(نحن نقص) نقرأ (عليك نبأهم بالحق) بالصدق (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللهه عليه وسلم : نحن يا محمد نقص عليك خبر هؤلاء الفتية الذين أووا إلى اللههف بالحق ، يعني : بالصدق واليقين الذي لا شك فيه " إنهم فتية آمنوا بربهم " يقول : إن الفتية الذين أوؤا إلى اللههف الذين سالك عن نبئهم الملأ من مشركي قومك ، فتية امنوا بربهم ، " وزدناهم هدى" يقول : وزدناهم إلى إيمانهم بربهم ايمانا، وبصيرة بدينهم ، حتى صبروا على هجران دار قومهم ، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى اللهه ، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه ، إلى خشونة المكث في كهف الجبل .
قوله تعالى : " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " لما اقتضى قوله تعالى : " لنعلم أي الحزبين أحصى " اختلافاً وقع في أمد الفتية ، عقب بالخير عن أنه عز وجل يعلم من أمرهم بالحق الذي وقع . و قوله تعالى : " إنهم فتية " أي شباب وأحداث حكم لهم بالفتوة حين آمنوا بلا واسطة ، كذلك قال أهل اللسان : رأس الفتوة الإينمان . وقال الجنيد : الفتوة بذل الندى وكف الأذى وترك الشكوى . وقيل : الفتوة اجتناب المحارم واستعجال المكارم . وقيل غير هذا . وهذا القول حسن جداً لأأنه يعم بالمعنى جيمع ما قيل في الفتوة .
قوله تعالى : " وزدناهم هدى " أي يسرناهم للعمل الصالح ، من الانقطاع إلى الله تعالى ومباعدة الناس والزهد في الدنيا . وهذه زيادة على الإيمان .وقال السدي : زادهم هدى بكلب الراعي حين طردوه ورجموه مخافة أن ينبح عليهم وينبه بهم ، فرفع الكلب يديه إلى السماء كالداعي فأنطقه الله ، فقال : يا قوم لم تطردونني ، لم ترجمونني لم تضربونني فوالله لقد عرفت الله قبل أنعرفوه بأربعين سنة ، فزادهم الله بذلك هدى .
من ههنا شرع في بسط القصة وشرحها, فذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب, وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل, ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً, وأما المشايخ من قريش, فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل. وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شباباً, وقال مجاهد : بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة يعني الحلق, فألهمهم الله رشدهم وآتاهم تقواهم, فآمنوا بربهم أي اعترفوا له بالوحدانية, وشهدوا أنه لا إله إلا هو "وزدناهم هدى" استدل بهذه الاية وأمثالها غير واحد من الأئمة كالبخاري وغيره ممن ذهب إلى زيادة الإيمان وتفاضله وأنه يزيد وينقص, ولهذا قال تعالى: "وزدناهم هدى" كما قال: "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" وقال "فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون" وقال: "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" إلى غير ذلك من الايات الدالة على ذلك. وقد ذكر أنهم كانوا على دين المسيح عيسى بن مريم, فالله أعلم, والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية, فإنهم لو كانوا على دين النصرانية لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم لمباينتهم لهم, وقد تقدم عن ابن عباس أن قريشاً بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء, وعن خبر ذي القرنين, وعن الروح, فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب وأنه متقدم على دين النصرانية, والله أعلم.
وقوله "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض" يقول تعالى: وصبرناهم على مخالفة قومهم ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة, فإنه ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم, وأنهم خرجوا يوماً في بعض أعياد قومهم وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد, وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت, ويذبحون لها, وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس,. وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه, فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك, وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم, ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم, عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا الله الذي خلق السموات والأرض, فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية, فكان أول من جلس منهم وحده أحدهم, جلس تحت ظل شجرة فجاء الاخر فجلس إليها عنده, وجاء الاخر فجلس إليهما, وجاء الاخر فجلس إليهم, وجاء الاخر وجاء الاخر, ولا يعرف واحد منهم الاخر, وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان.
كما جاء في الحديث الذين رواه البخاري تعليقاً من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث سهيل عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, والناس يقولون: الجنسية علة الضم, والغرض أنه جعل كل أحد منهم يكتم ما هو عليه عن أصحابه خوفاً منهم, ولا يدري أنهم مثله حتى قال أحدهم: تعلمون والله يا قوم إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شيء, فليظهر كل واحد منكم بأمره, فقال آخر: أما أنا فإني والله رأيت ما قومي عليه فعرفت أنه باطل, وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به شيء هو الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما, وقال الاخر: وأنا والله وقع لي كذلك, وقال الاخر كذلك, حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة, فصاروا يداً واحدة, وإخوان صدق, فاتخذوا لهم معبداً يعبدون الله فيه, فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه, فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله عز وجل, ولهذا أخبر تعالى عنهم بقوله: " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها " ولن لنفي التأبيد أي لا يقع منا هذا أبداً, لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلاً, ولهذا قال عنهم: "لقد قلنا إذاً شططاً" أي باطلاً وبهتاناً "هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين" أي هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلاً واضحاً صحيحاً "فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً" يقولون: بل هم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك, فيقال إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم, وأمر بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم, وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه, وكان هذا من لطف الله بهم, فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة, وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفاً على دينه, كما جاء في الحديث "يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس ولا تشرع فيما عداها, لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع, فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم, واختار الله تعالى لهم ذلك وأخبر عنهم بذلك في قوله: "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله" أي وإذ فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله, ففارقوهم أيضاً بأبدانكم, "فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته" أي يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم " ويهيئ لكم من أمركم " الذي أنتم فيه "مرفقاً" أي أمراً ترتفقون به, فعند ذلك خرجوا هراباً إلى الكهف فأووا إليه, ففقدهم قومهم من بين أظهرهم وتطلبهم الملك, فيقال أنه لم يظفر بهم وعمى الله عليه خبرهم كما فعل بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وصاحبه الصديق حين لجآ إلى غار ثور, وجاء المشركون من قريش في الطلب فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه, وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جزع الصديق في قوله: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا, فقال: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟" وقد قال تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم " فقصة هذا الغار أشرف وأجل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف, وقد قيل: إن قومهم ظفروا بهم ووقفوا على باب الغار الذي دخلوه, فقالوا: ماكنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم, فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعلوا ذلك , وفي هذا نظر, والله أعلم, فإن الله تعالى قد أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشياً, كما قال تعالى:
13- "نحن نقص عليك نبأهم بالحق" هذا شروع في تفصيل ما أجمل في قوله: "إذ أوى الفتية" أي نحن نخبرك بخبرهم بالحق أي قصصناه بالحق، أو متلبساً بالحق "إنهم فتية" أي أحداث شبان، و " آمنوا بربهم " صفة لفتية والجملة مستأنفة بتقدير سؤال، والفتية جمع قلة، و "زدناهم هدىً" بالتثبيت والتوفيق وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
13 - " نحن نقص عليك " [ نقرأ عليك ] " نبأهم " ، خبر أصحاب الكهف . " بالحق " ، بالصدق " إنهم فتية " ، شبان ، " آمنوا بربهم وزدناهم هدى" ، إيماناً وبصيرة .
13."نحن نقص عليك نبأهم بالحق"بالصدق . "إنهم فتية"شبان جمع فتى كصبي وصبية."آمنوا بربهم وزدناهم هدى"بالتثبيت.
13. We narrate unto thee their story with truth. Lo! they were young men who believed in their Lord, and We increased them in guidance.
13 - We relate to thee their story in truth: they were youths who believed in their Lord, and we advanced them in guidance: