119 - (وما لكم أ) ن (لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) من الذبائح (وقد فُصِّل) بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين (لكم ما حرم عليكم) في آية {حرمت عليكم الميتة} (إلا ما اضطررتم إليه) منه فهو أيضا حلال لكم المعنى لا مانع لكم من أكل ما ذكر وقد بين لكم المحرم أكله وهذا ليس منه (وإن كثيرا ليَضلون) بفتح الياء وضمها (بأهوائهم) بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها (بغير علم) يعتمدونه في ذلك (إن ربك هو أعلم بالمعتدين) المتجاوزين الحلال إلى الحرام
قال أبو جعفر: اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله : " وما لكم أن لا تأكلوا ".
فقال بعض نحويي البصريين : معنى ذلك : وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا. قال : وذلك نظير قوله : " وما لنا أن لا نقاتل "، [البقرة: 246]. يقول : أي شيء لنا في ترك القتال ؟ قال : ولو كانت لا زائدة لا يقع الفعل . ولوكانت في معنى : وما لنا وكذا، لكانت : وما لنا وأن لا نقاتل .
وقال غيره : إنما دخلت لا للمنع ، لأن تأويل مالك ، وما منعك واحد. ما منعك لا تفعل ذلك ، وما لك لا تفعل ، واحد. فلذلك دخلت لا. قال : وهذا الموضع تكون فيه لا، وتكون فيه أن ، مثل قوله : "يبين الله لكم أن تضلوا"، [النساء: 76]، ،أن لا تضلوا، يمنعكم من الضلال بالبيان .
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : معنى قوله : "وما لكم"، في هذا الموضع : وأي شيء يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه . وذلك أن الله تعالى ذكره تقدم إلى المؤمنين بتحليل ما ذكر اسم الله عليه ، وإباحة أكل ما ذبح بدينه أو دين من كان يدين ببعض شرائع كتبه المعروفة، وتحريم ما أهل به لغيره ، من الحيوان ، وزجرهم عن الإصغاء لما يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض من زخرف القول في الميتة والمنخنقة والمتردية، وسائر ما حرم الله من المطاعم . ثم قال : وما يمنعكم من أكل ما ذبح بديني الذي ارتضيته ، وقد فصلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون ، وبينته لكم بقولي : "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به"، إلى قوله : "فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم"، [المائدة: 3]، فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله ، فتتمنعوا من أكل حلاله حذراً من مواقعة حرامه .
فإذ كان ذلك معناه ، فلا وجه لقول متأولي ذلك : وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا، لأن ذلك إنما يقال كذلك ، لمن كان كف عن أكله رجاء ثواب بالكف عن أكله ، وذلك يكون ممن آمن بالكف فكف إتباعاً لأمر الله وتسليماً لحكمه . ولا نعلم أحداً من سلف هذه الأمة كف عن أكل ما أحل الله من الذبائح رجاء ثواب الله على تركه ذلك ، واعتقاداً منه أن الله حرمه عليه . فبين بذلك ، إذ كان الأمر كما وصفنا، أن أولى التأويلين في ذلك بالصواب ما قلنا.
وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى قوله : "فصل"، وفصلنا، وفصل بين أو بين ، بما يغني عن إعادته في هذا الموضع كما:
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم"، يقول : قد بين لكم ما حرم عليكم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد، مثله .
واختلفت القرأة في قول الله جل ثناؤه : "وقد فصل لكم ما حرم عليكم".
فقرأه بعضهم : بفتح أول الحرفين من : *فصل *و *حرم*، أي : فصل ما حرمه من مطاعمكم ، فبينه لكم.
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : "وقد فصل" بفتح فاء "فصل" وتشديد صاده ، ما حرم ، بضم حائه وتشديد رائه ، بمعنى : وقد فصل الله لكم المحرم عليكم من مطاعمكم. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين : وقد فصل لكم ، بضم فائه وتشديد صاده ، ما حرم عليكم ، بضم حائه وتشديد رائه ، على وجه ما لم يسم فاعله في الحرفين كليهما.
وروي عن عطية العوفي أنه كان يقرأ ذلك : وقد فصل ، بتخفيف الصاد وفتح الفاء، بمعنى : وقد أتاكم حكم الله فيما حرم عليكم .
