15 - (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) عن الناس ويظهر لهم قربها بعلاماتها (لتجزى) فيها (كل نفس بما تسعى) به من خير أو شر
يقول تعالى ذكره : إن الساعة التي يبعث الله فيها الخلائق من قبورهم لموقف القيامة جائية "أكاد أخفيها" فعلى ضم الألف من أخفيها قراءة جميع قراء أمصار الإسلام ، بمعنى : أكاد أخفيها من نفسي ، لئلا يطلع عليها أحد، وبذلك جاء تأويل أكثر أهل العلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "أكاد أخفيها" يقول : لا أظهر عليها أحداً غيري.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "إن الساعة آتية أكاد أخفيها" قال ؟ لا تأتيكم إلا بغتة.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا أبو أحمد، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد "إن الساعة آتية أكاد أخفيها" قال : من نفسي.
حدثنا محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قول الله "أكاد أخفيها" قال : من نفسي.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا جرير، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس "أكاد أخفيها" قال : من نفسي.
حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثنا محمد بن عبيد الطنافسي ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ، في قوله "أكاد أخفيها" قال : يخفيهما من نفسه.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "أكاد أخفيها" وهي في بعض القراءة : أخفيها من نفسي. ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ، ومن الأنبياء المرسلين.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، قال في بعض الحروف "إن الساعة آتية أكاد أخفيها".
وقال آخرون : إنما هو "أكاد أخفيها" بفتح الألف من أخفيها بمعنى : أظهرها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا محمد بن سهل ، قال : سألني رجل في المسجد عن هذا البيت:
داب شهرين ثم شهراً دميكا بأريكين يخفيان غميرا
فقلت : يظهران ، فقال ورقاء بن إياس وهو خلفي : أقرأنيها سعيد بن جبير "أكاد أخفيها" بنصب الألف. وقد روي عن سعيد بن جبير وفاق لقول الآخرين الذين قالوا : معناه : أكاد أخفيها من نفسي.
ذكر الرواية عنه بذلك:
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء، عن سعيد بن جبير ومنصور، عن مجاهد ، قال "إن الساعة آتية أكاد أخفيها" قالا : من نفسي.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير"أكاد أخفيها" قال : من نفسي.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل الآية من القول ، قول من قال : معناه: أكاد أخفيها من نفسي لأن تأويل أهل التأويل بذلك جاء. والذي ذكر عن سعيد بن جبير من قراءة ذلك بفتح الألف قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءة الحجة التي لا يجوز خلافها فيما جاءت به نقلاً مستفيضاً.
فإن قال قال: ولم وجهت تأويل قص له "أكاد أخفيها" بضم الألف إلى معنى : أكاد أخفيها من نفسي ، دون توجيهه إلى معنى : أكاد أظهرها، وقد علمت أن للإخفاء في كلام العرب وجهين : أحدهما الإظهار، والآخر الكتمان ، وأن الإظهار في هذا الموضع أشبه بمعنى الكلام ، إذ كان الإخفاء من نفسه يكاد عند السامعين أن يستحيل معناه ، إذ كان محالًا أن يخفي أحد عن نفسه شيئا هو به عالم ، والله تعالى ذكره لا يخفى عليه خافية؟ قيل : الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت ، وإنما وجهنا معنى "أخفيها" بضم الألف إلى معنى : أسترها من نفسي ، لأن المعروف من معنى الإخفاء في كلام العرب: الستر. يقال : قد أخفيت الشيء : إذا سترته . وأن الذين وجهوا معناه إلى الإظهار، اعتمدوا على بيت لامرىء القيس بن عابس الكندي.
