121 - (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) بأن مات أو ذبح على اسم غيره وإلا فما ذبحه المسلم ولم يسم فيه عمداً أو نسيانا فهو حلال قاله ابن عباس وعليه الشافعي (وإنه) أي الأكل منه (لفسق) خروج عما يحل (وإن الشياطين ليوحون) يوسوسون (إلى أوليائهم) الكفار (ليجادلوكم) في تحليل الميتة (وإن أطعتموهم) فيه (إنكم لمشركون)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه"، لا تأكلوا، أيها المؤمنون، مما مات فلم تذبحوه أنتم، أو يذبحه موحد يدين لله بشرائع شرعها له في كتاب منزل، فإنه حرام عليكم، ولا ما أهل به لغير الله مما ذبحه المشركون لأوثانهم، فإن أكل ذلك فسق، يعني: معصية كفر.
فكنى بقوله: "وإنه"، عن الأكل، وإنما ذكر الفعل، كما قال: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا" [آل عمران: 173] يراد به ، فزاد قولهم ذلك إيمانا، فكنى عن القول، وإنما جرى ذكره بفعل.
"وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم".
اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم"، فقال بعضهم: عني بذلك شياطين فارس ومن على دينهم من المجوس، "إلى أوليائهم"، من مردة مشركي قريش، يوحون إليهم زخرف القول، بجدال نبي الله وأصحابه في أكل الميتة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري قال، حدثنا موسى بن عبد العزيز القنباري قال، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة : لما نزلت هذه الآية، تحريم الميتة، قال: أوحت فارس إلى أوليائها من قريش أن خاصموا محمدا وكانت أولياءهم في الجاهلية - وقولوا له: أو ما ذبحت فهو حلال، وما ذبح الله - قال ابن عباس : بشمشار من ذهب - فهو حرام!! فأنزل الله هذه الآية: "إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم"، قال الشياطين: فارس، وأولياؤهم قريش .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عمرو بن دينار، عن عكرمة: إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم وكاتبتهم فارس، وكتبت فارس إلى مشركي قريش: إن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله محمد وأصحابه - للميتة - وأما ما ذبحوا هم يأكلون! وكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد عليه السلام، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فنزلت: "وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون" الآية، ونزلت: "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" [الأنعام: 112] .
وقال آخرون: إنما عني بالشياطين الذين يغرون بني آدم، أنهم أوحوا إلى أوليائهم من قريش.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن سماك، عن عكرمة قال: كان مما أوحى الشياطين إلى أوليائهم من الإنس: كيف تعبدون شيئاً لا تأكلون مما قتل ، وتأكلون أنتم ما قتلتم؟ فروي الحديث حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قال: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم"، قال: إبليس الذي يوحي إلى مشركي قريش . قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس: "يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم"، قال ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قال: سمعت أن الشياطين يوحون إلى أهل الشرك، يأمرونهم أن يقولوا: ما الذي يموت، وما الذي تذبحون إلا سواء! يأمرونهم أن يخاصموا بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم، "وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"، قال : قول المشركين أما ما ذبح الله، للميتة، فلا تأكلون، وأما ما ذبحتم بأيديكم فحلال! حدثنا محمد بن عمار الرازي قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال، حدثنا شريك، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة، عن ابن عباس: إن المشركين قالوا للمسلمين: ما قتل ربكم فلا تأكلون، وما قتلتم أنتم تأكلونه! فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما حرم الله الميتة، أمر الشيطان أولياءه فقال لهم: ما قتل الله لكم، خير مما تذبحون أنتم بسكاكينكم! فقال الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه". حدثنا يحيى بن داود الواسطي قال، حدثنا إسحق بن يوسف الأزرق، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس قال: جادل المشركون المسلمين فقالوا: ما بال ما قتل الله لا تأكلونه، وما قتلتم أنتم أكلتموه! وأنتم تتبعون أمر الله! فأنزل الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق"، إلى آخر الآية.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم"، يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكلوه! فأنزل الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: إن ناساً من المشركين دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت، من قتلها؟ فقال: الله قتلها. قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتله الله حرام! فأنزل الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي: أن ناساً من المشركين قالوا: أما ما قتل الصقر والكلب فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه!
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين" [الأنعام: 118]، قال. قالوا: يا محمد، أما ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه، وأما ما قتل ربكم فتحرمونه! فأنزل الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"، وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه، إنكم إذا لمشركون.
حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: قال المشركون: ما قتلتم فتأكلونه، وما قتل ربكم لا تأكلونه! فنزلت: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"، قول المشركي : أما ما ذبح الله - للميتة - فلا تأكلون منه، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال!
