176 - (ولو شئنا لرفعناه) إلى منازل العلماء (بها) بأن نوفقه للعمل (ولكنه أخلد) سكن (إلى الأرض) أي الدنيا ومال إليها (واتبع هواه) في دعائه إليها فوضعناه (فمثله) صفته (كمثل الكلب إن تحمل عليه) بالطرد والزجر (يلهث) يدلع لسانه (أو) إن (تتركه يلهث) وليس غيره من الحيوان كذلك ، وجملتا الشرط حال ، أي لاهثاً ذليلاً بكل حال ، والقصد التشبيه في الوضع والخسة بقرينة الفاء المشعرة بترتيب ما بعدها على ما قبلها من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى وبقرينة قوله (ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص) على اليهود (لعلهم يتفكرون) يتدبرون فيها فيؤمنون
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو شئنا لرفعنا هذا الذي آتيناه آياتنا بآياتنا التي آتيناه، " ولكنه أخلد إلى الأرض "، يقول: سكن إلى الحياة الدنيا في الأرض، وما إليها، وآثر لذتها وشهواتها على الآخرة، " واتبع هواه "، ورفض طاعة الله وخالف أمره.
وكانت قصة هذا الذي وصف الله خبره في هذه الآية، على اختلاف من أهل العلم في خبره وأمره، ما:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه، أنه سئل عن الآية: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ " فحدث عن سيار أنه كان رجلاً يقال له بلعام، وكان قد أوتي النبوة، وكان مجاب الدعوة. قال: وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام - أو قال: الشأم - قال: فرعب الناس منه رعباً شديداً. قال: فأتوا بلعام، فقالوا: ادع الله على هذا الرجل وجيشه! قال: حتى أوامر ربي - أو حتى أؤامر - قال: فوامر في الدعاء عليهم، فقيل له: لا تدع عليهم، فإنهم عبادي، وفيهم نبيهم! قال: فقال لقومه: إني قد وامرت ربي في الدعاء عليهم، وإني قد نهيت. قال: فأهدوا إليه هدية فقبلها، ثم راجعوه، فقالوا: ادع عليه! فقال: حتى أوامر! فوامر، فلم يحر إليه شيء. قال: فقال: قد وامرت فلم يحر إلي شيء! فقالوا: لو كره ربك أن تدعو عليهم، لنهاك كما نهاك المرة الأولى! قال: فأخذ يدعو عليهم، فإذا دعا عليهم جرى على لسانه الدعاء على قومه، وإذا أراد أن يدعو أن يفتح لقومه، دعا أن يفتح لموسى وجيشه، أو نحواً من ذلك إن شاء الله. فقال: فقالوا: ما نراك تدعو إلا علينا! قال: ما يجري على لساني إلا هكذا، ولو دعوت عليه ما استجيب لي، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم: إن الله يبغض الزنا، وإنهم إن وقعوا بالزنا هلكوا، ورجوت أن يهلكهم الله، فأخرجوا النساء فليستقبلنهم، وإنهم قوم مسافرون، فعسى أن يزنوا فيهلكوا. قال: ففعلوا، وأخرجوا النساء يستقبلنهم. قال: وكان للملك ابنة، فذكر من عظمها ما الله أعلم به! قال: فقال أبوها، أو بلعام: لا تمكني نفسك إلا من موسى! قال: ووقعوا في الزنا. قال: وأتاها رأس سبط من أسباط بني إسرائيل، فأرادها على نفسه. قال: فقالت: ما أنا بممكنة نفسي إلا من موسى! قال فقال: إن من منزلتي كذا وكذا، وإن من حالي كذا وكذا! قال: فأرسلت إلى أبيها تستأمره، قال: فقال لها: فأمكنيه. قال: ويأتيهما رجل من بني هرون ومعه الرمح فيطعنهما. قال: وأيده الله بقوة، فانتظمهما جميعاً، ورفعهما على رمحه. قال فرآهما الناس، أو كما حدث. قال: وسلط الله عليهم الطاعون. قال: فمات منهم سبعون ألفاً.
قال: فقال أبو المعتمر: فحدثني سيار: أن بلعاماً ركب حمارةً له، حتى إذا أتى الفلول - أو قال: طريقاً بين الفلول - جعل يضربها ولا تقدم. قال: وقامت عليه فقالت: علام تضربني؟ أما ترى هذا الذي بين يديك؟ قال: فإذا الشيطان بين يديه. قال: فنزل فسجد له، قال الله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين " إلى قوله: " لعلهم يتفكرون " قال فحدثني بهذا سيار، ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره.
حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه قال: وبلغني حديث رجل من أهل الكتاب يحدث: أن موسى سأل الله أن يطبعه، وأن يجعله من أهل النار، قال: ففعل الله. قال أنبئت أن موسى قتله بعد.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن سالم أبي النضر، أنه حدث: أن موسى لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشأم، وكان بلعم ببالعة، قرية من قرى البلقاء. فلما نزل موسى ببني إسرائيل ذلك المنزل، أتى قوم بلعم إلى بلعم فقالوا له: يا بلعم، إن هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل ويسكنها، وإنا قومك، وليس لنا منزل، وأنت رجل مجاب الدعوة، فاخرج فادع الله عليهم! فقال: ويلكم! نبي الله معه الملائكة والمؤمنون، كيف أذهب أدعو عليهم، وأنا أعلم من الله ما أعلم!! قالوا: ما لنا من منزل! فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه، حتى فتنوه فافتتن، فركب حمارةً له متوجهاً إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل، وهو جبل حسبان، فلما سار عليها غير كثير، ربضت به، فنزل عنها فضربها، حتى إذا أذلقها، قامت فركبها. فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به، فضربها. حتى إذا أذلقها، أذن الله لها فكلمته حجةً عليه، فقالت: ويحك يا بلعم، أين تذهب؟ ألا ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم! فلم ينزع عنها يضربها، فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك. قال: فانطلقت حتى أشرفت به على رأس جبل حسبان، على عسكر موسى وبني إسرائيل، جعل يدعو عليهم، فلا يدعوا عليهم بشيء إلا صرف به لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل. قال: فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع؟ إنما تدعو لهم، وتدعو علينا! قال: فهذا ما لا أملك، هذا شيئ قد غلب الله عليه! قال: واندلع لسانه فرقع على صدره، فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال. جملوا النساء وأعطوهن السلع، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيها، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنهم إن زنى منهم واحد كفيتموهم! ففعلوا. فلما دخل النساء العسكر، مرت امرأة من الكنعانيين اسمها ((كسبى ابنة صور))، رأس أمته، برجل من عظماء بني إسرائيل، وهو زمري بن شلوم، رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. فقام إليها، فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها، ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى عليه السلام، فقال: إني أظنك ستقول هذه حرام عليك؟ فقال: أجل، هي حرام عليك، لا تقربها! قال: فوالله لا نطيعك في هذا! فدخل بها قبته فوقع عليها. وأرسل الله الطاعون في بني إسرائيل. وكان فنحاص بن العيزار بن هرون، صاحب أمر موسى، وكان رجلاً قد أعطي بسطةً في الخلق، وقوة في البطش، وكان غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء والطاعون يحوس في بني إسرائيل، فأخبر الخبر، فأخذ حربته، وكانت من حديد كلها، ثم دخل عليه القبة وهما متضاجعان، فانتظمهما بحربته، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء، والحربة قد أخذها بذراعه، واعتمد بمرفقه على خاصرته، وأسند الحربة إلى لحييه - وكان بكر العيزار - وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك! ورفع الطاعون. فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون، فيما بين أن أصاب زمري المرأة، إلى أن قتله فنحاص، فوجدوا قد هلك منهم سبعون ألفاً - والمقلل يقول: عشرون ألفاً - في ساعة من النهار. فمن هنالك تعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص بن العيزار بن هرون من كل ذبيحة ذبحوها: القبة والذراع واللحي، لاعتماده بالحبة على خاصرته، وأخذه إياه بذراعه، وإسناده إياها إلى لحييه، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم، لأنه كان بكر العيزار. ففي بلعم بن باعور، أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، يعني بلعم، " فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين "، إلى قوله: " لعلهم يتفكرون ".
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: انطلق رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم، فأتى الجبارين، فقال: لا ترهبوا من بني إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعوا عليهم فيهلكون. فخرج يوشع يقاتل الجبارين في الناس، وخرج بلعم مع الجبارين على أتانه، وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل. فكلما أراد أن يدعو على بني إسرائيل، دعا على الجبارين، فقال الجبارون: إنك إنما تدعو علينا! فيقول: إنما أردت بني إسرائيل! فلما بلغ باب المدينة، أخذ ملك بذنب الأتان فأمسكها، فجعل يحركها فلا تتحرك. فلما أكثر ضربها، تكلمت فقالت: أنت تنكحني بالليل وتركبني بالنهار! ويلي منك! ولو أني أطقت الخروج لخرجت، ولكن هذا الملك يحبسني! وفي بلعم يقول الله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا "، الآية.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني رجل سمع عكرمة يقول: قالت امرأة منهم: أروني موسى، فأنا أفتنه! قال: فتطيبت فمرت على رجل يشبه موسى، فواقعها. فأتي ابن هرون، فأخبر، فأخذ سيفاً فطعن به في إحليله حتى أخرجه وأخرجه من قبلها، ثم رفعهما حتى رآهما الناس، فعلم أنه ليس موسى. ففضل آل هرون في القربان على آل موسى بالكتد والعضد والفخذ. قال فهو " الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، يعني بلعم.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " ولو شئنا لرفعناه بها ".
فقال بعضهم: معناه: لرفعناه بعلمه بها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " ولو شئنا لرفعناه بها "، لرفعه الله تعالى بعلمه.
