(ربنا وابعث فيهم) أي أهل البيت (رسولاً منهم) من أنفسهم ، وقد أجاب الله دعاءه بمحمد صلى الله عليه وسلم (يتلو عليهم آياتك) القرآن (ويعلمهم الكتاب) القرآن (والحكمة) أي ما فيه من الأحكام (ويزكيهم) يطهرهم من الشرك (إنك أنت العزيز) الغالب (الحكيم) في صنعه
قال أبو جعفر: وهذا أيضاً خبر من الله تعالى ذكره عن إبراهيم وإسمعيل: أنهما كانا يرفعان القواعد من البيت وهما يقولان: "ربنا واجعلنا مسلمين لك "، يعنيان بذلك: واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك.
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الإسلام : الخضوع لله بالطاعة.
وأما قوله: "ومن ذريتنا أمة مسلمة لك "، فإنهما خصا بذلك بعض الذرية، لأن الله تعالى ذكره قد كان أعلم إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم قبل مسألته هذه، أن من ذريته من لا ينال عهده لظلمه وفجوره. فخصا بالدعوة بعض ذريتهما.
وقد قيل: إنهما عنيا بذلك العرب.
ذكر من قال ذلك:حدثنا موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ومن ذريتنا أمة مسلمة لك "، يعنيان العرب.
قال أبو جعفر: وهذا قول يدل ظاهر الكتاب على خلافه. لأن ظاهره يدل على أنهما دعوا الله أن يجعل من ذريتهما أهل طاعته وولايته، والمستجيبين لأمره. وقد كان في ولد إبراهيم العرب وغير العرب، والمستجيب لأمر الله والخاضع له بالطاعة، من الفريقين. فلا وجه لقول من قال: عنى إبراهيم بدعائه ذلك فريقاً من ولده بأعيانهم دون غيرهم، إلا التحكم الذي لا يعجز عنه أحد.
وأما الأمة في هذا الموضع، فإنه يعني بها الجماعة من الناس، من قول الله: "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق" (الأعراف: 159).
القول في تأويل قوله تعالى: "وأرنا مناسكنا".
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه بعضهم: "وأرنا مناسكنا"، بمعنى رؤية العين، أي أظهرها لأعيهننا حتى نراها. وذلك قراءه عامة أهل الحجاز والكوفة.
وكان بعض من يوجه تأويل ذلك إلى هذا التأويل، يسكن الراء من، أرنا، غير أنه يشمها كسرة.
واختلف قائل هذه المقالة وقرأة هذه القراءة في تأويل قوله: "مناسكنا".
فقال بعضهم: هي مناسك الحج ومعالمه.
ذكر من قال ذلك:حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وأرنا مناسكنا" فأراهما الله مناسكهما: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، والإفاضة من جمع، ورمي الجمار، حتى أكمل الله الدين أو: دينه.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وأرنا مناسكنا"، قال: أرنا نسكنا وحجنا.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما فرغ إبراهيم وإسمعيل من بنيان البيت، أمره الله أن ينادي فقال: "وأذن في الناس بالحج" (الحج: 27)، فنادى بين أخشبي مكة: يا أيها الناس! إن الله يأمركم أن تحجوا بيته. قال: فوقرت في قلب كل مؤمن، فأجابه كل من سمعه من جبل أو شجر أو دابة: لبيك لبيك . فأجابوه بالتلبية لبيك اللهم لبيك ، وأتاه من أتاه. فأمره الله أن يخرج إلى عرفات، ونعتها له، فخرج. فلما بلغ الشجرة عند العقبة، استقبله الشيطان، فرماه بسبع حصيات يكبرمع كل حصاة، فطارفوقع على الجمرة الثانية أيضًا، فصده، فرماه وكبر، فطار فوقع على الجمرة الثالثة، فرماه وكبر. فلما رأى أنه لا يطيقه، ولم يدر إبراهيم أين يذهب، انطلق حتى أتى ذا المجاز، فلما نظر إليه فلم يعرفه جاز، فلذلك سمي: ذا المجاز. ثم انطلق حتى وقع بعرفات، فلما نظر إليها عرف النعت. قال: قد عرفت! فسميت: عرفات . فوقف إبراهيم بعرفات، حتى إذا أمسى ازدلف إلى جمع، فسميت
المزدلفة، فوقف بجمع. ثم أقبل حتى أتى الشيطان حيث لقيه أول مرة، فرماه بسبع حصيات سبع مرات، ثم أقام بمنى حتى فرغ من الحج وأمره. وذلك قوله: "وأرنا مناسكنا".
وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة المناسك: المذابح. فكان تأويل هذه الآية، على قول من قال ذلك: وأرنا كيف ننسك لك يا ربنا نسائكنا، فنذبحها لك.
ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: "وأرنا مناسكنا"، قال: ذبحنا.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن ابن جريج، عن عطاء قال: مذابحنا.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: "وأرنا مناسكنا"، قال: أرنا مذابحنا.
وقرأ آخرون: وأرنا مناسكنا بتسكين الراء، وزعموا أن معنى ذلك: وعلمنا، ودلنا عليها لا أن معناه: أرناها بالأبصار. وزعموا أن ذلك نظير قول حطائط بن يعفر، أخي الأسود بن يعفر:
أريني جوادًا مات هزلا، لأنني أرى ما ترين، أو بخيلاً مخلدًا
يعني بقوله: أريني دليني عليه وعرفيني مكانه، ولم يعن به رؤية العين.
وهذه قراءة رويت عن بعض المتقدمين.
ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عطاء : أرنا مناسكنا، أخرجها لنا، علمناها.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال ابن المسيب، قال علي بن أبي طالب: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: فعلت أي رب، فأرنا مناسكنا أبرزها لنا، علمناها فبعث الله جبريل، فحج به.
قال أبو جعفر: والقول واحد. فمن كسر الراء جعل علامة الجزم سقوط الياء التي في قول القائل: أرينه أرنه ، وأقر الراء مكسورة كما كانت قبل الجزم. ومن سكن الراء من أرنا، توهم أن إعراب الحرف في الراء، فسكنها في الجزم، كما فعلوا ذلك في لم يكن ولم يك .
وسواء كان ذلك من رؤية العين أو من رؤية القلب. ولا معنى لفرق من فرق بين رؤية العين في ذلك ورؤية القلب.
وأما المناسك فإنها جمع منسك ، وهو الموضع الذي ينسك لله فيه، ويتقرب إليه فيه بما يرضيه من عمل صالح: إما بذبح ذبيحة له، وإما بصلاة أو طواف أو سعي، وغير ذلك من الأعمال الصالحة. ولذلك قيل لمشاعر الحج مناسكه، لأنها أمارات وعلامات يعتادها الناس ويترددون إليها.
وأصل المنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه، يقال: لفلان منسك ، وذلك إذا كان له موضع يعتاده لخير أو شر. ولذلك سميت المناسك مناسك، لأنها تعتاد، ويتردد إليها بالحج والعمرة، وبالأعمال التي يتقرب بها إلى الله.
وقد قيل إن معنى النسك : عبادة الله. وأن الناسك إنما سمي ناسكاً بعبادة ربه.
فتأول قائلو هذه المقالة، قوله: "وأرنا مناسكنا"، وعلمنا عبادتك، كيف نعبدك؟ وأين نعبدك؟ وما يرضيك عنا فنفعله؟.
وهذا القول، وإن كان مذهبًا يحتمله الكلام، فإن الغالب على معنى المناسك ما وصفنا قبل، من أنها مناسك الحج التي ذكرنا معناها.
وخرج هذا الكلام من قول إبراهيم وإسمعيل على وجه المسألة منهما ربهما لأنفسهما. وإنما ذلك منهما مسألة ربهما لأنفسهما وذريتهما المسلمين. فلما ضما ذريتهما المسلمين إلى أنفسهما، صارا كالمخبرين عن أنفسهما بذلك. وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لتقدم الدعاء منهما للمسلمين من ذريتهما قبل في أول الآية، وتأخره بعد في الآية الأخرى. فأما الذي في أول الآية فقولهما: "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك"، ثم جمعا أنفسهما والأمة المسلمة من ذريتهما، في مسألتهما ربهما أن يريهم مناسكهم فقالا: "وأرنا مناسكنا". وأما التي في الآية التي بعدها: "ربنا وابعث فيهم رسولا منهم "، فجعلا المسألة لذريتهما خاصة.
وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود: وأرهم مناسكهم، يعني بذلك وأر ذريتنا المسلمة مناسكهم.
القول في تأويل قوله تعالى: "وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم".
قال أبو جعفر: أما التوبة، فأصلها الأوبة من مكروه إلى محبوب. فتوبة العبد إلى ربه، أوبته مما يكرهه الله منه، بالندم عليه، والإقلاع عنه، والعزم على ترك العود فيه. وتوبة الرب على عبده: عوده عليه بالعفو له عن جرمه، والصفح له عن عقوبة ذنبه، مغفرة له منه، وتفضلاً عليه.
فإن قال لنا قائل: وهل كان لهما ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربهما التوبة؟.
