17 - ثم ضرب مثلاً للحق والباطل فقال (أنزل) تعالى (من السماء ماء) مطراً (فسالت أودية بقدرها) بمقدار مثلها (فاحتمل السيل زبداً رابياً) عالياً عليه وهو ما على وجهه من قذر ونحوه (ومما توقدون) بالتاء والياء (عليه في النار) من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس (ابتغاء) طلب (حلية) زينة (أو متاع) ينتفع به كالأواني إذا أذيبت (زبد مثله) أي مثل زبد السيل وهو خبثه ، والذي ينفيه الكير (كذلك) المذكور (يضرب الله الحق والباطل) أي مثلهما (فأما الزبد) من السيل وما أوقد عليه من الجواهر (فيذهب جفاء) باطلاً مرمياً به (وأما ما ينفع الناس) من الماء والجواهر (فيمكث) يبقى (في الأرض) زماناً كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا على الحق في بعض الأوقات والحق ثابت باق (كذلك) المذكور (يضرب) يبين (الله الأمثال)
قال ابو جعفر : وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل ، والإيمان به والكفر .
يقول تعالى ذكره : مثل الحق في ثباته ، والباطل في اضمحلاله ، مثل ماء أنزله الله من السماء إلى الأرض ، "فسالت أودية بقدرها" ، يقول : فاحتلمته الأودية بملئها ، الكبير بكبره ، والصغير بصغره ، "فاحتمل السيل زبدا رابيا" ، يقول : فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنزله الله من السماء ، زبداً عالياً فوق السيل .
فهذا أحد مثلي الحق والباطل . فالحق هو الماء الباقي الذي أنزله الله من السماء ، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل .
والمثل الآخر :"ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية" ، يقول جل ثناؤه : ومثل آخر للحق والباطل ، مثل فضة أو ذهب يوقد عليها الناس في النار طلب حلية يتخذونها أو متاع ، وذلك من النحاس والرصاص والحديد ، يوقد عليه ليتخذ منه متاع ينتفع به ، "زبد مثله" ، يقول تعالى ذكره : ومما يوقدون عليه من هذه الأشياء زبد مثله ، يعني : مثل زبد السيل ، لا ينتفع به ويذهب باطلاً ، كما لا ينتفع بزبد السيل ويذهب باطلاً .
ورفع الزبد بقوله :"ومما يوقدون عليه في النار" .
ومعنى الكلام : ومما يوقدون عليه في النار زبد مثل زبد السيل في بطول زبده ، وبقاء خالص الذهب والفضة .
يقول الله تعالى : "كذلك يضرب الله الحق والباطل" ، يقول : كما مثل الله مثل الإيمان والكفر ، في بطول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله ، بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة ،كذلك يمثل الله الحق والباطل ، "فأما الزبد فيذهب جفاء" ، يقلو : فأما الزبد الذي علا السيل والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها ، فيذهب بدفع الرياح وقذف الماء به ، وتعلقه بالأشجار وجوانب الوادي ، وأما ما ينفع الناس من الماء والذهب الفضة والرصاص والنحاس ، فالماء يمكث في الأرض فتشربه ، والذهب والفضة تمكث للناس ، "كذلك يضرب الله الأمثال" ، يقول : كما مثل هذا المثل للإيمان والكفر ، كذلك يمثل الأمثال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،عن ابن عباس قوله : "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" ، فهذا مثل ضربه الله ، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها . فأما الشك فلا ينفع مه العمل ، وأما اليقين فينفع الله به أهله ، وهو قوله : "فأما الزبد فيذهب جفاء "، وهو الشك ، "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ، وهو اليقين ، كما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصة ويترك خبثه في النار . فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا" ، يقول : احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة ،"ومما يوقدون عليه في النار" ، فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد ، وللنحاس والحديد خبث ، فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء . فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة ، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت . فجعل ذلك مثل العمل الصالح يبقى لأهله ، والعمل الشيء يضمحل عن أهله ، كما يذهب هذا الزبد . فكذلك الهدى والحق جاء من عند الله ، فمن عمل بالحق كان له ، وبقي كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض . وكذلك الحديد لا يستطاع أن تجعل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار فتأكل خبثه ، فيخرج جيده فينتفع به . فذكلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة ، وأقيم الناس ، وعرضت الأعمال ، فيزيغ الباطل ويهلك ، وينتفع أهل الحق بالحق . ثم قال : "ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله :"أنزل من السماء ماء فسالت أودية" ، إلى "متاع زبد مثله" ، فقال : ابتغاء حلية الذهب والفضة ، أو متاع الصفر والحديد . قال : كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد فخلص خالصه . قال : "كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ، كذلك بقاء الحق لأهله ، فانتفعوا به .
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال ، حدثنا حجاج بن محمد قال ، قال ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهداً يقول : "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" ، قال : ما أطاقت ملأها ، "فاحتمل السيل زبدا رابيا" ، قال : انقضى الكلام . ثم استقبل فقال : "ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" ، قال : المتاع الحديد والنحاس والرصاص واشباهه ، "زبد مثله" ، قال : خبث ذلك مثل زبد السيل . قال : "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ، "فأما الزبد فيذهب جفاء" ، قال : فذلك مثل الحق والباطل .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد : أنه سمعه يقول ، فذكر نحوه ، وزاد فيه ، قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد قوله : "فأما الزبد فيذهب جفاء" ، قال : جموداً في الأرض ، "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ، يعني الماء . وهما مثلان ، مثل الحق والباطل .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله : "زبدا رابيا" ، السيل ، مثل خبث الحديد والحلية ، "فيذهب جفاء" ، جموداً في الأرض ، "ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" ، الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه . وقوله : "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ، إنما هما مثلان للحق والباطل .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ـ .
قال ، وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ـ يزيد أحدهما على صاحبه ـ في قوله : "فسالت أودية بقدرها" ، قال : بمثلها ، "فاحتمل السيل زبدا رابيا" ، قال : الزبد السيل ، "ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" ، قال : خبث الحديد والحلية ، "فأما الزبد فيذهب جفاء" ، قال : جموداً في الأرض ، "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ، قال : الماء . وهما مثلان للحق والباطل .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله :"أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" ، الصغير بصغره ، والكبير بكبره ، "فاحتمل السيل زبدا رابيا" ، أي : عالياً ، "ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء" ، و الجفاء ، ما يتعلق بالشجر ، "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" . هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد . يقول : كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا تزجى بركته ، كذلك يضمحل الباطل عن أهله كما اضمحل الباطل عن أهله كما اضمحل هذا الزبد ، وكما مكث هذا الماء في الأرض ،فأمرعت هذه الأرض وأخرجت نباتها ، كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي هذا الماء في الأرض فأخرج الله به ما أدخل من النبات ، قوله :"ومما يوقدون عليه في النار" ، الآية ، كما يبقى خالص الذهب والفضة حين أدخل النار وذهب خبثه ، كذلك يبقى الحق لأهله ، قوله ، "أو متاع زبد مثله" ، يقول : هذا الحديد والصفر الذي ينتفع به فيه منافع . يقول : كما يبقى خالص هذا الحديد وهذا الصفر حين أدخل النار وذهب خبثه ، كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "فسالت أودية بقدرها" ، الكبير بقدره ، والصغير بقدره ، "زبدا رابيا" ، قال : ربا فوق الماء الزبد ، "ومما يوقدون عليه في النار" ، قال : هو الذهب إذا أدخل النار بقي صفوه ونفي ما كان من كدره . وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل ،"فأما الزبد فيذهب جفاء" ، يتعلق بالشجر فلا يكون شيئاً . هذا مثل الباطل ، "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" ، وهذا يخرج النبات . وهو مثل الحق ، "أو متاع زبد مثله" ، قال : المتاع ، الصفر والحديد .