وقال آخرون: معناه: لرفعنا عنه الحال التي صار إليها من الكفر بالله، بآياتنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولو شئنا لرفعناه بها "، لدفعناه عنه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد : " ولو شئنا لرفعناه بها "، لدفعناه عنه.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله عم الخبر بقوله: " ولو شئنا لرفعناه بها "، أنه لو شاء رفعه بآياته التي آتاه إياها، و((الرفع))، يعم معاني كثيرة: منها الرفع في المنزلة عنده، ومنها الرفع في شرف الدنيا ومكارمها، ومنها الرفع في الذكر الجميل والثناء الرفيع. وجائز أن يكون الله عنى كل ذلك: أنه لو شاء لرفعه، فأعطاه كل ذلك، بتوفيقه للعمل بآياته التي كان آتاها إياه. وإذ كان ذلك جائزاً، فالصواب من القول فيه أن لا يخص منه شيء، إذ كان لا دلالة على خصوصه من خبر ولا عقل.
وأما قوله: " بها " فإن ابن زيد قال في ذلك كالذي قلنا.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ولو شئنا لرفعناه بها "، بتلك الآيات.
وأما قوله: " ولكنه أخلد إلى الأرض "، فإن أهل التأويل قالوا فيه نحو قولنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير: " ولكنه أخلد إلى الأرض "، يعني: ركن إلى الأرض.
... قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: " ولكنه أخلد إلى الأرض "، قال: نزع إلى الأرض.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " أخلد "، سكن.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد ، وعكرمة، عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل بلعام بن باعر، أوتي كتاباً، فأخلد إلى شهوات الأرض ولذتها وأموالها، لم ينتفع بما جاء به الكتاب.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه "، أما " أخلد إلى الأرض "، فاتبع الدنيا وركن إليها.
قال أبو جعفر: وأصل ((الإخلاد)) في كلام العرب، الإبطاء والإقامة. يقال منه: ((أخلد فلان بالمكان))، إذا أقام به، و((أخلد نفسه إلى المكان))، إذا أتاه من مكان آخر، ومنه قول زهير:
لمن الديار غشيتها بالفدفد كالوحي في حدر المسيل المخلد
يعني المقيم، ومنه قول مالك بن نويرة:
بأبناء حي من قبائل مالك وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا
وكان بعض البصريين يقول: معنى قوله: " أخلد "، لزم وتقاعس وأبطأ، و((المخلد))، أيضاً هو الذي يبطىء شيبه من الرجال، وهو من الدواب، الذي تبقى ثناياه حتى تخرج رباعيتاه.
وأما قوله: " واتبع هواه "، فإن ابن زيد قال في تأويله، ما:
حدثني به يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واتبع هواه "، قال: كان هواه مع القوم.
القول في تأويل قوله: " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمثل هذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، مثل الكلب الذي يلهث، طردته أو تركته. ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله جعل الله مثله كمثل الكلب.
فقال بعضهم: مثله به في اللهث، لتركه العمل بكتاب الله وآياته التي آتاها إياه، وإعراضه عن مواعظ الله التي فيها إعراض من لم يؤته الله شيئاً من ذلك. فقال جل ثناؤه فيه، إذ كان سواء أمره، وعظ بآيات الله التي آتاها إياه أو لم يؤعظ، في أنه لا يتعظ بها، ولا يترك الكفر به: فمثله مثل الكلب الذي سواء أمره في لهثه، طرد أو لم يطرد، إذ كان لا يترك اللهث بحال.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث "، قال: تطرده، هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج ، قال مجاهد : " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث "، قال: تطرده بدابتك ورجلك، " يلهث "، قال: مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه. قال ابن جريج : الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له، إن حملت عليه يلهث، أو تتركه يلهث. قال: مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له، إنما فؤاده منقطع.
حدثني ابن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن ثور ، عن معمر، عن بعضهم: " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث "، فلذلك هو الكافر، هو ضال إن وعظته وإن لم تعظه.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " فمثله كمثل الكلب "، إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها، وإن ترك لم يهتد لخير، كالكلب إن كان رابضاً لهث، وإن طرد لهث.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: آتاه الله آياته فتركها، فجعل الله مثله كمثل الكلب: " إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ".
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان "، الآية، هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه. قال: وكان الحسن يقول: هو المنافق، " ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث "، قال: هذا مثل الكافر، ميت الفؤاد.
وقال آخرون: إنما مثله جل ثناؤه بالكلب، لأنه كان يلهث كما يلهث الكلب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث "، وكان بلعم يلهث كما يلهث الكلب. وأما " تحمل عليه "، فتشد عليه.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من قال: إنما هو مثل لتركه العمل بآيات الله التي آتاها إياه، وأن معناه: سواء وعظ أو لم يوعظ، في أنه لا يترك ما هو عليه من خلافه أمر ربه، كما سواء حمل على الكلب وطرد أو ترك فلم يطرد، في أنه لا يدع اللهث في كلتا حالتيه.
وإنما قلنا: ذلك أولى القولين بالصواب، لدلالة قوله تعالى: " ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا "، فجعل ذلك مثل المكذبين بآياته. وقد علمنا أن اللهاث ليس في خلقة كل مكذب كتب عليه ترك الإنابة من تكذيبه بآيات الله، وأن ذلك إنما هو مثل ضربه الله لهم. فكان معلوماً بذلك أنه للذي وصف الله صفته في هذه الآية، كما هو لسائر المكذبين بآيات الله، مثل.