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم"، قال: جادلهم المشركون في الذبيحة فقالوا: أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه، يعنون "الميتة"، فكانت هذه مجادلتهم إياهم .
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق"الآية، يعني عدو الله إبليس، أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة فقولوا: أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون، وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمر الله ! فأنزل الله على نبيه: "وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"، وإنا والله ما نعلمه كان شرك قط إلا بإحدى ثلاث: أن يدعو مع الله إلها آخر، أو يسجد لغير الله، أو يسمي الذبائح لغير الله.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه"، إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله، وما ذبح الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال الله: لئن أطعتموهم فأكلتم الميتة، إنكم لمشركون.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم"، قال: كانوا يقولون: ما ذكر الله عليه وما ذبحتم فكلوا! فنزلت: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" إلى قوله: "ليجادلوكم"، قال يقول: يوحي الشياطين إلى أوليائهم: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون مما قتل الله! فقال: إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه، وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم"، هذا في شأن الذبيحة. قال: قال المشركون للمسلمين: تزعمون أن الله حرم عليكم الميتة، وأحل لكم ما تذبحون أنتم بأيديكم، وحرم عليكم ما ذبح هو لكم ؟ وكيف هذا وأنتم تعبدونه ! فأنزل الله هذه الآية: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه"، إلى قوله: "لمشركون".
وقال آخرون: كان الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قوماً من اليهود.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى وسفيان بن وكيع قالا، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال ابن عبد الأعلى: خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن وكيع : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نأكل ما قتلنا، ولا نأكل ما قتل الله! فأنزل الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق".
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة، بما ذكرنا من جدالهم إياهم ، وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم، وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الإنس، وجائز أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك، كما أخبر الله عنهما في الآية الأخرى التي يقول فيها: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" [الأنعام : 112] . بل ذلك الأغلب من تأويله عندي، لأن الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجن والإنس ، كما جعل لأنبيائه من قبله، يوحي بعضهم إلى بعض المزين من الأقوال الباطلة، ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حزم الله من الميتة عليهم.
واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله جل ثناؤه بنهيه عن أكله مما لم يذكر اسم الله عليه.
فقال بعضهم: هو ذبائح كانت العرب تذبحها لآلهتها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما قوله: "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه"؟ قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح. قلت لعطاء: فما قوله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه"؟ قال: ينهى عن ذبائح كانت في الجاهلية على الأوثان ، كانت تذبحها العرب وقريش.
وقال آخرون: هي الميتة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه"، قال : الميتة.
وقال آخرون: بل عنى بذلك كل ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جهير بن يزيد قال: سئل الحسن، سأله رجل ضال له: أتيت بطير كرى(ا)،فمنه ما ذبح فذكر اسم الله عليه ،ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه، واختلط الطير؟ فقال الحسن: كله، كله! قال: وسألت محمد بن سيرين فقال: قال الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن أيوب وهشام، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كلوا من ذبائح أهل الكتاب والمسلمين، ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبد الله بن يزيد قال، كنت أجلس إليه في حلقة، فكان يجلس فيها ناس من الأنصار هو رأسهم ، فإذا جاء سائل فإنما يسأله ويسكتون. قال : فجاءه رجل فسأله، فقال: رجل ذبح فنسي أن يسمي؟ فتلا هذه الآية: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه"، حتى فرغ منها.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عنى بذلك ما ذبح للأصنام والآلهة، وما مات أو ذبحه من لا تحل ذبيحته.
وأما من قال: عنى بذلك: ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله، فقول بعيد عن الصواب، لشذوذه وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله، وكفى بذلك شاهداً على فساده. وقد بينا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى: لطيف القول في أحكام شرائع الدين، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وأما قوله: "وإنه لفسق"، فإنه يعني: وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة، وما أهل به لغير الله، لفسق.
واختلف أهل التأويل في معنى: الفسق، في هذا الموضع.
فقال بعضهم: معناه: المعصية.
فتأويل الكلام على هذا: وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية لله وإثم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وإنه لفسق"، قال: الفسق، المعصية.
وقال آخرون: معنى ذلك: الكفر.
وأما قوله: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم"، فقد ذكرنا اختلاف المختلفين في المعني بقوله: "وإن الشياطين ليوحون"، والصواب من القول فيه، وأما إيحاؤهم إلى أوليائهم، فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه: إما بقول، وإما برسالة، وإما بكتاب. وقد بينا معنى: الوحي فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد: حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة، عن أبي زميل قال: كنت قاعداً عند ابن عباس، فجاءه رجل من أصحابه فقال: يا أبا عباس، زعم أبو إسحق أنه أوحي إليه الليلة! -يعني المختار بن أبي عبيد- فقال ابن عباس: صدق ! فنفرت فقلت: يقول ابن عباسصدق! فقال ابن عباس : هما وحيان ، وحي الله ، ووحي الشيطان، فوحي الله إلى محمد، ووحي الشياطين إلى أوليائهم.