قيل: إنه ليس أحذ من خلق الله، الأ وله من العمل فيما بينه وبين ربه ما يجب عليه الإنابة منه والتوبة. فجائز أن يكون ما كان من قيلهما ما قالا من ذلك، إنما خصا به الحال التي كانا عليها، من رفع قواعد البيت. لأن ذلك كان أحرى الأماكن أن يستجيب الله فيها دعاءهما، وليجعلا ما فعلا من ذلك سنة يقتدى بها بعدهما، وتتخذ الناس تلك البقعة بعدهما موضع تنصل من الذنوب إلى الله. وجائز أن يكونا عنيا بقولهما: "وتب علينا"، وتب على الظلمة من أولادنا وذريتنا الذين أعلمتنا أمرهم من ظلمهم وشركهم، حتى ينيبوا إلى طاعتك. فيكون ظاهر الكلام على الدعاء لأنفسهما، والمعني به ذريتهما. كما يقال: أكرمني فلان في ولدي وأهلي، وبرني فلان ، إذا بر ولده.
وأما قوله: "إنك أنت التواب الرحيم "، فإنه يعني به: إنك أنت العائد على عبادك بالفضل، والمتفضل عليهم بالعفو والغفران الرحيم بهم، المستنقذ من تشاء منهم برحمتك من هلكته، المنجي من تريد نجاته منهم برأفتك من سخطك.
قوله تعالى : "ربنا وابعث فيهم رسولا منهم" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . وفي قراءة أبي وابعث في آخرهم رسولاً منهم . وقد " روى خالد بن معدان : أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك ، قال : نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى " . و رسولا أي مرسلاً ، وهو فعول من الرسالة . قال ابن الأنباري : يشبه أن يكون أصله من قولهم : ناقة مرسال ورسلة ، إذا كانت سهلة السير ماضية أمام النوق . ويقال للجماعة المهملة المرسلة رسل ، وجمعه أرسال . ويقال : :جاء القوم أرسالاً ، أي بعضهم في أثر بعض ، ومنه يقال للبن رسل ، لأنه يرسل من الضرع .
قوله تعالى : "ويعلمهم الكتاب والحكمة" الكتاب : القرآن . و الحكمة : المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى ، قاله مالك ، ورواه عنه ابن وهب ، وقاله ابن زيد : وقال قتادة : الحكمة السنة وبيان الشرائع . وقيل : الحكم والقضاء خاصة ، والمعنى متقارب . ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ، ويعلم طريق النظر بما يلقيه الله إليه من وحيه . "ويزكيهم" أي يطهرهم من وضر الشرك ، عن ابن جريج وغيره . والزكاة : التطهير ، وقد تقدم . وقيل : إن الآيات تلاوة ظاهر الألفاظ . والكتاب معاني الألفاظ . والحكمة الحكم ، وهو مراد الله بالخطاب من مطلق ومقيد ، ومفسر ومجمل ، وعموم وخصوص ، وهو معنى ما تقدم ، والله تعالى أعلم . و "العزيز" معناه المنيع الذي لا ينال ولا يغالب . وقال ابن كيسان : معناه الذي لا يعجزه شيء ، دليله : "وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض" . الكسائي : العزيز الغالب ، ومنه قوله تعالى : "وعزني في الخطاب" . وفي المثل : من عز بز . أي من غلب سلب . وقيل : العزيز الذي لا مثل له ، بيانه "ليس كمثله شيء" . وقد زدنا هذا المعنى بياناً في اسمه العزيز في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وقد تقدم معنى الحكيم والحمد لله .
يقول تعالى إخباراً عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم، أي من ذرية إبراهيم، وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق في تعيين محمد صلوات الله وسلامه عليه رسولاً في الأميين إليهم وإلى سائر الأعجميين من الإنس والجن، كما قال الإمام أحمد: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح، عن سعيد بن سويد الكلبي، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي، عن العرباض بن سارية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين" وكذلك رواه ابن وهب والليث وكاتبه عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح وتابعه أبو بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد به، وقال الإمام أحمد أيضاً: أخبرنا أبو النضر ، أخبرنا الفرج، أخبرنا لقمان بن عامر ، قال: سمعت أبا أمامة قال: قلت يا رسول الله: ما كان أول بدء أمرك ؟ قال "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي. ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام" والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس إبراهيم عليه السلام، ولم يزل ذكره في الناس مذكوراً مشهوراً سائراً حتى أفصح باسمه خاتم الأنبياء بني إسرائيل نسباً، وهو عيسى بن مريم عليه السلام، حيث قام في بني إسرائيل خطيباً، وقال "إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد" ولهذا قال في هذا الحديث دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم. وقوله: ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، قيل كان مناماً رأته حين حلمت به، وقصته على قومها، فشاع فيهم واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئة وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى بن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها، ولهذا جاء في الصحيحين "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" وفي صحيح البخاري "وهم بالشام" قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله "ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم" يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقيل له: قد استجيب لك، وهو كائن في آخر الزمان، وكذا قال السدي وقتادة، وقوله تعالى: "ويعلمهم الكتاب" يعني القرآن، "والحكمة" يعني السنة، قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك وغيرهم، وقيل: الفهم في الدين ولا منافاة، "ويزكيهم" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني طاعة الله وقال محمد بن إسحاق "ويعلمهم الكتاب والحكمة" قال الخير فيفعلوه والشر فيتقوه، ويخبرهم برضا الله عنهم إذا أطاعوه ليستكثروا من طاعته ويجتنبوا ما يسخطه من معصيته، وقوله "إنك أنت العزيز الحكيم" أي العزيز الذي لا يعجزه شيء ، وهو قادر على كل شيء الحكيم في أفعاله وأقواله، فيضع الأشياء في محالها لعلمه وحكمته وعدله.