حدثت عن معمر بن المثنى أنه قال : أنشدنيه أبو الخطاب ، عن أهله في بلده:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
بضم النون من لا نخفه ، ومعناه : لا نظهره ، فكان اعتمادهم في توجيه الإخفاء في هذا الموضع إلى الإظهار على ما ذكروا من سماعهم هذا البيت ، على ما وصفت من ضم النون من نخفه. وقد أنشدني الثقة عن الفراء:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه
بفتح النون من نخفه ، من خفيته أخفيه ، وهو أولى بالصواب لأنه المعروف من كلام العرب. فإذ كان ذلك كذلك ، وكان الفتح في الألف من أخفيها غير جائز عندنا لما ذكرنا، ثبت وصح الآخر، وهو أن معنى ذلك : أكاد أسترها من نفسي.
وأما وجه صحة القول في ذلك ، فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقران على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم ، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئاً هو له مسر: قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به ، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته ، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم ، وما قد عرفوه في منطقهم وقد قيل في ذلك أقوال غير ما قلنا. وإنما اخترنا هذا القول على غيره من الأقوال لموافقة أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين ، إذ كنا لا نستجيز الخلاف عليهم ، فيما استفاض القول به منهم ، وجاء عنهم مجيئاً يقطع العذر. فأما الذين قالوا في ذلك غير قولنا ممن قال فيه على وجه الانتزاع من كلام العرب ، من غير أن يعزوه إلى إمام من الصحابة أو التابعين ، وعلى وجه يحتمل الكلام غير وجهه المعروف ، فإنهم اختلفوا في معناه بينهم ، فقال بعضهم : يحتمل معناه : أريد أخفيها، قال : وذلك معروف في اللغة. وذكر أنه حكي عن العرب أنهم يقولون : أولئك أصحابي الذين كاد أنزل عليهم ، وقال : معناه : لا أنزل إلا عليهم.
قال: وحكي : أكاد أبرح منزلي : أي ما أبرح منزلي واحتج ببيت أنشده لبعض الشعراء:
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من عهد الصبابة ما مضى
وقال : يريد بكادت : أرادت ، قال : فيكون المعنى : أريد أخفيها لتجزى كل نفسر بما تسعى. قال : ومما يشبه ذلك قول زيد الخيل:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما أن يكاد قرنه يتنفس
وقال : كأنه قال : فما يتنفس قرنه ، وإلا ضعف المعنى ، قال : وقال ذو الرقة:
إذا غير الناي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح
قال : وليس المعنى: لم يكد يبرح : أي بعد يسر، ويبرح بعد عسر، وإنما المعنى : لم يبرح ، أو لم يرد يبرح ، وإلا ضعف المعنى، قال : وكذلك قول أبي النجم:
وإن أتاك نعي فاندبن أبا قد كاد يضطلع الأعداء والخطبا
وقال : يكون المعنى : قد اضطلع الأعداء، وإلا لم يكن مدحاً إذا أراد كاد ولم يرد يفعل.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن الساعة آتية أكاد، قال : وانتهى الخبر عند قوله أكاد لأن معناه : أكاد أن آتي بها، قال : ثم ابتدأ فقال : ولكني أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. قال : وذلك نظير قول ابن ضابىء:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي أقاربه
فقال : كدت ، ومعناه : كدت أفعل.
وقال آخرون : معنى "أخفيها": أظهرها ، وقالوا : الإخفاء والإسرار قد توجههما العرب إلى معنى الإظهار، واستشهد بعضهم لقيله ذلك ببيت الفرزدق:
فلما رأى الحجاج جرد سيفه أسر الحروري الذي كان أضمرا
وقال : عنى بقوله : أسر: أظهر. قال : وقد يجوز أن يكون معنى قوله "وأسروا الندامة" [يونس :54] - [سبأ : 33 ] وأظهروها. قال : وذلك أنهم قالوا : "يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا" [الأنعام : 27 ]. وقال جميع هؤلاء الذين حكينا قولهم جائز أن يكون قول من قال : معنى ذلك : أكاد أخفيها من نفسي ، أن يكون : أراد أخفيها من قبلي ومن عندي. وكل هذه الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا توجيه منهم للكلام إلى غير وجهه المعروف ، وغير جائز توجيه معاني كلام الله إلى غير الأغلب عليه من وجوهه عند المخاطبين به ، ففي ذلك مع خلافهم تأويل أهل العلم فيه شاهد عدل على خطأ ما ذهبوا إليه فيه.