القول في تأويل قوله: " ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا المثل الذي ضربته لهذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، مثل القوم الذين كذبوا بحججنا وأعلامنا وأدلتنا، فسلكوا في ذلك سبيل هذا المنسلخ من آياتنا الذي آتيناها إياه، في تركه العمل بما آتيناه من ذلك.
وأما قوله: " فاقصص القصص "، فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاقصص، يا محمد، هذا القصص الذي اقتصصته عليك، من نبأ الذي آتيناه آياتنا وأخبار الأمم التي أخبرتك أخبارهم في هذه السورة، واقتصصت عليك نبأهم ونبأ أشباههم، وما حل بهم من عقوبتنا، ونزل بهم حين كذبوا رسلنا من نقمتنا، على قومك من قريش، ومن قبلك من يهود بني إسرائيل، ليتفكروا في ذلك، فيعتبروا وينيبوا إلى طاعتنا، لئلا يحل بهم مثل الذي حل بمن قبلهم من النقم والمثلاث، ويتدبره اليهود من بني إسرائيل، فيعلموا حقيقة أمرك وصحة نبوتك، إذ كان نبأ " الذي آتيناه آياتنا "، من خفي علومهم، ومكنون أخبارهم، لا يعلمه إلا أحبارهم، ومن قرأ الكتب ودرسها منهم. وفي علمك بذلك، وأنت أمي لا تكتب، ولا تقرأ، ولا تدرس الكتب، ولم تجالس أهل العلم، الحجة البينة لك عليهم، بأنك لله رسول، وأنك لم تعلم ما علمت من ذلك وحالك الحال التي أنت بها، إلا بوحي من السماء.
وبنحو ذلك كان أبو النضر يقول.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد، عن سالم أبي النضر: " فاقصص القصص لعلهم يتفكرون "، يعني بني إسرائيل، إذ جئتهم بخبر ما كان فيهم مما يخفون عليك، " لعلهم يتفكرون "، فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر عما مضى فيهم إلا نبي يأتيه خبر السماء.
قوله تعالى: "ولو شئنا لرفعناه" يريد بلعام. أي لو شئنا لأمتناه قبل أن يعصى فرفعناه إلى الجنة. "بها" أي بالعمل بها. "ولكنه أخلد إلى الأرض" أي ركن إليها، عن ابن جبير و السدي. مجاهد: سكن إليها، أي سكن إلى لذاتها. وأصل الإخلاد اللزوم. يقال: أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ولزمه. قال زهير:
لمن الديار غشيتها بالغرقد كالوحي في حجر المسيل المخلد
يعني المقيم، فكأن المعنى لزم لذات الأرض فعبر عنها بالأرض، لأن متاع الدنيا على وجه الأرض. "واتبع هواه" أي ما زين له الشيطان. وقيل: كان هاه مع الكفار. وقيل: اتبع رضا زوجته، وكانت رغبت في أموال حتى حملته على الدعاء على موسى. "فمثله كمثل الكلب" ابتداء وخبر. "إن تحمل عليه يلهث" شرط وجوابه. وهو في موضع الحال، أي فمثله كمثل الكلب لاهثاً. والمعنى: أنه على شيء واحد لا يرعوي عن المعصية، كمثل الكلب الذي هذه حالته فالمعنى: أنه لاهث على كل حال، طردته أو لم تطرده. قال ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، كذلك الذي يترك الهدى لا فؤاد له، وإنما فؤاده منقطع. قال القتيبي: كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة وحال الري وحال العطش. فضربه الله مثلاً لمن كذب بآياته فقال: إن وعظته ضل وإن تركته ضل، فهو كالكلب إن تركته لهث وإن طردته لهث، كقوله تعالى: "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" [الأعراف: 193]. قال الجوهري: لهث الكلب (بالفتح) يلهث لهثاً ولهاثاً (بالضم) إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش، وكذلك الرجل إذا أعيى. وقوله: "إن تحمل عليه يلهث" لأنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هارباً، وإذا تركته شد عليك ونبح، فيتعب نفسه مقبلاً عليك ومدبراً عنك فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان. قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول: إنما شبهه بالكلب من بين السباع لأن الكلب ميت الفؤاد، وإنما لهاثه لموت فؤاده. وسائر السباع ليست كذلك فلذلك لا يلهثن. وإنما صار الكلب كذلك لأنه لما نزل آدم صلى الله عليه وسلم إلى الأرض شمت به العدو، فذهب إلى السباع فأشلاهم على آدم، فكان الكلب من أشدهم طلباً. فنزل جبريل بالعصا التي صرفت إلى موسى بمدين وجعلها آية له إلى فرعون وملئه، وجعل فيها سلطاناً عظيماً وكانت من آس الجنة، فأعطاها آدم صلى الله عليه وسلم يومئذ ليطرد بها السباع عن نفسه، وأمره فيما روي أن يدنو من الكلب ويضع يده على رأسه، فمن ذلك ألفه الكلب ومات الفؤاد منه لسلطان العصا، وألف به وبولده إلى يومنا هذا، لوضع يده على رأسه وصار حارساً من حراس ولده. وإذا أدب وعلم الاصطياد تأدب وقبل التعليم، وذلك قوله: "تعلمونهن مما علمكم الله" [المائدة: 5]. السدي: كان بلعام بعد ذلك يلهث كما يلهث الكلب. وهذا المثل في قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام في كل من أوتي القرآن فلم يعمل به. وقيل: هو في كل منافق. والأول أصح. قال مجاهد في قوله تعالى: "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" أي إن تطرده بدابتك أو برجلك يلهث أو تتركه يلهث. وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه. وقال غيره: هذا شر تمثيل، لأنه مثله في أنه قد غلب عليه هواه حتى صار لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً بكلب لاهث أبداً، حمل عليه أو لم يحمل عليه، فهو لا يملك لنفسه ترك اللهثان. وقيل: من أخلاق الكلب الوقوع بمن لم يخفه على جهة الابتداء بالجفاء، ثم تهدأ طائشته بنيل كل عوض خسيس. ضربه الله مثلاً للذي قبل الرشوة في الدين حتى انسلخ من آيات ربه. فدلت الآية لمن تدبرها على ألا يغتر أحد بعمله ولا بعلمه، إذ لا يدري بما يختم له. ودلت على منع أخذ الرشوة لإبطال حق أو تغييره. وقد مضى بيانه في المائدة. ودلت أيضاً على منع التقليد لعالم إلا بحجة يبينها، لأن الله تعالى أخبر أنه أعطى هذا آياته فانسلخ منها فوجب أن يخاف مثل هذا على غيره وألا يقبل منه إلا بحجة.
