18 - (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) يقولون متى تأتي ظنا منهم أنها غير آتية (والذين آمنوا مشفقون) خائفون (منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون) يجادلون (في الساعة لفي ضلال بعيد)
" يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها " : يقول : يستعجلك يا محمد بمجيئها الذين لا يوقنون بمجيئها ، ظناً منهم أنها غير جائية " والذين آمنوا مشفقون منها " يقول : والذين صدقوا بمجيئها ووعد الله إياهم الحشر فيها ، " مشفقون منها " : يقول : وجلون من مجيئها ، خائفون من قيامها ، لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها " ويعلمون أنها الحق " يقول : ويوقنون أن مجيئها الحق اليقين ، لا يمترون في مجيئها " ألا إن الذين يمارون في الساعة " يقول تعالى ذكره : ألا إن الذي يخاصمون في قيام الساعة ويجادلون فيه " لفي ضلال بعيد " يقول : لفي جور عن طريق الهدى ، وزيغ عن سبيل الحق والرشاد ، بعيد من الصواب .
قوله تعالى : " يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها " يعني على طريق الاستهزاء ظناً منهم أنها غير آتية ، أو إيهاماً للضعفة أنها لا تكون : " والذين آمنوا مشفقون منها " ، أي خائفون وجلون لاستقصارهم أنفسهم مع الجهد في الطاعة ، كما قال : " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " [ المؤمنون : 60 ] ، " ويعلمون أنها الحق " أي التي لا شك فيها : " ألا إن الذين يمارون في الساعة " أي يشكون ويخاصمون في قيام الساعة ، " لفي ضلال بعيد " أي عن الحق وطريق الاعتبار ، إذ لو تذكروا لعلموا أن الذي أنشأهم من ترب ثم من نطفة إلى أن بلغوا ، قادر على أن يبعثهم .
يقول تعالى متوعداً الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به: "والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له" أي يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى "حجتهم داحضة عند ربهم" أي باطلة عند الله "وعليهم غضب" أي منه "ولهم عذاب شديد" أي يوم القيامة, قال ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد: جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله ليصدوهم عن الهدى وطمعوا أن تعود الجاهلية, وقال قتادة: هم اليهود والنصارى قالوا: ديننا خير من دينكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم وأولى بالله منكم, وقد كذبوا في ذلك. ثم قال تعالى: "الله الذي أنزل الكتاب بالحق" يعني الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه "والميزان" وهو العدل والإنصاف, قاله مجاهد وقتادة, وهذه كقوله تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" وقوله: " والسماء رفعها ووضع الميزان * أن لا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ".
وقوله تبارك وتعالى: "وما يدريك لعل الساعة قريب" فيه ترغيب فيها وترهيب منها وتزهيد في الدنيا, وقوله عز وجل: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها" أي: يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين, وإنما يقولون ذلك تكذيباً واستبعاداً وكفراً وعناداً "والذين آمنوا مشفقون منها" أي خائفون وجلون من وقوعها "ويعلمون أنها الحق" أي كائنة لا محالة, فهم مستعدون لها عاملون من أجلها. وقد روي من طرق تبلغ درجة التواتر في الصحاح والحسان والسنن والمسانيد, وفي بعض ألفاظه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت جهوري وهو في بعض أسفاره, فناداه فقال: يا محمد, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحواً من صوته: "هاؤم", فقال له: متى الساعة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك إنها كائنة فما أعددت لها ؟" فقال: حب الله ورسوله, فقال صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت", فقوله في الحديث "المرء مع من أحب" هذا متواتر لا محالة, والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها. وقوله تعالى: "ألا إن الذين يمارون في الساعة" أي يجادلون في وجودها ويدفعون وقوعها "لفي ضلال بعيد" أي في جهل بين, لأن الذي خلق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى, كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه".
ويدل على هذا قوله: 18- "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها" استعجال استهزاء منهم بها وتكذيباً بمجيئها "والذين آمنوا مشفقون منها" أي خائفون وجلون من مجيئها. قال مقاتل: لأنهم لا يدرون على ما يهجمون عليه. وقال الزجاج: لأنه يعلمون أنهم محاسبون ومجزيون "ويعلمون أنها الحق" أي أنها آتية لا ريب فيها، ومثل هذا قوله: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون". ثم بين ضلال الممارين فيها فقال: "ألا إن الذين يمارون في الساعة" أي يخاصمون فيها مخاصمة شك وريبة، من الممارة وهي المخاصمة والمجادلة، أو من المرية وهي الشك والريبة "لفي ضلال بعيد" عن الحق لأنهم لم يتفكروا في الموجبات للإيمان بها من الدلائل التي هي مشاهدة لهم منصوبة لأعينهم مفهومة لعقولهم،ولو تفكروا لعلموا أن الذي خلقهم ابتداءً قادر على الإعادة.
وقد أخرج ابن جرير عن السدي "أن أقيموا الدين" قال: اعملوا به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" قال: ألا تعلموا أن الفرقة هلكة وأن الجماعة ثقفة "كبر على المشركين ما تدعوهم إليه". قال: استكبر المشركون أن قيل لهم: لا إله إلا الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد "الله يجتبي إليه من يشاء" قال: يخلص لنفسه من يشاء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له" قال: هم أهل الكتاب كانوا يجادلون المسلمين ويصدونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا لله. وقال: هم قوم من أهل الضلالة وكانوا يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: "والذين يحاجون في الله" الآية. قال: هم اليهود والنصارى. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحوه. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" قال المشركون لمن بين أظهرهم من المؤمنين: قد دخل الناس في دين الله أفواجاً فاخرجوا من بين أظهرنا فنزلت "والذين يحاجون في الله" الآية.
18. فأنزل الله هذه الآية: " يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها "، ظناً منهم أنها غير آتية، " والذين آمنوا مشفقون "، أي: خائفون، " منها ويعلمون أنها الحق "، أنها آتية لا ريب فيها، " ألا إن الذين يمارون "، يخاصمون، وقيل: تدخلهم المرية والشك، " في الساعة لفي ضلال بعيد ".
18-" يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها " استهزاء . " والذين آمنوا مشفقون منها " خائفون منها مع اغتيابها لتوقع الثواب . " ويعلمون أنها الحق " أ ي الكائن لا محالة . " ألا إن الذين يمارون في الساعة " يجادلون فيها من المرية ، أو من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كلاً من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة . " لفي ضلال بعيد " عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات ،فمن لم يهتد لتجويزه ، فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه
18. Those who believe not therein seek to hasten it, while those who believe are fearful of it and know that it is the Truth. Are not they who dispute, in doubt concerning the Hour, far astray?
18 - Only those wish to hasten it who believe not in it: those who believe hold it in awe, and know that it is the Truth, behold, verily those that dispute concerning the Hour are far astray.