(الحقُّ) كائن (من ربك فلا تكونن من الممتَرين) الشاكين فيه أي من هذا النوع فهو أبلغ من لا تمتر
"الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"
القول في تأويل قوله تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه"، أحبار اليهود وعلماء النصارى. يقول: يعرف هؤلاء الأحبار من اليهود، والعلماء من النصارى: أن البيت الحرام قبلتهم وقبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك، كما يعرفون أبناءهم، كما: حدثنا بشر بن معاذ: قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، يقول: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة.
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة في قول الله عز وجل: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، يعني: القبلة. حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قوله:"الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم "، عرفوا أن قبلة البيت الحرام هي قبلتهم التي أمروا بها، كما عرفوا أبناءهم. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" يعني بذلك: الكعبة البيت الحرام. حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، يعرفون الكعبة هي قبلة الأنبياء، كما يعرفون أبناءهم. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، قال: اليهود يعرفون أنها هي القبلة، مكة.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج في قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، قال: القبلة والبيت.القول في تأويل قوله تعالى: "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وإن طائفة من الذين أوتوا الكتاب- وهم اليهود والنصارى. وكان مجاهد يقول: هم أهل الكتاب.
حدثني محمد بن عمرو- يعني الباهلي- قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بذلك.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج مثله. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، مثله.قال أبو جعفر: وقوله: "ليكتمون الحق"،- وذلك الحق هو القبلة- التي وجه الله عز وجل إليها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم - يقول: فول وجهك شطر المسجد الحرام التي كانت الأنبياء من قبل محمد صلى الله عليه وسلم يتوجهون إليها، فكتمتها اليهود والنصارى، فوجه بعضهم شرقاً، وبعضهم بيت المقدس، ورفضوا ما أمرهم الله به، وكتموا مع ذلك أمر محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. فأطلع الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته على خيانتهم الله تبارك وتعالى، وخيانتهم عباده، وكتمانهم ذلك، وأخبر أنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك على علم منهم بأن الحق غيره، وأن الواجب عليهم من الله جل ثناؤه خلافه، فقال: "ليكتمون الحق وهم يعلمون"، أن ليس لهم كتمانه، فيتعمدون معصية الله تبارك وتعالى، كما: حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون"، فكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم. حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليكتمون الحق وهم يعلمون"، قال: يكتمون محمداً صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق بن الحجاج قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،عن قتادة: "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" ، يعني القبلة.
قوله تعالى : "الحق من ربك" يعني استقبال الكعبة ، لا ما أخبرك به اليهود من قبلتهم . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ الحق منصوباً بـ يعلمون أي يعلمون الحق . ويصح نصبه على تقدير ألزم الحق . والرفع على الابتداء أو على إضمار مبتدأ ، والتقدير هو الحق ، أو على إضمار فعل ، أي جاءك الحق . قال النحاس : فأما الذي في الأنبياء "الحق فهم معرضون" فلا نعلم أحداً قرأه إلا منصوباً ، والفرق بينهما أن الذي في سورة البقرة مبتدأ آية ، والذي في الأنبياء ليس كذلك .
قوله تعالى ك "فلا تكونن من الممترين" أي من الشاكين . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته . يقال : امترى فلان في كذا إذا اعترضه اليقين مرة والشك أخرى فدافع إحدهما بالأخرى ، ومنه المراء لأن كل واحد منهما يشك في قول صاحبه . والامتراء في الشيء الشك فيه ، وكذا التماري . وأنشد الطبري شاهداً على أن الممترين الشاكون قول الأعشى :
تدر على أسؤق الممتريـ ركضاً إذا ما السراب ارجحن
قال ابن عطية : ووهم في هذا ، لأن أبا عبيدة وغيره قال : الممترون في البيت هم الذين يمرون الخيل بأرجلهم همزاً لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها ، وليس في البيت معنى الشك كما قال الطبري .
قلت : معنى الشك فيه موجود ، لأنه يحتمل أن يختبر الفرس صاحبه هل هو على ما عهد منه من الجري أم لا ، لئلا يكون أصابه شيء ، أو يكون هذا عند أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جريه . قال الجوهري : ومريت الفرس إذا استخرجت ما عنده من الجري بسوط أو غيره . والاسم المرية ( بالكسر ) وقد تضم . ومريت الناقة مرياً : إذا مسحت ضرعها لتدر . وأمرت هي إذا در لبنها ، والاسم المرية ( بالكسر) ، والضم غلط . والمرية الشك ، وقد تضم ، وقرىء بهما .
يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب، يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما جاء في الحديث. "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير ابنك هذا ؟ قال: نعم يا رسول الله أشهد به، قال أما أنه لا يجنى عليك ولا يجنى عليه "قال القرطبي: ويروى عن عمر أنه قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمداً كما تعرف ولدك ؟ قال، نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته، وإني لا أدري ما كان من أمه (قلت) وقد يكون المراد "يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" من بين أبناء الناس كلهم، لا يشك أحد ولا يمتري في معرفة ابنه إذا رآه من أبناء الناس كلهم. ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي "ليكتمون الحق" أي ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم "وهم يعلمون"، ثم ثبت تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فقال: "الحق من ربك فلا تكونن من الممترين"
وقوله: 147- "الحق من ربك" يحتمل أن يكون المراد به الحق الأول، ويحتمل أن يراد به جنس الحق على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره قوله: من ربك أي الحق هو الذي من ربك لا من غيره. وقرأ علي بن أبي طالب "الحق" بالنصب على أنه بدل من الأول أو منصوب على الإغراء أي الزم الحق. وقوله: "فلا تكونن من الممترين" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والامتراء: الشك، نهاه الله سبحانه عن الشك في كونه الحق من ربه، أو في كون كتمانهم الحق مع علمهم، وعلى الأول هو تعريض للأمة: أي لا يكن أحد من أمته من الممترين، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يشك في كون ذلك هو الحق من الله سبحانه.
وقد أخرج ابن ماجه عن البراء قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهراً، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة بشهرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقليب وجهه في السماء، وعلم الله من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة فصعد جبريل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره وهو يصعد بين السماء والأرض ينظر ما يأتيه به، فأنزل الله "قد نرى تقلب وجهك في السماء" الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله "وما كان الله ليضيع إيمانكم". وأخرجه الطبراني من حديث معاذ مختصراً لكنه قال: سبعة عشر شهراً. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى: "فلنولينك قبلة ترضاها" قال: قبلة إبراهيم نحو الميزاب. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء في قوله: "فول وجهك شطر المسجد الحرام" قال: قبله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي مثله. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: "شطره" نحوه. وأخرج البيهقي عن مجاهد مثله. وأخرج ابن شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية قال: "شطر المسجد الحرام" تلقاءه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: البيت كله قبلة وقبلة البيت الباب. وأخرج البيهقي في سننه عنه مرفوعاً قال: "البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي" وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: "وإن الذين أوتوا الكتاب" قال: أنزل ذلك في اليهود. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ليعلمون أنه الحق" قال: يعني بذلك القبلة. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية نحوه. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: "وما بعضهم بتابع قبلة بعض" يقول: ما اليهود بتابعي قبلة النصارى، ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "الذين آتيناهم الكتاب" قال: اليهود والنصارى "يعرفونه" قال: يعرفون رسول الله في كتابهم "كما يعرفون أبناءهم".وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه في قوله: "يعرفونه" أي يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة. وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: "وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" قال: يكتمون محمداً وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية قال: قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: "الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" يقول: لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك، وكانت قبلة الأنبياء من قبلك.
147. " الحق من ربك " أي هذا الحق خبر مبتدأ مضمر وقيل رفع بإضمار فعل أي جلءك الحق من ربك " فلا تكونن من الممترين " الشاكين.
147-" الحق من ربك " كلام مستأنف ، والحق إما مبتدأ خبره من ربك واللام للعهد ، والإشارة إلى ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الحق الذي يكتمونه ، أو للجنس . والمعنى أن " الحق " ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب ، وإما خبره مبتدأ محذوف أي هو " الحق " . ومن ربك حال ، أو خبر بعد خبر . وقرئ بالنصب على أنه بدل من الأول ، أو مفعول " يعلمون " " فلا تكونن من الممترين " الشاكين في أنه من ربك ، أو في كتمانهم الحق عالمين به ، وليس المراد به نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشك فيه ، لأنه غير متوقع منه وليس بقصد واختيار ، بل إما تحقيق الأمر وإنه بحيث لا يشك فيه ناظر ، أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ .
147. It is the Truth from thy Lord (O Muhammad), so be not thou of those who waver.
147 - The truth is from thy Lord; so be not at all in doubt.