ثم قرأ: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم".
وأما الأولياء، فهم النصراء والظهراء، في هذا الموضع.
ويعني بقوله: "ليجادلوكم"، ليخاصموكم، بالمعنى الذي قد ذكرت قبل.
وأما قوله: "وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"، فإنه يعني: وإن أطعتموهم في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم، كما :
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبى طلحة، عن ابن عباس: "وإن أطعتموهم"، يقول: وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإن أطعتموهم"، فأكلتم الميتة.
وأما قوله: "إنكم لمشركون"، يعني: إنكم إذا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالاً. فإذا أنتم أكلتموها كذلك، فقد صرتم مثلهم مشركين
قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم في هذه الآية، هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيء، وهي محكمة فيما عنيت به. وعلى هذا قول عامة أهل العلم.
وروي عن الحسن البصري وعكرمة، ما:
حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا، قال: "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمني" [الأنعام : 118]، "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق"، فنسخ واستثنى من ذلك فقال: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل! لكم وطعامكم حل لهم" [المائدة :5].
قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك عندنا، أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت ، لم ينسخ منها شيء، وأن طعام أهل الكتاب حلال ، وذبائحهم ذكية. وذلك مما حرم الله على المؤمنين أكله بقوله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه". بمعزل. لأن الله إنما حرم علينا بهذه الآية الميتة، وما أهل به للطواغيت، وذبائح أهل الكتاب ذكية سموا عليها أو لم يسموا، لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله ، يدينون بأحكامها، يذبحون الذبائح بأديانهم ، كما يذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمه، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته على الدينونة بالتعطيل، أو بعبادة شيء سوى الله، فيحرم حينئذ أكل ذبيحته، سمى الله عليها أولم يسم.
قوله تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" فيه خمس مسائل:
الأولى: روى أبو داود عن ابن عباس قال:
"جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله عز وجل "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" إلى آخر الآية". وروى النسائي عن ابن عباس في قوله تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" قال: خاصمهم المشركون فقالوا: ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم أكلتموه، فقال الله سبحانه لهم: لا تأكلوا، فإنكم لم تذكروا اسم الله عليها. وتنشأ هنا مسألة أصولية، وهي:
الثانية: وذلك أن اللفظ الوارد على سبب هل يقصر عليه أم لا، فقال علماؤنا: لا إشكال في صحة دعوى العموم فيما يذكره الشارع ابتداء من صيغ ألفاظ العموم. أما ما ذكره جواباً لسؤال ففيه تفصيل، على ما هو معروف في أصول الفقه، إلا أنه إن أتى بلفظ مستقل دون السؤال لحق بالأول في صحة القصد إلى التعميم. فقوله: لا تأكلوا ظاهر في تناول الميتة، ويدخل فيه ما ذكر عليه غير اسم الله بعموم أنه لم يذكر عليه اسم الله، وبزيادة ذكر غير اسم الله سبحانه عليه الذي يقتضي تحريمه نصاً بقوله: "وما أهل به لغير الله" [البقرة: 173]. وهل يدخل فيه ما ترك المسلم التسمية عمداً عليه من الذبح، وعند إرسال الصيد. اختلف العلماء في ذلك على أقوال خمسة، وهي المسألة:-
الثالثة: القول الأول: إن تركها سهواً أكلا جميعاً، وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد بن حنبل. فإن تركها عمداً لم يؤكلا، وقاله في الكتاب مالك وابن القاسم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وعيسى وأصبغ، وقاله سعيد بن جبير وعطاء، واختاره النحاس وقال: هذا أحسن، لأنه لا يسمى فاسقاً إذا كان ناسياً.
الثاني: إن تركها عامداً أو ناسياً يأكلهما. وهو قول الشافعي والحسن، وروي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وعكرمة وأبي عياض وأبي رافع وطاوس وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة. وحكى الزهراوي عن مالك بن أنس أنه قال: تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمداً أو نسياناً. وروى عن ربيعة أيضاً. قال عبد الوهاب: التسمية سنة، فإذا تركها الذابح ناسياً أكلت الذبيحة في قول مالك وأصحابه.
الثالث: إن تركها عامداً أو ساهياً حرم أكلها، قاله محمد بن سيرين وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن عمر ونافع وعبد الله بن زيد الخطمي والشعبي، وبه قال أبو ثور وداود بن علي وأحمد في رواية.
