161 - (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ويبدل من محله (ديناً قِيَمَاً) مستقيماً (ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " قل " ، يا محمد ، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، " إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم " ، يقول : قل لهم إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم ، هو دين الئه الذي ابتعثه به ، وذلك الحنيفية المسلمة، فوفقني له ، " دينا قيما" ، يقول : مستقيما، " ملة إبراهيم " ، يقول : دين إبراهيم ، " حنيفا " ، يقول : مستقيما ، " وما كان من المشركي " ، يقول : وما كان من المشركين بالله ، يعني إبراهيم صلوات الله عليه ، لأنه لم يكن ممن يعبد الأصنام .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " دينا قيما" . فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض البصريين : ديناً قثماً بفتح القاف ، وتشديد الياء ، إلحاقاً منهم ذلك بقول الله : " ذلك الدين القيم " وبقوله ، " ذلك دين القيمة ".
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : " دينا قيما" بكسر القاف وفتح الياء وتخفيفها . وقالوا : القيم و القيم بمعنى واحد، وهما لغتان معناهما : الدين المستقيم .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو للصواب مصيب ، غير أن فتح القاف وتشديد الياء أعجب إلي ، لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما .
ونصب قوله : فى " دينا" على المصدر من معنى قوله : " إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم " ، ذلك أن المعنى : هداني ربي إلى دين قويم ، فاهتديت له " دينا قيما" ، فالدين منصوب من المحذوف الذي هو اهتديت ، الذي ناب عنه قوله : " إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم " .
وقال بعض نحب البصرة : إنما نصب ذلك ، لأنه لما قال : " هداني ربي إلى صراط مستقيم " ، قد أخبر أنه عرف شيئاً، فقال : " دينا قيما " ، كأنه قال : عرفت ديناً قيماً ملة إبراهيم .
وأما معنى : الحنيف ، فقد بينته في مكانه في سورة البقرة بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
فيه أربع مسائل:
الأولى- قوله تعالى: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم" لما بين تعالى أن الكفار تفرقوا بين أن الله هداه إلى الدين المستقيم وهو دين إبراهيم "ديناً" نصب على الحال، عن قطرب. وقيل: نصب بـ"هداني" عن الأخفش. قال غيره: انتصب حملاً على المعنى، لأن معنى هداني عرفني ديناً. ويجوز أن يكون بدلاً من الصراط، أي هداني صراطاً مستقيماً ديناً. وقيل: منصوب بإضمار فعل، فكأنه قال: اتبعوا ديناً، واعرفوا ديناً. "قيماً" قرأه الكوفيون وابن عامر بكسر القاف والتخفيف وفتح الياء، مصدر كالشبع فوصف به. والباقون بفتح القاف وكسر الياء وشدها، وهما لغتان. وأصل الياء الواو قيوم ثم أدغمت الواو في الياء كميت. ومعناه ديناً مستقيماً لا عوج فيه "ملة إبراهيم" بدل "حنيفا" قال الزجاج: هو حال من إبراهيم. وقال علي بن سليمان: هو نصب بإضمار أعني.
يقول تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف "ديناً قيماً" أي قائماً ثابتاً "ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" كقوله " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " وقوله "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم" وقوله " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين * ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية, أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياماً عظيماً وأكملت له إكمالاً تاماً لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال, ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الإطلاق, وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى الخليل عليه السلام .
