13 - (وأنا لما سمعنا الهدى) القرآن (آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف) بتقدير هو (بخسا) نقصا من حسناته (ولا رهقا) ظلما بالزيادة في سيئاته
قوله " وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به " يقول : قالوا : وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم آمنا به ، ويقول : صدقنا به ، وأقررنا أنه حق من عند الله ، فمن يؤمن بربه " فلا يخاف بخسا ولا رهقا " يقول : فمن يصدق بربه فلا يخاف بخساً : يقول : لا يخاف أن ينقص من حسناته ، فلا يجازى عليها ، ولا رهقاً : ولا إثماً يحمل عليه من سيئات غيره ، أو سيئة يعملها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " فلا يخاف بخسا ولا رهقا " يقول : لا يخاف نقصاً من حسناته ، ولا زيادة في سيئاته .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " فلا يخاف بخسا ولا رهقا " يقول : ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فلا يخاف بخسا " : أي ظلماً ، أن يظلم من حسناته فينقص منها شيئاً ، أو يحمل عليه ذنب غيره " ولا رهقا " ولا مأثماً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فلا يخاف بخسا ولا رهقا " قال : لا يخاف أن يبخس من أجره شيئاً ولا رهقاً ، فيظلم ولا يعطى شيئاً .
قوله تعالى : " وأنا لما سمعنا الهدى" يعني القرآن " آمنا به" وبالله، وصدقنا محمداً صلى الله عليه وسلم على رسالتهز وكان صلى الله عليه وسلم مبعوثاً الى الإنس والجن. قال الحسن: بعث ا لله محمداً صلى الله عليه وسلم الى الإنس والجن، ولم يبعث قط رسولاً من الجن، ولا من أهل البادية، ولا من النساء، وذلك قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى" [يوسف: 109] وقد تقدم هذا المعنى. وفي الصحيح:
((" وبعثت الى الأحمر والأسود")) أي الإنس والجن. " فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا " قال ابن عباس : لا يخاف ان ينقص من حسناته ولا ان يزاد في سيئاته، لأن البخس النقصان، والرهق: العدوان وغشيان المحارم، قال الأعشى:
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقاً
الوامق : المحب، وقد ومقه يمقه بالكسر أي أحبه، فهو وامق. وهذا قول حكاه الله تعالى عن الجن، لقوة ايمانهم وصحة اسلامهم. وقراءة العامة(( فلا يخاف)) رفعاً على تقدير فإنه لا يخاف. وقرأ الأعمش ويحي وإبارهيم (( فلايخف)) جزماً على جواب الشرط وإلغاء الفاء.
يقول تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" أي غير ذلك "كنا طرائق قدداً" أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة, قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد "كنا طرائق قدداً" أي منا المؤمن ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سهل بحشل , حدثنا علي بن الحسن بن سليمان وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم , حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول تروح إلينا جني فقلت له: ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الأرز, قال: فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحداً, فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال: نعم فقلت فما الرافضة فيكم ؟ قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش , وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى: "وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً" أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض, ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا "وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به" يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة, وقولهم "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى: "فلا يخاف ظلماً ولا هضماً" " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " أي منا المسلم ومنا القاسط, وهو الجائر عن الحق الناكب عنه, بخلاف المقسط فإنه العادل "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً" أي طلبوا لأنفسهم النجاة "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" أي وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه " اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين: (أحدهما) وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي كثيراً, والمراد بذلك سعة الرزق, كقوله تعالى: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وكقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" وعلى هذا يكون معنى قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم, كما قال مالك عن زيد بن أسلم : لنفتنهم لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
(ذكر من قال بهذا القول) قال العوفي عن ابن عباس : " وألو استقاموا على الطريقة " يعني بالاستقامة الطاعة, وقال مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال: الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي, وقال قتادة " وألو استقاموا على الطريقة " يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : " وألو استقاموا على الطريقة " أي: طريقة الحق, وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالايتين اللتين ذكرناهما, وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
(والقول الثاني) " وألو استقاموا على الطريقة " الضلال "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً, كما قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" وكقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد , فإنه قال في قوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة " أي طريقة الضلالة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه, ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله: "ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً" أي عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : "عذاباً صعداً" أي مشقة لا راحة معها, وعن ابن عباس : جبل في جهنم, وعن سعيد بن جبير : بئر فيها.
13- "وأنا لما سمعنا الهدى" يعنون القرآن "آمنا به" وصدقنا أنه من عند الله ولم نكذب به كما كذبت به كفرة الإنس "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" أي لا يخاف نقصاً في عمله وثوابه، ولا ظلماً ومكروهاً يغشاه، والبخس النقصان، والرهق العدوان والظغيان، والمعنى: لا يخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته، وقد تقدم تحقيق الرهق قريباً. قرأ الجمهور "بخساً" بسكون الخاء. وقرأ يحيى بن وثاب بفتحها. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش فلا يخف جزماً على جواب الشرط، ولا وجه لهذا بعد دخول الفاء. والتقدير: فهو لا يخاف والأمر ظاهر.
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: مالكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها لتعرفوا ما هذا الأمر الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له قالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فناك حين رجعوا إلى قومهم "فقالوا" يا قومنا " إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" وإنما أوحي إليه قول الجن. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" قال: كانوا من جن نصيبين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وأنه تعالى جد ربنا" قال: آلاؤه وعظمته. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: أمره وقدرته. وأخرج ابن مردويه والديلمي قال السيوطي بسند واه عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً في قوله: "وأنه كان يقول سفيهنا" قال: إبليس. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن عكرمة بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم، فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي أنا جارك، فنادى مناد يا سرحان أرسله، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم وأنزل الله على رسوله بمكة "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن" الآية. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "فزادوهم رهقاً" قال: إثماً. وأخرج ابن مردويه عنه قال: كان القوم في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه، فلا يكون بشيء أشد ولعا منهم بهم، ذلك قوله: " فزادوهم رهقا ". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال: كانت الشياطين لهم مقاعد في السماء يسمعون فيها الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا، فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الارض. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" يقول: منا المسلم، ومنا المشرك، و"كنا طرائق قدداً" أهواء شتى. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً " فلا يخاف بخسا ولا رهقا " قال: لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته.
13- "وأنا لما سمعنا الهدى"، القرآن وما أتى به محمد، "آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً"، نقصاناً من عمله وثوابه، "ولا رهقاً"، ظلماً. وقيل: مكروهاً يغشاه.
13-" وأنا لما سمعنا الهدى " أي القران . " آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف " فهو لا يخاف ، وقرئ فلا يخف والأول أدل على تحقيق نجاة المؤمنين واختصاصها بهم . " بخساً ولا رهقاً " نقصاً في الجزاء ولا أن يرهقه ذلة ، أو جزاء بخس لأنه لم يبخس لأحد حقاً ولم يرهق ظلماً ، لأن من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب ذلك .
13. And when we heard the guidance, we believed therein, and whoso believeth in his Lord, he feareth neither loss nor oppression.
13 - And as for us, since we have listened to the Guidance, we have accepted it: and any who believes in his Lord has no fear, either of a short (account) or of any injustice.