18 - (والصبح إذا تنفس) امتد حتى يصير نهارا بينا
وقوله : " والصبح إذا تنفس " يقول : وضوء النهار إذا أقبل وتبين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله " والصبح إذا تنفس " قال : إذا نشأ .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " والصبح إذا تنفس " : إذا أضاء وأقبل .
قوله تعالى:" والصبح إذا تنفس" أي امتد حتى يصير نهاراً واضحاً، يقال للنهار إذا زاد: تنفس. وكذلك الموج إذا نضح الماء. ومعنى التنفس: خروج النسيم من الجوف. وقيل:((إذا تنفس)) أي انشق وانفلق، ومنه تنفست القوس أي تصدعت.
روى مسلم في صحيحه والنسائي في تفسيره عند هذه الاية من حديث مسعر بن كدام عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فسمعته يقرأ "فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس" ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة عن الحجاج بن عاصم عن أبي الأسود عن عمرو بن حريث به نحوه, قال ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال: هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل. وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن سماك بن حرب , سمعت خالد بن عرعرة , سمعت علياً وسئل عن لا أقسم بالخنس الجوار الكنس فقال: هي النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل. وحدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن خالد عن علي قال: هي النجوم, وهذا إسناد جيد صحيح إلى خالد بن عرعرة وهو السهمي الكوفي . قال أبو حاتم الرازي : روى عن علي وروى عنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فالله أعلم, وروى يونس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي : أنها النجوم, رواه ابن أبي حاتم . وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم أنها النجوم.
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن بكر بن عبد الله في قوله تعالى: " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال: هي النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق, وقال بعض الأئمة, إنما قيل للنجوم الخنس أي في حال طلوعها ثم هي جوار في فلكها وفي حال غيبوبتها يقال لها كنس, من قول العرب أوى الظبي إلى كناسه إذا تغيب فيه. وقال الأعمش عن إبراهيم قال: قال عبد الله فلا أقسم بالخنس قال بقر الوحش, وكذا قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عبد الله فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ما هي يا عمرو ؟ قلت البقر قال وأنا أرى ذلك, وكذا روى يونس عن أبي إسحاق عن أبيه وقال أبو داود الطيالسي عن عمرو عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الجوار الكنس قال البقر تكنس إلى الظل وكذا قال سعيد بن جبير , وقال العوفي عن ابن عباس هي الظباء, وكذا قال سعيد أيضاً ومجاهد والضحاك , وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد هي الظباء والبقر, وقال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الاية " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " فقال إبراهيم لمجاهد قل فيها بما سمعت, قال: فقال مجاهد كنا نسمع فيها شيئاً وناس يقولون إنها النجوم, قال: فقال إبراهيم قل فيها بما سمعت, قال: فقال مجاهد كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حجرتها, فقال إبراهيم إنهم يكذبون على علي, هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى والأعلى الأسفل, وتوقف ابن جرير في المراد بقوله: " الخنس * الجوار الكنس " هل هو النجوم أو الظباء وبقر الوحش قال ويحتمل أن يكون الجميع مراداً.
وقوله تعالى: "والليل إذا عسعس" فيه قولان أحدهما إقباله بظلامه وقال مجاهد أظلم وقال سعيد بن جبير إذا نشأ, وقال الحسن البصري إذا غشي الناس, وكذا قال عطية العوفي وقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس "إذا عسعس" إذا أدبر, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وكذا قال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن "إذا عسعس" أي إذا ذهب فتولى.
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البحتري سمع أبا عبد الرحمن السلمي قال: خرج علينا علي رضي الله عنه حين ثوب المثوب بصلاة الصبح فقال: أين السائلون عن الوتر " والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس " هذا حين أدبر حسن. وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: "إذا عسعس" إذا أدبر قال لقوله "والصبح إذا تنفس" أي أضاء, واستشهد بقول الشاعر أيضاً:
حتى إذا الصبح له تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
أي أدبر, وعندي أن المراد بقوله "إذا عسعس" إذا أقبل وإن كان يصح استعماله في الإدبار أيضاً لكن الإقبال ههنا أنسب, كأنه أقسم بالليل وظلامه إذا أقبل وبالفجر وضيائه إذا أشرق كما قال تعالى: " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " وقال تعالى: " والضحى * والليل إذا سجى " وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً" وغير ذلك من الايات, وقال كثير من علماء الأصول: إن لفظة عسعس تستعمل في الإقبال والإدبار على وجه الاشتراك, فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما والله أعلم. وقال ابن جرير : وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يزعم أن عسعس دنا من أوله وأظلم, وقال الفراء : كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتاً.
