17 - (والذين اهتدوا) وهم المؤمنون (زادهم) الله (هدى وآتاهم تقواهم) ألهمهم ما يتقون به النار
يقول تعالى ذكره : وأما الذين وفقهم الله لاتباع الحق ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد فإن ما تلوته عليهم ، وسمعوه منك " زادهم هدى " يقول : زادهم الله بذك إيماناً لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم . وقد ذكر أن الذي تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن فقال أهل النفاق منهم لأهل الإيمان : ماذا قال آنفاً ، زاد الله أهل الهدى منهم هدى ، كان بعض ما أنزل الله من القرآن ينسخ بعض ما قد كان الحكم سضر به قبل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال : ثني عمي ، قال: ثني أبي عن أبيه ، ابن عباس قوله " والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم " قال : لما أنزل الله القرآن آمنوا به فكان هدى ، فلما تبين الناسخ والمنسوخ زادهم هدى .
وقوله " وآتاهم تقواهم " يقول اتعالى ذمره : وأعطى الله هؤلاء المهتدين تقواهم ، وذلك استعماله إياهم تقواهم إياه .
قوله تعالى : " والذين اهتدوا " أي للإيمان زادهم الله هدى ، وقيل : زادهم النبي صلى الله عليه وسلم هدى ، وقيل : ما يستمعونه من القرآن هدى ، أي يتضاعف يقينهم ، وقال الفراء : زادهم المنافقين واستهزاؤهم هدى ، وقيل : زادهم نزول الناسخ هدى ، وفي الهدى الذي زادهم أربعة أقاويل : أحدها : زادهم علماً ، قاله الربيع بن أنس الثاني : أنهم علموا ما سمعوا وعملوا بما علموا ، قاله الضحاك ، الثالث : زادهم بصيرة في دينهم وتصديقاً لنبيهم ، قاله الكلبي ، الرابع : شرح صدورهم بما هم عليه من الإيمان ، " وآتاهم تقواهم " أي ألهمهم إياها ، وقيل : فيه خمسة أوجه : أحدها ، آتاهم الخشية ، قاله الربيع، الثاني : ثواب تقواهم في الآخرة ، قاله السدي ، الثالث : وفقهم للعمل الذي فرض عليهم ، قاله مقاتل ، الرابع : بين لهم ما يتقون ، قاله ابن زياد و السدي أيضاً ، الخامس : أنه ترك المنسوخ والعمل بالناسخ ، قاله عطية ، الماوردي : ويحتمل ، سادساً : أنه ترك الرخص والأخذ بالعزائم ، وقرئ ( وأعطاهم ) بدل ( وآتاهم ) ، وقال عكرمة : هذه نزلت فيمن آمن من أهل الكتاب .
يقول تعالى مخبراً عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم, حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئاً فإذا خرجوا من عنده "قالوا للذين أوتوا العلم" من الصحابة رضي الله عنهم "ماذا قال آنفاً" أي الساعة. لا يعقلون ما قال ولا يكترثون له. قال الله تعالى: "أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم" أي فلا فهم صحيح ولا قصد صحيح. ثم قال عز وجل: "والذين اهتدوا زادهم هدى" أي والذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها "وآتاهم تقواهم" أي ألهمهم رشدهم. وقوله تعالى: "فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة" أي وهم غافلون عنها "فقد جاء أشراطها" أي أمارات اقترابها كقوله تبارك وتعالى: " هذا نذير من النذر الأولى * أزفت الآزفة " وكقوله جلت عظمته: "اقتربت الساعة وانشق القمر" وقوله سبحانه وتعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" وقوله جل وعلا: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة, لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله, كما هو مبسوط في موضعه. وقال الحسن البصري: بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وهو كما قال ولهذا جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبي التوبة ونبي الملحمة, والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه, والعاقب الذي ليس بعده نبي.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا فضيل بن سليمان, حدثنا أبو حازم, حدثنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها "بعثت أنا والساعة كهاتين" ثم قال تعالى: "فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم" أي فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كقوله تعالى: "يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى". "وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد". وقوله عز وجل: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله ولا يتأتى كونه آمراً بعلم ذلك, ولهذا عطف عليه قوله عز وجل: " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني, اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي". وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت, وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت" وفي الصحيح أنه قال: "يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت من طعامه فقلت غفر الله لك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: "ولك" فقلت أستغفر لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم ولكم" وقرأ "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" ثم نظرت إلى بعض كتفه الأيمن ـ أو كتفه الأيسر شعبة الذي شك ـ فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل, ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن عاصم الأحول به, وفي الحديث الاخر الذي رواه أبو يعلى: حدثنا محمد بن عون, حدثنا عثمان بن مطر, حدثنا عبد الغفور عن أبي نصيرة عن أبي رجاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار, فأكثروا منهما فإن إبليس قال: إنما أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار, فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء, فهم يحسبون أنهم مهتدون" وفي الأثر المروي "قال إبليس وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جداً. وقوله تبارك وتعالى: "والله يعلم متقلبكم ومثواكم" أي يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم كقوله تبارك وتعالى: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" وقوله سبحانه وتعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" وهذا القول ذهب إليه ابن جريج وهو اختيار ابن جرير, وعن ابن عباس رضي الله عنهما متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الاخرة, وقال السدي متقلبكم في الدنيا ومثواكم في قبوركم, والأول أولى وأظهر, والله أعلم.
ثم ذكر حال أضدادهم فقال: 17- "والذين اهتدوا زادهم هدى" أي والذين اهتدوا إلى طريق الخير، فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به زادهم هدى بالتوفيق، وقيل زادهم النبي صلى الله عليه وسلم: وقيل زادهم القرآن. وقال الفراء: زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى وقيل زادهم نزول الناسخ هدى، وعلى كل تقدير فالمواد أنه زادهم إيماناً وعلماً وبصيرة في الدين "وآتاهم تقواهم" أي ألهمهم إياها وأعانهم عليها. والتقوى. قال الربيع: هي الخشية. وقال السدي: هي ثواب الآخرة. وقال مقاتل: هي التوفيق للعمل الذي يرضاه، وقيل العمل بالناسخ وترك المنسوخ، وقيل ترك الرخص والأخذ بالعزائم.
17. " والذين اهتدوا "، يعني المؤمنين، " زادهم "، ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، " هدىً وآتاهم تقواهم "، وفقهم للعمل بما أمرهم به، وهو التقوى، قال سعيد بن جبير : وأتاهم ثواب تقواهم.
17-" والذين اهتدوا زادهم هدى " أي زادهم الله بالتوفيق والإلهام ، أو قول الرسول عليه الصلاة والسلام . " وآتاهم تقواهم " بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم ، أو أعطاهم جزاءها .
17. While as for those who walk aright, He addeth to their guidance, and giveth them their protection (against evil).
17 - But to those who receive Guidance, He increases the (light of) Guidance, and bestows on them their Piety and Restraint (from evil).