(ليقطع) متعلق بنَصَرَكم أي ليهلك (طرفاً من الذين كفروا) بالقتل والأسر (أو يكبتهم) يذلهم بالهزيمة (فينقلبوا) يرجعوا (خائبين) لم ينالوا ما راموه
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ولقد نصركم الله ببدر "ليقطع طرفا من الذين كفروا"، ويعني ب الطرف، الطائفة والنفر.
يقول تعالى ذكره : ولقد نصركم الله ببدر، كيما يهلك طائفة من الذين كفروا بالله ورسوله ، فجحدوا وحدانية ربهم ، ونبوة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، كما: حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "ليقطع طرفا من الذين كفروا"، فقطع الله يوم بدر طرفاً من الكفار، وقتل صناديدهم ورؤنساءهم وقادتهم في الشر.
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع نحوه.
حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد، عن الحسن في قوله : "ليقطع طرفا من الذين كفروا" الآية كلها، قال : هذا يوم بدر، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : "ليقطع طرفا من الذين كفروا"، أي : ليقطع طرفا من المشركين بقتل ينتقم به منهم.
قال آخرون : بل معنى ذلك : وما النصر إلا من عند الله ليقطع طرفاً من الذين كفروا. وقال : إنما عنى بذلك من قتل بأحد.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ذكر الله قتلى المشركين -يعني بأحد- وكانوا ثمانية عشر رجلاً لقال: "ليقطع طرفا من الذين كفروا"، ثم ذكر الشهداء فقال : "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا" الآية، [آل عمران: 169] وأما قوله : "أو يكبتهم"، فإنه يعني بذلك : أو يخزيهم بالخيبة مما رجوا من الظفر بكم.
وقد قيل إن معنى قوله : "أو يكبتهم"، أو يصرعهم لوجوههم. ذكر بعضهم أنه سمع العرب تقول : كبته الله لوجهه ، بمعنى صرعه الله.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام : ولقد نصركم الله ببدر ليهلك فريقاً من الكفار بالسيف ، ويخزيهم بخيبتهم مما طمعوا فيه من الظفر، "فينقلبوا خائبين"، يقول : فيرجعوا عنكم خائبين ، لم يصيبوا منكم شيئاً مما رجوا أن ينالوه منكم، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : "أو يكبتهم فينقلبوا خائبين"، أو يردهم خائبين ، أي : يرجع من بقي منهم فلا خائبين ، لم ينالوا شيئا مما كانوا يأملون.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "أو يكبتهم"، يقول : يخزيهم ، "فينقلبوا خائبين".
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
قوله تعالى:" ليقطع طرفاً من الذين كفروا" أي بالقتل. ونظم الآية: ولقد نصركم الله ببدر ليقطع. وقيل: المعنى وما النصر إلا من عند الله ليقطع. ويجوز أن يكون متعلقاً بـ(ـيمددكم)، أي يمددكم ليقطع. والمعنى: من قتل من المشركين يوم بدر، عن الحسن وغيره. السدي: يعني به من قتل من المشركين يوم أحد وكانوا ثمانية عشر رجلاً . ومعنى" يكبتهم" يحزنهم، والمكبوت المحزون. وروي:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي طلحة فرأى ابنه مكبوتاً فقال:(ما شأنه)؟ فقيل : مات بعيره" . وأصله فيما ذكر بعض أهل اللغة (يكبدهم) أي يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم، فأبدلت الدال تاء، كما قلبت في سبت رأسه وسبده أي حلقه. كبت الله العدو كبتاً إذا صرفه وأذله، وكبده أصابه في كبده، يقال: قد أحرق الحزن كبده، وأحرقت العداوة كبده. وتقول العرب للعدو: أسود الكبد، قال الأعشى:
فما أجشمت من إتيان قوم هم الأعداء والأكباد سود
كأن الأكباد لما احترقت بشدة العداوة اسودت. وقرأ أبو مجلز(أو يكبدهم) بالدال. والخائب: المنقطع الأمل. خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب. والخياب: القدح لايوري.
