151 - (قل تعالوا أتل) أقرأ (ما حرم ربكم عليكم أ) ن مفسرة (لا تشركوا به شيئا و) أحسنوا (بالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم) بالوأد (من) أجل (إملاق) فقر تخافونه (نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش) الكبائر كالزنا (ما ظهر منها وما بطن) أي علانيتها وسرها (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) كالقود وحد الردة ورجم المحصن (ذلكم) المذكور (وصاكم به لعلكم تعقلون) تتدبرون
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد، لهولاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم ، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك : تعالوا، أيها القوم ، أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقاً يقينًا، لا الباطل تخرصاً، تخرصكم على الله الكذب والفرية ظنًا، ولكن وحيا من الله أوحاه إلي ، وتنزيلا أنزله علي : أن لا تشركوا بالله شيئا من خلقه ، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام ، ولا تعبدوا شيئا سواه ، " وبالوالدين إحسانا " ، يقول : وأوصى بالوالدين إحسانا ، وحذف أوصى و أمر ، لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه . وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب .
وأما أن في قوله : " أن لا تشركوا به شيئا " ، فرفع ، لأن معنى الكلام : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، هوأن لا تشركوا به شيئا.
واذا كان ذلك معناه ، كان في قوله : " تشركوا" ، وجهان : الجزم بالنهي ، وتوجيه لا إلى معنى النهي . والنصب ، على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب " تشركوا" ، أن لا،كما يقال : أمرتك أن لا تقوم . وإن شئت جعلت أن في موضع نصب ، ردا على ما وبينا عنها، ويكون في قوله : " تشركوا" ، أيضا من وجهي الإعراب ، نحو ما كان فيه منه . و أن في موضع رفع.
ويكوت تأويل الكلام حينئذ : قل : تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، أتل أن لا تشركوا به شيئا . فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يكون قوله : " تشركوا" نصبا ب أن لا، أم كيف يجوز توجيه قوله : " أن لا تشركوا " به ، على معنى الخبر، وقد عطف عليه بقوله : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " ، وما بعد ذلك من جزم النهي ؟
قيل : جاز ذلك ، كما قال تعالى ذكره : " قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم " فجعل " أن أكون " خبرا ، و " أن " اسما، ثم عطف عليه " ولا تكونن من المشركين " ، ، وكما قال الشاعر :
حج وأوصى بسليمى الأعبدا أن لا ترى ولا تكلم أحدا
ولا يزل شرابها مبردا
فجعل قوله : أن لا ترى خبرا، ثم عطف بالنهي فقال : ولا تكلم ، ولا يزل .
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " ، ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم ، فإن الله هو رازقكم وإياهم ، ليس عليكم رزقهم ، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجز عن أرزاقهم وأقواتهم . و الإملاق ، مصدر من قول القائل : أملقت من الزاد ، فأنا أملق إملاقا ، وذلك إذا فني زاده ، وذهب ماله ، وأفلس .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " ، الإملاق الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " ، أي خشيه الفاقة .
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " ، قال : الإملاق ، الفقر .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج قوله :" من إملاق " ، قال : شياطينهم ، يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك في قوله : " من إملاق " ، يعني : من خشية فقر.
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولا تقربوا الظاهر من الأشياء المحرمة عليكم ، التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطن منها الذي تأتونه سرا في خفاء لا تجاهرون به ، فإن كل ذلك حرام . وقد قيل : إنما قيل : لا تقربوا ما ظهر من الفواجش وما بطن ، لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنا بعضا دون بعض .
وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع ، غير أن دليل الظاهر من التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذر، بانه عني به بعض دون جميع . وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن ، إلا بحجة يجب التسليم لها.
ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال : الآية خاص المعنى .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، أما " ما ظهر منها" ، فزواني الحوانيت ، وأما ما بطن ،فماخفي .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، كان أهل الجاهلية يستسرون بالزنا، ويرون ذلك حلالا ما كان سرا . فحرم الله السر منه والعلانية، "ما ظهر منها" ، يعني : العلانية، " وما بطن " ، يعني : السر.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، قال : كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر، ويستقبحونه في العلانية ، فحرم الله الزنا في السر والعلانية .
وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، سرها وعلانيتها .
