11 - (وأما بنعمة ربك) عليك بالنبوة وغيرها (فحدث) أخبر ، وحُذف ضميره صلى الله عليه وسلم في بعض الأفعال رعاية للفواصل
وقوله : " وأما بنعمة ربك فحدث " : يقول : فاذكره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، في قوله " وأما بنعمة ربك فحدث " قال : بالنبوه .
حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، قال : ثنا سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي نضرة قال كان المسلمون يرون أن منشكر النعم أن يحدث بها .
قوله تعالى:" وأما بنعمة ربك فحدث" أي انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء. والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر. وروى ابن أبي نجيج عن مجاهد(وأما بنعمة ربك) قال بالقرآن. وعنه قال: بالنبوة، أي بلغ ما أرسلت به. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره. وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: إذا أصبت خيراً، أو عملت خيراً، فحدث به الثقة من إخوانك. وعن عمر بن ميمون قال: إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به ، يقول له: رزق الله من الصلاة البارحة كذا وكذا. وكان أبو فراس عبد الله بن غالب إذا أصبح يقول: لقد رزقني الله البارحة كذا قرأت كذا، وصليت كذا، وذكرت الله كذا،وفعلت كذا فقلنا له : يا أبا فراس، إن مثلك لا يقول هذا! قال يقول الله تعالى:" وأما بنعمة ربك فحدث" وتقولون أنتم: لا تحدث بنعمة الله! ونحوه " عن أيوب السختياني وأبي رجاء العطاردي رضي الله عنهم. وقال بكر بن عبد الله المزني قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(من أعطى خيراً فلم ير عليه، سمي بغيض الله، معادياً لنعم الله) " و" روى الشعبي عن النعمان بن بشير قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم :(من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكرالناس، لم يشكر الله، والتحدث بالنعم شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب) " و" روى النسائي عن مالك بن نضلة الجشمي قال:
كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فرآني رث الثياب فقال:(ألك مال)؟ قلت :نعم، يا رسول الله ، من كل المال. قال : إذا آتاك الله مالاً فلير أثره عليك). " و" روى أبو سعيد الخدري:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) " .
فصل : يكبر القارئ في رواية البزي عن ابن كثير- وقد رواه مجاهد عن ابن عباس ، "عن أبي بن كعب:
عن النبي صلى الله عليه وسلم - إذا بلغ آخر (والضحى)كبر بين كل سورة تكبيرة، إلى أن يختم القرآن، ولا يصل آخر السورة بتكبيرة، بل يفصل بينهما بسكتة " ، وكأن المعنى في ذلك أن الوحي تأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أياماً، فقال ناس من المشركين: قد ودعه صاحبه وقلاه، فنزلت هذه السورة فقال:(الله أكبر). " قال مجاهد: قرأت على ابن عباس، فأمرني به، وأخبرني به عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يكبر في قراءة الباقين، لأنها ذريعة إلى الزيادة في القرآن " .
قلت : القرآن ثبت نقلاً متواتراً سورة وآياته وحروفه، لا زيادة فيه ولا نقصان، فالتكبير على هذا ليس بقرآن. فإذا كان بسم الله الرحمن الرحيم المكتوب في المصحف بخط المصحف ليس بقرآن، فكيف بالتكبير الذي هو ليس بمكتوب. أما أنه ثبت سنة بنقل الآحاد، فاستحبه ابن كثير، لا أنه أوجبه فخطأ من تركه. ذكر الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ في كتاب(المستدرك) له على البخاري ومسلم: حدثنا أبو يحيى محمد بن عبدالله بن محمد بن عبد الله بن يزيد، المقرئ الإمام بمكة، في المسجد الحرام، قال حدثنا أبو عبدا لله محمد بن علي بن زيد الصائغ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة: سمعت عكرمة بن سليمان يقول:
قرأت على إسماعيل بن عبدالله بن قسطنطين، فلما بلغت(والضحى) قال لي كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت (والضحى) قال: كبر حتى تختم. وأخبره عبد الله بن كثير انه قرأ على مجاهد، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، واخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم , حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال سمعت جندباً يقول: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين, فأتت امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك, فأنزل الله عز وجل: " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير من طرق عن الأسود بن قيس عن جندب , هو ابن عبد الله البجلي , ثم العلقي به وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس سمع جندباً قال أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المشركون ودع محمداً ربه, فأنزل الله تعالى: " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي قالا حدثنا أبو أسامة حدثني سفيان , حدثني الأسود بن قيس أنه سمع جندباً يقول رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في أصبعه فقال: "هل أنت إلا أصبع دميت, وفي سبيل الله ما لقيت ؟".
