160 - (من جاء بالحسنة) أي لا إله إلا الله (فله عشر أمثالها) أي جزاء عشر حسنات (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) أي جزاؤه (وهم لا يظلمون) ينقصون من جزائهم شيئا
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : من وافى ربه يوم القيامة في موقف الحساب ، من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً، بالتوبة والإيمان والإقلاع عما هو عليه مقيم من ضلالته ، وذلك هو الحسنة التي ذكرها الله فقال : من جاء بها فله عشر أمثالها.
ويعني بقوله : " فله عشر أمثالها " ، فله عشر حسنات أمثال حسنته التي جاء بها، " ومن جاء بالسيئة " ، يقول : ومن وافى يوم القيامة منهم بفراق الذين الحق والكفر بالله ، فلا يجزى إلا ما ساءه من الجزاء، كما وافى الله به من عمله السيء ، " وهم لا يظلمون " ، يقول : ولا يظلم الله الفريقين ، لا فريق الإحسان ، ولا فريق الإساءة ، بأن يجازي المحسن بالإساءة ، والمسيء بالإحسان ، ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له ، لأنه جل ثناؤه حكيم لا يضع شيئاً إلا في موضعه الذي يستحق أن يضعه فيه ، ولا يجازي أحداً الا بما يستحق من الجزاء .
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الظلم ، وضع الشيء في غير موضعه ، بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فإن كان الأمر كما ذكرت ، من أن معنى الحسنة في هذا الموضع : الإيمان بالله ، والإقرار بوحدانيته ، والتصديق برسوله ، والسيئة فيه : الشرك به ، والتكذيب لرسوله ، أفللإيمان أمثال فيجازى بها المؤمن ؟ وإن كان له مثل ، فكيف يجازى به ، و الإيمان ، إنما هو عندك قول وعمل ، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة ، والإنعام عليه بما أعد لأهل كرامته من النعيم في دار الخلود، وذلك أعيان ترى وتعاين وتحس ويلتذ بها، لا قول يسمع ، ولا كسب جوارح ؟
قيل : إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه . وإنما معناه : من جاء بالحسنة فوافى الله بها له مطيعاً، فان له من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها.
فإن قال : قلت فهل لقول لا إله إلا الله من الحسنات مثل ؟
قيل : له مثل هو غيره ، ولكن له مثل هو قول لا إله إلا الله ، وذلك هو الذي وعد الله جل ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه قائله . وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك ، إلا أنه لا يجازي صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ، قال رجل من القوم : فإن لا إله إلا الله حسنة؟ قال : نعم ، أفضل الحسنات .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش و الحسن بن عبيد الله ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله : " من جاء بالحسنة" ، لا إك إلا الله .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا حفص قال ، حدثنا الأعمش و الحسن بن عبيد الله ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله قال : " من جاء بالحسنة " ، قال : من جاء بلا إله إلا الله . قال : " ومن جاء بالسيئة " ، قال : الشرك .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله : " من جاء بالحسنة" ، قال : لا إله إلا الله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا معاوية بن عمرو المعني ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن شقيق : " من جاء بالحسنة" ، قال : لا اله إلا الله ، كلمة الإخلاص ، " ومن جاء بالسيئة" ، قال : الشرك .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، وعن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد و القاسم بن أبي بزة : " من جاء بالحسنة " ، قالوا: لا إله إلا الله ، كلمة الإخلاص ، " ومن جاء بالسيئة " ، قالوا : بالشرك والكفر .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير و ابن فضيل ، عن عبد الملك ، عن عطاء : " من جاء بالحسنة " ، قال : لا إله إلا الله ، " ومن جاء بالسيئة " ، قال : الشرك .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح قال ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ، قال : لا إله إلا الله .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي المحجل ، عن إبراهيم : " من جاء بالحسنة " ، قال : لا إله إلا الله ، " ومن جاء بالسيئة " ، قال : الشرك .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي المحجل ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي المحجل ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن أبي المحجل ، عن أبي معشر قال : كان إبراهيم يحلف بالله ما يسثشي : أن " من جاء بالحسنة" ، لا إله إلا الله ، " ومن جاء بالسيئة " ، من جاء بالشرك .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء في قوله : " من جاء بالحسنة " ، قال : كلمة الإخلاص ، لا إله إلا الله ، " ومن جاء بالسيئة " ، قال : بالشرك .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، وحدثنا المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو نعيم ، جميعاً ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح : " من جاء بالحسنة " ، قال : لا إله إلا الله ، " ومن جاء بالسيئة " ، قال : الشرك .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن عثمان بن الأسود ، عن القاسم بن أبي بزة : " من جاء بالحسنة " ، قال : كلمة الإخلاص ، " ومن جاء بالسيئة " ، قال : الكفر.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : " من جاء بالحسنة" قال : لا إله إلا الله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن أشعث ، عن الحسن : " من جاء بالحسنة " ، قال : لا إله إلا الله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : " من جاء بالحسنة " ، قال : لا إله الا الله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " من جاء بالحسنة " ، يقول : من جاء بلا إله إلا الله ، " ومن جاء بالسيئة " ، قال : الشرك.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون " ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :" الأعمال ستة : موجبة وموجبة، ومضعفة ومضعفة، ومثل ومثل. فاما الموجبتان : فمن لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقي الله مشركاً به دخل النار". وأما المضف والمضف : فنفقة المؤمن في سبيل الله سبعمئة ضعف ، ونفقته على أهل بيته عشر أمثالها. وأما مثل ومثل : فإذا هم العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت عليه سيئة .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن شيخ من التيم ، " عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، علمني عملاً يقربني الى الجنة ويباعدني من النار. قال : إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها،. قال قلت : يا رسول الله ، لا إله إلا الله من الحسنات ؟ قال : هي أحسن الحسنات ".