الرابع: إن تركها عامداً كره أكلها، قاله القاضي أبو الحسن والشيخ أبو بكر من علمائنا.
الخامس: قال أشهب: تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمداً إلا أن يكون مستخفاً، وقال نحوه الطبري. أدلة قال الله تعالى: "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه" وقال: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" فبين الحالين وأوضح الحكمين. فقوله: لا تأكلوا نهي على التحريم لا يجوز حمله على الكراهة، لتناوله في بعض مقتضياته الحرام المحض، ولا يجوز أن يتبعض، أي يراد به التحريم والكراهة معاً، وهذا من نفيس الأصول. وأما الناسي فلا خطاب توجه إليه إذ يستحيل خطابه، فالشرط ليس بواجب عليه. وأما التارك للتسمية عمداً فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يتركها إذا أضجع الذبيحة ويقول: قلبي مملوء من أسماء الله تعالى وتوحيده فلا أفتقر إلى ذكر بلساني، فذلك يجزئه لأنه ذكر الله جل جلاله وعظمه. أو يقول: إن هذا ليس بموضع تسمية صريحة، إذ ليست بقربة، فهذا أيضاً يجزئه. أو يقول: لا أسمي، وأي قدر للتسمية، فهذا متهاون فاسق لا تؤكل ذبيحته. قال ابن العربي: وأعجب لرأس المحققين إمام الحرمين حيث قال: ذكر الله تعالى إنما شرع في القرب، والذبح ليس بقربة. وهذا يعارض القرآن والسنة، قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح:
"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل". فإن قيل: المراد بذكر اسم الله بالقلب، لأن الذكر يضاد النسيان ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب، وقد روى البراء بن عازب: اسم الله على قلب كل مؤمن سمى أو لم يسم. قلنا: الذكر باللسان وبالقلب، والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنصب باللسان، فنسخ الله ذلك بذكره في الألسنة، واشتهر ذلك في الشريعة حتى قيل لمالك: هل يسمي الله تعالى إذا توضأ فقال: أيريد أن يذبح. وأما الحديث الذي تعلقوا به من قوله:
اسم الله على قلب كل مؤمن فحديث ضعيف. وقد استدل جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة، لـ"قوله عليه السلام لأناس سألوه، قالوا:
يا رسول الله، إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سموا الله عليه وكلوا". أخرجه الدارقطني عن عائشة و مالك مرسلاً عن هشام بن عروة عن أبيه، لم يختلف عليه في إرساله، وتأوله بأن قال في آخره: وذلك في أول الإسلام. يريد قبل أن ينزل عليه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. قال أبو عمر: وهذا ضعيف، وفي الحديث نفسه ما يرده، وذلك أنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل، فدل على أن الآية قد كانت نزلت عليه. ومما يدل على صحة ما قلناه أن هذا الحديث كان بالمدينة، ولا يختلف العلماء أن قوله تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه". نزل في سورة الأنعام بمكة. ومعنى "وإنه لفسق" أي لمعصية، عن ابن عباس. والفسق: الخروج، وقد تقدم.
الرابعة: قوله تعالى: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" أي يوسوسون فيقلون في قلوبهم الجدال بالباطل. روى أبو داود عن ابن عباس في قوله: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتهم أنتم فكلوه، فأنزل الله "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" قال عكرمة: عنى بالشياطين في هذه الآية مردة الإنس من مجوس فارس. وقال ابن عباس وعبد الله بن كثير: بل الشياطين الجن، وكفرة الجن أولياء قريش. وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قيل له: إن المختار يقول: يوحى إلي فقال: صدق، إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم. وقوله: ليجادلوكم. يريد قولهم: ما قتل الله لم تأكلوه وما قتلتموه أكلتموه. والمجادلة: دفع القول على طريق الحجة بالقوة، مأخوذ من الأجدل، طائر قوي. وقيل: هو مأخوذ من الجدالة، وهي الأرض، فكأنه يغلبه بالحجة ويقهره حتى يصير كالمجدول بالأرض. وقيل: هو مأخوذ من الجدل، وهو شدة القتل، فكأن كل واحد منهما يفتل حجة صاحبه حتى يقطعها، وتكون حقاً في نصرة الحق وباطلاً في نصرة الباطل.
الخامسة: قوله تعالى: "وإن أطعتموهم" أي في تحليل الميتة "إنكم لمشركون". فدلت الآية على أن من استحل شيئاً مما حرم الله تعالى صار به مشركاً. وقد حرم الله سبحانه الميتة نصاً، فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك. قال ابن العربي: إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركاً إذا أطاعه في الاعتقاد، فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص، فافهموه. وقد مضى في المائدة.