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن كل هذه القراءات الثلاث التي ذكرناها، سوى القراءة التي ذكرنا ابن عطية، قراءات معروفات مستفيضة القراءة بها في قرأة الأمصار، وهن متفقات المعاني غير مختلفات ، فبأي ذلك قرأ القارىء فمصيب فيه الصواب.
وأما قوله : "إلا ما اضطررتم إليه"، فإنه يعني تعالى ذكره : أن ما اضطررنا إليه من المطاعم المحرمة التي بين تحريمها لنا في غير حال الضرورة، لنا حلال ما كنا إليه مضطرين ، حتى تزول الضرورة ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "إلا ما اضطررتم إليه"، من الميتة .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : وإن كثيراً من الناس الذين يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم ، أيها المؤمنون بالله ، من الميتة، ليضلون أتباعهم بأهوائهم من غير علم منهم بصحة ما يقولون ، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون ، إلا ركوباً منهم لأهوائهم ، واتباعاً منهم لدواعي نفوسهم ، اعتداءً وخلافاً لأمر الله ونهيه ، وطاعة للشياطين ، "إن ربك هو أعلم بالمعتدين"، يقول : إن ربك ، يا محمد، الذي أحل لك ما أحل وحرم عليك ما حرم ، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافات وهو لهم بالمرصاد.
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "ليضلون".
فقرأته عامة أهل الكوفة : "ليضلون"، بمعنى : أنهم يضلون غيرهم .
وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين : ليضلون ، بمعنى : أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه .
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأ : "وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم"، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عن إضلالهم من تبعهم ، ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعون إليه ، فقال : "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله"، ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم ، ونهاهم من قبول قولهم عن مثل الذي نهاه عنه ، فقال لهم : وإن كثيراً منهم ليضلونكم بأهوائهم بغير علم ، نظير الذي قال نبيه صلى الله عليه وسلم : "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله".
قوله تعالى: " وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ": المعنى: ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه ربكم وإن قتلتموه بأيديكم. "وقد فصل" أي بين لكم الحلال من الحرام، وأزيل عنكم اللبس والشك. فــما استفهام يتضمن التقرير. وتقدير الكلام: وأي شيء لكم في ألا تأكلوا. فيهاــأن في موضع خفض بتقدير حرف الجر. ويصح أن تكون في موضع نصب على ألا يقدر حرف جر، ويكون الناصب معنى الفعل الذي في قوله ما لكم تقديره أي ما يمنعكم. ثم استثنى فقال "إلا ما اضطررتم إليه" يريد من جميع ما حرم كالميتة وغيرها كما تقدم في البقرة. وهو استثناء منقطع. وقرأ نافع ويعقوب وقد فصل لكم ما حرم بفتح الفعلين. وقرى أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالضم فيهما، والكوفيون فصل بالفتح حرم بالضم. وقرأ عطية العوفي فصل بالتخفيف. ومعناه أبان وظهر، كما قرئ "الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت" [هود: 1] أي استبانت. واختار أبو عبيدة قراءة أهل المدينة. وقيل: فصل أي بين، وهو ما ذكره في سورة المائدة من قوله: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير" [المائدة: 3] الآية.
قلت: هذا فيه نظر، فإن الأنعام مكية والمائدة مدنية فكيف يحيل بالبيان على ما لم ينزل بعد، إلا أن يكون فصل بمعنى يفصل. والله أعلم.
قوله تعالى: "وإن كثيرا ليضلون" وقرأ الكوفيون يضلون من أضل. "بأهوائهم بغير علم" يعني المشركين حيث قالوا: ما ذبح الله بسكينه خير مما ذبحتم بسكاكينكم "بغير علم" أي بغير علم يعلمونه في أمر الذبح، إذ الحكمة فيه إخراج ما حرمه الله علينا من الدم بخلاف ما مات حتف أنفه، ولذلك شرع الذكاة في محل مخصوص ليكون الذبح فيه سبباً لجذب كل دم في الحيوان بخلاف غيره من الأعضاء. والله أعلم.