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، نحوه . وقال آخرون : " ما ظهر" ، نكاح الأمهات وحلائل الاباء ، " وما بطن " ، الزنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن خصيف ، عن مجاهد : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، قال : " ما ظهر" ، جمع بين الأختين ، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده ، " وما بطن " ، الزنا . وقال آخرون في ذلك بما :
حدثني إسحاق بن زياد العطار النصري قال ، حدثنا محمد بن إسحق البلخي قال ، حدثنا تميم بن شاكر الباهلي ، عن عيسى بن أبي حفصة قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، قال : " ما ظهر" ، الخمر، " وما بطن " ، الزنا .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " ، " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " ، يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفس مؤمن أو معاهد، وقوله : " إلا بالحق " ، يعني بما أباح قتلها به : من أن تقتل نفسا فتقتل قودا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم ، أو ترتد عن دينها الحق فتقتل. فذلك الحق الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به ، " ذلكم " ، يعني هذه الأمور التي عهد إلينا فيها ربنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه ، هي الأمور التي وصانا والكافرين بها أن نعمل جميعا به ، " لعلكم تعقلون " ، يقول : وصاكم بذلك لتعقلوا ما وصاكم به ربكم .
فيه أربع عشرة مسألة:
الأولى- قوله تعالى: "قل تعالوا أتل" أي تقدموا واقرءوا حقاً يقيناً كما أوحى إلي ربي، لا ظناً ولا كذباً كما زعمتم. ثم بين ذلك فقال: ألا تشركوا به شيئاً يقال للرجل: تعال، أي تقدم، وللمرأة تعالي، وللاثنتين والاثنتين تعاليا، ولجماعة الرجال تعالوا، ولجماعة النساء تعالين، قال الله تعالى: "فتعالين أمتعكن" [الأحزاب: 28]. وجعلوا التقدم ضرياً من التعالي والارتفاع، لأن المأمور بالتقدم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعداً فقيل له تعال، أي ارفع شخصك بالقيام وتقدم، واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي، قاله ابن الشجري.
الثانية- قوله تعالى: "ما حرم" الوجه في ما أن تكون خبرية في موضع نصب بـ أتل والمعنى: تعالوا أتل الذي حرم ربكم عليكم، فإن علقت عليكم بـ حرم فهو الوجه، لأنه الأقرب وهو اختيار البصريين. وإن علقته بـ أتل فجيد لأنه الأسبق، وهو اختيار الكوفيين، فالتقدير في هذا القول أتل عليكم الذي حرم ربكم. " أن لا تشركوا " في موضع نصب بتقدير فعل من لفظ الأول، أي أتل عليكم ألا تشركوا، أي أتل عليكم تحريم الإشراك، ويحتمل أن يكون منصوباً بما في عليكم من الإغراء، وتكون عليكم منقطعة مما قبلها، أي عليكم ترك الإشراك، وعليكم إحساناً بالوالدين، وألا تقتلوا أولادكم وألا تقربوا الفواحش. كما تقول: عليك شأنك، أي الزم شأنك. وكما قال: "عليكم أنفسكم" [المائدة: 105] قال جميعه ابن الشجري. وقال النحاس: يجوز أن تكون أن في موضع نصب بدلاً من ما، أي أتل عليكم تحريم الإشراك. واختار الفراء أن تكون لا للنهي، لأن بعده ولا.
الثالثة- هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه عليه السلام بأن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله. وهكذا يجب على من بعده من العلماء أن يبلغوا الناس ويبينوا لهم ما حرم الله عليهم مما حل. قال الله تعالى: "لتبيننه للناس ولا تكتمونه" [آل عمران: 187]. وذكر ابن المبارك: أخبرنا عيسى بن عمر عن عمرو بن مرة أنه حدثهم قال: قال ربيع بن خيثم لجليس له: أيسرك أن تؤتى بصحيفة من النبي صلى الله عليه وسلم لم يفك خاتمها؟ قال نعم. قال فاقرأ "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" فقرأ إلى آخر الثلاث الآيات. وقال كعب الأحبار: هذه الآية مفتتح التوراة: بسم الله الرحمن الرحيم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" الآية. وقال ابن عباس: هذه الآيات المحكمات التي ذكرها الله في سورة آل عمران أجمعت عليها شرائع الخلق، ولم تنسخ قط في ملة. وقد قيل: إنها العشر كلمات المنزلة على موسى.
الرابعة- قوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا" الإحسان إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما. و إحساناً نصب على المصدر، وناصبه فعل مضمر من لفظه، تقديره وأحسنوا بالوالدين إحساناً.