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا هوذة بن خليفة قال ، حدثنا عوف قال : بلغني في قوله : "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" ، قال : إنما هو ضربه الله للحق والباطل ، "فسالت أودية بقدرها" ، الصغير على قدره ، والكبير على قدره ، وما بينهما على قدره ، "فاحتمل السيل زبدا رابيا" ، يقول : عظيماً ، وحيث استقر الماء يذهب الزبد جفاءً فتطير به الريح فلا يكون شيئاً ، ويبقى صريح الماء الذي ينفع الناس ، منه شرابهم ونباتهم ومنفعتهم ، "أو متاع زبد مثله" ، ومثل الزبد كل شيء يوقد عليه في النار ، الذهب والفضة والنحاس والحديد ، فيذهب خبثه ويبقي ما ينفع في أيديهم . والخبث والزبد مثل الباطل ، والذي ينفع الناس مما تحصل في أيديهم مما ينفعهم ، المال ، الذي في أيديهم .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله" ، قال : هذا مثل ضربه الله للحق والباطل . فقرأ : "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا" ، هذا الزبد لا ينفع ، "أو متاع زبد مثله" ، هذا لا ينفع أيضاً . قال : وبقي الماء في الأرض فنفع الناس ، وبقي الحلي الذي صلح من هذا فانتفع الناس به ، "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال" ، وقال : هذا مثل ضربه الله للحق والباطل .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : "أودية بقدرها" ، قال الصغير بصغره ، والكبير بكبره .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا طلحة بن عمرو ، عن عطاء : ضرب الله مثلاً للحق والباطل ، فضرب مثل الحق كمثل السيل الذي يمكث في الأرض ، وضرب مثل الباطل كمثل الزبد الذي لا ينفع الناس .
وعنى بقوله : "رابيا" ، عالياً منتفخاً ، من قولهم : ربا الشيء يربو ربوا فهو راب ، ومنه قيل للنشز من الأرض كهيئة الأكمة : رابية ، ومنه قول الله تعالى : ( اهتزت وربت ) .
وقيل للنحاس والرصاص والحديد في هذا الموضع المتاع ، لأنه يستمتع به ، وكل ما يتمتع به الناس فهو متاع ، كما قال الشاعر :
تمتع يا مشعث إن شيئا سبقت به الممات هو المتاع
وأما الجفاء ، فإني :
حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، قال أبو عمرو بن العلاء : يقال : قد أجفأت القدر ، وذلك إذا غلت فانصب زبدها ،أو سكنت فلا يبقى منه شيء .
وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة ، أن معنى قوله : "فيذهب جفاء" ، تنشفه الأرض . قال : يقال : جفا الوادي ، وأجفى ، في معنى نشف ، و انجفى الوادي ، إذا جاء بذلك الغثاء و غثى الوادي فهو يغثى غيثا وغثيانا وذكر عن العرب أنها تقول : جفأت القدر أجفؤها ، إذا أخرجت جفاءها ، وهو الزبد الذي يعلوها ، و أجفأتها إجفاء ، لغة . قال : قالوا : جفأت الرجل جفأ ، صرعته .
وقيل : "فيذهب جفاء" ، بمعنى : جفأ ، لأنه مصدر من قول القائل : جفأ الوادي غثاءه ، فخرج مخرج الاسم ، وهو مصدر ، كذلك تفعل العرب في مصدر كل ما كان من فعل شيء اجتمع بعضه إلى بعض كـ القماش ، والدقاق ، والحطام ، والغثاء ، تخرجه على مذهب الاسم ، كما فعلت في قولهم أعطيته عطاء ، بمعنى الإعطاء . ولو أريد من القماش ، المصدر على الصحة لقيل : قد قمشه قمشا .