وقوله "لتجزى كل نفس بما تسعى" يقول تعالى ذكره : إن الساعة آتية لتجزى كل نفس ، يقول : لتثاب كل نفس امتحنها ربها بالعبادة في الدنيا بما تسعى، يقول : بما تعمل من خير وشر، وطاعة ومعصية.
قوله تعالى: " إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى " آية مشكلة، فروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ " أكاد أخفيها " بفتح الهمزة، قال: أظهرها. " لتجزى " أي الإظهار للجزاء، رواه أبو عبيد عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وقاء بن إياس عن سعيد بن جبير. وقال النحاس : وليس لهذه الرواية طريق غير هذا.
قلت: وكذا رواه أبو بكر الأنباري في كتاب الرد ، حدثني أبي حدثنا محمد بن الجهم حدثنا الفراء : وحدثنا الكسائي ، ح - وحدثنا عبد الله بن ناجية، حدثنا يوسف حدثنا يحيى الحماني حدثنا محمد بن سهل. قال النحاس ، وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير: أنه قرأ " أكاد أخفيها " بضم الهمزة.
قلت: وأما قراءة ابن جبير " أخفيها " بفتح الهمزة بالإسناد المذكور فقال أبو بكر الأنباري قال الفراء : معناه أظهرها من خفيت الشيء أخفيه إذا أظهرته. وأنشد الفراء لامرىء القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أراد لا نظهره، وقد قال بعض اللغويين: يجوز أن يكون " أخفيها " بضم الهمزة معناه أظهرها لأنه يقال: خفيت الشيء وأخفيته إذا أظهرته، فأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار. وقال أبو عبيدة: خفيت وأخفيت بمعنى واحد. النحاس : وهذا حسن، وقد حكاه عن أبي الخطاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا يشك في صدقه، وقد روى عنه سيبويه وأنشد:
وإن تكتموا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
كذا رواه أبو عبيدة عن أبي الخطاب بضم النون. وقال امرؤ القيس أيضاً:
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلب
أي أظهرهن. وروي: ((من سحاب مركب)) بدل ((من عشي مجلب)). وقال أبو بكر الأنباري : وتفسير للآية آخر: " إن الساعة آتية أكاد " انقطع الكلام على " أكاد " وبعده مضمر أكاد آتي بها، والابتداء " أخفيها لتجزى كل نفس ". قال ضابىء البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
أراد وكدت أفعل، فأضمر مع كدت فعلاً كالفعل المضمر معه في القرآن.
قلت: هذا الذي اختاره النحاس ، وزيف القول الذي قبله فقال يقال: خفى الشيء يخفيه إذا أظهره، وقد حكى أنه يقال: أخفاه أيضاً إذا أظهره، وليس بالمعروف، قال: وقد رأيت علي بن سليمان لما أشكل عليه معنى " أخفيها " عدل إلى هذا القول، وقال: معناه كمعنى " أخفيها ". قال النحاس ليس المعنى على أظهرها ولا سيما و " أخفيها " قراءة شاذة، فكيف ترد القراءة الصحيحة الشائعة إلى الشاذة، ومعنى المضمر أولى، ويكون التقدير: إن الساعة آتية أكاد آتي بها، ودل " آتية " على آتي بها، ثم قال: " أخفيها " على الابتداء. وهذا معنى صحيح، لأن الله عز وجل قد أخفى الساعة التي هي القيامة، والساعة التي يموت فيه الإنسان ليكون الإنسان يعمل، والأمر عنده مبهم، فلا يؤخر التوبة.