قوله تعالى: "ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" أي هو مثل جميع الكفار.
قال عبد الرزاق: عن سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها" الاية قال: هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعوراء وكذا رواه شعبة وغير واحد عن منصور به وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس: هو صيفي بن الراهب قال قتادة وقال كعب: كان رجلاً من أهل البلقاء وكان يعلم الاسم الأكبر وكان مقيماً ببيت المقدس مع الجبارين وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه: هو رجل من أهل اليمن يقال له بلعم آتاه الله آياته فتركها, وقال مالك بن دينار: كان من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلى ملك مدين يدعوه إلى الله فأقطعه وأعطاه فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام وقال سفيان بن عيينة عن حصين عن عمران بن الحارث عن ابن عباس: هو بلعم بن باعوراء, وكذا قال مجاهد وعكرمة وقال ابن جرير: حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا إسرائيل عن مغيرة عن مجاهد عن ابن عباس قال: هو بلعام وقالت ثقيف: هو أمية بن أبي الصلت وقال شعبة عن يعلى بن عطاء عن نافع بن عاصم عن عبد الله بن عمرو في قوله "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" الاية قال: هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت وقد روي من غير وجه عنه وهو صحيح إليه وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ولكنه لم ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبحه الله. وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه فإن له أشعاراً ربانية وحكماً وفصاحة ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي نمر حدثنا سفيان عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها" قال هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن وكانت له امرأة له منها ولد فقالت اجعل لي منها واحدة قال فلك واحدة فما الذي تريدين ؟ قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة فذهبت دعوتان فجاء بنوها فقالوا ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت وذهبت الدعوات الثلاث وتسمى البسوس, غريب, وأما المشهور في سبب نزول هذه الاية الكريمة فإنما هو رجل من المتقدمين في زمن بني إسرائيل كما قال ابن مسعود وغيره من السلف, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعام وكان يعلم اسم الله الأكبر, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره من علماء السلف: كان مجاب الدعوة ولا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه, وأغرب بل أبعد بل أخطأ من قال: كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها, حكاه ابن جرير عن بعضهم ولا يصح, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لما نزل موسى بهم يعني بالجبارين ومن معه أتاه ـ يعني بلعم ـ أتاه بنو عمه وقومه فقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه, قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي, فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه الله ما كان عليه, فذلك قوله تعالى: "فانسلخ منها فأتبعه الشيطان" الاية. وقال السدي: لما انقضت الأربعون سنة التي قال الله "فإنها محرمة عليهم أربعين سنة" بعث يوشع بن نون نبياً فدعا بني إسرائيل فأخبرهم أنه نبي وأن الله أمره أن يقاتل الجبارين فبايعوه وصدقوه, وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له بلعام فكان عالماً يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر ـ لعنه الله ـ وأتى الجبارين وقال لهم: لا ترهبوا بني إسرائيل فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون وكان عندهم فيما شاء من الدنيا غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء لعظمهن فكان ينكح أتاناً له وهو الذي قال الله تعالى: "فانسلخ منها" وقوله تعالى: "فأتبعه الشيطان" أي استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ولهذا قال: "فكان من الغاوين" أي من الهالكين الحائرين البائرين وقد ورد في معنى هذه الاية حديث رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حيث قال حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا محمد بن بكر عن الصلت بن بهرام حدثنا الحسن حدثنا جندب البجلي في هذا المسجد أن حذيفة يعني ابن اليمان رضي الله عنه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك" قال قلت يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أو الرامي ؟ قال "بل الرامي" إسناد جيد والصلت بن بهرام كان من ثقات الكوفيين ولم يرم بشيء سوى الإرجاء وقد وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما.
