(والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا) أي وعدهم الله ذلك وحقه حقا (ومن) أي لا أحد (أصدق من الله قيلا) أي قولا
قال أبو جعفر: يعني جل ئناؤه بقوله : "والذين آمنوا وعملوا الصالحات"، والذين صدقوا الله ، ورسوله ، وأقروا له بالوحدانية ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوة ، "وعملوا الصالحات"، يقول : وأدوا فرائض الله التي فرضها عليهم ، "سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار"، يقول : سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله ، جزاء بما عملوا في الدنيا من الصالحات ، "جنات"، يعني : بساتين ، "تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا"، يقول : باقين في هذه الجنات التي وصفها، "أبدا"، دائماً.
وقوا،: "وعد الله حقا"، يعني : عدة من الله لهم ذلك في الدنيا، "حقا"، يعني : يقيناً صادقاً، لا كعدة الشيطان الكاذبة التي هي غرور من وعدها من أوليائه ، ولكنها عدة ممن لا يكذب ولا يكون منه الكذب ، ولا يخلف وعده .
وإنما وصف جل ثناؤه وعده بالصدق والحق في هذه ، لما سبق من خبره جل ثناؤه عن قول الشيطان الذي قصه في قوله : "وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا * ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام"، ثم قال جل ثناؤه "يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا"، ولكن الله يعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، وعداً منه حقاً، لا كوعد الشيطان الذي وصف صفته .
فوصف جل ثناؤه الوعدين والواعدين ، وأخبر بحكم أهل كل وعد منهما، تنبيهاً منه جل ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلاصهم من الهلكة والمعطبة، لينزجروا عن معصيته ويعملوا بطاعته ، فيفوزوا بما أعد لهم في جناته من ثوابه .
ثم قال لهم جل ثناؤه : "ومن أصدق من الله قيلا"، يقول : ومن أصدق ، أيها الناس ، من الله قيلاً، أي : لا أحد أصدق منه قيلاً! فكيف تتركون العمل بما وعدكم على العمل به ربكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، وتكفرون به وتخالفون أمره ، وأنتم تعلمون أنه لا أحد أصدق منه قيلاً، وتعملون بما يأمركم به الشيطان رجاء لإدراك ما يعدكم من عداته الكاذبة وأمانيه الباطلة، وقد علمتم أن عداته غرور لا صحة لها ولا حقيقة، وتتخذونه وليا من دون الله ، وتتركون أن تطيعوا الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، فتكونوا له أولياء؟
ومعنى القيل و القول واحد.
قوله تعالى : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا " .
قد تقدم الكلام على هذه الاية الكريمة, وهي قوله: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك" الاية, وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة, وقد روى الترمذي: حديث ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة عن أبيه, عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الاية "إن الله لا يغفر أن يشرك به" الاية, ثم قال: هذا حسن غريب. وقوله: "ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً" أي فقد سلك غير الطريق الحق, وضل عن الهدى وبعد عن الصواب, وأهلك نفسه وخسرها في الدنيا والاخرة, وفاتته سعادة الدنيا والاخرة.
وقوله: "إن يدعون من دونه إلا إناثاً" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمود بن غيلان, أنبأنا الفضل بن موسى, أخبرنا الحسن بن واقد عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, عن أبي بن كعب قال: مع كل صنم جنية, وحدثنا أبي, حدثنا محمد بن سلمة الباهلي عن عبد العزيز بن محمد, عن هشام يعني ابن عروة, عن أبيه, عن عائشة "إن يدعون من دونه إلا إناثاً" قالت: أوثاناً. وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدي ومقاتل بن حيان, نحو ذلك. وقال جويبر عن الضحاك في الاية, قال المشركون إن الملائكة بنات الله, وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى, قال: فاتخذوهن أرباباً, وصوروهن جواري فحكموا وقلدوا, وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده, يعنون الملائكة, وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى: "أفرأيتم اللات والعزى" الايات, وقال تعالى: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً" الاية, وقال: "وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً" الايتين وقال علي بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس "إن يدعون من دونه إلا إناثاً" قال: يعني موتى. وقال مبارك, يعني ابن فضالة, عن الحسن: إن يدعون من دونه إلا إناثاً. قال الحسن: الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح, إما خشبة يابسة وإما حجر يابس. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وهو غريب.
وقوله: "وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً" أي هو الذي أمرهم بذلك وحسنه وزينه لهم, وهم إنما يعبدون إبليس في نفس الأمر, كما قال تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان " الاية. وقال تعالى إخباراً عن الملائكة أنهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الذين ادعوا عبادتهم في الدنيا "بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون".
