(ولله ما في السماوات وما في الأرض) ملكاً وخلقاً وعبيداً (يغفر لمن يشاء) المغفرة له (ويعذب من يشاء) تعذيبه (والله غفور) لأوليائه (رحيم) بأهل طاعته
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : ليس لك ، يا محمد، من الأمر شيء ، ولله جميع ما بين أقطار السماوات والأرض من مشرق الشمس إلى مغربها، دونك ودونهم ، يحكم فيهم بما يشاء ، ويقضي فيهم ما أحب ، فيتوب على من أحب من خلقه العاصين أمره ونهيه ، ثم يغفر له ، ويعاقب من شاء منهم على جرمه فينتقم منه ، وهو الغفور الذي يستر ذنوب من أحب أن يستر عليه ذنوبه من خلقه بفضله عليهم بالعفو والصفح ، والرحيم بهم في تركه عقوبتهم عاجلاً على عظيم ما يأتون من القائم ، كما: حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : "والله غفور رحيم"، أي يغفر الذنوب ،ويرحم العباد، على ما فيهم.
قوله تعالى : " ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم "
اختلف المفسرون في هذا الوعد, هل كان يوم بدر أو يوم أحد ؟ على قولين (أحدهما) أن قوله: "إذ تقول للمؤمنين" متعلق بقوله: "ولقد نصركم الله ببدر" وروي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي والربيع بن أنس وغيرهم, واختاره ابن جرير قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله: "إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة" قال: هذا يوم بدر, رواه ابن أبي حاتم . ثم قال: حدثنا أبي , حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا وهيب , حدثنا داود عن عامر يعني الشعبي : أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين, فشق ذلك عليهم, فأنزل الله تعالى: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " قال: فبلغت كرزاً الهزيمة, فلم يمد المشركين, ولم يمد الله المسلمين بالخمسة, وقال الربيع بن أنس : أمد الله المسليمن بألف, ثم صاروا ثلاثة آلاف, ثم صاروا خمسة آلاف, فإن قيل: فما الجمع بين هذه الاية على هذا القول, وبين قوله تعالى في قصة بدر: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم " ؟ فالجواب أن التنصيص على الألف ـ ههنا ـ لا ينافي الثلاثة الالاف فما فوقها, لقوله: "مردفين" بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم. وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران. فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر, والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة : أمد الله المسلمين يوم بدر بخمسة آلاف. (القول الثاني) ـ إن هذا الوعد متعلق بقوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال " وذلك يوم أحد وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى بن عقبة وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الالاف لأن المسلمين فروا يومئذ, زاد عكرمة : ولا بالثلاثة الالاف لقوله تعالى: "بلى إن تصبروا وتتقوا" فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا بملك واحد وقوله: "بلى إن تصبروا وتتقوا" يعني: تصبروا على عدوكم, وتتقوني وتطيعوا أمري. وقوله تعالى: "ويأتوكم من فورهم هذا" قال الحسن وقتادة والربيع والسدي : أي من وجههم هذا, وقال مجاهد وعكرمة وأبو صالح : أي من غضبهم هذا. وقال الضحاك : من غضبهم ووجههم. وقال العوفي عن ابن عباس : من سفرهم هذا, ويقال: من غضبهم هذا. وقوله تعالى: "يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين" أي معلمين بالسيما, وقال أبو إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب , عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض, وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم, رواه ابن أبي حاتم . ثم قال: حدثنا أبو زرعة , حدثنا هدبة بن خالد , حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الاية "مسومين" قال: بالعهن الأحمر, وقال مجاهد : "مسومين" أي محذفة أعرافها, معلمة نواصيها بالصوف الأبيض في أذناب الخيل. وقال العوفي , عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: أتت الملائكة محمداً صلى الله عليه وسلم, مسومين بالصوف, فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف. وقال قتادة وعكرمة "مسومين" أي بسيما القتال, وقال مكحول : مسومين بالعمائم. وروى ابن مردويه من حديث عبد القدوس بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح , عن ابن عباس , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "مسومين" قال "معلمين". وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود, ويوم حنين عمائم حمر. وروى من حديث حصين بن مخارق عن سعيد , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن مقسم, عن ابن عباس , قال: كان سيما الملائكة يوم بدر, عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم, ويوم حنين عمائم حمر. ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر, وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون, ثم رواه عن الحسن بن عمارة , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس فذكر نحوه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الأحمسي , حدثنا وكيع , حدثنا هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن الزبير رضي الله عنه, كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها, فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر, رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة عن أبيه , عن عبد الله بن الزبير , فذكره. وقوله تعالى: "وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به" أي وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً, وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم, ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم, كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم " ولهذا قال ههنا "وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" أي هو ذو العزة التي لا ترام, والحكمة في قدره والأحكام, ثم قال تعالى: "ليقطع طرفاً من الذين كفروا" أي أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير, ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين, فقال: "ليقطع طرفاً" أي ليهلك أمة "من الذين كفروا أو يكبتهم" أي يخزيهم ويردهم بغيظهم لما لم ينالوا منكم ما أرادوا. ولهذا قال: "أو يكبتهم فينقلبوا" أي يرجعوا "خائبين" أي لم يحصلوا على ما أملوا. ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والاخرة له وحده لا شريك له, فقال تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" أي بل الأمر كله إلي, كما قال تعالى: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" وقال " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وقال "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" قال محمد بن إسحاق في قوله: "ليس لك من الأمر شيء" أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم, ثم ذكر تعالى بقية الأقسام, فقال "أو يتوب عليهم" أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة "أو يعذبهم" أي في الدنيا والاخرة على كفرهم وذنوبهم, ولهذا قال "فإنهم ظالمون" أي يستحقون ذلك. وقال البخاري : حدثنا حبان بن موسى , أنبأنا عبد الله , أنبأنا معمر عن الزهري , حدثني سالم عن أبيه , " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر :اللهم العن فلاناً وفلاناً بعدما يقول سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد" فأنزل الله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" الاية وهكذا رواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق , كلاهما عن معمر به. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا أبو عقيل ـ قال أحمد : وهو عبد الله بن عقيل صالح الحديث ثقة ـ حدثنا عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم العن فلاناً, اللهم العن الحارث بن هشام, اللهم العن سهيل بن عمرو, اللهم العن صفوان بن أمية" فنزلت هذه الاية "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" فتيب عليهم كلهم وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية الغلابي , حدثنا خالد بن الحارث , حدثنا محمد بن عجلان عن نافع , عن عبد الله , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة, قال: فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" إلى آخر الاية, قال: وهداهم الله للإسلام. وقال محمد بن عجلان عن نافع , عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال, كان رسول الله يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم, حتى أنزل الله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" الاية, وقال البخاري أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب , وأبي سلمة بن عبد الرحمن , عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد, أو يدعو لأحد, قنت بعد الركوع وربما قال: إذا قال "سمع الله لمن حمده, ربنا لك الحمد: اللهم أنج الوليد بن الوليد , وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة , والمستضعفين من المؤمنين, اللهم اشدد وطأتك على مضر, واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك " . وكان " يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً " لأحياء من أحياء العرب, حتى أنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية.
وقال البخاري : قال حميد وثابت , عن أنس بن مالك : " شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد, فقال : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟" فنزلت "ليس لك من الأمر شيء" وقد أسند هذا الحديث الذي علقه البخاري في صحيحه , فقال البخاري في غزوة أحد: حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي , أخبرنا عبد الله , أخبرنا معمر عن الزهري , حدثني سالم بن عبد الله بن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعدما يقول سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد", فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية. وعن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام, فنزلت "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" "هكذا ذكر هذه الزيادة البخاري معلقة مرسلة, وقد تقدمت مسندة متصلة في مسند أحمد آنفاً.
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم , حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه, " أن النبي صلى الله عليه وسلم, كسرت رباعيته يوم أحد, وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه, فقال :كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم, وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل ؟" فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" انفرد به مسلم , فرواه عن القعنبي , عن حماد بن سلمة , عن ثابت , عن أنس , فذكره.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح : حدثنا الحسين بن واقد عن مطر , عن قتادة , قال: " أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد, وكسرت رباعيته, وفرق حاجبه, فوقع وعليه درعان والدم يسيل, فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح عن وجهه, فأفاق وهو يقول كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم, وهو يدعوهم إلى الله عز وجل ؟" فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية, وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بنحوه, ولم يقل: فأفاق.
ثم قال تعالى: "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع ملك له, وأهلها عبيد بين يديه "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" أي هو المتصرف فلا معقب لحكمه, ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون "والله غفور رحيم".