استدل بهذه الاية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها, وإن كان الذابح مسلماً, وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة, على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة, وسواء متروك التسمية عمداً أو سهواً, وهو مروي عن ابن عمر, ونافع مولاه, وعامر الشعبي, ومحمد بن سيرين, وهو رواية عن الإمام مالك, ورواية عن أحمد بن حنبل نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين, وهو اختيار أبي ثور, وداود الظاهري, واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي, من متأخري الشافعية, في كتابه "الأربعين", واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الاية, وبقوله في آية الصيد "فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه" ثم قد أكد في هذه الاية بقوله "وإنه لفسق" والضمير قيل عائد على الأكل, وقيل عائد على الذبح, لغير الله, وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد, كحديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك" وهما في الصحيحين, وحديث رافع بن خديج "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه" وهو في الصحيحين أيضاً, وحديث ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجن "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه" رواه مسلم, وحديث جندب بن سفيان البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى, ومن لم يكن ذبح, حتى صلينا فليذبح باسم الله" أخرجاه, وعن عائشة رضي الله عنها: أن ناساً قالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ قال "سموا عليه أنتم وكلوا" قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر رواه البخاري, ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها, وخشوا أن لا تكون وجدت من أولئك لحداثة إسلامهم, فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل, لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت, وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد, والله أعلم.
والمذهب الثاني في المسألة: أنه لا يشترط التسمية, بل هي مستحبة, فإن تركت عمداً أو نسياناً لا يضر, وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله, وجميع أصحابه, ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل نقلت عنه. وهو رواية عن الإمام مالك, ونص على ذلك أشهب بن عبد العزيز من أصحابه, وحكي عن ابن عباس, وأبي هريرة, وعطاء بن أبي رباح, والله أعلم. وحمل الشافعي الاية الكريمة "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" على ما ذبح لغير الله, كقوله تعالى: " أو فسقا أهل لغير الله به " وقال ابن جريج عن عطاء "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" قال: ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش للأوثان, وينهى عن ذبائح المجوس, وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي قوي, وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل الواو في قوله "وإنه لفسق" حالية, أي: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقاً, ولا يكون فسقاً حتى يكون قد أهل به لغير الله. ثم ادعى أن هذا متعين ولا يجوز أن تكون الواو عاطفة, لأنه يلزم منه عطف جملة اسمية خبرية على جملة فعلية طلبية وهذا ينتقض عليه بقوله "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" فإنها عاطفة لا محالة, فإن كانت الواو التي ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال, امتنع عطف هذه عليها فإن عطفت على الطلبية ورد عليه ما أورد على غيره, وإن لم تكن الواو حالية بطل ما قال من أصله, والله أعلم, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن المغيرة, أنبأنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في الاية "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" قال: هي الميتة.
ثم رواه عن أبي زرعة, عن يحيى بن أبي كثير, عن ابن لهيعة, عن عطاء وهو ابن السائب به, وقد استدل لهذا المذهب, بما رواه أبو داود في المراسيل: من حديث ثور بن يزيد, عن الصلت السدوسي مولى سويد بن منجوف, أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم ابن حبان في كتاب الثقات, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر, إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله" وهذ مرسل, يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال: "إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل, فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله" واحتج البيهقي أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم, أن ناساً قالوا: يا رسول الله, إن قوماً حديثي عهد بجاهلية, يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال "سموا أنتم وكلوا" قال: فلو كان وجود التسمية شرطاً, لم يرخص لهم إلا مع تحققها, والله أعلم.
المذهب الثالث في المسألة: إن ترك البسملة على الذبيحة نسياناً لم يضر, وإن تركها عمداً لم تحل, هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل, وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه, وإسحاق بن راهويه: وهو محكي عن علي, وابن عباس, وسعيد بن المسيب, وعطاء, وطاوس, والحسن البصري, وأبي مالك, وعبد الرحمن بن أبي ليلى, وجعفر بن محمد, وربيعة بن أبي عبد الرحمن, ونقل الإمام أبو الحسن المرغيناني, في كتابه "الهداية" الإجماع قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمداً, فلهذا قال أبو يوسف والمشايخ: لو حكم حاكم بجواز بيعه, لم ينفذ لمخالفة الإجماع, وهذا الذي قاله غريب جداً, وقد تقدم نقل الخلاف عمن قبل الشافعي, والله أعلم.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: من حرم ذبيحة الناس فقد خرج من قول جميع الحجة, وخالف الخير الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك, يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي, أنبأنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو العباس الأصم, حدثنا أبو أمية الطرسوسي, حدثنا محمد بن يزيد, حدثنا معقل بن عبيد الله, عن عمرو بن دينار عن عكرمة, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمي حين يذبح, فليذكر اسم الله وليأكله" وهذا الحديث رفعه خطأ, أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزيري, فإنه وإن كان من رجال مسلم, إلا أن سعيد بن منصور, وعبد الله بن الزبير الحميدي, روياه: عن سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن أبي الشعثاء, عن عكرمة, عن ابن عباس, من قوله فزادا في إسناده أبا الشعثاء ووقفاه, وهذا أصح, نص عليه البيهقي وغيره من الحفاظ, ثم نقل ابن جرير وغيره عن الشعبي, ومحمد بن سيرين, أنهما كرها متروك التسمية نسيانا, والسلف يطلقون الكراهة على التحريم كثيراً, والله أعلم, إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا يعتبر قول الواحد ولا الاثنين مخالفاً لقول الجمهور, فيعده إجماعاً, فليعلم هذا, والله الموفق.
قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع, حدثنا أبو أسامة, عن جهير بن يزيد, قال: سئل الحسن, سأله رجل: أتيت بطير كذا, فمنه ما قد ذبح فذكر اسم الله عليه, ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه, واختلط الطير, فقال الحسن كله كله, قال: وسألت محمد بن سيرين فقال: قال الله: " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجة عن ابن عباس, وأبي هريرة, وأبي ذر, وعقبة بن عامر, وعبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفيه نظر, والله أعلم, وقد روى الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث مروان بن سالم القرقساني, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اسم الله على كل مسلم" ولكن هذا إسناده ضعيف, فإن مروان بن سالم القرقساني أبا عبد الله الشامي ضعيف, تكلم فيه غير واحد من الأئمة, والله أعلم. وقد أفردت هذه المسألة على حدة, وذكرت مذاهب الأئمة ومأخذهم وأدلتهم ووجه الدلالات والمناقضات والمعارضات, والله أعلم.
قال ابن جرير: وقد اختلف أهل العلم في هذه الاية: هل نسخ من حكمها شيء أم لا ؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيء, وهي محكمة فيما عنيت به, وعلى هذا قول مجاهد وعامة أهل العلم, وروي عن الحسن البصري وعكرمة ما حدثنا به ابن حميد, حدثنا يحيى بن واضح, عن الحسين بن واقد, عن عكرمة والحسن البصري, قالا: قال الله "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين" وقال "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" فنسخ واستثنى من ذلك, فقال "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم" وقال ابن أبي حاتم: قرى على العباس بن الوليد بن يزيد, حدثنا محمد بن شعيب, أخبرني النعمان, يعني ابن المنذر, عن مكحول, قال: أنزل الله في القرآن "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " فنسخها بذلك, وأحل طعام أهل الكتاب. ثم قال ابن جرير: والصواب أنه لا تعارض, بين حل طعام أهل الكتاب, وبين تحريم مالم يذكر اسم الله عليه, وهذا الذي قاله صحيح, ومن أطلق من السلف النسخ هاهنا فإنما أراد التخصيص, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله تعالى: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو بكر بن عياش, عن أبي إسحاق, قال: قال رجل لابن عمر, إن المختار يزعم أنه يوحى إليه, قال: صدق, وتلا هذه الاية "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" وحدثنا أبي: حدثنا أبو حذيفة, حدثنا عكرمة بن عمار, عن أبي زميل, قال: كنت قاعداً عند ابن عباس, وحج المختار بن أبي عبيد, فجاءه رجل فقال: يا ابن عباس, زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة, فقال ابن عباس: صدق, فنفرت, وقلت يقول ابن عباس: صدق ؟ فقال ابن عباس: هما وحيان: وحي الله ووحي الشيطان, فوحي الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ووحي الشيطان إلى أوليائه, ثم قرأ "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" وقد تقدم عن عكرمة في قوله "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" نحو هذا.
وقوله "ليجادلوكم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, قال: خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نأكل مما قتلنا, ولا نأكل مما قتل الله, فأنزل الله "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" هكذا رواه مرسلاً, ورواه أبو داود متصلاً, فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا عمران بن عيينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نأكل مما قتلنا, ولا نأكل مما قتل الله, فأنزل الله "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" الاية, وكذا رواه ابن جرير: عن محمد بن عبد الأعلى, وسفيان بن وكيع, كلاهما عن عمران بن عيينة به.