وقال قوم : عني بهذه الآية الأعراب ، فأما المهاجرون فإن حسناتهم سبعمئة ضف أو أكثر.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري في قوله : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ، قال : هذه للأعراب ، وللمهاجرين سبعمئة .
حدثنا محمد ، أبو نشيط بن هرون الحربي قال ، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، عن عبد الله بن عمر قال : نزلت هذه الآية فى الأعراب : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" ، قال : قال رجل : فما للمهاجرين ؟ قال : ما هو أعظم من ذلك : " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" ، وإذا قال الله لشيء : عظيم ،، فهو عظيم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع قال : نزلت هذه الآية : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ، وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر، ويؤذون عشر أموالهم . ثم نزلت الفرائض بعد ذلك : صوم رمضان والزكاة . فان قال قائل : وكيف قيل " عشر أمثالها " ، فأضيف العشر إلى الأمثال ،، وهي الأمثال ؟ وهل يضاف الشيء إلى نفسه ؟
قيل : أضيفت إليها لأنه مراد بها: فله عشر حسنات أمثالها، ف الأمثال حلت محل المفسر، وأضيف العشر إليها، كما يقال : عندي عشر نسوة ، فلأنه أريد بالأمثال مقامها، فقيل : " عشر أمثالها" ، فأخرج العشر، مخرج عدد الحسنات ، والمثل مذكر لا مؤنث ، ولكنها لما وضعت موضكع الحسنات ، وكان المثل يقع للمذكر والمؤنث ، فجعلت خلفاً منها، فعل بها ما ذكرت . ومن قال : عندي عشر أمثالها لم يقل : عندي عشر صالحات ، لأن الصالحات فعل لا يعد ، وإنما تعد الأسماء . و المثل اسم ، ولذلك جاز العدد به.
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : فله عشر بالتنوين ، أمثالها بالرفع . وذلك وجه صحيح في العربية، غير أن القرأة في الأمصار على خلافها، فلا نستجيز خلافها فيما هي عليه مجمعة .
قوله تعالى: "من جاء بالحسنة" ابتداء، وهو شرط، والجواب "فله عشر أمثالها" أي فله عشر حسنات أمثالها، فحذفت الحسنات وأقيمت الأمثال التي هي صفتها مقامها، جمع مثل. وحكي سيبويه: عندي عشرة نسابات، أي عندي عشرة رجال نسابات. وقال أبو علي: حسن التأنيث في عشر أمثالها لما كان الأمثال مضافاً إلى مؤنث، والإضافة إلى المؤنث إذا كان إياه في المعنى يحسن فيه ذلك، نحو تلتقطه بعض السيارة. وذهبت بعض أصابعه. وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش فله عشر أمثالها. والتقدير: فله عشر حسنات أمثالها، أي له من الجزاء عشرة أضعاف مما يجب له. ويجوز أن يكون له مثل، ويضاعف المثل فيصير عشرة. والحسنة هنا: الإيمان. أي من جاء بشهادة أن لا إله إلا الله فله بكل عمل عمله في الدنيا من الخير عشرة أمثاله من الثواب. "ومن جاء بالسيئة" يعني الشرك "فلا يجزى إلا مثلها" وهو الخلود في النار، لأن الشرك أعظم الذنوب، والنار أعظم العقوبة، فذلك قوله تعالى: "جزاء وفاقا" [النبأ: 26] يعني جزاء وافق العمل. وأما الحسنة فبخلاف ذلك، لنص الله تعالى على ذلك. وفي الخبر:
"الحسنة بعشر أمثالها وأزيد والسيئة واحدة وأغفر فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره". وروى الأعمش عن أبي صالح قال: الحسنة لا إله إلا الله والسيئة الشرك. "وهم لا يظلمون" أي لا ينقص ثواب أعمالهم. وقد مضى في البقرة بيان هذه الآية. وأنها مخالفة للإنفاق في سبيل الله، ولهذا قال بعض العلماء: العشر لسائر الحسنات، والسبعمائة للنفقة في سبيل الله، والخاص والعام فيه سواء. وقال بعضهم: يكون للعوام عشرة وللخواص سبعمائة وأكثر إلى ما لا يحصى، وهذا يحتاج إلى توقيف. والأول أصح، لحديث خريم بن فاتك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:
"وأما حسنة بعشر فمن عمل حسنة فله عشر أمثالها وأما حسنة بسبعمائة فالنفقة في سبيل الله".
