132 - (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر) اصبر (عليها لا نسألك) نكلفك (رزقا) لنفسك ولا لغيرك (نحن نرزقك والعاقبة) الجنة (للتقوى) لأهلها
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "وأمر" يا محمد "أهلك بالصلاة واصطبر عليها" يقول : واصطبر على القيام بها، وأدائها بحدودها أنت "لا نسألك رزقا" يقول : لا نسئلك مالاً، بل نكلفك عملاً ببدنك ، نؤتيك عليه أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً "نحن نرزقك" يقول : نحن نعطيك المال ونكسبكه ، ولا نسألكه. وقوله : "والعاقبة للتقوى" يقول : والعاقبة الصالحة من كل عمل كل عامل لأهل التقوى والخشية من الله دون من لا يخاف له عقاباً، ولا يرجو له ثواباً.
وبنحو الذي قلنا في قوله : "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة، قال : كان عروة إذا رأى ما عند السلاطين دخل داره ، فقال : "لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى* وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى" ثم ينادي : الصلاة الصلاة ، يرحمكم الله.
حدثنا أبو كريب قال : ثنا عثام ، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، أنه كان إذا رأى شيئاً من الدنيا جاء إلى أهله ، فقال : الصلاة "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً".
حدثنا العباس بن عبد العظيم ، قال : ثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : كان يبيت عند عمر بن الخطاب من غلمانه أنا ويرفا، وكانت له من الليل ساعة يصليها، فإذا قلنا لا يقوم من الليل كان قياماً، وكان إذا صلى من الليل ثم فرغ قرأ هذه الآية : "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها".
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، مثله.
قوله تعالى: " وأمر أهلك بالصلاة " أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها. وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل في عمومه جميع أمته، وأهل بيته على التخصيص.
" وكان عليه السلام بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلي رضوان الله عليهما فيقول:
الصلاة ". ويروى أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله، وهو يقرأ " ولا تمدن عينيك " - الآية - إلى قوله: " وأبقى " ثم ينادي بالصلاة: الصلاة يرحمكم الله، ويصلي. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية.
قوله تعالى: " لا نسألك رزقا " أي لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم، وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق، بل نحن نتكفل برزقك وإياهم، فكان عليه السلام إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة. وقد قال الله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق " [الذاريات: 56 - 58].
قوله تعالى: " والعاقبة للتقوى " أي الجنة لأهل التقوى، يعني العاقبة المحمودة. وقد تكون لغير التقوى عاقبة ولكنها مذمومة فهي كالمعدومة.
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم, فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة, لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور. وقال مجاهد : "أزواجاً منهم", يعني الأغنياء, فقد آتاك خيراً مما آتاهم, كما قال في الاية الأخرى " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك " الاية, وكذلك ما ادخره الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في الاخرة أمر عظيم لا يحد ولا يوصف, كما قال تعالى: "ولسوف يعطيك ربك فترضى" ولهذا قال: "ورزق ربك خير وأبقى" وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المشربة التي كان قد اعتزل فيها نساءه حين آلى منهن, فرآه متوسداً مضطجعاً على رمال حصير, وليس في البيت إلا صبرة من قرظ وأهب معلقة, فابتدرت عينا عمر بالبكاء, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مايبكيك يا عمر ؟ فقال: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه, وأنت صفوة الله من خلقه ؟ فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا" فكان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها, إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا في عباد الله, ولم يدخر لنفسه شيئاً لغد.
قال ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس , أخبرنا ابن وهب , أخبرني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار , عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله ؟ قال بركات الأرض". وقال قتادة والسدي : زهرة الحياة الدنيا, يعني زينة الحياة الدنيا. وقال قتادة : "لنفتنهم فيه" لنبتليهم. وقوله: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" أي استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة, واصبر أنت على فعلها, كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً". وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن صالح , حدثنا ابن وهب , أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يبيت عنده أنا ويرفأ, وكان له ساعة من الليل يصلي فيها, فربما لم يقم, فنقول: لا يقوم الليلة كما كان يقوم, وكان إذا استيقظ أقام يعني أهله, وقال "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها".