قوله تعالى: " أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا " ضرب مثلاً للحق والباطل، فشبه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء، فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الأودية، وتدفعه الرياح، فكذلك يذهب الكفر ويضمحل، على ما نبينه. قال مجاهد: ( فسالت أودية بقدرها) قال: بقدر ملئها. وقال ابن جريج: بقدر صغرها وكبرها. وقرأ الأشهب العقيلي والحسن ( بقدرها) بسكون الدال، والمعنى واحد. وقيل: معناها بما قدر لها. والأودية جمع الوادي، وسمي وادياً لخروجه وسيلانه، فالوادي على هذا اسم للماء السائل. وقال أبو علي: ( فسالت أودية) توسع، أي سال ماؤها فحذف، قال ومعنى ( بقدرها) بقدر مياهها، لأن الأودية ماسالت بقدر أنفسها. ( فاحتمل السيل زبدا رابيا) أي طالعاً عالياً مرتفعاً فوق الماء، وتم الكلام، قاله مجاهد. ثم قال: " ومما يوقدون عليه في النار " وهو المثل الثاني. " ابتغاء حلية " أي حلية الذهب والفضة. " أو متاع زبد مثله " قال مجاهد: الحديد والنحاس والرصاص. وقوله: ( زبد مثله) أي يعلو هذه الأشياء زبد كما يعلو السيل، وإنما احتمل السيل الزبد لأن الماء خالطه تراب الأرض فصار ذلك زبداً، كذلك ما يوقد عليه من النار من الجوهر ومن الذهب والفضة مما ينبث في الأرض من المعادن فقد خالطه التراب، فإنما يوقد علهي ليذوب فيزايله تراب الأرض. وقوله: " كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء " قال مجاهد: جموداً. وقال أبو عبيدة قال أبو عمر بن العلاء: أجفأت القدر إذا غلت حتى ينصب زبدها، وإذا جمد في أسفلها. والجفاء ما أجفاه الوادي أي رمى به. وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤبة يقرأ ( جفالاً) قال أبو عبيدة: يقال أجفلت القدر إذا قذفت بزبدها، وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته. " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " قال مجاهد: هو الماء الخالص الصافي. وقيل: الماء وما خلص من الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص، وهو أن المثلين ضربهما الله للحق في ثباته، والباطل في اضمحلاله، فالباطل وإن علا في بعض الأحوال فإنه يضمحل كاضمحلال الزبد والخبث. وقيل: المراد مثل ضربه الله للقرآن وما يدخل منه القلوب، فشبه القرآن بالمطر لعموم خيره وبقاء نفعه، وشبه القلوب بالأودية، يدخل فيها من القرآن مثل ما يدخل في الأودية بحسب سعتها وضيقها. قال ابن عباس: ( أنزل من السماء ماء) قال: قرآناً، ( فسالت أودية بقدرها) قال: الأودية قلوب العباد. قال صاحب سوق العروس إن صح هذا التفسير فالمعنى فيه أن الله سبحانه مثل القرآن بالماء. ومثل القلوب بالأودية، ومثل المحكم بالصافي، ومثل المتشابة بالزبد. وقيل: الزبد مخايل النفس وغوائل الشك ترتفع من حيث ما فيها فتضطرب من سلطان تلعها، كما أن ماء السيل يجري صافياً فيرفع ما يجد في الوادي باقياً، وأما حلية الذهب والفضة فمثل الأحوال السنية. والأخلاق الزكية، التي بها جمال الرجال، وقوام صالح الأعمال، كما أن من الذهب والفضة زينة النساء، وبهما قيمة الأشياء. وقرأ حميد وابن محيصن ويحيى و الأعمش وحمزة و الكسائي وحفص ( يوقدون) بالياء واختاره أبو عبيد، لقوله: ( ينفع الناس) فأخبر، ولا مخاطبة ها هنا. الباقون بالتاء لقوله في أول الكلام: ( أفاتخذتم من دونه أولياء) الآية. وقوله: ( في النار) متعلق بمحذوف، وهو في موضع الحال، وذو الحال الهاء التي في ( عليه) التقدير: ومما توقدون عليه ثابتاً في النار أو كائناً. وفي قوله: ( في النار) ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي اسم ذي الحال ولا يستقيم أن يتعلق ( في النار) بـ ( ـيوقدون) من حيث لا يستقيم اوقدت عليه في النار، لأن الموقد عليه يكون في النار، فيصير قوله: ( في النار) غير مفيد. وقوله: ( ابتغاء حلية) مفعول له. ( زبد مثله) ابتداء وخبر، أي زبد مثل زبد السيل. وقيل: إن خبر ( زبد) قوله: ( في النار) الكسائي : ( زبد) ابتداء، و ( مثله) نعت له، والخبر في الجملة التي قبله، وهو ( مما يوقدون). " كذلك يضرب الله الأمثال " أي كما بين لكم هذه الأمثال فكذلك يضربها بينات. تم الكلام،
