121 - (ولا ينفقون) فيه (نفقة صغيرة) ولو تمرة (ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً) بالسير (إلا كتب لهم) به عمل صالح (ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) أي جزاءهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ "، وسائر ما ذكر، " ولا ينالون من عدو نيلا " و " ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة "، في سبيل الله، " ولا يقطعون "، مع رسول الله في غزوه، " واديا " إلا كتب لهم أجر عملهم ذلك، جزاءً لهم عليه، كأحسن ما يجزيهم على أحسن أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم، كما:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة "، الآية، قال: ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بعداً إلا ازدادوا من الله قرباً.
"ولا يقطعون واديا" العرب تقول: واد وأودية، على غير قياس. قال النحاس: ولا يعرف فيما علمت فاعل وأفعلة سواه، والقياس أن يجمع ووادي، فاستثقلوا الجمع بين واوين وهم قد يستثقلون واحدة، حتى قالوا: أقتت في وقتت. وحكى الخليل وسيبويه في تصغير واصل اسم رجل أو يصل فلا يقولون غيره. وحكى الفراء في جمع واد أوداء.
قلت: وقد جمع أوداه، قال جرير:
عرفت ببرقة الأوداه رسماً محيلاً طال عهدك من رسوم
"إلا كتب لهم به عمل صالح" قال ابن عباس: بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. وفي الصحيح:
"الخيل ثلاثة -وفيه- وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات". الحديث. هذا وهي في مواضعها فكيف إذا أدرب بها.
الرابعة- استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الغنيمة تستحق بالإدراب والكون في بلاد العدو، فإن مات بعد ذلك فله سهمه، وهو قول أشهب وعبد الملك، وأحد قولي الشافعي. وقال مالك وابن القاسم: لا شيء له، لأن الله عز وجل إنما ذكر في هذه الآية الأجر ولم يذكر السهم.
قلت -الأول أصح لأن الله تعالى جعل وطء ديار الكفار بمثابة النيل من أموالهم وإخراجهم من ديارهم، وهو الذي يغيظهم ويدخل الذل عليهم، فهو بمنزلة نيل الغنيمة والقتل والأسر، وإذا كان كذلك فالغنيمة تستحق بالإدراب لا بالحيازة، ولذلك قال علي رضي الله عنه: ما وطئ قوم في عقر دارهم إلا ذلوا. والله أعلم.
الخامسة- هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة" وأن حكمها كان حين كان المسلمون في قلة، فلما كثروا نسخت وأباح الله التخلف لمن شاء، قاله ابن زيد. وقال مجاهد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم قوماً إلى البوادي ليعلموا الناس فلما نزلت هذه الآية خافوا ورجعوا، فأنزل الله: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة". وقال قتادة: كان هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر، فأما غيره من الأئمة والولاة فلمن شاء أن يتخلف خلفه من المسلمين إذا لم يكن بالناس حاجة إليه ولا ضرورة. وقول ثالث- أنها محكمة، قال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي وابن المبارك والفزاري والسبيعي وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية إنها لأول هذه الأمة وآخرها.
قلت- قول قتادة حسن، بدليل غزاة تبوك، والله أعلم.
السادسة- روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة.؟ قال: حبسهم العذر". خرجه مسلم من حديث جابر قال:
"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض". فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم للمعذور من الأجر مثل ما أعطى للقوي العامل. وقد قال بعض الناس: إنما يكون الأجر للمعذور غير مضاعف، ويضعف للعامل المباشر. قال ابن العربي: وهذا تحكم على الله تعالى وتضييق لسعة رحمته، وقد عاب بعض الناس فقال: إنهم يعطون الثواب مضاعفاً قطعاً، ونحن لا تقطع بالتضعيف في موضع فإنه مبني على مقدار النيات، وهذا أمر مغيب، والذي يقطع به أن هناك تضعيفاً وربك أعلم بمن يستحقه.
قلت: الظاهر من الأحاديث والآي المساواة في الأجر، منها قوله عليه السلام:
"من دل على خير فله مثل أجر فاعله".
وقوله: "من توضأ وخرج إلى الصلاة فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها". وهو ظاهر قوله تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله". وبدليل أن النية الصادقة هي أصل الأعمال، فإذا صحت في فعل طاعة فعجز عنها صاحبها لمانع منع منها فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل ويزيد عليه، لقوله عليه السلام:
"نية المؤمن خير من عمله". والله أعلم.