قلت: وعلى هذا القول تكون اللام في " لتجزى " متعلقة بـ" أخفيها ". وقال أبو علي: هذا من باب السلب وليس من باب الأضداد، ومعنى " أخفيها " أزيل عنها خفاءها، وهو سترها كخفاء الأخفية وهي الأكسية والواحد خفاء بكسر الخاء ما تلف به القربة، وإذا زال عنها سترها ظهرت. ومن هذا قولهم: أشكيته، أي أزلت شكواه، وأعديته أي قبلت استعداءه ولم أحوجه إلى إعادته. وحكى أبو حاتم عن الأخفش: أن " كاد " زائدة مؤكدة. قال: ومثله " إذا أخرج يده لم يكد يراها " [النور: 40] لأن الظلمات التي ذكرها الله تعالى بعضها يحول بين الناظر والمنظور إليه؟. وروي معناه عن ابن جبير، والتقدير: إن الساعة آتية أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. وقال الشاعر:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما إن يكاد قرنه يتنفس
أراد فما يتنفس. وقال آخر:
وألا ألوم النفس فيما أصابني وألا أكاد بالذي نلت أنجح
معناه: وألا أنجح بالذي نلت، فأكاد توكيد للكلام. وقيل: المعنى " أكاد أخفيها " أي أقارب ذلك، لأنك إذا قلت: زيد يقوم، جاز أن يكون قام، وأن يكون لم يقم. ودل على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه على هذا الجواب. قال اللغويون: كدت أفعل معناه عند العرب: قاربت الفعل ولم أفعل، وما كدت أفعل معناه: فعلت بعد إبطاء. وشاهده قول الله عزت عظمته " فذبحوها وما كادوا يفعلون " [البقرة: 71] معناه: وفعلوا بعد إبطاء لتعذر وجدان البقرة عليهم. وقد يكون ما كدت أفعل بمعنى ما فعلت ولا قاربت إذا أكد الكلام بأكاد. وقيل: معنى " أكاد أخفيها " أريد أخفيها. قال الأنباري : وشاهد هذا القول الفصيح من الشعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
معناه: أرادت وأردت. وقال ابن عباس وأكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي : إن المعنى أكاد أخفيها من نفسي، وكذلك هو في مصحف أبي. وفي مصحف ابن مسعود: أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق. وفي بعض القراءات: فكيف أظهرها لكم. وهو محمول على أنه جاء على ما جرت به عادة العرب في كلامها، من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال: كدت أخفيه من نفسي. والله تعالى لا يخفى عليه شيء، قال معناه قطرب وغيره. وقال الشاعر:
أيام تصحبني هند وأخبرها ما أكتم النفس من حاجي وأسراري
فكيف يخبرها بما تكتم نفسه. ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
" ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " الزمخشري وقيل معناه: أكاد أخفيها من نفسي، ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف، ومحذوف لا دليل عليه مطرح، والذي غرهم منه أن في مصحف أبي: أكاد أخفيها من نفسي، وفي بعض المصاحف: أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها.
قلت: وقيل إن معنى قول من قال أكاد أخفيها من نفسي، أي إن إخفاءها كان من قبلي ومن عندي لا من قبل غيري. وروي عن ابن عباس أيضاً: أكاد أخفيها من نفسي، ورواه طلحة بن عمرو عن عطاء . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا أظهر عليها أحداً. وروي عن سعيد بن جبير قال: قد أخفاها. وهذا على أن كاد زائدة. أي إن الساعة آتية أخفيها، والفائدة في إخفائها التخويف والتهويل. وقيل: تعلق " لتجزى " بقوله تعالى: " وأقم الصلاة " فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي أقم الصلاة لتذكرني " لتجزى كل نفس بما تسعى " أي بسعيها " إن الساعة آتية أكاد أخفيها ". والله أعلم. وقيل: هي متعلقة بقوله: " آتية " أي إن الساعة آتية لتجزى.