اشتملت هذه الاية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه, والباطل في اضمحلاله وفنائه, فقال تعالى: "أنزل من السماء ماء" أي مطراً "فسالت أودية بقدرها" أي أخذ كل واد بحسبه, فهذا كبير وسع كثيراً من الماء, وهذا صغير وسع بقدره, وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها, فمنها ما يسع علماً كثيراً, ومنها من لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها "فاحتمل السيل زبداً رابياً" أي فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه, هذا مثل.
وقوله: "ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع" الاية, هذا هو المثل الثاني وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة ابتغاء حلية, أي ليجعل حلية نحاس أو حديد, فيجعل متاعاً, فإنه يعلوه زبد منه كما يعلو ذلك زبد منه "كذلك يضرب الله الحق والباطل" أي إذا اجتمعا, لا ثبات للباطل ولا دوام له, كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع الذهب والفضة, ونحوهما مما يسبك في النار, بل يذهب ويضمحل, ولهذا قال: "فأما الزبد فيذهب جفاء" أي لا ينتفع به بل يتفرق ويتمزق, ويذهب في جانبي الوادي, ويعلق بالشجر, وتنسفه الرياح, وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس, يذهب ولا يرجع منه شيء ولا يبقى إلا الماء, وذلك الذهب ونحوه ينتفع به, ولهذا قال: "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال" كقوله تعالى: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" وقال بعض السلف: كنت إذا قرأت مثلاً من القرآن فلم أفهمه, بكيت على نفسي, لأن الله تعالى يقول "وما يعقلها إلا العالمون".
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" الاية, هذا مثل ضربه الله, احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها, فأما الشك فلا ينفع معه العمل, وأما اليقين فينفع الله به أهله وهو قوله: "فأما الزبد" وهو الشك, "فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" وهو اليقين, وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار, فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك, وقال العوفي عن ابن عباس قوله: "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً" يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة "ومما يوقدون عليه في النار" فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد, فللنحاس والحديد خبث, فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء, فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة, وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت, فجعل ذاك مثل العمل الصالح يبقى لأهله, والعمل السيء يضمحل عن أهله, كما يذهب هذا الزبد, وكذلك الهدى والحق جاءا من عند الله, فمن عمل بالحق كان له وبقي, كما بقي ما ينفع الناس في الأرض, وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار, فتأكل خبثه, ويخرج جيده فينتفع به, فكذلك يضمحل الباطل, فإذا كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال, فيزيغ الباطل ويهلك, وينتفع أهل الحق بالحق, وهكذا روي في تفسيرها عن مجاهد والحسن البصري وعطاء وقتادة, وغير واحد من السلف والخلف.