وهذه الاية الكريمة مفصلة لما أجمل في الاية الأخرى وهي قوله "من جاء بالحسنة فله خير منها" وقد وردت الأحاديث مطابقة لهذه الاية كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا عفان حدثنا جعفر بن سليمان, حدثنا الجعد أبو عثمان عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى "إن ربكم عز وجل رحيم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة. ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله عز وجل ولا يهلك على الله إلا هالك" ورواه البخاري ومسلم والنسائي من حديث الجعد أبي عثمان به.
وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز جل: من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئاً جعلت له مثلها مغفرة, ومن اقترب إلي شبراً اقتربت إليه ذراعاً ومن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" ورواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية به, وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش به, ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع به, وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا شيبان حدثنا حماد, حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة" واعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام تارة يتركها لله فهذا تكتب له حسنة على كفه عنها لله تعالى وهذا عمل ونية ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة كما جاء في بعض ألفاظ الصحيح فإنما تركها من جرائي أي من أجلي, وتارة يتركها نسياناً وذهولاً عنها فهذا لا له ولا عليه لأنه لم ينو خيراً ولا فعل شراً, وتارة يتركها عجزاً وكسلا عنها بعد السعي في أسبابها والتلبس بما يقرب منها, فهذا بمنزلة فاعلها كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".
وقال الإمام أبو يعلى الموصلي: حدثنا مجاهد بن موسى, حدثنا علي وحدثنا الحسن بن الصباح وابن خيثمة, قالا: حدثنا إسحاق بن سليمان كلاهما عن موسى بن عبيدة عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس عن جده أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من هم بحسنة كتب الله له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً, ومن هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها فإن عملها كتبت عليه سيئة, فإن تركها كتبت له حسنة يقول الله تعالى إنما تركها من مخافتي", هذا لفظ حديث مجاهد يعني ابن موسى, وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا شيبان بن عبد الرحمن, عن الركين بن الربيع عن أبيه عن عمه فلان بن عميلة, عن خريم بن فاتك الأسدي, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الناس أربعة والأعمال ستة, فالناس موسع له في الدنيا والاخرة وموسع له في الدنيا مقتور عليه في الاخرة, ومقتور عليه في الدنيا موسع له في الاخرة وشقي في الدنيا والاخرة, والأعمال موجبتان ومثل بمثل وعشرة أضعاف وسبعمائة ضعف, فالموجبتان من مات مسلماً مؤمناً لا يشرك بالله شيئاً وجبت له الجنة, ومن مات كافراً وجبت له النار, ومن هم بحسنة فلم يعملها فعلم الله أنه قد أشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة, ومن هم بسيئة لم تكتب عليه ومن عملها كتبت واحدة ولم تضاعف عليه, ومن عمل حسنة كانت عليه بعشر أمثالها, ومن أنفق نفقة في سبيل الله عز وجل كانت بسبعمائة ضعف" ورواه الترمذي والنسائي من حديث الركين بن الربيع عن أبيه عن بشير بن عميلة عن خريم بن فاتك به ببعضه, والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا حبيب بن المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر, رجل حضرها بلغو فهو حظه منها, ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه, ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام", وذلك لأن الله عز وجل يقول "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا هشام بن مرثد, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثني أبي, حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام, وذلك لأن الله تعالى قال "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"" وعن أبي ذر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله" رواه الإمام أحمد وهذا لفظه والنسائي وابن ماجه والترمذي, وزاد "فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" اليوم بعشرة أيام" ثم قال هذا حديث حسن وقال ابن مسعود "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" من جاء بلا إله إلا الله, ومن جاء بالسيئة يقول بالشرك, وهكذا جاء عن جماعة من السلف رضي الله عنهم أجميعن, وقد ورد فيه حديث مرفوع الله أعلم بصحته, لكني لم أروه من وجه يثبت, والأحاديث والاثار في هذا كثيرة جداً وفيما ذكر كفاية إن شاء الله وبه الثقة.