الخامسة- قوله تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" الإملاق الفقر: أي لا تئدوا -من الموءودة- بناتكم خشية العيلة، فإني رازقكم وإياهم. وقد كان منهم من يفعل ذلك بالإناث والذكور خشية الفقر، كما هو ظاهر الآية. أملق أي افتقر. وأملقه أي أفقره، فهو لازم ومتعد. وحكى النقاش عن مؤرخ أنه قال: الإملاق الجوع بلغة لخم. وذكر منذر بن سعيد أن الإملاق الإنفاق، يقال: أملق ماله بمعنى أنفقه. وذكر أن علياً رضي الله عنه قال لامرأته: أملقي من مالك ما شئت. ورجل ملق يعطي بلسانه ما ليس في قلبه. فالملق لفظ مشترك يأتي بيانه في موضعه.
السادسة- وقد يستدل بهذا من يمنع العزل، لأن الوأد يرفع الموجود والنسل، والعزل منع أصل النسل فتشابها، إلا أن قتل النفس أعظم وزراً وأقبح فعلاً، ولذلك قال بعض علمائنا، إنه يفهم من قوله عليه السلام في العزل:
"ذلك الوأد الخفي" الكراهة لا التحريم. وقال به جماعة من الصحابة وغيرهم. وقال بإباحته أيضاً جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء، لقوله عليه السلام: "لا عليكم ألا تفعلوا فإنما هو القدر" أي ليس عليكم جناح في ألا تفعلوا. وقد فهم منه الحسن ومحمد بن المثنى النهي والزجر عن العزل. والتأويل الأول أولى، لقوله عليه السلام:
"وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء". قال مالك و لشافعي: لا يجوز العزل عن الحرة إلا بإذنها. وكأنهم رأوا الإنزال من تمام لذتها، ومن حقها في الولد، ولم يروا ذلك في الموطوءة بملك اليمين، إذ له أن يعزل عنها بغير إذنها، إذ لا حق لها في شيء مما ذكر.
السابعة- قوله تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" نظيره "وذروا ظاهر الإثم وباطنه" [الأنعام: 120]. فقوله: ما ظهر نهي عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي. وما بطن ما عقد عليه القلب من المخالفة. وظهر وبطن حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء. و ما ظهر نصب على البدل من الفواحش. وما بطن عطف عليه.
الثامنة- قوله تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" الألف واللام في النفس لتعريف الجنس، كقولهم: أهلك الناس حب الدرهم والدينار. ومثله "إن الإنسان خلق هلوعا" [المعارج: 19] ألا ترى قوله سبحانه: "إلا المصلين"؟وكذلك قوله: "والعصر * إن الإنسان لفي خسر" [العصر: 1-2] لأنه قال: "إلا الذين آمنوا". وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة، مؤمنةً كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم ماله ونفسه إلا بحقه وحسابهم على الله". وهذا الحق أمور: منها منع الزكاة وترك الصلاة، وقد قاتل الصديق مانعي الزكاة وفي التنزيل "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" [التوبة: 5] وهذا بين. وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" وقال عليه السلام:
"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما". أخرجه مسلم. وروى أبو داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وسيأتي بيان هذا في الأعراف. وفي التنزيل: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا" [المائدة: 33] الآية. وقال: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" [الحجرات: 9] الآية. وكذلك من شق عصا المسلمين وخالف إمام جماعتهم وفرق كلمتهم وسعى في الأرض فساداً بانتهاب الأهل والمال والبغي على السلطان والامتناع من حكمه يقتل. فهذا معنى قوله: "إلا بالحق".
وقال عليه السلام:
"المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ولا يتوارث أهل ملتين". وروى أبو داود والنسائي عن أبي بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة". وفي رواية أخرى لـأبي داود " من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوحد من مسيرة سبعين عاماً". في البخاري في هذا الحديث:
"وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً". خرجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
التاسعة- قوله تعالى: "ذلكم" إشارة إلى هذه المحرمات. والكاف والميم للخطاب، ولاحظ لهما من الإعراب. "وصاكم به" الوصية الأمر المؤكد المقدور. والكاف والميم محله النصب، لأنه ضمير موضوع للمخاطبة. وفي وصى ضمير فاعل يعود على الله. وروى مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر "أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أشرف على أصحابه فقال:
علام تقتلوني! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد حصانة فعليه الرجم أو قتل عمداً فعليه القود أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت أحداً فأقيد نفسي به، ولا ارتددت منذ أسلمت، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ذلكم الذي ذكرت لكم وصاكم به لعلكم تعقلون!".