اختلف المفسرون في هذا الوعد, هل كان يوم بدر أو يوم أحد ؟ على قولين (أحدهما) أن قوله: "إذ تقول للمؤمنين" متعلق بقوله: "ولقد نصركم الله ببدر" وروي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي والربيع بن أنس وغيرهم, واختاره ابن جرير قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله: "إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة" قال: هذا يوم بدر, رواه ابن أبي حاتم . ثم قال: حدثنا أبي , حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا وهيب , حدثنا داود عن عامر يعني الشعبي : أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين, فشق ذلك عليهم, فأنزل الله تعالى: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " قال: فبلغت كرزاً الهزيمة, فلم يمد المشركين, ولم يمد الله المسلمين بالخمسة, وقال الربيع بن أنس : أمد الله المسليمن بألف, ثم صاروا ثلاثة آلاف, ثم صاروا خمسة آلاف, فإن قيل: فما الجمع بين هذه الاية على هذا القول, وبين قوله تعالى في قصة بدر: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم " ؟ فالجواب أن التنصيص على الألف ـ ههنا ـ لا ينافي الثلاثة الالاف فما فوقها, لقوله: "مردفين" بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم. وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران. فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر, والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة : أمد الله المسلمين يوم بدر بخمسة آلاف. (القول الثاني) ـ إن هذا الوعد متعلق بقوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال " وذلك يوم أحد وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى بن عقبة وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الالاف لأن المسلمين فروا يومئذ, زاد عكرمة : ولا بالثلاثة الالاف لقوله تعالى: "بلى إن تصبروا وتتقوا" فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا بملك واحد وقوله: "بلى إن تصبروا وتتقوا" يعني: تصبروا على عدوكم, وتتقوني وتطيعوا أمري. وقوله تعالى: "ويأتوكم من فورهم هذا" قال الحسن وقتادة والربيع والسدي : أي من وجههم هذا, وقال مجاهد وعكرمة وأبو صالح : أي من غضبهم هذا. وقال الضحاك : من غضبهم ووجههم. وقال العوفي عن ابن عباس : من سفرهم هذا, ويقال: من غضبهم هذا. وقوله تعالى: "يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين" أي معلمين بالسيما, وقال أبو إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب , عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض, وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم, رواه ابن أبي حاتم . ثم قال: حدثنا أبو زرعة , حدثنا هدبة بن خالد , حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الاية "مسومين" قال: بالعهن الأحمر, وقال مجاهد : "مسومين" أي محذفة أعرافها, معلمة نواصيها بالصوف الأبيض في أذناب الخيل. وقال العوفي , عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: أتت الملائكة محمداً صلى الله عليه وسلم, مسومين بالصوف, فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف. وقال قتادة وعكرمة "مسومين" أي بسيما القتال, وقال مكحول : مسومين بالعمائم. وروى ابن مردويه من حديث عبد القدوس بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح , عن ابن عباس , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "مسومين" قال "معلمين". وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود, ويوم حنين عمائم حمر. وروى من حديث حصين بن مخارق عن سعيد , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن مقسم, عن ابن عباس , قال: كان سيما الملائكة يوم بدر, عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم, ويوم حنين عمائم حمر. ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر, وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون, ثم رواه عن الحسن بن عمارة , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس فذكر نحوه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الأحمسي , حدثنا وكيع , حدثنا هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن الزبير رضي الله عنه, كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها, فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر, رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة عن أبيه , عن عبد الله بن الزبير , فذكره. وقوله تعالى: "وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به" أي وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً, وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم, ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم, كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم " ولهذا قال ههنا "وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" أي هو ذو العزة التي لا ترام, والحكمة في قدره والأحكام, ثم قال تعالى: "ليقطع طرفاً من الذين كفروا" أي أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير, ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين, فقال: "ليقطع طرفاً" أي ليهلك أمة "من الذين كفروا أو يكبتهم" أي يخزيهم ويردهم بغيظهم لما لم ينالوا منكم ما أرادوا. ولهذا قال: "أو يكبتهم فينقلبوا" أي يرجعوا "خائبين" أي لم يحصلوا على ما أملوا. ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والاخرة له وحده لا شريك له, فقال تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" أي بل الأمر كله إلي, كما قال تعالى: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" وقال " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وقال "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" قال محمد بن إسحاق في قوله: "ليس لك من الأمر شيء" أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم, ثم ذكر تعالى بقية الأقسام, فقال "أو يتوب عليهم" أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة "أو يعذبهم" أي في الدنيا والاخرة على كفرهم وذنوبهم, ولهذا قال "فإنهم ظالمون" أي يستحقون ذلك. وقال البخاري : حدثنا حبان بن موسى , أنبأنا عبد الله , أنبأنا معمر عن الزهري , حدثني سالم عن أبيه , " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر :اللهم العن فلاناً وفلاناً بعدما يقول سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد" فأنزل الله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" الاية وهكذا رواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق , كلاهما عن معمر به. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا أبو عقيل ـ قال أحمد : وهو عبد الله بن عقيل صالح الحديث ثقة ـ حدثنا عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم العن فلاناً, اللهم العن الحارث بن هشام, اللهم العن سهيل بن عمرو, اللهم العن صفوان بن أمية" فنزلت هذه الاية "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" فتيب عليهم كلهم وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية الغلابي , حدثنا خالد بن الحارث , حدثنا محمد بن عجلان عن نافع , عن عبد الله , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة, قال: فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" إلى آخر الاية, قال: وهداهم الله للإسلام. وقال محمد بن عجلان عن نافع , عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال, كان رسول الله يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم, حتى أنزل الله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" الاية, وقال البخاري أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب , وأبي سلمة بن عبد الرحمن , عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد, أو يدعو لأحد, قنت بعد الركوع وربما قال: إذا قال "سمع الله لمن حمده, ربنا لك الحمد: اللهم أنج الوليد بن الوليد , وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة , والمستضعفين من المؤمنين, اللهم اشدد وطأتك على مضر, واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك " . وكان " يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً " لأحياء من أحياء العرب, حتى أنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية.
