(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي (وما أنزل إليكم) أي القرآن (وما أنزل إليهم) أي التوراة والإنجيل (خاشعين) حال من ضمير يؤمن مراعى فيه معنى من أي: متواضعين (لله لا يشترون بآيات الله) التي عندهم في التوراة والإنجيل من بعث النبي صلى الله عليه وسلم (ثمنا قليلا) من الدنيا بأن يكتموها خوفا على الرياسة كفعل غيرهم من اليهود (أولئك لهم أجرهم) ثواب أعمالهم (عند ربهم) يؤتونه مرتين كما في القصص (إن الله سريع الحساب) يحاسب الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية.
فقال بعضهم : عني بها أصحمة النجاشي ، وفيه أنزلت.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عصام بن رواد بن الجراح قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله : "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اخرجوا فصلوا على أخ لكم . فصلى بنا، فكبر أربع تكبيراتي ، فقال : هذا النجاشي أصحمة . فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على على نصراني لم يره قط ! فأنزل الله : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله"".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثنا أبي عن قتادة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه . قالوا: يصلى على رجل ليس بمسلم! قال : فنزلت : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله". قال قتادة: فقالوا : فإنه كان لا يصلي إلى القبلة! فأنزل الله : "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" [البقرة : 115]".
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، -عن - قتادة قوله : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم"، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في النجاشي ، وفي ناس من أصحابه آمنوا بنبي الله صلى الله عليه وسلم وصدقوا به . قال : وذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم استغفر للنجاشي وصلى عليه حين بلغه موته ، قال لأصحابه : صلوا على أخ لكم قد مات بغير بلادكم ! فقال أناس من أهل النفاق : يصلي على رجل مات ليس من أهل دينه ؟ فأنزل الله هذه الآية : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب"".
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم"، قال : نزلت في النجاشي وأصحابه ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واسم النجاشي ، أصحمة .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، قال عبد الرزاق ، وقال ابن عيينة : اسم النجاشي بالعربية : عطية.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ، طعن في ذلك المنافقون ، فنزلت هذه الآية : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله"، إلى آخر الآية.
وقال آخرون : بل عني بذلك عبد الله بن سلام ومن معه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : نزلت - يعني هذه الآية- في عبد الله بن سلام ومن معه.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني ابن زيد في قوله : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم"، الآية كلها، قال : هؤلاء يهود .
وقال آخرون : بل عني بذلك مسلمة أهل الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم"، من اليهود والنصارى، وهم مسلمة أهل الكتاب .
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله مجاهد. وذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله : "وإن من أهل الكتاب" أهل الكتاب جميعاً، فلم يخص منهم النصارى دون اليهود، ولا اليهود دون النصارى . وإنما أخبر أن من "أهل الكتاب" من يؤمن بالله . وكلا الفريقين - أعني اليهود والنصارى- من أهل الكتاب .
فإن قال قائل : فما أنت قائل في الخبر الذي رويت عن جابر وغيره : أنها نزلت في النجاشي وأصحابه ؟
قيل : ذلك خبر في إسناده نظر. ولو كان صحيحاً لا شك فيه ، لم يكن لما قلنا في معنى الآية بخلاف. وذلك أن جابراً ومن قال بقوله ، إنما قالوا : نزلت في النجاشي، وقد تنزل الآية في الشيء ، ثم يعم بها كل من كان في معناه . فالآية وإن كانت نزلت في النجاشي ، فإن الله تبارك وتعالى قد جعل الحكم الذي حكم به للنجاشي ، حكما لجميع عباده الذين هم بصفة النجاشي في اتباعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتصديق بما جاءهم به من عند الله، بعد الذي كانوا عليه قبل ذلك من اتباع أمر الله فيما أمر به عباده في الكتابين ، التوراة والإنجيل .
فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : "وإن من أهل الكتاب"، التوراة والإنجيل ، "لمن يؤمن بالله"، فيقر بوحدانيته ، "وما أنزل إليكم"، أيها المؤمنون ، يقول : وما أنزل إليكم من كتابه ووحيه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، "وما أنزل إليهم"، يعني : وما أنزل على أهل الكتاب من الكتب ، وذلك التوراة والإنجيل والزبور، "خاشعين لله"، يعني : خاضعين لله بالطاعة، مستكينين له بها متذللين ، كما :
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني ابن زيد في قوله : "خاشعين لله"، قال : الخاشع ، المتذلل لله الخائف.
ونصب قوله : "خاشعين لله"، على الحال من قوله : "لمن يؤمن بالله"، وهو حال مما في "يؤمن"، من ذكر "من".
"لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا"، يقول : لا يحرفون ما أنزل إليهم في كتبه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فيبدلونه ، ولا غير ذلك من أحكامه وحججه فيه ، لعرض من الدنيا خسيس يعطونه على ذلك التبديل ، وابتغاء الرياسة على الجهال ، ولكن ينقادون للحق ، فيعملون بما أمرهم الله به فيما أنزل إليهم من كتبه ، وينتهون عما نهاهم عنه فيها، ويؤثرون أمر الله تعالى على هوى أنفسهم .
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "أولئك لهم أجرهم"، هؤلاء الذين يؤمنون بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ، "لهم أجرهم عند ربهم"، يعني : لهم عوض أعمالهم التي عملوها، وثواب طاعتهم ربهم فيما أطاعوه فيه "عند ربهم" يعني : مذخور ذلك لهم لديه ، حتى يصيروا إليه في القيامة، فيوفيهم ذلك ، "إن الله سريع الحساب"، وسرعة حسابه تعالى ذكره : أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم قبل أن يعملوها وبعد ما عملوها، فلا حاجة به إلى إحصاء عدد ذلك ، فيقع في الإحصاء إبطاء، فلذلك قال : "إن الله سريع الحساب".
الثانية والعشرون : قوله تعالى : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله " قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس و قتادة و الحسن : " نزلت في النجاشي ، وذلك أنه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي ، فقال بعضهم لبعض : يأمرنا أن نصلي على علج من علوج الحبشة ، فأنزل الله تعالى : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم " " ، قال الضحاك : " وما أنزل إليكم " القرآن ، " وما أنزل إليهم " التوراة والإنجيل ، وفي التنزيل ، " أولئك يؤتون أجرهم مرتين " [ القصص : 54 ] ، وفي صحيح مسلم : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران " ، وذكر الحديث ، وقد تقدم في البقرة الصلاة عليه وما للعلماء في الصلاة على الميت الغائب ، فلا معنى للإعادة ، وقال مجاهد و ابن جريج و ابن زيد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، وهذا عام والنجاشي واحد منهم ، واسمه أصحمة ، وهو بالعربية عطية ، و " خاشعين " أذلة ، ونصب على الحال من المضمر الذي في ( يؤمن ) وقيل : من الضمير في ( إليهم ) أو في ( إليكم ) وما في الآية بي، وقد تقدم .
يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان, ويؤمنون بما أنزل على محمد مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة, وأنهم خاشعون لله أي مطيعون له, خاضعون متذللون بين يديه, "لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً", أي لا يكتمون ما بأيديهم من البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته ونعته ومبعثه وصفة أمته, وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم, سواء كانوا هوداً أو نصارى, وقد قال تعالى في سورة القصص: "الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا" الاية, وقد قال تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به" الاية. وقد قال تعالى: "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون", وقال تعالى: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون", وقال تعالى: " قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا " وهذه الصفات توجد في اليهود, ولكن قليلاً كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود, ولم يبلغوا عشرة أنفس, وأما النصارى فكثير منهم يهتدون وينقادون للحق, كما قال تعالى: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" إلى قوله تعالى: "فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" الاية, وهكذا قال ههنا "أولئك لهم أجرهم عند ربهم" الاية, وقد ثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه, لما قرأ سورة "كهيعص" بحضرة النجاشي ملك الحبشة وعنده البطاركة والقساوسة, بكى وبكوا معه حتى أخضبوا لحاهم, وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال "إن أخاً لكم بالحبشة قد مات, فصلوا عليه فخرج إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه " . وروى ابن أبي حاتم والحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت , عن أنس بن مالك , قال: لما توفي النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استغفروا لأخيكم فقال بعض الناس: يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض الحبشة " , فنزلت "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله" الاية, ورواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق أخرى عن حماد بن سلمة , عن ثابت , عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم رواه ابن مردويه من طرق عن حميد , عن أنس بن مالك , بنحو ما تقدم ورواه أيضاً ابن جرير من حديث أبي بكر الهذلي عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن جابر , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي إن أخاكم أصحمة قد مات, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى كما يصلي على الجنائز فكبر عليه أربعاً " , فقال المنافقون: يصلي على علج مات بأرض الحبشة, فأنزل الله "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" الاية. وقال أبو داود : حدثنا محمد بن عمرو الرازي , حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق , حدثني يزيد بن رومان , عن عروة , عن عاشئة رضي الله عنها, قالت: لما مات النجاشي كنا نحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور. وقد روى الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه : أنبأنا أبو العباس السياري بمرو, حدثنا عبد الله بن علي الغزال , حدثنا علي بن الحسن بن شقيق , حدثنا ابن المبارك , حدثنا مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه , قال: نزل بالنجاشي عدو من أرضهم, فجاءه المهاجرون فقالوا: إنا نحب أن نخرج إليهم حتى نقاتل معك وترى جرأتنا ونجزيك بما صنعت بنا, فقال: لا, دواء بنصرة الله عز وجل خير من دواء بنصرة الناس, قال: وفيه نزلت "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله" الاية. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرجاه. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "وإن من أهل الكتاب" يعني مسلمة أهل الكتاب. وقال عباد بن منصور : سألت الحسن البصري عن قول الله "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" الاية, قال: هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم فاتبعوه, وعرفوا الإسلام فأعطاهم الله تعالى أجر اثنين: للذي كانوا عليه من الإيمان قبل محمد صلى الله عليه وسلم بالذي اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم, رواهما ابن أبي حاتم . وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر منهم: ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي " , وقوله تعالى: "لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً" أي لا يكتمون ما بأيديهم من العلم كما فعله الطائفة المرذولة منهم, بل يبذلون ذلك مجاناً, ولهذا قال تعالى: "أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب", قال مجاهد : "سريع الحساب" يعني سريع الإحصاء, رواه ابن أبي حاتم وغيره, وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" قال الحسن البصري رحمه الله: أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام, فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء, حتى يموتوا مسلمين, وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم, وكذا قال غير واحد من علماء السلف, وأما المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات, وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة, قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم, وروى ابن أبي حاتم ههنا الحديث الذي رواه مسلم والنسائي من حديث مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة , عن أبيه , عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, " قال ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره, وكثرة الخطا إلى المساجد, وانتظار الصلاة بعد الصلاة, فذلكم الرباط, فذلكم الرباط, فذلكم الرباط". وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد , حدثنا موسى بن إسحاق , حدثنا أبو جحيفة علي بن يزيد الكوفي , أنبأنا ابن أبي كريمة عن محمد بن يزيد , عن أبي سلمة بن عبد الرحمن , قال: أقبل علي أبو هريرة يوماً, فقال: أتدري يا ابن أخي فيم نزلت هذه الاية: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" قلت: لا. قال: أما إنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابطون فيه, ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد ويصلون الصلاة في مواقيتها, ثم يذكرون الله فيها, فعليهم أنزلت "اصبروا" أي على الصلوات الخمس, "وصابروا" أنفسكم وهواكم, "ورابطوا" في مساجدكم, "واتقوا الله" فيما عليكم, "لعلكم تفلحون". وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن منصور بن المبارك عن مصعب بن ثابت , عن داود بن صالح , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة بنحوه. وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب , حدثني ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد المقبري , عن جده , عن شرحبيل , عن علي رضي الله عنه, قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على ما يكفر الذنوب والخطايا ؟ إسباغ الوضوء على المكاره, وانتظار الصلاة بعد الصلاة, فذلكم الرباط", وقال ابن جرير أيضاً: حدثني موسى بن سهل الرملي , حدثنا يحيى بن واضح , حدثنا محمد بن مهاجر , حدثني يحيى بن يزيد عن زيد بن أبي أنيسة , عن شرحبيل , عن جابر بن عبد الله , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب ؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال إسباغ الوضوء في أماكنها, وكثرة الخطا إلى المساجد, وانتظار الصلاة بعد الصلاة, فذلكم الرباط", وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن علي , أنبأنا محمد بن عبد الله بن السلام البيروتي , أنبأنا محمد بن غالب الأنطاكي , أنبأنا عثمان بن عبدالرحمن , أنبأنا الوازع بن نافع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن , عن أبي أيوب رضي الله عنه, قال: وقفه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "هل لكم إلى ما يمحو الله به الذنوب ويعظم به الأجر ؟ قلنا: نعم يا رسول الله, وما هو ؟ قال إسباغ الوضوء على المكاره, وكثرة الخطا إلى المساجد, وانتظار الصلاة بعد الصلاة". قال: وهو قول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" فذلك هو الرباط في المساجد, وهذا حديث غريب من هذا الوجه جداً. وقال عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير , حدثني داود بن صالح , قال: قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الاية "اصبروا وصابروا ورابطوا ؟" قال: قلت: لا. قال: إنه لم يكن يا ابن أخي في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه, ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة, رواه ابن جرير , وقد تقدم سياق ابن مردويه له, وأنه من كلام أبي هريرة رضي الله عنه, والله أعلم, وقيل: المراد بالمرابطة ههنا مرابطة الغزو في نحور العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين, وقد وردت الأخبار بالترغيب في ذلك وذكر كثرة الثواب فيه, فروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها".