وقوله: "لعنه الله" أي طرده وأبعده من رحمته, وأخرجه من جواره, وقال: "لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً" أي معيناً مقدراً معلوماً. قال مقاتل بن حيان: من كل ألف, تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار, وواحد إلى الجنة, "ولأضلنهم" أي عن الحق, "ولأمنينهم" أي أزين لهم ترك التوبة, وأعدهم الأماني, وآمرهم بالتسويف والتأخير, وأغرهم من أنفسهم, وقوله: " ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ". قال قتادة والسدي وغيرهما: يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة, " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ", قال ابن عباس: يعني بذلك خصي الدواب, وقد روي عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صالح والثوري, وقد ورد في حديث النهي عن ذلك, وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: يعني بذلك الوشم, وفي صحيح مسلم, النهي عن الوشم في الوجه, وفي لفظ: لعن الله من فعل ذلك, وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات, والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل, ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل, يعني قوله: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". وقال ابن عباس في رواية عنه ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والحكم والسدي والضحاك وعطاء الخراساني في قوله: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " يعني دين الله عز وجل, هذا كقوله: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " على قول من جعل ذلك أمراً, أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس على فطرتهم, كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه, أو ينصرانه, أو يمجسانه, كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها من جدعاء" وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء, فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم, وحرمت عليهم ما أحللت لهم".
ثم قال تعالى: "ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً" أي فقد خسر الدنيا والاخرة, وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها. وقوله تعالى: "يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً" وهذا إخبار عن الواقع, فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدينا والاخرة, وقد كذب وافترى في ذلك, ولهذا قال الله تعالى: "وما يعدهم الشيطان إلا غروراً", كما قال تعالى مخبراً عن إبليس يوم المعاد " وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ".
وقوله: "أولئك" أي المستحسنون له فيما وعدهم ومناهم "مأواهم جهنم" أي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة "ولا يجدون عنها محيصاً" أي ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف, ولا خلاص, ولا مناص, ثم ذكر تعالى حال السعداء والأتقياء ومالهم في مآلهم من الكرامة التامة, فقال تعالى: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي صدقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات, وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات "سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار" أي يصرفونها حيث شاؤوا وأين شاؤوا "خالدين فيها أبداً" أي بلا زوال ولا انتقال "وعد الله حقاً" أي هذا وعد من الله, ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة, ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر, وهو قوله حقاً, ثم قال تعالى: "ومن أصدق من الله قيلاً" أي لا أحد أصدق منه قولاً, أي خبراً لا إله هو ولا رب سواه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: "إن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار".
قوله 122- "والذين آمنوا" إلخ، جعل هذا الوعد للذين آمنوا مقترناً بالوعيد المتقدم للكافرين. قوله "وعد الله حقاً" قال في الكشاف مصدران: الأول مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره، ووجهه أن الأول مؤكد لمضمون الجملة الإسمية ومضمونها وعد، والثاني مؤكد لغيره: أي حق ذلك حقاً. قوله "ومن أصدق من الله قيلا" هذه الجملة مؤكدة لما قبلها، والقيل مصدر قال كالقول: أي لا أجد أصدق قولاً من الله عز وجل، وقيل: إن قيلاً اسم لا مصدر، وإنه منتصب على التمييز.
وقد أخرج الترمذي من حديث علي أنه قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" قال الترمذي: حسن غريب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك في قوله "إن يدعون من دونه إلا إناثاً" قال: اللات والعزة ومناة كلها مؤنثة. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن المنذر وابن أبي حاتم والضياء في المختارة عن أبي بن كعب في الآية قال: مع كل صنم جنيه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس " إن يدعون من دونه إلا إناثا " قال: موتى. وأخرج مثله عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن. وأخرج مثله أيضاً عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال: كان لكل حي من أحياء العرب صنم يعبدونها يسمونها أنثى بني فلان، فأنزل الله "إن يدعون من دونه إلا إناثاً". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال المشركون: إن الملائكة بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، قال: اتخذوهن أرباباً وصوروهن صور الجواري فحلوا وقلدوا، وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده: يعنون الملائكة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله "وقال لأتخذن من عبادك" إلخ، قال: هذا إبليس يقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلأى الجنة. وأخرج ابن المنذر عن الربيع مثله. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله "فليبتكن آذان الأنعام" قال: التبتيك في البحيرة والسائبة يبتكون آذانها لطواغيتهم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أنس انه كره الإخصاء وقال فيه نزلت "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عمر قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء البهائم والخيل". وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح وإخصاء البهائم"، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" قال: دين الله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله أيضاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: الوشم.
122-قوله تعالى:"والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار".
أي : من تحت الغرف والمساكن،"خالدين فيها أبداً وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلاً".
122" والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ". أي وعده وعداً وحق ذلك حقاً، فالأول مؤكد لنفسه لأن مضمون الجملة الإسمية التي قبله وعد، والثاني مؤكد لغيره ويجوز أن ينصب الموصول بفعل يفسره ما بعده، ووعد الله بقوله " سندخلهم " لأنه بمعنى نعدهم إدخالهم وحقاً على أنه حال من المصدر. " ومن أصدق من الله قيلا " جملة مؤكدة بليغة، والمقصود من الآية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه، والمبالغة في توكيده ترغيباً للعباد في تحصيله.
122. But as for those who believe and do good works We shall bring them into gardens underneath which rivers flow, wherein they will abide for ever. It is a promise from Allah in truth ; and who can be more truthful than Allah in utterance?
122 - But those who believe and do deeds of righteousness, we shall soon admit them to gardens, with rivers flowing beneath, to dwell therein for ever. God's promise is the truth, and whose word can be truer than God's?