ورواه البزار عن محمد بن موسى الجرشي, عن عمران بن عيينة به, وهذا فيه نظر, من وجوه ثلاثة: (أحدها) أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا (الثاني) أن الاية من الأنعام وهي مكية (الثالث) أن هذا الحديث رواه الترمذي عن محمد بن موسى الجرشي, عن زياد بن عبد الله البكائي, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, ورواه الترمذي بلفظ أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره, وقال حسن غريب, وروي عن سعيد بن جبير مرسلاً, وقال الطبراني: حدثنا علي بن المبارك حدثنا زيد بن المبارك, حدثنا موسى بن عبد العزيز, حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة عن ابن عباس, قال: لما نزلت "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" أرسلت فارس إلى قريش, أن خاصموا محمداً وقولوا له: فما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال, وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب, يعني الميتة, فهو حرام ؟ فنزلت هذه الاية "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون" أي وإن الشياطين من فارس, ليوحون إلى أوليائهم من قريش.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير, أخبرنا إسرائيل, حدثنا سماك عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه, وما ذبحتم أنتم فكلوه, فأنزل الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم, عن عمرو بن عبد الله, عن وكيع, عن إسرائيل به, وهذا إسناد صحيح, ورواه ابن جرير, من طرق متعددة, عن ابن عباس, وليس فيه ذكر اليهود, فهذا هو المحفوظ, لأن الاية مكية, واليهود لا يحبون الميتة, وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع, حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" إلى قوله "ليجادلوكم" قال: يوحي الشياطين إلى أوليائهم تأكلون مما قتلتم, ولا تأكلوا مما قتل الله ؟ وفي بعض ألفاظه, عن ابن عباس, أن الذي قتلتم ذكر اسم الله عليه, وأن الذي قد مات, لم يذكر اسم الله عليه.
وقال ابن جريج: قال عمرو بن دينار عن عكرمة أن مشركي قريش كاتبو فارس على الروم, وكاتبتهم فارس, فكتبت فارس إليهم: إن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله, فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكلونه وما ذبحوه هم يأكلونه, فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء, فأنزل الله "وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون" ونزلت "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" وقال السدي: في تفسير هذه الاية: إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله, فما قتل الله فلا تأكلونه, وما ذبحتم أنتم تأكلونه ؟ فقال الله تعالى: "وإن أطعتموهم" فأكلتم الميتة "إنكم لمشركون" وهكذا قاله مجاهد, والضحاك, وغير واحد من علماء السلف.
وقوله تعالى: "وإن أطعتموهم إنكم لمشركون" أي حيث عدلتم, عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره, فقدمتم عليه غيره, فهذا هو الشرك, كقوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله" الاية, وقد روى الترمذي: في تفسيرها عن عدي بن حاتم, أنه قال: يا رسول الله ما عبدوهم, فقال "بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم".
نهى الله سبحانه عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بعد أن أمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه. وفيه دليل على تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب ابن عمر ونافع مولاه والشعبي وابن سيرين وهو رواية عن مالك وأحمد بن حنبل، وبه قال أبو ثور وداود الظاهري: أن ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح حرام من غير فرق بين العامد والناسي لهذه الآية، ولقوله تعالى في آية الصيد: "فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه" ويزيد هذا الاستدلال تأكيداً قوله سبحانه في هذه الآية 121- "وإنه لفسق".
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتسمية في الصيد وغيره. وذهب الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك ورواية عن أحمد أن التسمية مستحبة لا واجبة، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء بن أبي رباح، وحمل الشافعي الآية على من ذبح لغير الله وهو تخصيص للآية بغير مخصص. وقد روى أبو داود في المرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر". وليس في هذا المرسل ما يصلح لتخصيص الآية، نعم حديث عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن قوماً يأتوننا بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقالوا: سموا أنتم وكلوا" يفيد أن التسمية عند الأكل تجزئ مع التباس وقوعها عند الذبح. وذهب مالك وأحمد في المشهور عنهما وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه أن التسمية إن تركت نسياناً لم تضر، وإن تركت عمداً لم يحل أكل الذبيحة. وهو مروي عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن البصري وأبي مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد وربيعة بن أبي عبد الرحمن، واستدلوا بما أخرجه البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم إن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله" وهذا الحديث رفعه خطأ، وإنما هو من قول ابن عباس. وكذا أخرجه من قوله: عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر، نعم يمكن الاستدلال لهذا المذهب بمثل قوله تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" كما سبق تقريره، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" وأما حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن عدي "أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسم الله على كل مسلم" فهو حديث ضعيف قد ضعفه البيهقي وغيره. قوله: "وإنه لفسق" الضمير يرجع إلى "ما" بتقدير مضاف: أي وإن أكل ما لم يذكر لفسق، ويجوز أن يرجع إلى مصدر تأكلوا: أي فإن الأكل لفسق. وقد تقدم تحقيق الفسق.
