104 - (تلفح وجوههم النار) تحرقها (وهم فيها كالحون) شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم ويقال لهم
وقوله : " تلفح وجوههم النار " يقول : تسفع وجوههم النار .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس " تلفح وجوههم النار " قال : تنفح " وهم فيها كالحون " والكلوح : أن تتقلص الشفتان عن الأسنان ، حتى تبدوا الأسنان ، كما قال الأعشى :
وله المقدم لا مثل له ساعة الشدق عن الناب كلح
فتأويل الكلام : يسفع وجوههم لهب النار ، فتحرقها ، وهم فيها متقلصو الشفاه عن الأسنان ، من إحراق النار وجوههم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : " وهم فيها كالحون " يقول : عباسون .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى و عبد الرحمن ، قالا : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، في قوله : " وهم فيها كالحون " قال : ألم تر إلى الرأس المشيط قد بدت أسنانه ، وقلصت شفتاه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، قرأ هذه الآية " تلفح وجوههم النار " ، قال : ألم تر إلى الرأس المشيط بالنار وقد قلصت ضفتاه ، وبدت أسنانه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وهم فيها كالحون " قال ألم تر إلى الغنم إذا مست النار وجوهها كيف هي ؟
قوله تعالى: " تلفح وجوههم النار " ويقال تنفح بمعناه، ومنه " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك " [الأنبياء: 46]. إلا أن " تلفح " أبلغ بأساً، يقال: لفحته النار والسموم بحرها أحرقته. ولفحته بالسيف لفحة إذا ضربته به ضربة خفيفة. " وهم فيها كالحون " قال ابن عباس: عابسون. وقال أهل اللغة: الكلوح تكشر في عبوس. والكالح: الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه. قال الأعشى:
وله المقدم لا مثل له ساعة الشدق عن الناب كلح
وقد كلح الرجل كلوحاً وكلاحاً. وما أقبح كلحته، يراد به الفم وما حواليه. ودهر كالح أي شديد. وعن ابن عباس أيضاً وهم كالحون يريد كالذي كلح وتقلصت شفتاه وسال صديده وقال ابن مسعود: ألم تر إلى رأس المشيط بالنار، وقد بدت أسنانه وقلصت شفتاه. وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" وهم فيها كالحون - قال - تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته " قال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور, وقام الناس من القبور "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" أي لا تنفع الأنساب يومئذ ولا يرني والد لولده ولا يلوي عليه, قال الله تعالى: " ولا يسأل حميم حميما * يبصرونهم " أي لايسأل القريب عن قريبه وهو يبصره ولو كان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره, وهو كان أعز الناس عليه في الدنيا ما التفت إليه ولا حمل عنه وزن جناح بعوضة, قال الله تعالى: " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه " الاية, وقال ابن مسعود : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والاخرين, ثم نادى مناد: ألا من كان له مظلمة فليجىء فليأخذ حقه ـ قال فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيراً, ومصداق ذلك في كتاب الله قال الله تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" رواه ابن أبي حاتم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم , حدثنا عبد الله بن جعفر , حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبد الله بن أبي رافع عن المسور ـ هو ابن مخرمة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاطمة بضعة مني, يغيظني ما يغيظها, وينشطني ما ينشطها, وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري" وهذا الحديث له أصل في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة مني, يريبني ما يريبها, ويؤذيني ما آذاها".
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر , حدثنا زهير عن عبد الله بن محمد عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه , قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر: ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومه ؟ بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والاخرة, وإني أيها الناس فرط لكم إذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلان, فأقول لهم: أما النسب فقد عرفت ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى" وقد ذكرنا في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من طرق متعددة عنه رضي الله عنه أنه لما تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: أما والله ما بي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل سبب ونسب فإنه منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي" رواه الطبراني والبزار والهيثم بن كليب والبيهقي , والحافظ الضياء في المختارة وذكر أنه أصدقها أربعين ألفاً إعظاماً وإكراماً رضي الله عنه, فقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي القاسم البغوي : حدثنا سليمان بن عمر بن الأقطع , حدثنا إبراهيم بن عبد السلام عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري" وروي فيها من طريق عمار بن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً "سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج إلي أحد منهم إلا كان معي في الجنة فأعطاني ذلك" ومن حديث عمار بن سيف عن إسماعيل عن عبد الله بن عمرو .