وقوله: "لا نسألك رزقاً نحن نرزقك" يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب, كما قال تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " وقال تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " ولهذا قال: "لا نسألك رزقاً نحن نرزقك". وقال الثوري : "لا نسألك رزقاً", أي لا نكلفك الطلب. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا حفص بن غياث عن هشام عن أبيه أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا فرأى من دنياهم طرفاً, فإذا رجع إلى أهله, فدخل الدار قرأ " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى * وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك " ثم يقول: " الصلاة. الصلاة رحمكم الله " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني , حدثنا سيار , حدثنا جعفر عن ثابت قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله: يا أهلاه صلوا, صلوا " . قال ثابت : وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة, وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي , عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك, وإن لم تفعل, ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك" وروى ابن ماجه من حديث الضحاك عن الأسود عن ابن مسعود : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله هم دنياه, ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك", وروي أيضاً من حديث شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان , عن أبيه عن زيد بن ثابت , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره, وجعل فقره بين عينيه, ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له, ومن كانت الاخرة نيته, جمع له أمره وجعل غناه في قلبه, وأتته الدنيا وهي راغمة" وقوله: "والعاقبة للتقوى" أي وحسن العاقبة في الدنيا والاخرة, وهي الجنة لمن اتقى الله. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع, وأنا أتينا برطب ابن طاب, فأولت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة, وأن ديننا قد طاب".
132- "وأمر أهلك بالصلاة" أمره الله سبحانه بأن يأمر أهله بالصلاة، والمراد بهم أهل بيته، وقيل جميع أمته ولم يذكر ها هنا الأمر من الله له بالصلاة، بل قصر الأمر على أهله، إما لكون إقامته لها أمراً معلوماً، أو لكون أمره بها قد تقدم في قوله: "وسبح بحمد ربك" إلى آخر الآية، أو لكون أمره بالأمر لأهله أمراً له، ولهذا قال: "واصطبر عليها" أن اصبر على الصلاة، ولا تشتغل عنها بشيء من أمور الدنيا "لا نسألك رزقاً" أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك، وتشتغل بذلك عن الصلاة "نحن نرزقك" ونرزقهم ولا نكلفك ذلك "والعاقبة للتقوى" أي العاقبة المحمودة، وهي الجنة لأهل التقوى على حذف المضاف كما قال الأخفش، وفيه دليل على أن التقوى هي ملاك الأمر وعليها تدور دوائر الخير.
132. " وأمر أهلك بالصلاة "، أي قومك. وقيل: من كان على دينك، كقوله تعالى: " وكان يأمر أهله بالصلاة " (مريم-55)، " واصطبر عليها "، أي اصبر على الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
" لا نسألك رزقاً "، لا نكلفك أن ترزق أحداً من خلقنا، ولا أن ترزق نفسك وإنما نكلفك عملاً " نحن نرزقك والعاقبة "، الخاتمة الجميلة المحمودة، " للتقوى "، أي لأهل التقوى. قال ابن عباس: الذين صدقوك واتبعوك واتقوني.
وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أصاب أهله ضر بالصلاة وتلا هذه الآية.
132ـ " وأمر أهلك بالصلاة " أمره بأن بأمر أهل بيته أو التابعين له من أمته بالصلاة بعد ما أمر بها ليتعاونوا على الاستعانة بها على خصاصتهم ولا يهتموا بأمر المعيشة ولا يلتفتوا لفت أرباب الثروة . " واصطبر عليها " وداوم عليها . " لا نسألك رزقاً " أي أن ترزق نفسك ولا أهلك . " نحن نرزقكم وإياهم " ففرغ بالك لأمر الآخرة . " والعاقبة " المحمودة . " للتقوى " لذوي التقوى . روي " أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية " .
132. And enjoin upon thy people worship, and be constant therein. We ask not of thee a provision: We provide for thee. And the sequel is for righteousness.
132 - Enjoin prayer on thy people, and be constant therein. we ask thee not to provide Sustenance: we provide it for thee. but the (fruit of) the Hereafter is for Righteousness.