وقد قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص, حدثنا أحمد بن عصام, حدثنا أبو داود الطيالسي, حدثنا شعبة أنبأنا سلمة بن كهيل, سمعت ذر بن عبد الله الهمداني يحدث عن ابن أبزى عن أبيه, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال "أصبحنا على ملة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن إسحاق, عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله تعالى ؟ قال "الحنيفية السمحة" وقال أحمد أيضاً: حدثنا سليمان بن داود, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه, لأنظر إلى زفن الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه. قال عبد الرحمن عن أبيه قال: قال لي عروة إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة, إني أرسلت بحنيفية سمحة", أصل الحديث مخرج في الصحيحين والزيادة لها شواهد من طرق عدة, وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري ولله الحمد والمنة, وقوله تعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك, فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له, وهذا كقوله تعالى "فصل لربك وانحر" أي أخلص له صلاتك وذبحك, فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها, فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى, قال مجاهد في قوله "إن صلاتي ونسكي" النسك الذبح في الحج والعمرة, وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير "ونسكي" قال ذبحي, وكذا قال السدي والضحاك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف, حدثنا أحمد بن خالد الذهبي, حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد النحر بكبشين وقال حين ذبحهما "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" وقوله عز وجل "وأنا أول المسلمين" قال قتادة: أي من هذه الأمة, وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام, وأصله عبادة الله وحده لا شريك له كما قال "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقد أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه "فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين" وقال تعالى " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وقال يوسف عليه السلام " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " وقال موسى "يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين" وقال تعالى "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار" الاية, وقال تعالى " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " فأخبر تعالى أنه بعث رسله بالإسلام, ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضاً, إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ أبد الابدين, ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة, ولهذا قال عليه السلام "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" فإن أولاد العلات هم الإخوة من أب واحد وأمهات شتى, فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات, كما أن إخوة الأخياف عكس هذا بنو الأم الواحدة من آباء شتى, والإخوة الأعيان الأشقاء من أب واحد وأم واحدة. والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد, حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون, حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي, عن الأعرج, عن عبيد الله بن أبي رافع, عن علي رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين", "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت, أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت, واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت, تباركت وتعاليت, أستغفرك وأتوب إليك" ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع والسجود والتشهد وقد رواه مسلم في صحيحه.
لما بين سبحانه أن الكفار تفرقوا فرقاً وتحزبوا أحزاباً أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: 161- "إنني هداني ربي" أي أرشدني بما أوحاه إلي "إلى صراط مستقيم" وهو ملة إبراهيم عليه السلام، و "ديناً" منتصب على الحال كما قال قطرب، أو على أنه مفعول هداني كما قال الأخفش، وقيل: منتصف بفعل يدل عليه هداني، لأن معناه عرفني: أي عرفني ديناً، وقيل: إنه بدل من محل إلى صراط، لأن معناه هداني صراطاً مستقيماً كقوله تعالى: "ويهديكم صراطاً مستقيماً" وقيل: منصوب بإضمار فعل، كأنه قيل: اتبعوا ديناً. قوله: "قيماً" قرأه الكوفيون وابن عامر بكسر القاف، والتخفيف وفتح الياء. وقرأه الباقون بفتح القاف وكسر الياء المشددة، وهما لغتان: ومعناه الدين المستقيم الذي لا عوج فيه، وهو صفة لديناً وصف به مع كونه مصدراً مبالغة، وانتصاب "ملة إبراهيم" على أنها عطف بيان لديناً، ويجوز نصبها بتقدير أعني، و "حنيفاً" منتصب على أنه حال من إبراهيم، قاله الزجاج. وقال علي بن سليمان: هو منصوب بإضمار أعني. والحنيف المائل إلى الحق، وقد تقدم تحقيقه "وما كان من المشركين" في محل نصب معطوف على حنيفاً، أو جملة معترضة مقررة لما قبلها.
161- قوله عز وجل: " قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً "، قرأ أهل الكوفة والشام (قيماً) بكسر القاف وفتح الياء خفيفةً، وقرأ الآخرون بفتح القاف وكسر الياء مشدداً ومعناهما واحد وهو القويم المستقيم، وانتصابه على معنى هداني ديناً قيماً، " ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ".
161" قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم " بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج " ديناً " بدل من محل إلى صراط إذ المعنى ، هداني صراطا كقوله : " ويهديكم صراطا مستقيما " أو مفعول فعل مضمر دل عليه الملفوظ " قيما " فيعل من قام كسيد من ساد وهو أبلغ من المستقيم باعتبار الزنة والمستقيم باعتبار الصيغة وقرأ ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي " قيما " على أنه مصدر نعت به وكان قياسه قوما كعوض فاعل لإعلال فعله كالقيام " ملة إبراهيم "عطف بيان لدينا " حنيفاً" حال من إبراهيم " وما كان من المشركين " عطف عليه .
161. Say: Lo! As for me, my Lord hath guided me unto a straight path, a right religion, the community of Abraham, the upright, who was no idolater.
161 - Say: verily, my lord hath guided me to a way that is straight, a religion of right, the path (trod) by Abraham the true in faith, and he (certainly) joined not gods with God.