وقد ضرب سبحانه وتعالى في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين: نارياً ومائياً وهما قوله "مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله" الاية, ثم قال "أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق" الاية, وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور مثلين (أحدهما) قوله "والذين كفروا أعمالهم كسراب" الاية, والسراب إنما يكون في شدة الحر, ولهذا جاء في الصحيحين: فيقال لليهود يوم القيامة: فما تريدون ؟ فيقولون: أي ربنا عطشنا فاسقنا. فيقال: ألا تردون ؟ فيردون النار فإذا هي كسراب يحطم بعضها بعضاً. ثم قال تعالى في المثل الاخر: "أو كظلمات في بحر لجي" الاية, وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم, كمثل غيث أصاب أرضاً, فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكانت منها أجادب أمسكت الماء, فنفع الله بها الناس, فشربوا, ورعوا, وسقوا, وزرعوا, وأصابت طائفة منها أخرى, إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ, فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني ونفع به, فعلم وعلم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" فهذا مثل مائي. وقال في الحديث الاخر الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله, جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها, وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها ـ قال ـ: فذلكم مثلي ومثلكم, أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار, فتغلبوني فتقتحمون فيها" وأخرجاه في الصحيحين أيضاً, فهذا مثل ناري.
ثم ضرب سبحانه مثلاً آخر للحق وذويه، وللباطل ومنتحليه فقال: 17- "أنزل من السماء ماء" أي من جهتها والتنكير للتكثير أو للنوعية "فسالت أودية" جمع واد، وهو كل منفرج بين جبلين أو نحوهما. قال أبو علي الفارسي: لا نعلم فاعلاً جمع على أفعلة إلا هذا، وكأنه حمل على فعيل فمع على أفعلة مثل جريب وأجربة، كما أن فعيلاً حمل على فاعل، فجمع على أفعال مثل يتيم وأيتام وشريف وأشراف، كأصحاب وأنصار في صاحب وناصر قال: وفي قوله: "فسالت أودية" توسع: أي سال ماؤها، قال: ومعنى "بقدرها" بقدر مائها، لأن الأودية ما سالت بقدر أنفسها. قال الواحدي: والقدر مبلغ الشيء، والمعنى: بقدرها من الماء، فإن صغر الوادي قل الماء وإن اتسع كثر، وقال في الكشاف: بقدرها بمقدارها الذي يعرف الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار، قال ابن الأنباري: شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر، إذ نفع نزول القرآن يعم كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب: إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن القرآن والإيمان في قلوب المؤمنين "فاحتمل السيل زبداً رابياً" الزبد: هو الأبيض المرتفع المنتفخ على وجه السيل، ويقال له الغثاء والرغوة، والرابي: العالي المرتفع فوق الماء. قال الزجاج: هو الطافي فوق الماء، وقال غيره: هو الزائد بسبب انتفاخه، من ربا يربو إذا زاد. والمراد من هذا تشبيه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء، فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الوادي وتدفعه الرياح، فكذلك يذهب الكفر ويضمحل. وقد تم المثل الأول، ثم شرح سبحانه في ذكر المثل الثاني فقال "ومما يوقدون عليه في النار" من لابتداء الغاية: أي ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء، أو للتبعيض بمعنى: وبعضه زبد مثله، والضمير للناس، أضمر مع عدم سبق الذكر لظهوره، هذا على قراءة يوقدون بالتحتية، وبها قرأ حميد وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وحفص. وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب، واختار القراءة الأولى أبو عبيد. والمعنى: ومما توقدون عليه في النار فيذوب من الأجسام المنطرقة الذائبة "ابتغاء حلية" أي