وقوله تعالى: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون" أي من رجحت حسناته على سيئاته ولو بواحدة, قاله ابن عباس , "فأولئك هم المفلحون" أي الذين فازوا فنجوا من النار وأدخلوا الجنة, وقال ابن عباس : أولئك الذين فازوا بما طلبوا, ونجوا من شر ما منه هربوا "ومن خفت موازينه" أي ثقلت سيئاته على حسناته "فأولئك الذين خسروا أنفسهم" أي خابوا وهلكوا وفازوا بالصفقة الخاسرة. وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث , حدثنا داود بن المحبر , حدثنا صالح المري عن ثابت البناني وجعفر بن زيد ومنصور بن زاذان عن أنس بن مالك يرفعه قال: إن لله ملكاً موكلاً بالميزان, فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان, فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت يسمعه الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً, وإن خف ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً, إسناده ضيعف فإن داود بن المحبر ضعيف متروك, ولهذا قال تعالى: "في جهنم خالدون" أي ما كثون فيها دائمون مقيمون فلا يظعنون "تلفح وجوههم النار" كما قال تعالى: "وتغشى وجوههم النار" وقال تعالى: "لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم" الاية.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا فروة بن أبي المغراء , حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن أبي سنان ضرار بن مرة عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن جهنم لما سيق لها أهلها تلقاهم لهبها, ثم تلفحهم لفحة فلم يبق لهم لحم إلا سقط على العرقوب" وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى القزاز , حدثنا الخضر بن علي بن يونس القطان , حدثنا عمر بن أبي الحارث بن الخضر القطان , حدثنا سعيد بن سعيد المقبري عن أخيه عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: "تلفح وجوههم النار" قال: تلفحهم لفحة تسيل لحومهم على أعقابهم.
وقوله تعالى: "وهم فيها كالحون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني عابسون. وقال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود "وهم فيها كالحون" قال: ألم تر إلى الرأس المشيط الذي قد بدا أسنانه وقلصت شفتاه. وقال الإمام أحمد أخبرنا علي بن إسحاق أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك رحمه الله, أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ""وهم فيها كالحون" ـ قال ـ تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه, وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته" ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك به, وقال: حسن غريب.
وجملة 104- "تلفح وجوههم النار" مستأنفة، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال، أو تكون خبراً آخر لأولئك، واللفح الإحراق، يقال لفحته النار، إذا أحرقته، ولفحته بالسيف: إذا ضربته، وخص الوجوه لأنها أشرف الأعضاء "وهم فيها كالحون" هذه الجملة في محل نصب على الحال، والكالح الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه، قاله الزجاج. ودهر كالح: أي شديد. قال أهل اللغة: الكلوح تكنيز في عبوس.
104. " تلفح وجوههم النار ". أي: تسفع، وقيل: تحرق، " وهم فيها كالحون "، عابسون.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا محمد بن أحمد الحارثي ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن يزيزد ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " " وهم فيها كالحون"، قال: تشويه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته "، وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن حاجب بن عمر عن الحكم بن الأعرج قال: قال أبو هريرة (( يعظم الكافر في النار مسيرة سبع ليال، فيصير ضرسه مثل أحد، وشفاههم عند سررهم، سود زرق خسر مقبوحون )).
104ـ " تلفح وجوههم النار " تحرقها واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيراً . " وهم فيها كالحون " من شدة الاحتراق والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان ، وقرئ (( كلحون )) .
104. The fire burneth their faces, and they are glum therein.
104 - The Fire will burn their faces, and they will therein grin, with their lips displaced.