قوله 129- "ولله ما في السموات وما في الأرض" كلام مستأنف لبيان سعة ملكه "يغفر لمن يشاء" أن يغفر له "ويعذب من يشاء" أن يعذبه يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" وفي قوله "والله غفور رحيم" إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه، وتبشير لعباده بأنه المتصف بالمغفرة والرحمة على وجه المبالغة، وما أوقع هذا التذليل الجليل وأحبه إلى قلوب العارفين باسرار التنزيل.
وقد أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى بن حبان والحصين بن عبد الرحمن بن أسعد بن معاذ قالوا: كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه وهو مستخف بالكفر، ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته. وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك، ومعاتبة من عاتب منهم، يقول الله لنبيه "وإذ غدوت من أهلك" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس "وإذ غدوت من أهلك" الآية قال: يوم أحد. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله " تبوء المؤمنين " قال: توطن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن الآية في يوم الأحزاب. وقد ورد في كتب السير والتاريخ كيفية الاختلاف في المشورة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد، فمن قائل نخرج إليهم، ومن قائل نبقى في المدينة، فخرج وكان من جملة المشيرين عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين، كان رأيه البقاء في المدينة والمقاتلة فيها، ثم لما خولف في رأيه انخزل بمن معه من المنافقين وهم قدر الثلث من القوم الذين خرج بهم النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر قال: فينا نزلت في بني حارثة وبني سلمة "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا" وما يسرني أنها لم تنزل "والله وليهما". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : "إذ همت طائفتان " قال : ذلك يوم أحد . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هم بنو حارثة وبنو سلمة. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد "ولقد نصركم الله ببدر" إلى "ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين" في قصة بدر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله "وأنتم أذلة" يقول: وأنتم قليل وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي: أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف " إلى قوله "مسومين" قال: فبلغت كرزاً فلم يمد المشركين، ولم يمد المسلمين بالخمسة. وأخرج ابن جرير عن الشعبي لما كان يوم بدر بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه إلا أنه قال "ويأتوكم من فورهم هذا" يعني: كرزاً وأصحابه "يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين" فبلغ كرزاً وأصحابه الهزيمة، فلم يمدهم ولم ينزل الخمسة وأمدوا بعد ذلك بألف فهم أربعة آلاف. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: أمدوا بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف وذلك يوم بدر. وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله "بلى إن تصبروا وتتقوا" الآية، قال: هذا يوم أحد فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد ولو أمدوا لم ينهزموا يومئذ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "ويأتوكم من فورهم هذا" يقول: من سفرهم هذا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة من فورهم قال: من وجههم. وأخرج ابن جرير عن الحسن والربيع وقتادة السدي مثله، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد من فورهم قال: من غضبهم. وأخرجا عن أبي صالح مولى أم هانئ مثله. وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "مسومين" قال: معلمين، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء، ويوم أحد عمائم حمراء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير: أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر. وأخرج ابن إسحاق والطبراني عن ابن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمراء، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عدداً ومدداً لا يضربون. وفي بيان التسويم عن السلف اختلاف كثير لا يتعلق به كثير فائدة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله "ليقطع طرفاً من الذين كفروا" قال قطع الله يوم بدر طرفاً من الكفار، وقتل صناديدهم ورؤوسهم وقادتهم في الشر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله "ليقطع طرفاً" قال: هذا يوم بدر قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: ذكر الله قتلى المشركين بأحد، وكانوا ثمانية عشر رجلاً فقال "ليقطع طرفاً من الذين كفروا" ثم ذكر الله الشهداء فقال " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ". وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله "أو يكبتهم" قال: يحزنهم. وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع مثله. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه حتى سال الدم، فقال: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الآية. وقد روي هذا المعنى في روايات كثيرة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية، فنزلت هذه الآية "ليس لك من الأمر شيء"". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضاً من حديث أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" " وفي لفظ:" اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله "ليس لك من الأمر شيء" الآية".
129-ثم قال:"ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ".
129" ولله ما في السموات وما في الأرض " خلقاً وملكاً فله الأمر كله لا لك. " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " صريح في نفي وجوب التعذيب، والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافي له. "والله غفور رحيم" لعباده فلا تبادر إلى الدعاء عليهم.
129. Unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth. He forgiveth whom He will, and punisheth whom He will. Allah is Forgiving, Merciful.
129 - To God belongeth all that is in the heavens and on earth. he forgiveth whom he pleaseth and punisheth whom he pleaseth; but God is oft forgiving, most merciful.