وقال البخاري : قال حميد وثابت , عن أنس بن مالك : " شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد, فقال : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟" فنزلت "ليس لك من الأمر شيء" وقد أسند هذا الحديث الذي علقه البخاري في صحيحه , فقال البخاري في غزوة أحد: حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي , أخبرنا عبد الله , أخبرنا معمر عن الزهري , حدثني سالم بن عبد الله بن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعدما يقول سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد", فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية. وعن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام, فنزلت "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" "هكذا ذكر هذه الزيادة البخاري معلقة مرسلة, وقد تقدمت مسندة متصلة في مسند أحمد آنفاً.
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم , حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه, " أن النبي صلى الله عليه وسلم, كسرت رباعيته يوم أحد, وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه, فقال :كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم, وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل ؟" فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" انفرد به مسلم , فرواه عن القعنبي , عن حماد بن سلمة , عن ثابت , عن أنس , فذكره.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح : حدثنا الحسين بن واقد عن مطر , عن قتادة , قال: " أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد, وكسرت رباعيته, وفرق حاجبه, فوقع وعليه درعان والدم يسيل, فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح عن وجهه, فأفاق وهو يقول كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم, وهو يدعوهم إلى الله عز وجل ؟" فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية, وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بنحوه, ولم يقل: فأفاق.
ثم قال تعالى: "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع ملك له, وأهلها عبيد بين يديه "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" أي هو المتصرف فلا معقب لحكمه, ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون "والله غفور رحيم".
قوله: 127- "ليقطع طرفاً من الذين كفروا" متعلق بقوله "ولقد نصركم الله ببدر" وقيل: متعلق بقوله "وما النصر إلا من عند الله" وقيل: متعلق بقوله "يمددكم" والطرف الطائفة، والمعنى: نصركم الله ببدر ليقطع طائفة من الكفار، وهم الذين قتلوا يوم بدر، أو وما النصر إلا من عند الله ليقطع تلك الطائفة أو يمددكم ليقطع. ومعنى يكبتهم يحزنهم، والمكبوت المحزون. وقال بعض أهل اللغة: معناه يكيدهم: أي يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم، وهو غير صحيح، فإن معنى كبت أحزن وأغاظ وأذل، ومعنى كبد أصاب الكبد "فينقلبوا خائبين" أي: غير ظافرين بمطلبهم.
127-قوله تعالى :"ليقطع طرفاً من الذين كفروا " ، يقول : لقد نصركم الله ببدر ليقطع طرفاً أي: لكي يهلك طائفة من الذين كفروا ، وقال السدي : معناه ليهدم ركناً من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون وأسر سبعون ، ومن حمل الآية على حرب احد فقد قتل منهم يومئذ ستة عشر وكانت النصرة للمسلمين حتى خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فانقلب عليهم " أو يكبتهم " قال الكلبي : يهزمهم ، وقال يمان: يصرعهم لوجوههم ، قال السدي : يلعنهم ، وقال ابو عبيدة : يهلكهم ، وقيل: يحزنهم ، والمكبوت: الحزين ، وقيل أصله : يكبدهم أي : يصيب الحزن والغيظ / أكبادهم ، والتاء والدال يتعاقبان كما يقال سبت رأسه وسبده : إذا حلقه ، وقيل : يكبتهم بالخيبة ، " فينقلبوا خائبين " لم ينالوا شيئاً مما كانوا يرجون من الظفر بكم .
127"ليقطع طرفاً من الذين كفروا" متعلق بنصركم، أو "وما النصر" إن كان اللام فيه للعهد، والمعنى لينقص منهم بقتل بعض وأسر آخرين، وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم. "أو يكبتهم" أو يخزيهم، والكبت شدة الغيظ، أو وهن يقع في القلب، وأو للتنويع دون الترديد "فينقلبوا خائبين" فينهزموا منقطعي الآمال.
127. That He may cut off a part of those who disbelieve, or overwhelm them so that they retire, frustrated.
127 - That he might cut off a fringe of the unbelievers or expose them to infamy, and they should then be turned back, frustrated of their purpose.