يقول تعالى: "ولا ينفقون" هؤلاء الغزاة في سبيل الله "نفقة صغيرة ولا كبيرة" أي قليلاً ولا كثيراً "ولا يقطعون وادياً" أي في السير إلى الأعداء "إلا كتب لهم" ولم يقل ههنا به, لأن هذه أفعال صادرة عنهم, ولهذا قال: "ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون" وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه من هذه الاية الكريمة حظ وافر ونصيب عظيم, وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة والأموال الجزيلة, كما قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبو موسى الغنزي, حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثني سليمان بن المغيرة, حدثني الوليد بن أبي هشام, عن فرقد أبي طلحة, عن عبد الرحمن بن خباب السلمي, قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها, قال ثم حث, فقال عثمان: علي مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها, قال ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث, فقال عثمان بن عفان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بيده هكذا يحركها, وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب "ما على عثمان ما عمل بعد هذا" وقال عبد الله أيضاً: حدثنا هارون بن معروف, حدثنا ضمرة, حدثنا عبد الله بن شوذب, عن عبد الله بن القاسم عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة, قال: جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حتى جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة, قال: فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: "ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم" يرددها مراراً, وقال قتادة في قوله تعالى: "ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم" الاية. ما ازداد قوم في سبيل الله بعداً من أهليهم إلا ازدادوا قرباً من الله .
قوله: 121- "ولا ينفقون نفقة" معطوف على ما قبله: أي ولا يقع منهم الإنفاق في الحرب وإن كان شيئاً صغيراً يسيراً "ولا يقطعون وادياً" وهو في الأصل كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل. والعرب تقول: واد وأودية على غير قياس. قال النحاس: ولا يعرف فيما علمت فاعل وأفعلة "إلا كتب لهم" أي كتب لهم ذلك الذي عملوه من النفقة والسفر في الجهاد "ليجزيهم الله" به "أحسن ما كانوا يعملون" أي أحسن جزاء ما كانوا يعملون من الأعمال، ويجوز أن يكون في قوله: "إلا كتب لهم" ضمير يرجع إلى عمل صالح. وقد ذهب جماعة إلى أن هذه الآية منسوخة بالآية المذكورة بعدها وهي قوله: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة" فإنها تدل على جواز التخلف من البعض مع القيام بالجهاد من البعض، وسيأتي.
وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمر بن مالك عن بعض الصحابة قال:" لما نزلت "ما كان لأهل المدينة" الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "ما كان لأهل المدينة" قال هذا حين كان الإسلام قليلاً لم يكن لأحد أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كثر الإسلام وفشا قال الله: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة". وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإبراهيم بن محمد الفزاري وعيسى بن يونس السبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى: "ولا ينالون من عدو نيلاً" قالوا: هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة.
121-قوله تعالى: "ولا ينفقون نفقة"، أي: في سبيل الله، "صغيرة ولا كبيرة"، ولو علاقة سوط، "ولا يقطعون واديا"، لا يجاوزون واديا في مسيرهم مقبلين أو مدبرين. "إلا كتب لهم"، يعني: آثارهم وخطاهم، "ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون". روي عن خريم بن فاتك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود الأنصاري قال: " جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا الحسين حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة، حدثني بسر بن سعيد، حدثني زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخبر فقد غزا".
121."ولا ينفقون نفقةً صغيرةً" ولو علاقة . " ولا كبيرةً" مثل ما أنفق عثمان رضي الله تعالى عنه في جيش العسرة ."ولا يقطعون وادياً"في مسيرهم وهو كل منعرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودي إذا سال فشاع بمعنى الأرض . "إلا كتب لهم"اثبت لهم ذلك ."ليجزيهم الله"بذلك . "أحسن ما كانوا يعملون" جزاء أحسن أعمالهم أو أحسن جزاء أعمالهم .
121. Nor spend they any spending, small or great, nor do they cross a valley, but it is recorded for them, that Allah may repay them the best of what they used to do.
121 - Nor could they spend anything (for the cause) small or great nor cut across a valley, but the deed is inscribed to their credit; that God may requite their deed with the best (possible reward).