قال داود الأودي عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الايات " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون " وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو, حدثنا عبد الصمد بن الفضل حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة, قال: سمعت ابن عباس يقول: في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب, ثم قرأ "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" الايات, ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت: ورواه زهير وقيس بن الربيع, كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله بن قيس عن ابن عباس به, والله أعلم.
وروى الحاكم أيضاً في مسنده, من حديث يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيكم يبايعني على ثلاث" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" حتى فرغ من الايات "فمن وفى فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته, ومن أخر إلى الاخرة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه" ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وإنما اتفقا على حديث الزهري عن أبي إدريس عن عبادة, "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً" الحديث.
وقد روى سفيان بن حسين كلا الحديثين, فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما, والله أعلم. وأما تفسيرها فيقول تعالى: لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا أولادهم, وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم "قل" لهم "تعالوا" أي هلموا وأقبلوا "أتل ما حرم ربكم عليكم" أي أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقاً لا تخرصاً ولا ظناً بل وحياً منه وأمراً من عنده " أن لا تشركوا به شيئا " وكأن في الكلام محذوفاً دل عليه السياق, وتقديره وأوصاكم " أن لا تشركوا به شيئا " ولهذا قال في آخر الاية "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" وكما قال الشاعر:
حج وأوصى بسليمى الأعبدا أن لا ترى ولا تكلم أحداً
ولا يزل شرابها مبردا
وتقول العرب: أمرتك أن لا تقوم. وفي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً من أمتك دخل الجنة, قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق, قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق, قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر" وفي بعض الروايات: أن قائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام قال في الثالثة "وإن رغم أنف أبي ذر" فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث "وإن رغم أنف أبي ذر" وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعالى: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي, ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئاً, وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك" ولهذا شاهد في القرآن قال الله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" والايات والأحاديث في هذا كثيرة جداً, وروى ابن مردويه: من حديث عبادة وأبي الدرداء "لا تشركوا بالله شيئاً وإن قطعتم أو صلبتم أو حرقتم .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي, حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا نافع بن يزيد, حدثني سيار بن عبد الرحمن عن يزيد بن قوذر عن سلمة بن شريح عن عبادة بن الصامت, قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال "ألا تشركوا بالله شيئاً وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم". وقوله تعالى: "وبالوالدين إحساناً" أي وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحساناً أي أن تحسنوا إليهم كما قال تعالى: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " وقرأ بعضهم: ووصى ربك: ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً, أي أحسنوا إليهم, والله تعالى كثيراً ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال " أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " فأمر بالإحسان إليهما وإن كانا مشركين بحسبهما, وقال تعالى: " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا " الاية, والايات في هذا كثيرة.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال "الصلاة على وقتها" قلت ثم أي ؟ قال "بر الوالدين" قلت ثم أي ؟ قال "الجهاد في سبيل الله", قال ابن مسعود: حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني, وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن أبي الدرداء وعن عبادة بن الصامت كل منهما يقول أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطع والديك وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا فافعل" ولكن في إسناديهما ضعف, والله أعلم. وقوله تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم" لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد, فقال تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" وذلك أنهم كانوا يقتلون أودلاهم كما سولت لهم الشياطين ذلك, فكانوا يئدون البنات خشية العار, وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار, ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم ؟ قال "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قلت: ثم أي ؟ قال "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قلت: ثم أي ؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون" الاية. وقوله تعالى: "من إملاق" قال ابن عباس وقتادة والسدي وغيره: هو الفقر, أي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل, وقال في سورة الإسراء "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق" أي لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الاجل, ولهذا قال هناك "نحن نرزقهم وإياكم" فبدأ برزقهم للاهتمام بهم, أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله, وأما في هذه الاية فلما كان الفقر حاصلاً قال "نحن نرزقكم وإياهم" لأنه الأهم ههنا, والله أعلم, وقوله تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" كقوله تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" وقد تقدم تفسيرها في قوله تعالى: "وذروا ظاهر الإثم وباطنه".
