115 - (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) لا لحكمة (وأنكم إلينا لا ترجعون) بالبناء للفاعل وللمفعول لا بل لنتعبدكم بالأمر والنهي وترجعون إلينا ونجازي على ذلك وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
القول في تأويل قوله تعالى : " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون " .
قوله تعالى: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا " أي مهملين كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب عليها، مثل قوله تعالى: " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " [القيامة: 36] يريد كالبهائم مهملاً لغير فائدة. قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي: إن الله تعالى خلق الخلق عبيداً ليعبدوه، فيثيبهم على العبادة ويعاقبهم على تركها، فإن عبدوه فهم اليوم له عبيد أحرار كرام من رق الدنيا، ملوك في دار الإسلام، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أباق سقاط لئام، وغداً أعداء في السجون بين أطباق النيران. و " عبثا " نصب على الحال عند سيبويه وقطرب. وقال أبو عبيدة: هو نصب على المصدر أو لأنه مفعول له. " وأنكم إلينا لا ترجعون " فتجازون بأعمالكم. قرأ حمزة و الكسائي " ترجعون " بفتح التاء وكسر الجيم من الرجوع.
يقول تعالى منبهاً لهم على ما أضاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من طاعة الله تعالى وعبادته وحده, ولو صبروا في مدة الدنيا القصيرة لفازوا كما فاز أولياؤه المتقون "قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين" أي كم كانت إقامتكم في الدنيا "قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين" أي الحاسبين "قال إن لبثتم إلا قليلاً" أي مدة يسيرة على كل تقدير "لو أنكم كنتم تعلمون" اي لما آثرتم الفاني على الباقي ولما تصرفتم لأنفسكم هذا التصرف السيء ولا استحققتم من الله سخطه في تلك المدة اليسيرة, فلو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته كما فعل المؤمنون لفزتم كما فازوا.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن يونس , حدثنا الوليد , حدثنا صفوان عن أيفع بن عبد الكلاعي أنه سمعه يخطب الناس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, قال: يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم ـ قال ـ لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين, ثم قال: يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم, فيقول: بئس ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم, ناري وسخطي امكثوا فيها خالدين مخلدين".
وقوله تعالى: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً" أي أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا, وقيل: للعبث, أي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب, وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل "وأنكم إلينا لا ترجعون" أي لا تعودون في الدار الاخرة, كما قال تعالى: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى" يعني هملاً. وقوله: "فتعالى الله الملك الحق" أي تقدس أن يخلق شيئاً عبثاً, فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك "لا إله إلا هو رب العرش الكريم" فذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات, ووصفه بأنه كريم أي حسن المنظر بهي الشكل, كما قال تعالى: " أنبتنا فيها من كل زوج كريم ".
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا علي بن محمد الطنافسي , حدثنا إسحاق بن سليمان شيخ من أهل العراق, أنبأنا شعيب بن صفوان عن رجل من آل سعيد بن العاص قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن حمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أما بعد, أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثاً, ولن تتركوا سدى, وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم, فخاب وخسر وشقي عبد أخرجه الله من رحمته, وحرم جنة عرضها السموات والأرض, ألم تعلموا أنه لا يأمن عذاب الله غداً إلا من حذر هذا اليوم وخافه, وباع نافداً بباق وقليلاً بكثير وخوفاً بأمان, ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين, وسيكون من بعدكم الباقين حتى تردون إلى خير الوارثين ؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله عز وجل, قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير ممهد ولا موسد, قد فارق الأحباب وباشر التراب, ووجه الحساب, مرتهن بعمله, غني عما ترك, فقير إلى ما قدم. فاتقوا الله قبل انقضاء مواثيقه ونزول الموت بكم, ثم جعل طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن نصير الخولاني , حدثنا ابن وهب , أخبرني ابن لهيعة عن أبي هبيرة عن حسن بن عبد الله أن رجلاً مصاباً مر به عبد الله بن مسعود فقرأ في أذنه هذه الاية "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق" حتى ختم السورة فبرأ, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بماذا قرأت في أذنه ؟ فأخبره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال" وروى أبو نعيم من طريق خالد بن نزار عن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا وأصبحنا "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون" قال: فقرأناها فغنمنا وسلمنا.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا إسحاق بن وهب العلاف الواسطي , حدثنا أبو المسيب سالم بن سلام , حدثنا بكر بن حبيش عن نهشل بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا السفينة باسم الله الملك الحق, وما قدروا الله حق قدره, والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, سبحانه وتعالى عما يشركون, باسم الله مجراها ومرساها, إن ربي لغفور رحيم " .
ثم زاد سبحانه في توبيخهم فقال: 115- "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً" الهمزة للتوبيخ والتقرير، والفاء للعطف على مقدر كما تقدم بيانه في مواضع: أي ألم تعلموا شيئاً فحسبتم، وانتصاب عبثاً على الحال: أي عابثين، أو على العلة: أي للعبث. قال بالأول سيبويه وقطرب، وبالثاني أبو عبيدة. وقال أيضاً: يجوز أن يكون منتصباً على المصدرية، وجملة "وأنكم إلينا لا ترجعون" معطوفة على أنما خلقناكم عبثاً، والعبث في اللغة: اللعب، يقال عبث يعبث عبثاً فهو عابث: أي لاعب، وأصله من قولهم عبثت الاقط: أي خلطته، والمعنى: أفحسبتم أن خلقنالكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب، وأنكم إلينا لا ترجعون بالبعث والنشور فنجازيكم بأعمالكم. قرأ حمزة والكسائي "ترجعون" بفتح الفوقية وكسر الجيم مبنياً للفاعل، وقرأ الباقون على البناء للمفعول. وقيل إنه يجوز عطف "وأنكم إلينا لا ترجعون" على "عبثاً" على معنى: أنما خلقناكم للعبث ولعدم الرجوع.
115. قوله عز وجل: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً "، لعباً وباطلاً لا لحكمة، وهو نصب على الحال، أي: عابثين. وقيل: للعبث، أي: لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب، وهو مثل قوله: " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " (القيامة-36)، وإنما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل ، و " وأنكم إلينا لا ترجعون "، أي: أفحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون في الآخرة للجزاء، وقرأ حمزة و الكسائي و يعقوب لا ((ترجعون)) بفتح التاء وكسر الجيم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا بشر بن عمر ، أخبرنا عبد الله بن لهيعة ، أخبرنا عبد الله بن هبيرة ، عن حنش، "أن رجلاً مصاباً مر به على ابن مسعود فرقاه في أذنيه: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً " حتى ختم السورة فبرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بماذا رقيت في أذنيه؟ فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال ".
ثم نزه الله نفسه عما يصفه به المشركون، فقال جل ذكره:
115ـ " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً " توبيخ على تغافلهم ، و " عبثاً " حال بمعنى عابثين أو مفعول له أي : لم نخلقكم تلهياً بكم وإنما خلقناكم لنتعبدكم ونجازيكم على أعمالكم وهو كالدليل على البعث . " وأنكم إلينا لا ترجعون " معطوف على " أنما خلقناكم " أو " عبثاً " ، وقرأ حمزة و الكسائي و ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم .
115. Deemed ye then that We had created you for naught, and that ye would not be returned unto Us?
115 - Did ye then think that We had created you in jest, and that ye would not be brought back to Us (for account)?