لطلب اتخاذ حلية تتزينون بها وتتجملون كالذهب والفضة "أو متاع" أي أو طلب متاع تتمتعون به من الأواني والآلات المتخذة من الحديد والصفر والنحاس والرصاص "زبد مثله" المراد بالزبد هنا الخبث، فإنه يعلو فوق ما أذيب من تلك الأجسام كما يعلو الزبد على الماء فالضمير في مثله يعود إلى زبداً رابياً، وارتفاع زبد على الابتداء وخبره مما يوقدون "كذلك يضرب الله الحق والباطل" أي مثل ذلك الضرب البديع يضرب الله مثل الحق ومثل الباطل، ثم شرع في تقسيم المثل فقال: "فأما الزبد فيذهب جفاء" يقال جفأ الوادي بالهمز جفاء: إذا رمى بالقذر والزبد. قال الفراء: الجفاء الرمي، يقال: جفأ الوادي غثاء جفاء: إذا رمى به، والجفاء بمنزلة الغثاء. وكذا قال أبو عمرو بن العلاء، وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤبة يقرأ جفالاً. قال أبو عبيدة: يقال أجفلت القدر إذا قذفت بزبدها، وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته. قال أبو حاتم: لا يقرأ بقراءة رؤبة، لأنه كان يأكل الفأر. واعلم أن وجه المماثلة بين الزبدين في الزبد الذي يحمله السيل والزبد الذي يعلو الأجسام المنطرقة أن تراب الأرض لما خالط الماء وحمله معه صار زبداً رابياً فوقه، وكذلك ما يوقد عليه في النار حتى يذوب من الأجسام المنطرقة، فإن أصله من المعادن التي تنبت في الأرض فيخالطها التراب، فإذا أذيبت صار ذلك التراب الذي خالطها خبثاً مرتفعاً فوقها "وأما ما ينفع الناس" منهما وهو الماء الصافي، والذائب الخالص من الخبث "فيمكث في الأرض" أي يثبت فيها، أما الماء فإنه يسلك في عروق الأرض فتنتفع الناس به، وأما ما أذيب من تلك الأجسام فإنه يصاغ حلية وأمتعة، وهذان مثلان ضربهما الله سبحانه للحق والباطل، يقول: إن الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سبحانه سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحل وكخبث هذه الأجسام فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه، فهذا مثل الباطل، وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المراعي فيمكث في الأرض، وكذلك الصفو من هذه الأجسام فإنه يبقى خالصاً لا شوب فيه، وهو مثل الحق. قال الزجاج: فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر لأنها كلها تبقى منتفعاً بها، ومثل الكافر وكفره كمثل الزبد الذي يذهب جفاء، وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به. وقد حكينا عن ابن الأنباري فيما تقدم أنه شبه نزول القرآن إلى آخر ما ذكرناه فجعل ذلك مثلاً ضربه الله للقرآن "كذلك يضرب الله الأمثال" أي مثل ذلك الضرب العجيب يضرب الله الأمثال في كل باب لكمال العناية بعباده واللطف بهم، وهذا تأكيد لقوله: كذلك يضرب الله الحق والباطل.
17- "أنزل" يعني: الله عز وجل، "من السماء ماءً"، يعني المطر، "فسالت" من ذلك الماء، "أودية بقدرها"، أي: في الصغر والكبر، "فاحتمل السيل"الذي حدث من ذلك الماء، "زبداً رابياً"، الزبد: الخبث الذى يظهر على وجه الماء، وكذلك على وجه القدر، "رابياً" أي عاليا مرتفعا فوق الماء فالماء الصافي الباقي هو الحق، والذاهب الزائل الذي يتعلق بالأشجار وجوانب الأودية هو الباطل.
وقيل: قوله "أنزل من السماء ماءً" هذا مثل للقرآن، والأودية مثل للقلوب، يريد: ينزل القرآن، فتحمل منه القلوب على قدر اليقين والعقل والشك والجهل. فهذا أحد المثلين.
والمثل الآخر: قوله عز وجل: "ومما يوقدون عليه في النار".
قرأ حمزة و الكسائي وحفص "يوقدون" بالياء لقوله تعالى: "ما ينفع الناس"، ولا مخاطبة هاهنا.
وقرا الآخرون بالتاء" ومما يوقدون "، أي: ومن الذي توقدون عليه في النار.
والإيقاد: جعل النار تحت الشيء ليذوب.
"ابتغاء حلية"، أي: لطلب زينة، وأراد الذهب والفضة، لأن الحلية نطلب منهما، "أو متاع" أي: طلب متاع وهو ما ينتفع به، وذلك مثل الحديد، والنحاس، والرصاص، والصفر، تذاب فيتخذ منها الأواني وغيرها مما ينتفع بها، " زبد مثله ".
