18 - (ثم جعلناك) يا محمد (على شريعة) طريقة (من الأمر) أمر الدين (فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) في عبادة غير الله
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم : ثم جعلناك يا محمد من بعد الذي آتينا بني إسرائيل ، الذين وصفت لك صفتهم " على شريعة من الأمر " يقول : على طريقة و سنة و منهاج من أمرنا به من قبلك من رسلنا "فاتبعها " يقول : فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لك " و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون " يقول : و لا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله ، الذين لا يعرفون الحق من الباطل فتعمل به فتهلك أن عملت به .
و بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها " قال : يقول على هدى الأمر و بينة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله : " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها " و الشريعة : الفرائض و الحدود و الامر و النهي " فاتبعها و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون "
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " ثم جعلناك على شريعة من الأمر " قال: الشريعة : الدين . و قرأ " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك " الشورى: 13 قال: فنوح أولهم و أنت آخرهم .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " ثم جعلناك على شريعة من الأمر " الشريعة في اللغة : المذهب والملة ، ويقال لمشرعة الماء وهي مورد الشاربة : شريعة ، ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد ، فالشريعة : ما شرع الله لعباده من الدين ، والجمع الشرائع ، والشرائع في الدين : المذاهب التي شرعها الله لخلقه ، فمعنى : ( جعلناك على شريعة ) أي على هدى من الأمر ، قتادة : الشريعة الأمر والنهي والحدود والفرائض ، مقاتل : البينة ، لأنها طريق إلى الحق : الكلبي : السنة ، لأنه يسن بطريقة من قبله من الأنبياء ابن زيد : الدين ، لأنه طريق النجاة قال ابن العربي : والأمر يرد في اللغة بمعنيين : أحدهما بمعنى الشأن كقوله : " فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد " [ هود : 97 ] ، والثاني ، أحد أقسام الكلام الذي يقابله النهي ، وكلاهما يصح أن يكون مراداً هاهنا ، وتقديره : ثم جعلناك على طريقة من الدين وهي ملة الإسلام ، كما قال تعالى : " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " [ النحل : 123 ] .
ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح ، وإنما خالف بينهما في الفروع حسبما علمه سبحانه .
الثانية : قال ابن العربي : ظن بعض من يتكلم في العلم أن هذه الآية دليل على أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا ، لأن الله تعالى أفرد النبي صلى الله عليه وسلم وأمته في هذه الآية بشريعة ، ولا ننكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته منفردان بشريعة ، وإنما الخلاف فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء هل يلزم اتباعه أم لا .
قوله تعالى : " ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون " يعني المشركين ، وقال ابن عباس : قريظة والنضير ، وعنه : نزلت لما دعته قريش إلى دين آبائه .
يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال الرسل إليهم وجعله الملك فيهم, ولهذا قال تبارك وتعالى: "ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات" أي من المآكل والمشارب "وفضلناهم على العالمين" أي في زمانهم "وآتيناهم بينات من الأمر" أي حججاً وبراهين وأدلة قاطعات, فقامت عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة, وإنما كان ذلك بغياً منهم على بعضهم بعضاً "إن ربك" يا محمد "يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" أي سيفصل بينهم بحكمه العدل, وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم وأن تقصد منهجهم, ولهذا قال جل وعلا: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها" أي اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين, وقال جل جلاله ههنا: "ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض" أي وماذا تغني عنهم ولا يتهم لبعضهم بعضاً فإنهم لا يزيدونهم إلا خساراً ودماراً وهلاكاً "والله ولي المتقين" وهو تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات, ثم قال عز وجل: "هذا بصائر للناس" يعني القرآن "وهدى ورحمة لقوم يوقنون".
18- "ثم جعلناك على شريعة من الأمر" الشريعة في اللغة المذهب. والملة والمنهاج ويقال: لمشرعة الماء وهي مورد شاربيه شريعة، ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد، فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله لعباده من الدين، والجمع شرائع: أي جعلناك يا محمد على منهاج واضع من أمر الدين يوصلك إلى الحق "فاتبعها" فاعمل بأحكامها في أمتك "ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون" توحيد الله وشرائعه لعباده، وهم كفار قريش ومن وافقهم.
18. " ثم جعلناك "، [يا محمد] " على شريعة "، سنة وطريقة بعد موسى، " من الأمر "، من الدين، " فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون "، يعني مراد الكافرين، وذلك أنهم كانوا يقولون له: ارجع إلى دين آبائك، فإنهم كانوا أفضل منك، فقال جل ذكره:
18-" ثم جعلناك على شريعة " طريقة " من الأمر " من أمر الدين " فاتبعها " فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج . " ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون " آراء الجهال التابعة للشهوات ، وهو رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك .
18. And now have We set thee (O Muhammad) on a clear road of (Our) commandment; so follow it, and follow not the whims of those who know not.
18 - Then we put thee on the (right) Way of Religion: so follow thou that (Way), and follow not the desires of those who know not.