(حديث آخر) روى مسلم عن سلمان الفارسي , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه, وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله, وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن إبراهيم , حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح , أخبرني أبو هانىء الخولاني أن عمرو بن مالك الجنبي أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله, فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر" وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي هانىء الخولاني وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح, وأخرجه ابن حبان في صحيحه أيضاً.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق , وحسن بن موسى وأبو سعيد قالوا: حدثنا ابن لهيعة , حدثنا مشرح بن هاعان , سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يجري عليه عمله حتى يبعث ويأمن من الفتان" وروى الحارث بن محمد بن أبي أسامة في مسنده عن المقبري وهو عبد الله بن يزيد به إلى قوله "حتى يبعث " دون ذكر "الفتان" و ابن لهيعة إذا صرح بالتحديث فهو حسن ولا سيما مع ما تقدم من الشواهد.
(حديث آخر) قال ابن ماجه في سننه : حدثنا يونس بن عبد الأعلى , حدثنا عبد الله بن وهب , أخبرني الليث عن زهرة بن معبد عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من مات مرابطاً في سبيل الله أجرى عليه عمله الصالح الذي كان يعمل, وأجرى عليه رزقه, وأمن من الفتان, وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع".
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد : حدثنا موسى , أنبأنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان , عن أبي هريرة , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من مات مرابطاً وقي فتنة القبر, وأمن من الفزع الأكبر, وغدا عليه وريح برزقه من الجنة, وكتب له أجر المرابط إلى يوم القيامة".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى , حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي, عن إسحاق بن عبد الله عن أم الدرداء ترفع الحديث, قالت: "من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا كهمس , حدثنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير , قال: قال عثمان رضي الله عنه وهو يخطب على منبره: إني محدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن بكم, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها" وهكذا رواه أحمد أيضاً عن روح , عن كهمس , عن مصعب بن ثابت , عن عثمان , وقد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار , عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , عن أبيه , عن مصعب بن ثابت , عن عبد الله بن الزبير , قال: خطب عثمان بن عفان الناس فقال: يا أيها الناس إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن بكم وبصحابتكم, فليختر مختار لنفسه أو ليدع" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة صيامها وقيامها".
(طريق أخرى) عن عثمان رضي الله عنه. قال الترمذي : حدثنا الحسن بن علي الخلال , حدثنا هشام بن عبد الملك , حدثنا الليث بن سعد , حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد عن أبي صالح مولى عثمان بن عفان , قال: سمعت عثمان وهو على المنبر يقول: إني كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرقكم عني, ثم بدا لي أن أحدثكموه: ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل". ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه, قال محمد يعني البخاري أبو صالح مولى عثمان اسمه بركان , وذكر غير الترمذي أن اسمه الحارث , والله أعلم. وهكذا رواه الإمام أحمد من حديث الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة , وعنده زيادة في آخره فقال يعني عثمان : فليرابط امرؤ كيف شاء هل بلغت ؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد.
(حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر , حدثنا سفيان , حدثنا محمد بن المنكدر , قال: مر سلمان الفارسي. بشرحبيل بن السمط , وهو في مرابط له وقد شق عليه وعلى أصحابه, فقال: أفلا أحدثك يا ابن السمط بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بلى, قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رباط يوم في سبيل الله أفضل ـ أو قال خير ـ من صيام شهر وقيامه, ومن مات فيه وقي فتنة القبر, ونمي له عمله إلى يوم القيامة" تفرد به الترمذي من هذا الوجه, وقال: هذا حديث حسن, وفي بعض النسخ زيادة وليس إسناده بمتصل, و ابن المنكدر لم يدرك سلمان . (قلت): الظاهر أن محمد بن المنكدر سمعه من شرحبيل بن السمط , وقد رواه مسلم والنسائي من حديث مكحول وأبي عبيدة بن عقبة , كلاهما عن شرحبيل بن السمط وله صحبة عن سلمان الفارسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان" وقد تقدم سياق مسلم بمفرده.
(حديث آخر) قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة , حدثنا محمد بن يعلى السلمي , حدثنا عمر بن صبيح عن عبد الرحمن بن عمرو , عن مكحول , عن أبي بن كعب , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لرباط يوم في سبيل الله, من وراء عورة المسلمين محتسباً من شهر رمضان أعظم أجراً من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها, ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجراً ـ أراه قال ـ من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها, فإن رده الله تعالى إلى أهله سالماً لم تكتب عليه سيئة ألف سنة, وتكتب له الحسنات, ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة" هذا حديث غريب, بل منكر من هذا الوجه, و عمر بن صبيح متهم.