قال فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم, فقالت له امرأة ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " والسياق لأبي سعيد , قيل: إن هذه المرأة هي أم جميل امرأة أبي لهب, وذكر أن أصبعه عليه السلام دميت, وقوله هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون ثابت في الصحيحين ولكن الغريب ههنا جعله سبباً لتركه القيام ونزول هذه السورة. فأما ما رواه ابن جرير حدثنا ابن أبي الشوارب , حدثنا عبد الواحد بن زياد , حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أرى ربك إلا قد قلاك, فأنزل الله " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " وقال أيضاً: حدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه قال أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فجزع جزعاً شديداً فقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك, قال فنزلت " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " إلى آخرها فإنه حديث مرسل من هذين الوجهين ولعل ذكر خديجة ليس محفوظاً أو قالته على وجه التأسف والحزن, والله أعلم.
وقد ذكر بعض السلف منهم ابن إسحاق أن هذه السورة هي التي أوحاها جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبدى له في صورته التي خلقه الله عليها, ودنا إليه وتدلى منهبطاً عليه وهو بالأبطح "فأوحى إلى عبده ما أوحى" قال: قال له هذه السورة " والضحى * والليل إذا سجى " قال العوفي عن ابن عباس : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياماً فتغير بذلك, فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه فأنزل الله "ما ودعك ربك وما قلى" وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء "والليل إذا سجى" أي سكن فأظلم وادلهم ؟ قاله مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد وغيرهم, وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا وهذا كما قال تعالى: " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم" وقوله تعالى: "ما ودعك ربك" أي ما تركك "وما قلى" أي وما أبغضك.
" وللآخرة خير لك من الأولى " أي وللدار الاخرة خير لك من هذه الدار, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً كما هو معلوم بالضرورة من سيرته, ولما خير عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة وبين الصيرورة إلى الله عز وجل, اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية, قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد , حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه, فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث المسعودي به وقال الترمذي حسن صحيح.
وقوله تعالى: "ولسوف يعطيك ربك فترضى" أي في الدار الاخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته, وفيما أعده له من الكرامة, ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينه مسك أذفر كما سيأتي, وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزاً كنزاً فسر بذلك, فأنزل الله "ولسوف يعطيك ربك فترضى" فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم, رواه ابن جرير من طريقه, وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف, وقال السدي عن ابن عباس من رضاء محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقال الحسن : يعني بذلك الشفاعة, وهكذا قال أبو جعفر الباقر وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا, ولسوف يعطيك ربك فترضى".
ثم قال تعالى يعدد نعمه على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه: "ألم يجدك يتيماً فآوى" وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه, وقيل بعد أن ولد عليه السلام ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين, ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين, فكفله عمه أبو طالب, ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره, هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان, وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل, فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج, كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل, فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه رضي الله عنهم أجمعين, وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.
وقوله تعالى: "ووجدك ضالاً فهدى" كقوله: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا" الاية. ومنهم من قال إن المراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضل في شعاب مكة وهو صغير ثم رجع, وقيل إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام, وكان راكباً ناقة في الليل, فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق, فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة, ثم عدل بالراحلة إلى الطريق حكاهما البغوي , وقوله تعالى: "ووجدك عائلاً فأغنى" أي كنت فقيراً ذا عيال فأغناك الله عمن سواه فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر صلوات الله وسلامه عليه. وقال قتادة في قوله: " ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى " قال: كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وفي الصحيحين من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه".
ثم قال تعالى: "فأما اليتيم فلا تقهر" أي كما كنت يتيماً فآواك الله فلا تقهر اليتيم أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به, قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم "وأما السائل فلا تنهر" أي وكما كنت ضالا فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم المسترشد قال ابن إسحاق : "وأما السائل فلا تنهر" أي وكما كنت ضالاً فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم المسترشد. قال ابن إسحاق "وأما السائل فلا تنهر" أي فلا تكن جباراً ولا متكبراً ولا فحاشاً ولافظاً على الضعفاء من عباد الله, وقال قتادة يعني رد المسكين برحمة ولين "وأما بنعمة ربك فحدث" أي وكما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله فحدث بنعمة الله عليك كما جاء في الدعاء المأثور النبوي: "واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها علينا" وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا ابن علية , حدثنا سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا منصور بن أبي مزاحم , حدثنا الجراح بن مليح عن أبي عبد الرحمن عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير, ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله, والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر, والجماعة رحمة والفرقة عذاب" وإسناده ضعيف وفي الصحيحين عن أنس أن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله, قال: "لاما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم". وقال أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم , حدثنا الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد عن ابن المبارك عن الربيع بن مسلم وقال صحيح.
وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن الجراح , حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أبلى بلاء فذكره فقد شكره, ومن كتمه فقد كفره" تفرد به أبو داود . وقال أبو داود : حدثنا مسدد , حدثنا بشر , حدثنا عمارة بن غزية , حدثني رجل من قومي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعطي عطاء فوجد فليجز به, فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره" قال أبو داود : ورواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل عن جابر كرهوه فلم يسموه, تفرد به أبو داود , وقال مجاهد : يعني النبوة التي أعطاك ربك وفي رواية عنه القرآن, وقال ليث عن رجل عن الحسن بن علي "وأما بنعمة ربك فحدث" قال: ما عملت من خير فحدث إخوانك, وقال محمد بن إسحاق , ما جاءك من الله من نعمة وكرامة من النبوة فحدث بها واذكرها وادع إليها, قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم به عليه من النبوة سراً إلى من يطمئن إليه من أهله, وافترضت عليه الصلاة فصلى.
11- "وأما بنعمة ربك فحدث" أمره سبحانه بالتحدث بنعم الله عليه وإظهارها للناس وإشهارها بينهم، والظاهر النعمة على العموم من غير تخصيص بفرد من أفرادها أو نوع من أنواعها. وقال مجاهد والكلبي: المراد بالنعمة هنا القرآن. قال الكلبي: وكان القرآن أعظم ما أنعم الله به عليه فأمره أن يقرأه. قال الفراء: وكن يقرأه ويحدث به. وقال مجاهد أيضا: المراد بالنعمة النبوة التي أعطاه الله، واختار هذا الزجاج فقال: أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي آتاك الله، وهي أجل النعم. وقال مقاتل: يعني اشكر ما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من الهدى بعد الضلالة وجبر اليتم، والإغناء بعد العيلة فاشكر هذه النعم. والتحدث بنعمة الله شكر، والجار والمجرور متعلق بحدث، والفاء غير مانعة من تعلقه به، وهذه النواهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي نواه له ولأمته لأنهم أسوته، فكل فرد من أفراد هذه الأمة منهي بكل فرد من أفراد هذه النواهي.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس "والليل إذا سجى" قال: إذا أقبل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه "إذا سجى" قال: إذا ذهب "ما ودعك ربك" قال ما تركك "وما قلى" قال: ما أبغضك. وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي فأنزل الله "وللآخرة خير لك من الأولى"". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم عنه أيضاً قال "عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده فسر بذلك، فأنزل الله "ولسوف يعطيك ربك فترضى" فأعطاه في الجنة ألف قصر من لؤلؤ ترابه المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم" وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: "ولسوف يعطيك ربك فترضى" قال: رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في الآية قال: من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار. وأخرج الخطيب في التلخيص من وجه آخر عنه أيضاً في الآية قال: لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار، ويدل على هذا ما أخرجه مسلم عن ابن عمرو "أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في إبراهيم "فمن تبعني فإنه مني" وقول عيسى "إن تعذبهم فإنهم عبادك" الآية، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك". وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي؟ قال: إي والله. حدثني محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت يا محمد؟ فأقول: نعم يا رب رضيت، ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً" قلت إنا لنقول ذلك، قال: فكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله "ولسوف يعطيك ربك فترضى" وهي الشفاعة". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، "ولسوف يعطيك ربك فترضى"". وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلد الإبل، فلما نظر إليها قال: يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا بنعيم الآخرة، فأنزل الله "ولسوف يعطيك ربك فترضى"". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته، قلت: قد كانت قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح، ومنهم من كان يحيى الموتى، فقال تعالى: يا محمد ألم أجدك يتيماً فآويتك؟ ألم أجدك ضالاً فهديتك؟ ألم أجدك عائلاً فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أضع عنك وزرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت بلى يا رب". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: "لما نزلت "والضحى" على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمن علي ربي وأهل أن يمن ربي". وأخرج ابن مردويه عنه في قوله: "ووجدك ضالاً فهدى" قال: وجدك بين الضالين فاستنقذك من ضلالتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن علي في قوله: "وأما بنعمة ربك فحدث" قال: ما علمت من الخير. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: إذا أصبت خيراً فحدث إخوانك. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبيهقي في الشعب والخطيب في المتفق، قال السيوطي بسند ضعيف عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة". وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه أبو يعلى وابن حبان والبيهقي والضياء عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أبلى بلاء فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره " وأخرج البخاري في الأدب وأبو داوود والضياء عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعط فإنه كلابس ثوب زور". وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي عن عائشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أولي معروفاً فليكافئ به، فإن لم يستطع فليذكره، فإن من ذكره فقد شكره".
