186 - (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم) بالياء والنون مع الرفع استئنافا والجزم عطفا على محل بعد الفاء (في طغيانهم يعمهون) يترددون تحيراً
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن إعراض هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا، التاركي النظر في حجج الله والفكر فيها، لإضلال الله إياهم، ولو هداهم الله لاعتبروا وتدبروا فأبصروا رشدهم، ولكن الله أضلهم، فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً، ومن أضله عن الرشاد فلا هادي له إليه، ولكن الله يدعهم في تماديهم في كفرهم، وتمردهم في شركهم، يترددون، ليستوجبوا الغاية التي كتبها الله لهم من عقوبته وأليم نكاله.
بين أن إعراضهم لأن الله أضلهم. وهذا رد على القدرية. "ويذرهم في طغيانهم" بالرفع على الاستئناف. وقرئ بالجزم حملاً على موضع الفاء وما بعدها. "يعمهون" أي يتحيرون. وقيل: يترددون. وقد مضى في أول البقرة مستوفى.
يقول تعالى: من كتب عليه الضلالة فإنه لا يهديه أحد, ولو نظر لنفسه فيما نظر فإنه لا يجزي عنه شيئاً "ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً" وكما قال تعالى: " قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ".
وجملة 186- "من يضلل الله فلا هادي له" مقررة لما قبلها: أي إن هذه الغفلة منهم عن هذه الأمور الواضحة البينة ليس إلا لكونهم ممن أضله الله ومن يضلله فلا هادي له: أي فلا يوجد من يهديه إلى الحق وينزعه عن الضلالة ألبتة "ويذرهم في طغيانهم يعمهون" قرئ بالرفع على الاستئناف وبالجزم عطفاً على محل الجزاء، وقرئ بالنون، ومعنى يعمهون: يتحيرون، وقيل يترددون وهو في محل نصب على الحال.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "وممن خلقنا أمة يهدون بالحق" قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها: "هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون"". وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم متى نزل". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" يقول: سنأخذهم من حيث لا يعلمون، قال: عذاب بدر. وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن المثنى في الآية قال: كلما أحدثوا ذنباً جددنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان في الآية قال: نسبغ عليهم النعمة ونمنعهم شكرها. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ثابت البناني أنه سئل عن الاستدراج فقال: ذلك مكر الله بالعباد المضيعين. وأخرج أبو الشيخ في قوله: "وأملي لهم" يقول: أكف عنهم "إن كيدي متين" إن مكري شديد، ثم نسخها الله فأنزل: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كيد الله العذاب والنقمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: ذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا، فدعا قريشاً فخذاً فخذاً: يا بني فلان يا بني فلان، يحذرهم بأس الله ووقائع الله إلى الصباح حتى قال قائل: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت حتى أصبح، فأنزل الله: " أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين "".
186 - " من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم " قرأ أهل البصرة وعاصم بالياء ورفع الراء ، وقرأ حمزة و الكسائي بالياء وجزم الراء ، لأن ذكر الله قد مر قبله ، وجزم الراء مردود على " يضلل " وقرأ آخرون : بالنون ورفع الراء على أنه كلام مستأنف . " في طغيانهم يعمهون " ، يترددون متحيرين .
186. " من يضلل الله فلا هادي له " كالتقرير والتعليل له . " ونذرهم في طغيانهم " بالرفع على الاستئناف وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء لقوله " من يضلل الله " وحمزة والكسائي به وبالجزم عطفا على محل " فلا هادي له " كأنه قيل : لا يهده أحد غيره " ونذرهم " . " يعمهون " حال من هم .
186. Those whom Allah sendeth astray, there is no guide for them. He leaveth them to wander blindly on in their contumacy.
186 - To such as God rejects from his guidance, there can be no guide: he will leave them in their trespasses, wandering in distraction.