يقول تعالى: "فلما أتاها" أي النار, واقترب منها "نودي يا موسى" وفي الاية الأخرى " نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله " وقال ههنا "إني أنا ربك" أي الذي يكلمك ويخاطبك "فاخلع نعليك" قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف: كانتا من جلد حمار غير ذكي, وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبقعة. وقال سعيد بن جبير : كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة, وقيل: ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "طوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو اسم للوادي, وكذا قال غير واحد, فعلى هذا يكون عطف بيان, وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه, وقيل: لأنه قدس مرتين, وطوى له البركة وكررت, والأول أصح كقوله: "إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى". وقوله: "وأنا اخترتك" كقوله: "إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه, وقد قيل: إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتلكيم من بين الناس ؟ قال: لا, قال: لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك. وقوله: "فاستمع لما يوحى" أي استمع الان ما أقول لك وأوحيه إليك "إنني أنا الله لا إله إلا أنا" هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وقوله: "فاعبدني" أي وحدني, وقم بعبادتي من غير شريك "وأقم الصلاة لذكري" قيل: معناه صل لتذكرني, وقيل: معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي, ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة , عن أنس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها, فليصلها إذا ذكرها, فإن الله تعالى قال: وأقم الصلاة لذكري", وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك". وقوله: "إن الساعة آتية" أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها.
وقوله: "أكاد أخفيها" قال الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: أكاد أخفيها من نفسي, يقول: لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : من نفسه: وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "أكاد أخفيها" يقول: لا أطلع عليها أحداً غيري. وقال السدي : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة وهي في قراءة ابن مسعود إني أكاد أخفيها من نفسي, يقول: كتمتها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت. وقال قتادة : أكاد أخفيها, وهي في بعض القراءات: أخفيها من نفسي, ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين. قلت وهذا كقوله تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" وقال: "ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة" أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا منجاب , حدثنا أبو نميلة , حدثني محمد بن سهل الأسدي عن وقاء قال: أقرأنيها سعيد بن جبير : أكاد أخفيها, يعني بنصب الألف وخفض الفاء, يقول أظهرها, ثم قال أما سمعت قول الشاعر:
دأب شهرين ثم شهراً دميكاً بأريكين يخفيان غميراً
قال السدي : الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس, والأريكين موضع, والدميك الشهر التام, وهذا الشعر لكعب بن زهير . وقوله سبحانه وتعالى: "لتجزى كل نفس بما تسعى" أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " " إنما تجزون ما كنتم تعملون " وقوله: "فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها" الاية, المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين. أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة, وأقبل على ملاذه في دنياه, وعصى مولاه واتبع هواه, فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر "فتردى" أي تهلك وتعطب, قال الله تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى".
وجملة 15- "إن الساعة آتية" تعليل لما قبلها من الأمر: أي إن الساعة التي هي وقت الحساب والعقاب آتية، فاعمل الخير من عبادة الله والصلاة.