وقد استدل من حمل هذه الآية على ما ذبح لغير الله بقوله: "وإنه لفسق" ووجه الاستدلال أن الترك لا يكون فسقاً، بل الفسق الذبح لغير الله. ويجاب عنه بأن إطلاق اسم الفسق على تارك ما فرضه الله عليه غير ممتنع شرعاً "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" أي يوسوسون لهم بالوساوس المخالفة للحق المباينة للصواب قاصدين بذلك أن يجادلكم هؤلاء الأولياء بما يوسوسون لهم "وإن أطعتموهم" فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه "إنكم لمشركون" مثلهم.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: المشركون، وفي لفظ: قال اليهود: لا تأكلوا مما قتل الله وتأكلوا مما قتلتم أنتم، فأنزل الله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه". وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال: لما نزلت: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمداً، فقالوا له: ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال، وما ذبح الله بشمشار من ذهب يعني الميتة فهو حرام، فنزلت: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم" قال: الشياطين من فارس وأولياؤهم من قريش. وقد روي نحو ما تقدم في حديث ابن عباس الأول من غير طريق. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضاً في قوله: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" قال: إبليس أوحى إلى مشركي قريش. وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقي في سننه عنه أيضاً في قوله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" فنسخ، واستثني من ذلك فقال: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم". وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه. وروى ابن أبي حاتم عن مكحول نحو قول ابن عباس في النسخ.
121- قوله عز جل: " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " قال ابن عباس رضي الله عنهما: الآية في تحريم الميتات وما في معناها من المنخنقة وغيرها.
وقال عطاء : الآية في تحريم الذبائح التي كانوا يذبحونها على اسم الأصنام .
واختلف أهل العلم في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها: فذهب قوم إلى تحريمها سواء ترك التسمية عامداً أو ناسياً، وهو قول ابن سيرين و الشعبي ، واحتجوا بظاهر هذه الآية .
وذهب قوم إلى تحليلها، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مالك و الشافعي و أحمد رضوان الله عليهم أجمعين .
وذهب قوم إلى أنه إن ترك التسمية عامداً لا يحل، وإن تركها ناسياً يحل، حكى الخرقي من أصحاب أحمد : أن هذا مذهبه، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي.
من أباحها قال: المراد من الآية الميتات أو ما ذبح على غير اسم الله بدليل أنه قال: " وإنه لفسق "، والفسق في ذكر اسم غير الله كما قال في آخر السورة " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم " إلى قوله " أو فسقاً أهل لغير الله به ".
واحتج من أباحها بما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو خالد الأحمر قال سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت،قالوا:"يا رسول الله إن هنا أقواماً حديث عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا ؟ قال: اذكروا أنتم اسم الله وكلوا ".
ولو كانت التسمية شرطاً للإباحة لكان الشك في وجودها مانعاً من أكلها كالشك في أصل [الذبح].
قوله تعالى " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم "، أراد أن الشياطين ليوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم، وذلك أن المشركين قالوا: يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها ؟ فقال: الله قتلها، قالوا أفتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتله الكلب والصقر حلال، وما قتله الله حرام ؟ فأنزل الله هذه الآية، " وإن أطعتموهم "، في أكل الميتة، " إنكم لمشركون " ، قال الزجاج : وفيه دليل على أن من أحل شيئاً مما حرم الله أو حرم ما أحل الله فهو مشرك.
121" ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " ظاهر في تحريم متروك التسمية عمدا أو نسيانا ، وإليه ذهب داود وعن أحمد مثله ، وقال مالك و الشافعي بخلافه لقوله عليه الصلاة والسلام " ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه " وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين العمد والنسيان وأوله بالميتة أو بما ذكر غير اسم الله عليه لقوله : " وإنه لفسق " فإن الفسق ما أهل لغير الله به ، والضمير لما ويجوز أن يكون للأكل الذي دل عليه ولا تأكلوا . " وإن الشياطين ليوحون " ليوسوسون " إلى أوليائهم " من الكفار " ليجادلوكم " بقولهم تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم وتدعون ما قتله الله ، وهو يؤيد التأويل بالميتة . " وإن أطعتموهم " في استحلال ما حرم " إنكم لمشركون " فإن من ترك طاعة الله تعالى إلى طاعة غيره واتبعه في دينه فقد أشرك ، وإنما حسن حذف الفاء فيه لأن الشرط بلفظ الماضي .
121. And eat not of that whereon Allah's name hath not been mentioned, for lo! it is abomination. Lo! the devils do inspire thee minions to dispute with you. But if ye obey them, ye will be in truth idolaters.
121 - Eat not of (meats) on which God's name hath not been pronounced: that would be impiety. but the evil ones ever inspire their friends to contend with you if ye were to obey them, ye would indeed be pagans.