هذا إباحة من الله, لعباده المؤمنين, أن يأكلوا من الذبائح ما ذكر عليه اسمه, ومفهومه أنه لا يباح مالم يذكر اسم الله عليه, كما كان يستبيحه كفار قريش من أكل الميتات, وأكل ما ذبح على النصب وغيرها, ثم ندب إلى الأكل مما ذكر اسم الله عليه, فقال " وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم " أي قد بين لكم ما حرم عليكم ووضحه, قرأ بعضهم فصل بالتشديد, وقرأ آخرون بالتخفيف, والكل بمعنى البيان والوضوح, "إلا ما اضطررتم إليه" أي إلا في حال الاضطرار, فإنه يباح لكم ما وجدتم, ثم بين تعالى جهالة المشركين, في آرائهم الفاسدة, من استحلالهم الميتات, وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى, فقال "وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين" أي هو أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم .
والاستفهام في 119- " وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه " للإنكار: أي ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه بعد أن أذن الله لكم بذلك "و" الحال أن "قد فصل لكم ما حرم عليكم" أي بين لكم بياناً مفصلاً يدفع الشك ويزيل الشبهة بقوله: " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما " إلى آخر الآية، ثم استثنى فقال: "إلا ما اضطررتم إليه" أي من جميع ما حرمه عليكم فإن الضرورة تحلل الحرام، وقد تقدم تحقيقه في البقرة. قرأ نافع ويعقوب "وقد فصل لكم ما حرم عليكم" بفتح الفعلين على البناء للفاعل، وهو الله سبحانه. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالضم فيهما على البناء للمفعول. وقرأ عطية العوفي فصل بالتخفيف: أي أبان وأظهر. قوله: "وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم" هم الكفار الذين كانوا يحرمون البحيرة والسائبة ونحوهما، فإنهم بهذه الأفعال المبنية على الجهل كانوا يضلون الناس فيتبعونهم ولا يعلمون أن ذلك جهل وضلالة لا يرجع إلى شيء من العلم.
119-ثم قال: " وما لكم "، يعني: أي شيء لكم، " أن لا تأكلوا "،وما يمنعكم من أن تأكلوا " مما ذكر اسم الله عليه "، من الذبائح، " وقد فصل لكم ما حرم عليكم "، قرأ أهل المدينة و يعقوب و حفص " فصل " و " حرم " بالفتح فيهما أي فصل ما حرمه عليكم، لقوله " اسم الله " وقرأ ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو بضم الفاء والحاء وكسر الصاد والراء على غير تسمية الفاعل، لقوله " ذكر "، وقرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر " فصل "بالفتح و" حرم " بالضم، وأراد بتفصيل المحرمات ما ذكر في قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم "(المائدة، 3)." إلا ما اضطررتم إليه "، من هذه الأشياء فإنه حلال لكم عند الاضطرار، " وإن كثيراً ليضلون "، قرأ أهل الكوفة بضم الياء وكذلك قوله " ليضلوا "في سورة يونس، لقوله تعالى: " يضلوك عن سبيل الله "، وقيل: أراد به عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين الذين اتخذوا البحائر والسوائب، وقرأ الآخرون بالفتح لقوله: " من يضل "، " بأهوائهم بغير علم "، حين امتنعوا من أكل ما ذكر اسم الله عليه ودعوا إلى أكل الميتة. " إن ربك هو أعلم بالمعتدين "، الذين يجاوزون الحلال إلى الحرام .
119" وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه " وأي غرض لكم في أن تتحرجوا عن أكله وما يمنعكم عنه . " وقد فصل لكم ما حرم عليكم " مما لم يحرم بقوله : " حرمت عليكم الميتة " وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر " فصل " على البناء للمفعول ، و نافع و يعقوب و حفص " حرم " على البناء للفاعل " إلا ما اضطررتم إليه " مما حرم عليكم فإنه أيضا حلال حال الضرورة . " وإن كثيرا ليضلون" بتحليل الحرام وتحريم الحلال . قرأ الكوفيون بضم الياء والباقون بالفتح . " بأهوائهم بغير علم" بتشبيههم من غير تعلق بدليل يفيد العلم. " إن ربك هو أعلم بالمعتدين " بالمجاوزين الحق إلى الباطل والحلال إلى الحرام .
119. How should ye not eat of that over which the name of Allah hath been mentioned, when He hath explained unto you that which is forbidden unto you, unless ye are compelled thereto. But lo! many are led astray by their own lusts through ignorance. Lo! thy Lord, He is best aware of the transgressors.
119 - Why should ye not eat of (meats) on which God's name hath been pronounced, when he hath explained to you in detail what is forbidden to you except under compulsion of necessity? but many do mislead (men) by their appetites unchecked by knowledge. thy lord knoweth best those who transgress.