قوله: 160- "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" لما توعد سبحانه المخالفين له بما توعد بين عقب ذلك مقدار جزاء العاملين بما أمرهم به الممتثلين لما شرعه لهم بأن من جاء بحسنة واحدة من الحسنات فله من الجزاء عشر حسنات، والتقدير: فله عشر حسنات أمثالها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف. قال أبو علي الفارسي: حسن التأنيث في عشر أمثالها لما كان الأمثال مضافاً إلى مؤنث، نحو ذهبت بعض أصابعه. وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش "فله عشر أمثالها" برفعهما.
وقد ثبت هذا التضعيف في السنة بأحاديث كثيرة، وهذا التضعيف هو أقل ما يستحقه عامل الحسنة. وقد وردت الزيادة على هذا عموماً وخصوصاً، ففي القرآن كقوله: "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل". وورد في بعض الحسنات أن فاعلها يجازى عليها بغير حساب، وورد في السنة المطهرة تضعيف الجزاء إلى ألوف مؤلفة. وقد قدمنا تحقيق هذا في موضعين من هذا التفسير فليرجع إليهما "ومن جاء بالسيئة" من الأعمال السيئة "فلا يجزى إلا مثلها" من دون زيادة عليها على قدرها في الخفة والعظم، فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده في النار، وفاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها مما ورد تقديره من العقوبات كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرحة بأن من عمل كذا فعليه كذا، وما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب فعلينا أن نقول: يجازيه الله بمثله وإن لم نقف على حقيقة ما يجازى به، وهذا إن لم يتب، أما إذا تاب أو غلبت حسناته سيئاته أو تغمده الله برحمته وتفضل عليه بمغفرته فلا مجازاة، وأدلة الكتاب والسنة مصرحة بهذا تصريحاً لا يبقى بعده ريب لمرتاب، "وهم" أي من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة "لا يظلمون" بنقص ثواب حسنات المحسنين ولا بزيادة عقوبات المسيئين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اختلفت اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فتفرقوا، فلما بعث محمد أنزل عليه "إن الذين فرقوا دينهم" الآية. وأخرج النحاس عنه في ناسخه "إن الذين فرقوا دينهم" قال: اليهود والنصارى تركوا الإسلام والدين الذي أمروا به "وكانوا شيعاً" فرقاً أحزاباً مختلفة "لست منهم في شيء" نزلت بمكة ثم نسخها "قاتلوا المشركين"-. وأخرج أبو الشيخ عنه "وكانوا شيعاً" قال: مللاً شتى. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة في قوله: "إن الذين فرقوا دينهم" الآية قال: هم في هذه الأمة. وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني والشيرازي في الألقاب وابن مردويه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال: هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة، وفي إسناده عبد بن كثير، وهو متروك الحديث ولم يرفعه غيره، ومن عداه وقفوه على أبي هريرة. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة في الآية قال: هم الحرورية وقد رواه ابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعاً ولا يصح رفعه. وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن شاهين وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وأبو نصر السجزي في الإبانة والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "يا عائشة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذا الأمة ليست لهم توبة، يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة وهم مني برآء". قال ابن كثير: هو غريب ولا يصح رفعه. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" قال رجل من المسلمين: يا رسول الله لا إله إلا لله حسنة؟ قال: نعم أفضل الحسنات، وهذا مرسل ولا ندري كيف إسناده إلى سعيد؟. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود "من جاء بالحسنة". قال: لا إله إلا الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة مثله أيضاً. وقد قدمنا الإشارة إلى أنها قد ثبتت الأحاديث الصحيحة بمضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها فلا نطيل بذكرها، ووردت أحاديث كثيرة في الزيادة على هذا المقدار، وفضل الله واسع، وعطاؤه جم.
160- قوله عز وجل: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "، أي: له عشر حسنات أمثالها، وقرأ يعقوب (عشر) منون، (أمثالها) بالرفع. " ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ".
أخبرنا حسان به سعيد المنيعي ثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أبو بكر محمد بن الحسن القطان ثنا محمد بن يوسف القطان ثنا محمد بن يوسف السليمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله عز وجل ".
وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ثنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة بمثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً ومن لقيني بقراب الأرض خطيئةً لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة ".
قال ابن عمر: الآية في غير الصدقات من الحسنات، فإما الصدقات تضاعف سبعمائة ضعف.
160"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " أي عشر حسنات أمثالها فضلا من الله وقرأ يعقوب عشرة بالتنوين وأمثالها بالرفع على الوصف . وهذا أقل ما وعد من الأضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل : المراد بالعشر الكثرة دون العدد . " ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها " قضية للعدل . " وهم لا يظلمون " بنقص الثواب وزيادة العقاب .
160. Whoso bringeth a good deed will receive tenfold the like thereof, while whoso bringeth an ill deed will be awarded but the like thereof; and they will not be wronged.
160 - He that doeth good shall have ten times as much to his credit: he that doeth evil shall only be recompensed according to his evil: no wrong shall be done unto (any of) them.