. وحق على المصنوع أن يفرد صانعه بالعبادة، "فاعبدوه"، يقول: فذلوا له بالطاعة والعبادة والخدمة، واخضعوا له بذلك، "وهو على كل شيء وكيل"، يقول: والد على كل ما خلق من شيء رقيب وحفيظ، يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته.
قوله تعالى: "ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو" ذلكم في موضع رفع بالابتداء. الله ربكم على البدل. "خالق كل شيء" خبر الابتداء. ويجوز أن يكون ربكم الخبر، وخالق خبراً ثانياً، أو على إضمار مبتدأ، أي هو خالق. وأجاز الكسائي والفراء فيه النصب.
يقول تعالى: "ذلكم الله ربكم" أي الذي خلق كل شيء, ولا ولد له ولا صاحبة "لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه" أي فاعبدوه وحده, لا شريك له, وأقروا له بالواحدنية, وأنه لا إله إلا هو, وأنه لا ولد له, ولا والد ولا صاحبة له, ولا نظير ولا عديل "وهو على كل شيء وكيل" أي حفيظ ورقيب, يدبر كل ما سواه, ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار, وقوله "لا تدركه الأبصار" فيه أقوال للأئمة من السلف (أحدها) لا تدركه في الدنيا, وإن كانت تراه في الاخرة, كما تواترت به الأخبار, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, من غير ما طريق ثابت, في الصحاح والمسانيد والسنن, كما قال مسروق عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً أبصر ربه فقد كذب, وفي رواية على الله, فإن الله تعالى قال: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" رواه ابن أبي حاتم: من حديث أبي بكر بن عياش, عن عاصم بن أبي النجود, عن أبي الضحى, عن مسروق, ورواه غير واحد عن مسروق, وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة من غير وجه, وخالفها ابن عباس, فعنه: إطلاق الرؤية, وعنه أنه رآه بفؤاده مرتين, والمسألة تذكر في أول سورة النجم إن شاء الله.
وقال ابن أبي حاتم: ذكر محمد بن مسلم, حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي, حدثنا يحيى بن معين, قال: سمعت إسماعيل بن علية يقول في قول الله تعالى: "لا تدركه الأبصار" قال هذا في الدنيا, وذكر أبي عن هشام بن عبيد الله, أنه قال نحو ذلك. وقال آخرون "لا تدركه الأبصار" أي جميعها وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الاخرة, وقال آخرون من المعتزلة, بمقتضى ما فهموه من هذه الاية, أنه لا يرى في الدنيا ولا في الاخرة, فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك, مع ما ارتكبوه من الجهل, بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب, فقوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " وقال تعالى عن الكافرين: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" قال الإمام الشافعي: فدل هذا, على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى. أما السنة, فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد, وأبي هريرة, وأنس, وجريج, وصهيب, وبلال وغير واحد من الصحابة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, أن المؤمنين يرون الله في الدار الاخرة, في العرصات وفي روضات الجنات, جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه آمين .
وقيل المراد بقوله "لا تدركه الأبصار" أي العقول, رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين, عن الفلاس, عن ابن مهدي, عن أبي حصين يحيى بن الحصين, قارىء أهل مكة, أنه قال ذلك, وهذا غريب جداً, وخلاف ظاهر الاية, وكأنه اعتقد أن الإدراك في معنى الرؤية, والله أعلم. وقال آخرون: لا منافاة بين إثبات الرؤية ونفي الإدراك, فإن الإدراك أخص من الرؤية, ولا يلزم من نفي الأخص انتفاء الأعم. ثم اختلف هؤلاء في الإدراك المنفي ما هو ؟ فقيل معرفة الحقيقة, فإن هذا لا يعلمه إلا هو, وإن رآه المؤمنون, كما أن من رأى القمر, فإنه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته, فالعظيم أولى بذلك, وله المثل الأعلى. قال ابن علية في الاية: هذا في الدنيا رواه ابن أبي حاتم .
وقال آخرون: الإدراك أخص من الرؤية, وهو الإحاطة, ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية, كما لا يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم, قال تعالى: "ولا يحيطون به علماً" وفي صحيح مسلم "لا أحصي ثناء عليك, أنت كما أثنيت على نفسك" ولا يلزم منه عدم الثناء فكذلك هذا. قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" قال لا يحيط بصر أحد بالملك, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد, حدثنا أسباط, عن سماك, عن عكرمة, أنه قيل له "لا تدركه الأبصار" قال ألست ترى السماء ؟ قال بلى, قال فكلها ترى, وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في الاية "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" وهو أعظم من أن تدركه الأبصار .
