16 - (فلا يصدنك) يصرفنك (عنها) أي عن الإيمان بها (من لا يؤمن بها واتبع هواه) في إنكارها (فتردى) أي فتهلك إن صددت عنها
وقوله "فلا يصدنك عنها" يقول تعالى ذكره : فلا يردنك يا موسى عن التأهب للساعة، من لا يؤمن بها، يعني : من لا يقر بقيام الساعة، ولا يصدق بالبعث بعد الممات ، ولا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقاباً. وقوله "واتبع هواه" يقول : اتبع هوى نفسه ، وخالف أمر الله ونهيه "فتردى" يقول : فتهلك إن أنت انصددت عن التأهب للساعة، وعن الإيمان بها، وبأن الله باعث الخلق لقيامها من قبورهم بعد فنائهم بصد من كفر بها. وكان بعضهم يزعم أن الهاء والألف من قوله "فلا يصدنك عنها" كناية عن ذكر الإيمان ، قال : وإنما قيل عنها وهي كناية عن الإيمان كما قيل "إن ربك من بعدها لغفور رحيم" [الأعراف : 53] و[النحل : 110 و 119 ] يذهب إلى الفعلة، ولم يجر للإيمان ذكر في هذا الموضع ، فيجعل ذلك من ذكره ، وإنما جرى ذكر الساعة ، فهو بان يكون من ذكرها أولى.
" فلا يصدنك عنها " أي لا يصرفنك عن الإيمان بها والتصديق لها " من لا يؤمن بها واتبع هواه ". " فتردى " أي فتهلك. وهو في موضع نصب بجواب النهي.
يقول تعالى: "فلما أتاها" أي النار, واقترب منها "نودي يا موسى" وفي الاية الأخرى " نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله " وقال ههنا "إني أنا ربك" أي الذي يكلمك ويخاطبك "فاخلع نعليك" قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف: كانتا من جلد حمار غير ذكي, وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبقعة. وقال سعيد بن جبير : كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة, وقيل: ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "طوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو اسم للوادي, وكذا قال غير واحد, فعلى هذا يكون عطف بيان, وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه, وقيل: لأنه قدس مرتين, وطوى له البركة وكررت, والأول أصح كقوله: "إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى". وقوله: "وأنا اخترتك" كقوله: "إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه, وقد قيل: إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتلكيم من بين الناس ؟ قال: لا, قال: لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك. وقوله: "فاستمع لما يوحى" أي استمع الان ما أقول لك وأوحيه إليك "إنني أنا الله لا إله إلا أنا" هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وقوله: "فاعبدني" أي وحدني, وقم بعبادتي من غير شريك "وأقم الصلاة لذكري" قيل: معناه صل لتذكرني, وقيل: معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي, ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة , عن أنس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها, فليصلها إذا ذكرها, فإن الله تعالى قال: وأقم الصلاة لذكري", وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك". وقوله: "إن الساعة آتية" أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها.
وقوله: "أكاد أخفيها" قال الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: أكاد أخفيها من نفسي, يقول: لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : من نفسه: وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "أكاد أخفيها" يقول: لا أطلع عليها أحداً غيري. وقال السدي : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة وهي في قراءة ابن مسعود إني أكاد أخفيها من نفسي, يقول: كتمتها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت. وقال قتادة : أكاد أخفيها, وهي في بعض القراءات: أخفيها من نفسي, ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين. قلت وهذا كقوله تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" وقال: "ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة" أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا منجاب , حدثنا أبو نميلة , حدثني محمد بن سهل الأسدي عن وقاء قال: أقرأنيها سعيد بن جبير : أكاد أخفيها, يعني بنصب الألف وخفض الفاء, يقول أظهرها, ثم قال أما سمعت قول الشاعر:
دأب شهرين ثم شهراً دميكاً بأريكين يخفيان غميراً
قال السدي : الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس, والأريكين موضع, والدميك الشهر التام, وهذا الشعر لكعب بن زهير . وقوله سبحانه وتعالى: "لتجزى كل نفس بما تسعى" أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " " إنما تجزون ما كنتم تعملون " وقوله: "فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها" الاية, المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين. أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة, وأقبل على ملاذه في دنياه, وعصى مولاه واتبع هواه, فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر "فتردى" أي تهلك وتعطب, قال الله تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى".