عسعس حتى لو يشا أدنى كان له من ضوئه مقبس
يريد لو يشاء إذ دنا أدغم الذال في الدال, قال الفراء وكانوا يزعمون أن هذا البيت مصنوع وقوله تعالى: "والصبح إذا تنفس" قال الضحاك : إذا طلع, وقال قتادة, إذ أضاء وأقبل, وقال سعيد بن جبير : إذا نشأ, وهو المروي عن علي رضي الله عنه. وقال ابن جرير : يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين. وقوله تعالى: "إنه لقول رسول كريم" يعني إن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم أي ملك شريف حسن الخلق بهي المنظر وهو جبريل عليه الصلاة والسلام, قاله ابن عباس والشعبي وميمون بن مهران والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك وغيرهم "ذي قوة" كقوله تعالى: "علمه شديد القوى * ذو مرة" أي شديد الخلق شديد البطش والفعل "عند ذي العرش مكين" أي له مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة, قال أبو صالح في قوله تعالى: "عند ذي العرش مكين" قال جبريل يدخل في سبعين حجاباً من نور بغير إذن "مطاع ثم" أي له وجاهة وهو مسموع القول مطاع في الملأ الأعلى قال قتادة "مطاع ثم" أي في السموات يعني ليس هو من أفناد الملائكة بل هو من السادة والأشراف معتنى به انتخب لهذه الرسالة العظيمة.
وقوله تعالى: "أمين" صفة لجبريل بالأمانة, وهذا عظيم جداً أن الرب عز وجل يزكي عبده ورسوله الملكي جبريل كما زكى عبده ورسوله البشري محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: "وما صاحبكم بمجنون" قال الشعبي وميمون بن مهران وأبو صالح ومن تقدم ذكرهم: المراد بقوله: "وما صاحبكم بمجنون" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم, وقوله تعالى: "ولقد رآه بالأفق المبين" يعني ولقد رأى محمد جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح "بالأفق المبين" أي البين وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء وهي المذكورة في قوله: " علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى " كما تقدم تفسير ذلك وتقريره, والدليل عليه أن المراد بذلك جبريل عليه السلام, والظاهر والله أعلم أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤيا وهي الأولى, وأما الثانية وهي المذكورة في قوله تعالى: " ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى " فتلك إنما ذكرت في سورة النجم وقد نزلت بعد سورة الإسراء.
وقوله تعالى: "وما هو على الغيب بضنين" أي وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين أي بمتهم. ومنهم من قرأ ذلك بالضاد أي ببخيل بل يبذله لكل أحد. قال سفيان بن عيينة : ظنين وضنين سواء أي ما هو بكاذب وما هو بفاجر. والظنين المتهم والضنين البخيل. وقال قتادة: كان القرآن غيباً فأنزله الله على محمد فما ضن به على الناس بل نشره وبلغه وبذله لكل من أراده, وكذا قال عكرمة وابن زيد وغير واحد واختار ابن جرير قراءة الضاد "قلت": وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدم, وقوله تعالى: "وما هو بقول شيطان رجيم" أي وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم أي لا يقدر على حمله ولا ينبغي له كما قال تعالى: " وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون ", وقوله تعالى: " فأين تذهبون " أي فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقاً من عند الله عز وجل كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئاً من قرآن مسيلمة الكذاب الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال: ويحكم أين تذهب عقولكم ؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل, أي من إله, وقال قتادة "فأين تذهبون" أي عن كتاب الله وعن طاعته.
وقوله تعالى: "إن هو إلا ذكر للعالمين" أي هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون "لمن شاء منكم أن يستقيم" أي من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإنه منجاة له وهداية, ولا هداية فيما سواه " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " أي ليست المشيئة موكولة إليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل, بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين. قال سفيان الثوري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى : لما نزلت هذه الاية "لمن شاء منكم أن يستقيم" قل أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ". آخر تفسير سورة التكوير. و لله الحمد والمنة.
ويدل على أن المراد هنا أدبر قوله: 18- "والصبح إذا تنفس" قال الفراء: أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر، كذا حكاه عنه الجوهري، وقال الحسن: أقبل بظلامه. قال الفراء: العرب تقول عسعس الليل: إذا أقبل، وعسعس الليل: إذا أدبر، وهذا لا ينافي ما تقدم عنه، لأنه حكى عن المفسرين أنهم أجمعوا على حمل معناه في هذه الآية على أدبر، وإن كان في الأصل مشتركاً بين الإقبال والإدبار. قال المبرد: هو من الأضداد. قال: والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، وهو ابتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره. قال رؤبة بن العجاج:
يــا هند مــا أسرع ما تعسعســـا من بعــد مــا كــان فتى ترعـــرعــا
وقال امرؤ القيس:
عــسعس حــتى لـو نشاء إذا دنــا كــان لــنــا مــن نـــاره مـــقتـــبس
وقوله:
الماء على الربع القديم تعسعسا
"والصبح إذا تنفس" التنفس في الأصل: خروج النسيم من الجوف. وتنفس الصبح إقباله، لأنه يقبل بروح ونسيم، فجعل ذلك تنفساً له مجازاً. قال الواحدي: تنفس: أي امتد ضوؤه حتى يصير نهاراً، ومنه يقال للنهار إذا زاد تنفس. وقيل "إذا تنفس" إذا انشق وانفلق، ومنه تنفست القوس: أي تصدعت.
18- "والصبح إذا تنفس"، أقبل وبدا أوله، وقيل: امتد ضوءه وارتفع.
18-" والصبح إذا تنفس " أي أضاء غبرته عند إقبال روح ونسيم .
18. And the breath of morning
18 - And the Dawn as it breathes away the darkness;