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا أحد أغير من الله, من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" وقال عبد الملك بن عمير عن وراد عن مولاه المغيرة قال: قال سعد بن عبادة لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيف غير مصفح, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من غيرة سعد ؟ فوالله لأنا أغير من سعد, والله أغير مني, من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" أخرجاه, وقال كامل أبو العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله إنا نغار قال "والله إني لأغار والله أغير مني, ومن غيرته نهى عن الفواحش" رواه ابن مردويه ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة, وهو على شرط الترمذي فقد روي بهذا السند "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" وقوله تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيداً وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فقد جاء في الصحيحين: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة", وفي لفظ لمسلم "والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم" وذكره, قال الأعمش: فحدثت به إبراهيم, فحدثني عن الأسود عن عائشة بمثله, وروى أبو داود والنسائي: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زان محصن يرجم, ورجل قتل متعمداً فيقتل, ورجل يخرج من الإسلام حارب الله ورسوله, فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض" وهذا لفظ النسائي, وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال وهو محصور: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل دم امرى مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه, أو زنى بعد إحصانه, أو قتل نفساً بغير نفس" فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام. ولا تمنيت أن لي بديني بدلاً منه إذ هداني الله, ولا قتلت نفساً, فبم تقتلونني ؟ رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه, وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المستأمن من أهل الحرب, فروى البخاري: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً" وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من قتل معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله, فلا يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً" رواه ابن ماجه والترمذي, وقال: حسن صحيح, وقوله "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" أي هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه.
قوله: 151- "قل تعالوا" أي تقدموا. قال ابن الشجري: إن المأمور بالتقدم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعداً، فقيل له تعال: أي ارفع شخصك بالقيام وتقدم، واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي. وهكذا قال الزمخشري في الكشاف: إنه من الخاص الذي صار عاماً، وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه، ثم كثر واتسع فيه حتى عم. قوله: "أتل ما حرم ربكم" أتل جواب الأمر، وما موصولة في محل نصب به: أي أتل الذي حرمه ربكم عليكم. والمراد من تلاوة ما حرم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه، ويجوز أن تكون ما مصدرية: أي أتل تحريم ربكم. والمعنى: ما اشتمل على التحريم، قيل: ويجوز أن تكون ما استفهامية أي أتل أي شيء حرم ربكم على جعل التلاوة بمعنى القول، وهو ضعيف جداً، وعليكم أن تعلق بأتل، فالمعنى: أتل عليكم الذي حرم ربكم، وإن تعلق بحرم، فالمعنى أتل الذي حرم ربكم عليكم، وهذا أولى، لأن المقام مقام بيان ما هو محرم عليكم لا مقام بيان ما هو محرم مطلقاً، وقيل: إن عليكم للإغراء ولا تعلق لها بما قبلها. والمعنى عليكم أن لا تشركوا إلى آخره: أي الزموا ذلك كقوله تعالى: "عليكم أنفسكم" وهو أضعف مما قبله، وأن في " أن لا تشركوا " مفسرة لفعل التلاوة، وقال النحاس: يجوز أن تكون في موضع نصب بدلاً من ما: أي أتل عليكم تحريم الإشراك، وقيل: يجوز أن يكون في محل رفع بتقدير مبتدأ: أي المتلو أن لا تشركوا، وشيئاً مفعول أو مصدر أي لا تشركوا به شيئاً من الأشياء، أو شيئاً من الإشراك. قوله: "وبالوالدين إحساناً" أي أحسنوا بهما إحساناً، والإحسان إليهما البر بهما، وامتثال أمرهما ونهيهما. وقد تقدم الكلام على هذا. قوله: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" لما ذكر حق الوالدين على الأولاد، ذكر حق الأولاد على الوالدين، وهو أن لا يقتلوهم من أجل إملاق. والإملاق الفقر، فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكر والإناث خشية الإملاق وتفعله بالإناث خاصة خشية العار، وحكى النقاش عن مؤرج أن الإملاق الجوع بلغة الخم، وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق. يقال: أملق ماله: بمعنى أنفقه. والمعنى الأول هو الذي أطبق عليه أئمة اللغة، وأئمة التفسير هاهنا "ولا تقربوا الفواحش" أي المعاصي، ومنه " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة " وما في "ما ظهر" بدل من الفواحش، وكذا ما بطن. والمراد بما ظهر ما أعلن به منها، وما بطن: ما أسر. وقد تقدم، "ولا تقتلوا النفس" اللام في النفس للجنس، و "التي حرم الله" صفة للنفس: أي لا تقتلوا شيئاً من الأنفس التي حرمها الله "إلا بالحق" أي إلا بما يوجبه الحق، والاستثناء مفرغ: أي لا تقتلوه في حال من الأحوال إلا في حال الحق، أو لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، ومن الحق قتلها قصاصاً وقتلها بسبب زنا المحصن، وقتلها بسبب الردة، ونحو ذلك من الأسباب التي ورد الشرع بها، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى ما تقدم مما تلاه عليهم، وهو مبتدأ " وصاكم به " خبره: أي أمركم به، وأوجبه عليكم.