وقوله تعالى: "ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه" يقول تعالى: "ولو شئنا لرفعناه بها" أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالايات التي آتيناه إياها "ولكنه أخلد إلى الأرض" أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهى, وقال أبو الراهويه في قوله تعالى: "ولكنه أخلد إلى الأرض" قال: تراءى له الشيطان على علوة من قنطرة بانياس, فسجدت الحمارة لله وسجد بلعام للشيطان, وكذا قال عبد الرحمن بن جبير بن نفير وغير واحد, وقال الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله: وكان من قصة هذا الرجل ما حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر عن أبيه أنه سئل عن هذه الاية "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" فحدث عن سيار أنه كان رجلاً يقال له بلعام وكان مجاب الدعوة, قال: وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام أو قال: الشام قال: فرعب الناس منه رعباً شديداً فأتوا بلعام فقالوا: ادع الله على هذا الرجل وجيشه, قال حتى أؤامر ربي أو حتى أؤامر, قال فآمر في الدعاء عليهم فقيل له لا تدع عليهم فإنهم عبادي وفيهم نبيهم, قال: فقال لقومه إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم وإني قد نهيت فأهدوا له هدية فقبلها ثم راجعوه فقالوا: ادع عليهم فقال: حتى أمؤامر ربي فأمر فلم يأمره بشيء فقال: قد وامرت فلم يأمرني بشيء فقالوا: لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرة الأولى, قال: فأخذ يدعو عليهم فإذا دعا عليهم جرى على لسانه الدعاء على قومه, وإذا أراد أن يدعو أن يفتح لقومه دعا أن يفتح لموسى وجيشه أو نحواً من ذلك إن شاء الله, قال: فقالوا ما نراك تدعو إلا علينا, قال: ما يجري على لساني إلا هكذا ولو دعوت عليه أيضاً ما استجيب لي ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم, إن الله يبغض الزنا وإنهم إن وقعوا في الزنا هلكوا ورجوت أن يهلكهم الله فأخرجوا النساء تستقبلهم فإنهم قوم مسافرون فعسى أن يزنوا فيهلكوا قال: ففعلوا فأخرجوا النساء تستقبلهم قال وكان للملك ابنة فذكر من عظمها ما الله أعلم بهو فقال: فقال أبوها أو بلعام لا تمكني نفسك إلا من موسى, قال: ووقعوا في الزنا قال: فأتاها رأس سبط من أسباط بني إسرائيل فأرادها على نفسه, فقالت: ما أنا بممكنة نفسي إلا من موسى: رجل من بني هارون ومعه الرمح فيطعنهما. قال: وأيده الله بقوة فانتظمهما جميعاً ورفعهما على رمحه فرآهما الناس ـ أو كما حدث ـ قال: وسلط الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً. قال أبو المعتمر: فحدثني سيار أن بلعاماً ركب حمارة له حتى أتى العلولي أو قال طريقاً من العلولي جعل يضربها ولا تتقدم وقامت عليه فقالت: علام تضربني ؟ أما ترى هذا الذي بين يديك ؟ فإذا الشيطان بين يديه قال: فنزل وسجد له قال الله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " قال: فحدثني بهذا سيار ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره (قلت) هو بلعام ويقال بلعم بن باعوراء ويقال ابن أبر, ويقال ابن باعور بن شهتوم بن قوشتم بن ماب بن لوط بن هاران ويقال بن حران بن آزر وكان يسكن قرية من قرى البلقاء, قال ابن عساكر: وهو الذي كان يعرف اسم الله الأعظم فانسلخ من دينه له ذكر في القرآن ثم أورد من قصته نحواً مما ذكرناه ها هنا أورده عن وهب وغيره والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق بن سيار: عن سالم أبي النضر أنه حدث أن موسى عليه السلام لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام, أتى قوم بلعام إليه فقالوا له: هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل, وإنا قومك وليس لنا منزل وأنت رجل مجاب الدعوة فاخرج فادع الله عليهم, قال ويلكم نبي الله معه الملائكة والمؤمنون كيف أذهب أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم ؟ قالوا له: ما لنا من منزل فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن فركب حمارة له متوجهاً إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل وهو جبل حسبان, فلما سار عليها غير كثير ربضت به فنزل عنها فضربها حتى إذا أزلقها قامت فركبها, فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به فضربها حتى إذا أزلقها أذن لها فكلمته حجة عليه فقالت: ويحك يا بلعم أين تذهب ؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا ؟ تذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم, فلم ينزع عنها يضربها فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك, فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل, فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع ؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا قال فهذا مالا أملك, هذا شيء قد غلب الله عليه, قال: واندلع لسانه فوقع على صدره فقال لهم: قد ذهبت مني الان الدنيا والاخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة فسأمكر لكم وأحتال, جملوا النساء وأعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فإنهم إن زنى رجل منهم واحد كفيتموهم, ففعلوا فلما دخلت النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كسبى ـ ابنة صور رأس أمته ـ برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام فلما رآها أعجبته, فقام فأخذ بيدها وأتى بها موسى وقال: إني أظنك ستقول هذا حرام عليك ؟ قال: أجل هي حرام عليك لا تقربها, قال فوالله لا أطيعك في هذا فدخل بها قبته فوقع عليها وأرسل الله عز وجل الطاعون في بني إسرائيل, وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى وكان غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع, فجاء والطاعون يجوس فيهم فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها, ثم دخل القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحييه وكان بكر العيزار, وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطاعون, فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص, فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفاً والمقلل لهم يقول عشرون ألفاً في ساعة من النهار, فمن هنالك تعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها الرقبة والذراع واللحى والبكر من كل أموالهم وأنفسها لأنه كان بكر أبيه العيزار, ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " وقوله تعالى: "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" اختلف المفسرون في معناه, فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم عن أبي النضر أن بلعاماً اندلع لسانه على صدره, فتشبيهه بالكلب في لهيثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك ظاهر, وقيل معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه إلى الإيمان وعدم الدعاء كالكلب في لهيثه في حالتيه إن حملت عليه وإن تركته هو يلهث في الحالين, فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه كما قال تعالى: "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم" ونحو ذلك, وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ من الهدى فهو كثير الوجيب, فعبر عن هذا بهذا نقل نحوه عن الحسن البصري وغيره, وقوله تعالى: "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "فاقصص القصص لعلهم" أي لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته, بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب في غير طاعة ربه بل دعا به على حزب الرحمن وشعب الإيمان, أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان, كليم الله موسى بن عمران عليه السلام, ولهذا قال "لعلهم يتفكرون" أي فيحذروا أن يكونوا مثله, فإن الله قد أعطاهم علماً وميزهم على من عداهم من الأعراب, وجعل بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم, فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به, ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد أحل الله به ذلاً في الدنيا موصولاً بذل الاخرة. وقوله "ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا" يقول تعالى ساء مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه واتبع هواه صار شبيهاً بالكلب وبئس المثل مثله ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس لنا مثل السوء, العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه," وقوله "وأنفسهم كانوا يظلمون" أي ما ظلمهم الله ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى, وطاعة المولى, إلى الركون إلى دار البلى, والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.
قوله: 176- "ولو شئنا لرفعناه بها" الضمير يعود إلى الذي أوتي الآيات، والمعنى: لو شئنا رفعه: بما آتيناه من الآيات لرفعناه بها: أي بسببها، ولكن لم نشأ ذلك لانسلاخه عنها وتركه للعمل بها، وقيل المعنى: ولو شئنا لأمتناه قبل أن يعصي فرفعناه إلى الجنة بها: أي بالعمل بها "ولكنه أخلد إلى الأرض" أصل الإخلاد اللزوم، يقال: أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ولزمه، والمعنى هنا: أنه مال إلى الدنيا ورغب فيها وآثرها على الآخرة "واتبع هواه" أي اتبع ما يهواه وترك العمل بما يقتضيه العلم الذي علمه الله وهو حطام الدنيا، وقيل: كان هواه مع الكفار، وقيل: اتبع رضا زوجته، وكانت هي التي حملته على الانسلاخ من آيات الله. قوله: "فمثله كمثل الكلب" أي فصار لما انسلخ عن الآيات ولم يعمل بها منحطاً إلى أسفل رتبة مشابهاً لأخس الحيوانات في الدناءة مماثلاً له في أقبح أوصافه، وهو أنه يلهث في كلا حالتي قصد الإنسان له وتركه، فهو لاهث سواء زجر أو ترك، طرد أو لم يطرد، شد عليه أو لم يشد عليه، وليس بعد هذا في الخسة والدناءة شيء، وجملة "إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" في محل نصب على الحال: أي مثله كمثل الكلب حال كونه متصفاً بهذه الصفة، والمعنى: أن هذا المنسلخ عن الآيات لا يرعوي عن المعصية في جميع أحواله سواء وعظه الواعظ وذكره المذكر وزجره الزاجر أو لم يقع شيء من ذلك. قال القتيبي: كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال، وحال الراحة وحال المرض، وحال الصحة، وحال الري، وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته، فقال: إن وعظته ضل وإن تركته ضل، فهو كالكلب إن تركته لهث وإن طردته لهث كقوله تعالى: "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" واللهث: إخراج اللسان لتعب أو عطش أو غير ذلك. قال الجوهري: لهث الكلب بالفتح يلهث لهثاً ولهاثاً بالضم إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش، وكذلك الرجل إذا أعيا. قيل معنى الآية: أنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هارباً، وإن تركته شد عليك ونبح، فيتعب نفسه مقبلاً علي ومدبراً عنك، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان، والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدم من التمثيل بتلك الحالة الخسيسة. وهو مبتدأ وخبره "مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا" أي ذلك المثل الخسيس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من اليهود بعد أن علموا بها وعرفوها فحرفوا وبدلوا وكتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا بها "فاقصص القصص" أي فاقصص عليهم هذا القصص الذي هو صفة الرجل المنسلخ عن الآيات فإن مثله المذكور كمثل هؤلاء القوم المكذبين من اليهود الذي تقص عليهم "لعلهم يتفكرون" في ذلك ويعملون فيه أفهامهم فينزجرون عن الضلال ويقبلون على الصواب.