16- "فلا يصدنك عنها" أي لا يصرفنك عن الإيمان بالساعة، والتصديق بها، أو عن ذكرها ومراقبتها "من لا يؤمن بها" من الكفرة، وهذا النهي وإن كان للكافر بحسب الظاهر، فهو في الحقيقة نهي له صلى الله عليه وسلم عن الانصداد، أو عن إظهار اللين للكافرين فهو من باب: لا أرينك ها هنا، كما هو معروف. وقيل الضمير في عنها للصلاة وهو بعيد، وقوله: "واتبع هواه" معطوف على ما قبله: أي من لا يؤمن، ومن اتبع هواه: أي هوى نفسه بالانهاك في اللذات الحسية الفانية "فتردى" أي فتهلك لأن انصدادك عنها بصد الكفارين لك مستلزم للهلاك ومستتبع له.
وقد أخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "وأول ما نزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه إذا صلى، فأنزل الله " طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى "". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال: قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج ابن عساكر عنه أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل لئلا ينام، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج البزار عن علي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يراوح بين قدميه يقوم على كل رجل حتى نزلت: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" وحسن السيوطي إسناده. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً بأطول منه. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قرأ القرآن إذا صلى، فقام على رجل واحدة، فأنزل الله "طه" برجليك فما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه في قوله: "طه" قال: يا رجل. وأخرج الحارث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "طه" بالنبطية. أي طأ يا رجل. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: هو كقولك اقعد. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال: "طه" بالنبطية يا رجل. وأخرج ابن جرير عنه قال "طه" يا رجل بالسريانية. وأخرج الحاكم عنه أيضاً قال: "طه" هو كقولك يا محمد بلسان الحبش. وفي هذه الروايات عن ابن عباس اختلاف وتدافع. وأخرج ابن مردويه عن أبي الطفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي عند ربي عشرة أسماء، قال أبو طفيل: حفظت منها ثمانية: محمد، وأحمد، وأبو القاسم، والفاتح، والخاتم، والماحي، والعاقب، والحاشر" وزعم سيف أن أبا جعفر قال له: الاسمان الباقيان طه ويس. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: " طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " قال: يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، وكان يقوم اللليل على رجليه فهي لغة لعك إن قلت لعكي يا رجل لم يلتفت، وإذا قلت طه التفت إليك. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: "طه" قسم أقسم الله به، وهو من أسمائه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وما تحت الثرى" قال: الثرى كل شيء مبتل. وأخرج أبو يعلى عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما تحت هذه الأرض؟ قال: الماء، قيل: فما تحت الماء؟ قال: ظلمة، قيل: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء قيل: فما تحت الهواء؟ قال: الثرى، قيل: فما تحت الثرى؟ قال: انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق". وأخرج ابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: " يعلم السر وأخفى " قال: السر ما أسره ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفي عن ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه، فإنه يعلم ذلك كله فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة وهو كقوله: " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " وأخرج الحاكم وصححه عنه في الآية قال: السر ما علمته أنت، وأخفى ما قذف الله في قلبك مما لم تعلمه. وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي بلفظ يعلم ما تسر في نفسك ويعلم ما تعمل غداً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أو أجد على النار هدى" يقول: من يدل على الطريق. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن علي في قوله: "فاخلع نعليك" قال: كانتا من جلد حمار ميت فقيل له اخلعهما. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "إنك بالواد المقدس طوى" قال المبارك، طوى قال اسم الوادي. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "بالواد المقدس طوى" يعني الأرض المقدسة، وذلك أنه مر بواديها ليلاً فطوى: يقال طويت وادي كذا وكذا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله: "طوى" قال: طإ الوادي. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: "أقم الصلاة لذكري"". وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال "أقم الصلاة لذكري"". وكان ابن شهاب يقرأها للذكرى. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أكاد أخفيها" قال: لا أظهر عليها أحداً غيري. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "أكاد أخفيها" من نفسي.
16 - " فلا يصدنك عنها " ، فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة ،" من لا يؤمن بها واتبع هواه " ، مراده خالف أمر الله " فتردى " ، أي : فتهلك .
16ـ " فلا يصدنك عنها " عن تصديق الساعة ، أو عن الصلاة . " من لا يؤمن بها " نهى الكافر أن يصد موسى عليه الصلاة والسلام عنها ، والمراد نهيه أن ينصد عنها كقولهم : لا أرينك ها هنا ، تنبيهاً على أن فطرته السليمة لو خليت بحالها لاختارها ولم يعرض عنها ، وأنه ينبغي أن يكون راسخاً في دينه فإن صد الكافر إنما يكون بسبب ضعفه فيه . " واتبع هواه " ميل نفسه إلى اللذات المحسوسة المخدجة فقصر نظره عن غيرها . " فتردى " فتهلك بالانصداد بصده .
16. Therefor, let not him turn thee aside from (the thought of) it who believeth not therein but followeth his own desire, lest thou perish.
16 - Therefore let not such as belive not therein but follow their own lusts, divert thee therefrom, lest thou perish!.