113 - (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) شكوا في ذلك واستقصروه لعظم ما هم فيه من العذاب (فاسأل العادين) الملائكة المحصين أعمال الخلق
القول في تأويل قوله تعالى : " قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين " .
" قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم " أنساهم شدة العذاب مدة مكثهم في القبور. وقيل: لأن العذاب رفع عنهم بين النفختين فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم. قال ابن عباس: أنساهم ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى الثانية، وذلك أنه ليس من أحد قتله نبي أو قتل نبياً أو مات بحضرة نبي إلا عذب من ساعة يموت إلى النفخة الأولى، ثم يمسك عنه العذاب فيكون كالماء حتى ينفخ الثانية. وقيل: استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي القبور ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده. " فاسأل العادين " أي سل الحساب الذي يعرفون ذلك فإنا قد نسيناه، أو فاسأل الملائكة الذين كانوا معنا في الدنيا، الأول قول قتادة ، والثاني قول مجاهد . وقرأ ابن كثير وحمزة و الكسائي " قال كم لبثتم في الأرض " على الأمر. ويحتمل ثلاثة معان: أحدها: قولوا كم لبثتم، فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد والمراد الجماعة، إذ كان المعنى مفهوماً. الثاني: أن يكون أمراً للملك ليسألهم يوم البعث عن قدر مكثهم في الدنيا. أو أراد قل أيها الكافر كم لبثتم، وهو الثالث. الباقون " قال كم " على الخبر، أي قال الله تعالى لهم، أو قالت الملائكة لهم كم لبثتم.
يقول تعالى منبهاً لهم على ما أضاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من طاعة الله تعالى وعبادته وحده, ولو صبروا في مدة الدنيا القصيرة لفازوا كما فاز أولياؤه المتقون "قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين" أي كم كانت إقامتكم في الدنيا "قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين" أي الحاسبين "قال إن لبثتم إلا قليلاً" أي مدة يسيرة على كل تقدير "لو أنكم كنتم تعلمون" اي لما آثرتم الفاني على الباقي ولما تصرفتم لأنفسكم هذا التصرف السيء ولا استحققتم من الله سخطه في تلك المدة اليسيرة, فلو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته كما فعل المؤمنون لفزتم كما فازوا.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن يونس , حدثنا الوليد , حدثنا صفوان عن أيفع بن عبد الكلاعي أنه سمعه يخطب الناس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, قال: يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم ـ قال ـ لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين, ثم قال: يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم, فيقول: بئس ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم, ناري وسخطي امكثوا فيها خالدين مخلدين".
وقوله تعالى: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً" أي أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا, وقيل: للعبث, أي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب, وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل "وأنكم إلينا لا ترجعون" أي لا تعودون في الدار الاخرة, كما قال تعالى: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى" يعني هملاً. وقوله: "فتعالى الله الملك الحق" أي تقدس أن يخلق شيئاً عبثاً, فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك "لا إله إلا هو رب العرش الكريم" فذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات, ووصفه بأنه كريم أي حسن المنظر بهي الشكل, كما قال تعالى: " أنبتنا فيها من كل زوج كريم ".
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا علي بن محمد الطنافسي , حدثنا إسحاق بن سليمان شيخ من أهل العراق, أنبأنا شعيب بن صفوان عن رجل من آل سعيد بن العاص قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن حمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أما بعد, أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثاً, ولن تتركوا سدى, وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم, فخاب وخسر وشقي عبد أخرجه الله من رحمته, وحرم جنة عرضها السموات والأرض, ألم تعلموا أنه لا يأمن عذاب الله غداً إلا من حذر هذا اليوم وخافه, وباع نافداً بباق وقليلاً بكثير وخوفاً بأمان, ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين, وسيكون من بعدكم الباقين حتى تردون إلى خير الوارثين ؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله عز وجل, قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير ممهد ولا موسد, قد فارق الأحباب وباشر التراب, ووجه الحساب, مرتهن بعمله, غني عما ترك, فقير إلى ما قدم. فاتقوا الله قبل انقضاء مواثيقه ونزول الموت بكم, ثم جعل طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن نصير الخولاني , حدثنا ابن وهب , أخبرني ابن لهيعة عن أبي هبيرة عن حسن بن عبد الله أن رجلاً مصاباً مر به عبد الله بن مسعود فقرأ في أذنه هذه الاية "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق" حتى ختم السورة فبرأ, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بماذا قرأت في أذنه ؟ فأخبره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال" وروى أبو نعيم من طريق خالد بن نزار عن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا وأصبحنا "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون" قال: فقرأناها فغنمنا وسلمنا.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا إسحاق بن وهب العلاف الواسطي , حدثنا أبو المسيب سالم بن سلام , حدثنا بكر بن حبيش عن نهشل بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا السفينة باسم الله الملك الحق, وما قدروا الله حق قدره, والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, سبحانه وتعالى عما يشركون, باسم الله مجراها ومرساها, إن ربي لغفور رحيم " .
113- "قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم" استقصروا مدة لبثهم لما هم فيه من العذاب الشديد. وقيل إن العذاب رفع عنهم بين النفختين، فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم، وقيل أنساهم الله ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى النفخة الثانية. ثم لما عرفوا ما أصابهم من النسيان لشدة ما هم فيه من الهول العظيم أحالوا على غيرهم فقالوا: "فاسأل العادين" أي المتمكنين من معرفة العدد، وهم الملائكة، لأنهم الحفظة العارفون بأعمال العباد وأعمارهم، وقيل المعنى: فاسأل الحاسبين العارفين بالحساب من الناس. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " قال كم لبثتم في الأرض " على الأمر، والمعنى: قل يا محمد للكفار، أو يكون أمراً للملك بسؤالهم، أو التقدير: قولوا كم لبثتم، فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد، والمراد الجماعة. وقرأ الباقون "قال كم لبثتم" على أن القائل هو الله عز وجل أو الملك.
113. " قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم "، نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب، " فاسأل العادين "، الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم.
113ـ " قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم " استقصاراً لمدة لبثهم فيها بالنسبة إلى خلودهم في النار ، أو لأنها كانت أيام سرورهم وأيام السرور قصار ، أو لأنها منقضية والمنقضي في حكم المعدوم . " فاسأل العادين " الذين يتمكنون من عد أيامها إن أردت تحقيقها فإنا لما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكرها وإحصائها ، أو الملائكة الذين يعدون أعمار الناس ويحصون أعمالهم . وقرئ " العادين " بالتخفيف أي الظلمة فإنهم يقولون ما نقول ، و" العادين " أي القدماء المعمرين فإنهم أيضاً يستقصرون .
113. They will say: We tarried but a day or part of a day. Ask of those who keep count!
113 - They will say: We stayed a day or part of a day: but ask those who keep account.