الضمير في قوله: 129- "وابعث فيهم" راجع إلى الأمة المسلمة المذكورة سابقاً. وقرأ أبي: وابعث في آخرهم ويحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى الذرية. وقد أجاب الله لإبراهيم عليه السلام هذه الدعوة، فبعث في ذريته "رسولاً منهم" وهو محمد صلى الله عليه وسلم. قد أخبر عن نفسه بأن دعوة إبراهيم كما سيأتي تخريج ذلك إن شاء الله، ومراده هذه الدعوة. والرسول هو المرسل. قال ابن الأنباري: يشبه أن يكون أصله ناقة مرسال ورسلة إذا كانت سهلة السير ماضية أمام النوق. ويقال: جاء القوم أرسالاً: أي بعضهم في أثر بعض، والمراد بالكتاب: القرآن. والمراد بالحكمة: المعرفة بالدين والفقه في التأويل والفهم للشريعة. وقوله: "يزكيهم" أي يطهرهم من الشرك وسائر المعاصي. وقيل: إن المراد بالآيات ظاهر الألفاظ، والكتاب في معانيها، والحكمة الحكم، وهو مراد الله بالخطاب، والعزيز الذي لا يعجزه شيء قاله ابن كيسان. وقال الكسائي: "العزيز" الغالب.
129. " ربنا وابعث فيهم " أي في الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل وقيل: من أهل مكة " رسولاً منهم " أي مرسلاً أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم.
حدثنا السيد أبو القاسم علي بن موسى الموسوي حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن عباس البلخي أنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي أنا محمد بن المكي أنا إسحاق بن إبراهيم أنا ابن أخي ابن وهب أنا عمي أنا معاوية عن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري، أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام ".
وأراد بدعوة إبراهيم هذا فإنه دعا أن يبعث في بني إسماعيل رسولاً منهم، قال ابن عباس: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
" يتلو " يقرأ " عليهم آياتك " كتابك يعني القرآن والآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه وقيل هي جماعة حروف يقال خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم " ويعلمهم الكتاب " يعني القرآن " والحكمة " قال مجاهد : فهم القرآن، وقال مقاتل : مواعظ القرآن وما فيه من الأحكام، قال ابن قتيبية: هي العلم والعمل، ولا يكون الرجل حكيماً حتى يجمعهما، وقيل: هي السنة، وقيل: هي الأحكام والقضاء، وقيل: الحكمة الفقه.
قال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة.
" ويزكيهم " أي يطهرهم من الشرك والذنوب، وقيل: يأخذ الزكاة من أموالهم، وقال ابن كيسان : يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ من التزكية، وهي التعديل " إنك أنت العزيز الحكيم " قال ابن عباس: العزيز الذي لا يوجد مثله، وقال الكلبي : المنتقم بيانه قوله تعالى " والله عزيز ذو انتقام "(4-آل عمران) وقيل: المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء وقيل: القوي، والعزة القوة قال الله تعالى " فعززنا بثالث " (14-يس) أي قوينا وقيل: الغالب قال الله تعالى إخباراً " وعزني في الخطاب " (23-ص) أي غلبني، ويقال في المثل: (( من عز بز )) أي من غلب سلب.
129-" ربنا وابعث فيهم " في الأمة المسلمة " رسولاً منهم " ولم يبعث من ذريتهما غير محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو المجاب به دعوتهما كما قال عليه الصلاة والسلام " أنا دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورؤيا أمي " . " يتلو عليهم آياتك " يقرأ عليهم ويبلغهم ما توحي إليه من دلائل التوحيد والنبوة . " ويعلمهم الكتاب " القرآن . " والحكمة " ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام . " ويزكيهم " عن الشرك والمعاصي " إنك أنت العزيز " الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد " الحكيم " المحكم له .
129. Our Lord! And raise up in their midst a messenger from among them who shall recite unto them Thy revelations, and shall instruct them in the Scripture and in wisdom and shall make them grow. Lo! Thou, only Thou, art the Mighty, Wise.
129 - Our Lord! send amongst them an apostle of their own, who shall rehearse thy signs to them and instruct them in scripture and wisdom, and sanctify them: for thou art the exalted in might, the wise.