176 - " ولو شئنا لرفعناه بها " ، أي : رفعنا درجته ومنزلته بتلك الآيات . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لرفعناه بعلمه بها . وقال مجاهد و عطاء : لرفعنا عنه الكفر وعصمناه بالآيات. " ولكنه أخلد إلى الأرض " ، أي : سكن إلى الدنيا ومال إليها . قال الزجاج : خلد وأخلد واحد. وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام ، يقال : أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ، والأرض هاهنا عبارة عن الدنيا ، لأن ما فيها من القفار والرباع كلها أرض ، وسائر متاعها مستخرج من الأرض . " واتبع هواه " ، انقاد لما دعاه إليه الهوى . قال ابن زيد : كان هواه مع القوم . قال عطاء : أراد الدنيا وأطاع شيطانه . وهذه أشد آية على العلماء ، وذلك أن الله أخبر أنه آتاه { آية } من اسمه الأعظم والدعوات المستجابة والعلم والحكمة، فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعمة عليه والانسلاخ عنها ، ومن الذي يسلم من هاتين الخلتين إلا من عصمه الله ؟
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ،أنا إبراهيم بن عبدالله الخلال أنا عبدالله بن المبارك عن زكريا بن أبي زائدة ،عن محمد بن عبدالرحمن بن سعد بن زرارة عن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه ،قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه " .
قوله تعالى : " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " ، يقال : لهث الكلب يلهث لهثاً : إذا أدلع لسانه . قال مجاهد : هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به .
والمعنى : إن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر ،وإن تركته لم يهتد ، فالحالتان عنده سواء ، كحالتي الكلب : إن طرد وحمل عليه بالطرد كان لاهثاً ، وإن ترك ورض كان لاهثاً . قال القتيبي : كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب ، فإنه يلهث في حال الكلال وفي حال الراحة وفي حال العطش ، فضربه الله مثلاً لمن كذب بآياته فقال : إن وعظته فهو ضال وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لهث ، وإن تركته على حاله لهث ، نظيره قوله تعالى : " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " ( الأعراف - 193 ) ، ثم عم بهذا التمثيل جميع من يكذب بآيات الله فقال " ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " ، وقيل : هذا مثل لكفار مكة وذلك أنهم كانوا يتمنون هادياً يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله ، فلما جاءهم نبي لا يشكون في صدقه كذبوه فلم يهتدوا تركوا أو دعوا .
176. " ولو شئنا لرفعناه " إلى منازل الأبرار من العلماء. " بها " بسبب تلك الآيات وملازمتها , " ولكنه أخلد إلى الأرض " مال إلى الدنيا أو إلى السفالة . " واتبع هواه" في إيثار الدنيا واسترضاء قومه وأعرض عن مقتضى الآيات ، وإنما علق رفعه بمشيئة الله تعالى ثم استدرك عنه بفعل العبد ، تنبيها على أن المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه وان عدمه دليل عدمها دلالة انتفاء المسبب على انتفاء سببه ، وأن السبب الحقيقي هو المشيئة وأن ما نشاهده من الأسباب وسائط معتبرة في حصول المسبب من حيث أن المشيئة تعلقت به كذلك ، وكان من حقه أن يقول ولكنه أعرض عنها فأوقع موقعه " أخلد إلى الأرض واتبع هواه " ،مبالغة وتنبيها على ما حمله عليه وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة , " فمثله " فصفته التي هي مثل في الخسة . " كمثل الكلب " كصفته في أخس أمواله وهو " إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " أي يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد أو ترك ولم يتعرض له ، بخلاف سائر الحيوانات لضعف فؤاده . واللهث إدلاع اللسان من التنفس الشديد والشرطية في موضع الحال والمعنى . لاهثا في الحالتين ، والتمثيل واقع موقع لازم التركيب الذي هو نفي الرفع ووضع المنزلة للمبالغة والبيان . وقيل لما دعا على موسى صلى الله عليه وسلم خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كالكلب . " ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص " القصة المذكورة على اليهود فإنها نحو قصصهم . " لعلهم يتفكرون " تفكرا يؤدي بهم إلى الاتعاظ.
176. And had We willed We could have raised him by their means, but he clung to the earth and followed his own lust. Therefor his likeness is as the likeness of a dog; if thou attackest him he panteth with his tongue out, and if thou leavest him he panteth with his tongue out. Such is the likeness of the, people who deny Our revelations. Narrate unto them the history (of the men of old), that haply they may take thought.
176 - If it had been our will, we should have elevated him with our signs; but he inclined to the earth, and followed his own vain desires. his similitude is that of a dog: if you attack him, he lolls out his tongue, or if you leave him alone, he (still) lolls out his tongue. that is the similitude of those who reject our signs; so relate the story; perchance they may reflect.