"كذلك يضرب الله الحق والباطل"، أي: إذا أذيب فله أيضا زيد مثل زبد الماء، فالباقي الصافي من هذه الجواهر مثل الحق، والزبد الذي لا ينتفع به مثل الباطل.
"فأما الزبد"، الذي علا السيل والفلز، "فيذهب جفاءً" أي: ضائعا باطلا، والجفاء ما رمى به الوادي من الزبد، والقدر إلى جنباته.
يقال: جفا الوادي وأجفا: إذا ألقى غثاءه، وأجفأت القدر وجفأت: إذا غلت وألقت زبدها، فإذا سكت لم يبق فيها شيء.
معناه: إن الباطل وإن علا في وقت فإنه يضمحل.
وقيل: "جفاءً" أي: متفرقا، يقال: جفأت الريح الغيم إذا فرقته وذهبت به.
"وأما ما ينفع الناس"، يعني: الماء والفلز من الذهب والفضة والصفر والنحاس، "فيمكث في الأرض"، أي: يبقى ولا يذهب.
"كذلك يضرب الله الأمثال"، جعل الله تعالى هذا مثلا للحق والباطل، أي: أن الباطل كالزبد يذهب ويضيع، والحق كالماء والفلز يبقى في القلوب.
وقيل: هذا تسلية للمؤمنين، يعني: أن أمر المشركين كالزبد يرى في الصورة شيئا وليس له حقيقة، وأمر المؤمنين كالماء المستقر في مكانه له البقاء والثبات.
17."أنزل من السماء ماءً"من السحاب أو من جانب السماء أو من السماء نفسها فإن المبادئ منها."فسالت أوديةً"أنهار جمع واد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه، واستعمل للماء الجاري فيه و تنكيرها لأن المطر يأتي على تناوب بين البقاع . "بقدرها"بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضار أو بمقدارها في الصغر والكبر."فاحتمل السيل زبداً"رفعه والزبد وضر الغليان ."رابياً"عالياً"ومما يوقدون عليه في النار"يعم الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس على وجه التهاون بها إظهاراً لكبريائه."ابتغاء حليةً " أي طلب حلى ."أو متاع"كالأواني وآلات الحرب والحرث،والمقصود من ذلك بيان منافعها . "زبد مثله"أي ومما يوقدون عليه زبد مثل زبد الماء وهو خبثه،و"من" للابتداء أو للتبعيض وقرأ حمزة والكسائي وحفصبالياء على أن الضمير للناس وإضماره للعمل به."كذلك يضرب الله الحق والباطل "مثل الحق والباطل فإنه مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة فينتفع به أنواع المنافع ، ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنى ولآبار ، وبالفلز الذي ينتفع به في صوغ الحلى واتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة ، والباطل في قلة نفعه وسرعة زواله بزبدهما وبين ذلك بقوله: "فأما الزبد فيذهب جفاء"يجفأ به أي يرمي به السيل والفلز المذاب وانتصابه على الحال وقرئ جفالاً والمعنى واحد."وأما ما ينفع الناس"كالماء وخلاصة الفلز."فيمكث في الأرض"ينتفع به أهالها."كذلك يضرب الله الأمثال"لإيضاح المشتبهات.
17. He sendeth down water from the sky, so that valleys flow according to their measure, and the flood beareth (on its surface) swelling foam from that which they felt in the fire in order to make ornaments and tools riseth a foam like unto it thus Allah coineth (the similitude of) the true and: the false. Then, as for the foam, it passeth away as scum upon the banks, while, as for that which is of use to mankind, it remaineth in the earth. Thus Allah coineth the similitudes.
17 - He sends down water from the skies, and the channels flow, each according to its measure: but the torrent bears away the foam that mounts up to the surface. even so, from that (ore) which they heat in the fire, to make ornaments or utensils therewith, there is a scum likewise. thus doth God (by parables) show forth truth and vanity. for the scum disappears like forth cast out; while that which is for the good of mankind remains on the earth. thus doth God set forth parables.