11- "وأما بنعمة ربك فحدث"، قال مجاهد يعني النبوة، روى عنه أبو بشر واختاره الزجاج وقال: أي بلغ ما أرسلت به، وحدث بالنبوة التي آتاك الله.
وقال الليث عن مجاهد: يعني القرآن وهو قول الكلبي، أمره أن يقرأ به.
وقال مقاتل: اشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من جبر اليتيم والهدى بعد الضلالة والإغناء بعد العيلة، والتحدث بنعمة الله شكراً.
أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن محمي البسطامي، حدثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسين النصر أبادي، حدثنا علي بن سعيد النسوي أخبرنا سعيد بن عفير، حدثنا يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصاري، عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صنع إليه معروف فليجز به، فإن لم يجد ما يجزي به فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبين من زور".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق، حدثنا أبو القاسم بن منيع، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا وكيع عن أبي عبد الرحمن يعني القاسم بن الوليد، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى، التحدث بنعمة الله شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب".
والسنة -في قراءة أهل مكة- أن يكبر من أول سورة "والضحى" على رأس كل سورة حتى يختم القرآن، فيقول: الله أكبر.
قال الشيخ الإمام الأجل محيي السنة ناصر الحديث قدوة الأئمة ناشر الدين ركن الإسلام إمام الأئمة مفتي الشرق أبو محمد الحسين بن مسعود رحمه الله: كذلك قرأته على الإمام المقرئ أبي نصر محمد بن أحمد بن علي الحامدي بمرو، قال: قرأت على أبي القاسم طاهر بن علي الصيرفي، قال: قرأت على أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران، قال: قرأت على أبي علي محمد بن أحمد بن حامد الصفار المقرئ، قال: قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الهاشمي، قال: قرأت على أبي ربيعة والحسين بن محمد الحداد، وهما قرأا على أبي الحسين بن أبي بزة وأخبرهما ابن أبي بزة أنه قرأ على عكرمة بن سليمان بن كثير المكي، وأخبره عكرمة أنه قرأ على شبل ابن عباد وإسماعيل بن قسطنطين، وأخبراه أنهما قرأا على عبد الله بن كثير، وأخبرهما عبد الله بن كثير -رضي الله عنهم أجمعين- أنه قرأ على مجاهد، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبره أنه قرأ على أبي بن كعب.
وأخبرنا الإمام المقرئ أبو نصر محمد بن أحمد بن علي وقرأت عليه بمرو، وقال: أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد الزيدي بالتكبير، وقرأت عليه بثغر حران، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد الموصلي المعروف بالنقاش، وقرأت عليه بمدينة السلام، حدثنا أبو ربيعة محمد بن إسحاق الربعي، وقرأت عليه بمكة قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة، وقرأت عليه قال لي: قرأته على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت "والضحى" قالا لي: كبر حتى تختم، مع خاتمة كل سورة، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك، وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك وأخبره أبي أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك.
وكان سبب التكبير أن الوحي لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه، وودعه، فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، فلما نزل "والضحى" كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحاً بنزول الوحي، فاتخذوه سنةً.
11-" وأما بنعمة ربك فحدث " فإن التحدث بها شكرها . وقيل المراد بالنعمة النبوة التحديث بها تبليغها .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة والضحى جعله الله سبحانه وتعالى فيمن يرضى لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يشفع له وعشر حسنات ، يكتبها الله سبحانه وتعالى بعدد كل يتيم وسائل " .
11. Therefor of the bounty of thy Lord be thy discourse.
11 - But the Bounty of thy Lord rehearse and proclaim!