وقال ابن جرير: حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم, حدثنا خالد بن عبد الرحمن, حدثنا أبو عرفجة, عن عطية العوفي في قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " قال هم ينظرون إلى الله, لا تحيط أبصارهم به, من عظمته, وبصره محيط بهم, فذلك قوله "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" وورد في تفسير هذه الاية حديث رواه ابن أبي حاتم ههنا, فقال: حدثنا أبو زرعة, حدثنا منجاب بن الحارث السهمي, حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن عطية العوفي, عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" قال "لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا, صفوا صفاً واحداً, ما أحاطوا بالله أبداً" غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه, ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة, والله أعلم.
وقال آخرون في الاية بما رواه الترمذي في جامعه, وابن أبي عاصم في كتاب السنة له, وابن أبي حاتم في تفسيره, وابن مردويه أيضاً, والحاكم في مستدركه, من حديث الحكم بن أبان, قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: رأى محمد ربه تبارك وتعالى, فقلت: أليس الله يقول: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" الاية, فقال لي: لا أم لك, ذلك نوره, الذي هو نوره, إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء, وفي رواية لا يقوم له شيء, قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, وفي معنى هذا الأمر, ما ثبت في الصحيحين, من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل النهار قبل الليل, وعمل الليل قبل النهار, حجابه النور ـ أو النار ـ لو كشفه, لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" وفي الكتب المتقدمة: إن الله تعالى قال لموسى لما سأل الرؤية: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات, ولا يابس إلا تدهده, أي تدعثر, وقال تعالى: "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين" ونفي هذا الأثر الإدراك الخاص لا ينفي الرؤية يوم القيامة لعباده المؤمنين كما يشاء, فأما جلاله وعظمته على ما هو عليه, تعالى وتقدس وتنزه, فلا تدركه الأبصار.
ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, تثبت الرؤية في الدار الاخرة, وتنفيها في الدنيا, وتحتج بهذه الاية "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" فالذي نفته الإدراك, الذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال, على ما هو عليه, فإن ذلك غير ممكن للبشر, ولا للملائكة, ولا لشيء, وقوله "وهو يدرك الأبصار" أي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه, لأنه خلقها, كما قال تعالى: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" وقد يكون عبر بالإبصار عن المبصرين, كما قال السدي: في قوله "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" لا يراه شيء, وهو يرى الخلائق, وقال أبو العالية في قوله تعالى "وهو اللطيف الخبير" قال اللطيف لاستخراجها, الخبير بمكانها, والله أعلم, وهذا كما قال تعالى إخباراً عن لقمان, فيما وعظ به ابنه "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير"
والإشارة بقوله: 102- "ذلكم" إلى الأوصاف السابقة، وهو في موضع رفع على الابتداء وما بعده خبره، وهو الاسم الشريف، و "الله ربكم" بدلاً من اسم الإشارة، وكذلك "لا إله إلا هو خالق كل شيء" خبر المبتدأ، ويجوز ارتفاع خالق على إضمار مبتدأ، وأجاز الكسائي والفراء النصب فيه "فاعبدوه" أي من كانت هذه صفاته، فهو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ممن ليس له من هذه الصفات العظيمة شيء.
102- " ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه "، فأطيعوه، " وهو على كل شيء وكيل "، بالحفظ له وبالتدبير فيه، " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار "، الآية. يتمسك أهل الاعتزال بظاهر هذه الآية في نفي رؤية الله عز وجل عياناً .
ومذهب أهل السنة: إثبات رؤية الله عز وجل عياناً جاء به القرآن والسنة، وقال الله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة "، (القيامة،23)، وقال: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " (المطففين،15)، قال مالك رضي الله عنه: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الله الكفار بالحجاب، و"قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "(يونس،26)، وفسره بالنظر إلى وجه الله عز وجل ".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي أنا أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنكم سترون ربكم عياناً ".
102 "ذلكم " إشارة إلى الموصوف بما سبق من الصفات وهو مبتدأ " الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء " أخبار مترادفة ويجوز أن يكون البعض بدلا أو صفة والبعض خبرا ، " فاعبدوه " حكم مسبب عن مضمونها فإن من استجمع هذه الصفات استحق العبادة . " وهو على كل شيء وكيل " أي وهو مع تلك الصفات متولي أموركم فكلوها إليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مآربكم ورقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها .
102. Such is Allah, your Lord. There is no God save Him, the Creator of all things, so worship Him. And He taketh care of all things.
102 - That is God, your lord there is no God but he, the creator of all things: then worship ye him: and he hath power to dispose of all affaires.