151- قوله عز وجل: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا "، وذلك أنهم سألوا وقالوا: أي شيء الذي حرم الله تعالى ؟ فقال عز وجل: "قل تعالوا أتل " أقرأ ما حرم ربكم عليكم حقاً يقيناً لا ظناً ولا كذباً كما تزعمون .
فإن قيل: ما معنا قوله " حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " والمحرم هو الشرك لا ترك الشرك ؟
قيل موضع " أن " رفع، معناه هو أن لا تشركوا، وقيل: محله نصب، واختلفوا في وجه انتصابه، قيل: معناه حرم عليكم أن تشركوا به، و" لا " صلة كقوله تعالى " ما منعك أن لا تسجد " (الأعراف،12)، أي: منعك أن تسجد. وقيل: تم الكلام عند قوله " حرم ربكم " ثم قال: عليكم أن لا تشركوا به شيئاً على الإغراء .قال الزجاج : يجوز أن يكون هذا محمولاً على المعنى، أي: أتل عليكم تحريم الشرك، وجائز أن يكون على معنى: أوصيكم ألا تشركوا به شيئاً " وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق "، فقر، " نحن نرزقكم وإياهم "، أي: لا تئدوا بناتكم خشية العيلة، فإني رازقكم وإياهم، " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن "،[ما ظهر يعني: العلانية، وما بطن] يعني السر .
وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأساً في السر فحرم الله تعالى الزنا في العلانية والسر.
وقال الضحاك : ما ظهر: الخمر، وما بطن: الزنا.
" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "، حرم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما يبيح قتله من ردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ثنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ثنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسولا الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينة المفارق للجماعة ".
" ذلكم " الذي ذكرت " وصاكم به "، أمركم به، " لعلكم تعقلون ".
151" قل تعالوا " أمر من التعالي وأصله أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل فاتسع فيه بالتعميم . " أتل " أقرأ " ما حرم ربكم " منصوب بأتل وما تحتمل الخبرية والمصدرية ، ويجوز أن تكون استفهامية منصوبة بحرم والجملة مفعول " أتل " لأنه بمعنى أقل ، فكأنه قيل أتل أي شيء حرم ربكم " عليكم " متعلق بـ" حرم " أو " أتل " " أن لا تشركوا به " أي لا تشركوا به ليصح عطف الأمر عليه ، ولا يمنعه تعليق الفعل المفسر بـ" ما حرم " فإن التحريم باعتبار الأوامر يرجع إلى أضدادها ومن جعل أن ناصبة فمحلها النصب بعليكم على أنه للإغراء ، أو البدل من " ما " أو من عائدة المحذوف على أن لا زائدة والجر بتقدير اللام ، أو الرفع على تقدير المتلو أن لا تشركوا أو المحرم أن تشركوا " شيئا " يحتمل المصدر والمفعول " وبالوالدين إحسانا " أي وأحسنوا بهما إحسانا وضعه موضع النهي عن الإساءة إليهما للمبالغة وللدلالة على أن ترك الإساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما . " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " من أجل فقر ومن خشية كقوله " خشية إملاق " " نحن نرزقكم وإياهم " منع لموجبية ما كانوا يفعلون لأجله واحتجاج عليه . " ولا تقربوا الفواحش " كبائر الذنوب أو الزنا " ما ظهر منها وما بطن " بدل منه وهو مثل قوله " ظاهر الإثم وباطنه " " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " كالقود وقتل المرتد ورجم المحصن " ذلكم " إشارة إلى ما ذكر مفصلا
" وصاكم به " بحفظه " لعلكم تعقلون " ترشدون فإن كمال العقل هو الرشد .
151. Say: Come, I will recite unto you that which your Lord hath made a sacred duty for you: that ye ascribe no thing as partner unto Him and that ye do good to parents, and that ye slay not your children because of penury. We provide for you and for them and that ye draw not nigh to lewd things whether open or concealed. And that ye slay not the life which Allah hath made sacred, save in the course of justice. This He hath commanded you, in order that ye may discern.
151 - Say: come, I will rehearse what God hath (really) prohibited you from: join not anything as equal with him; be good to your parents; kill not your children on a plea of want; we provide sustenance for you and for them; come not nigh to shameful deeds, whether open or secret; take not life, which God hath made sacred, except by way of justice and law: thus doth he command you, that ye may learn wisdom.