ومعنى "أكاد أخفيها" مختلف فيه. قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: أخفيها من نفسي، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة. وقال المبرد وقطرب: هذا على عادة مخاطبة العرب يقولون إذاً بالغوا في كتمان الشيء كتمته حتى من نفسي: أي لم أطلع عليه أحداً، ومعنى الآية أن الله بالغ في إخفاء الساعة، فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب. وقد روي سعيد بن جبير أنه قرأ أخفيها بفتح الهمزة ومعناه أظهرها، وكذا روى أبو عبيدة عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وفاء بن إياس عن سعيد بن جبير. قال النحاس: وليس لهذه الرواية طريق غير هذا. قال القرطبي: وكذا رواه ابن الأنباري في كتاب الرد قال: حدثني أبي حدثنا محمد بن الجهم، حدثنا الفراء حدثنا الكسائي فذكره. قال النحاس: وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه قرأ أخفيها بضم الهمزة. قال ابن الأنباري: قال الفراء: ومعنى قراءة الفتح أكاد أظهرها، من خفيت الشيء إذا أظهرته أخفيه. قال القرطبي: وقد قال بعض اللغويين: يجوز أن يكون أخفيها بضم الألف معناه أظهرها، لأنه يقال خفيت الشيء وأخفيته من حروف الأضداد يقل على الستر والإظهار. قال أبو عبيدة: خفيت وأخفيت بمعنى واحد. قال النحاس: وهذا حسن، وقد أنشد الفراء وسيبويه ما يدل على أن معنى أخفاه أظهر، وذلك قول امريء القيس:
فإن تكتموا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي: وإن تكتموا الداء لا نظهره. وقد حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنه بضم النون من نخفه، وقال: امرؤ القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما خطاهن ودق من غشي مخلب
أي: أظهرهن. وقد زيف النحاس هذا القول وقال: ليس المعنى على أظهرها، ولا سيما وأخفيها قراءة شاذة، فكيف ترد القراءة الصحيحة الشائعة. وقال ابن الأنباري: في الآية تفسير آخر، وهو أن الكلام ينقطع على أكاد، ويعده مضمر: أي أكاد آتي بها، ووقع الابتداء بأخفيها " لتجزى كل نفس بما تسعى"، ومثله قول عمير ابن ضابيء البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
أي وكدت أفعل، واختار هذا النحاس. وقال أبو علي الفارسي: هو من باب السلب وليس الأضداد، ومعنى أخفيها: أزيل عنها خفاءها، وهو سترها، ومن هذا قولهم أشكيته: أي أزلت شكواه. وحكى أبو حاتم عن الأخفش أن أكاد زائدة للتأكيد، قال: ومثله- إذا أخرج يده لم يكد يراها- ومثله قول الشاعر:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما أن يكاد قرنه يتنفس
قال: والمعنى أكاد أخفيها: أي أقارب ذلك، لأنك إذا قلت: كاد زيد يقوم جاز أن يكون قام وأن يكون لم يقم، ودل على أنه أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا، وقوله: "لتجزى كل نفس بما تسعى" متعلق بآتية، أو بأخفيها، وما مصدرية: أي لتجزئ كل نفس بسعيها، والسعي وإن كان ظاهراً في الأفعال، فهو هنا يعم الأفعال والتروك، للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به.
15 - " إن الساعة آتية أكاد أخفيها " ، قيل معناه إن الساعة آتية أخفيها . " أكاد " صلة . وأكثر المفسرين قالوا : معناه : أكاد أخفيها من نفسي ، وكذلك في مصحف أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود : أكاد أخفيها فكيف يعلمها مخلوق .
وفي بعض القراءات : فكيف أظهرها لكم . وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون : كتمت سرك في نفسي ، أي : أخفيته غاية الإخفاء ،والله عز اسمه لا يخفى عليه شيء .
وقال الأخفش : أكاد : أي أريد ، ومعنى الآية : أن الساعة آتية أريد أخفيها .
والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف ، لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت .
وقرأ الحسن بفتح الألف أي أظهرها ، يقال: خفيت الشيء : إذا أظهرته ، وأخفيته : إذا سترته .
قوله تعالى : " لتجزى كل نفس بما تسعى " ، أي بما تعمل من خير وشر .
15ـ " إن الساعة آتية " كائنة لا محالة . " أكاد أخفيها " أريد إخفاء وقتها ، أو أقرب أن أخفيها فلا أقول إنها آتية ولولا ما في الأخبار بإتيانها من اللطف وقطع الأعذار لما أخبرت به ، أو أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاءه ، ويؤيده القراءة بالفتح من خفاه إذا أظهره . " لتجزى كل نفس بما تسعى " متعلق بـ " آتية " أو بـ " أخفيها " على المعنى الأخير .
15. Lo! the Hour is surely coming. But I will to keep it hidden, that every soul may be rewarded for that which it striveth (to achieve).
15 - Verily the hour is coming my design is to keep it hidden for every soul to receive its reward by the measure of its endeavour.