(حديث آخر) قال ابن ماجه : حدثنا عيسى بن يونس الرملي , حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن سعيد بن خالد بن أبي طويل , سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "حرس ليلة في سبيل الله خير من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة. السنة ثلثمائة وستون يوماً, واليوم كألف سنة" وهذا حديث غريب أيضاً, و سعيد بن خالد هذا ضعفه أبو زرعة وغير واحد من الأئمة, وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه, وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به. وقال الحاكم : روى عن أنس أحاديث موضوعة.
(حديث آخر) قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن الصباح , أنبأنا عبد العزيز بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة , عن عمر بن عبد العزيز , عن عقبة بن عامر الجهني , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله حارس الحرس" فيه انقطاع بين عمر بن عبد العزيز وعقبة بن عامر , فإنه لم يدركه والله أعلم.
(حديث آخر) قال أبو داود : حدثنا أبو توبة , حدثنا معاوية يعني ابن سلام عن زيد ـ يعني ابن سلام ـ أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية, فحضرت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله, إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا, فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين, فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال "تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله ثم قال من يحرسنا الليلة ؟ قال أنس بن أبي مرثد : أنا يا رسول الله, فقال فاركب فركب فرساً له, فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغز من قبلك الليلة فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه, فركع ركعتين ثم قال هل أحسستم فارسكم ؟ فقال رجل: يا رسول الله ما أحسسناه فثوب بالصلاة, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته قال أبشروا فقد جاءكم فارسكم" فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب, فإذا هو قد جاء حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرتني, فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما, فنظرت فلم أر أحداً, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل نزلت الليلة ؟ قال: لا إلا مصلياً أو قاضي حاجة, فقال له أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها". ورواه النسائي عن محمد بن يحيى بن محمد بن كثير الحراني عن أبي توبة وهو الربيع بن نافع به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب , حدثنا عبد الرحمن بن شريح , سمعت محمد بن شمير الرعيني يقول: سمعت أبا عامر التجيبي , قال الإمام أحمد : وقال غير زيد أبا علي الجنبي يقول: سمعت أبا ريحانة يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة, فأتينا ذات ليلة إلى شرف, فبتنا عليه, فأصابنا برد شديد حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها ويلقي عليه الجحفة يعني الترس, فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس نادى "من يحرسنا في هذه الليلة فأدعو له بدعاء يكون له فيه فضل ؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله فقال ادن فدنا, فقال من أنت ؟ فتسمى له الأنصاري, ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء فأكثر منه. فقال أبو ريحانة : فلما سمعت ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أنا رجل آخر, فقال ادن, فدنوت فقال من أنت ؟ قال: فقلت: أنا أبو ريحانة , فدعا بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري, ثم قال حرمت النار على عين دمعت ـ أو بكت ـ من خشية الله, وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله" وروى النسائي منه "حرمت النار" إلى آخره عن عصمة بن الفضل عن زيد بن الحباب به, وعن الحارث بن مسكين عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح به, وأتم وقال في الروايتين عن أبي علي الجنبي .
(حديث آخر) قال الترمذي : حدثنا نصر بن علي الجهضمي , حدثنا بشر بن عمر , حدثنا شعيب بن رزيق أبو شيبة عن عطاء الخراساني , عن عطاء بن أبي رباح , عن ابن عباس , قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله, وعين باتت تحرس في سبيل الله" ثم قال: حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رزيق , قال وفي الباب عن عثمان وأبي ريحانة . (قلت) وقد تقدما, ولله الحمد والمنة.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا يحي بن غيلان , حدثنا رشدين عن زبان , عن سهل بن معاذ , عن أبيه معاذ بن رضي الله عنه أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من حرس من وراء المسلمين متطوعاً لا بأجرة سلطان, لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم, فإن الله يقول "وإن منكم إلا واردها"" تفرد به أحمد رحمه الله.
(حديث آخر) ـ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة, إن أعطي رضي, وإن لم يعط سخط, تعس وانتكس, وإذا شيك فلا انتقش, طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه, مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في الساقة كان في الساقة, إن استأذن لم يؤذن له, وإن شفع لم يشفع". فهذا آخر ما تيسر إيراده من الأحاديث المتعلقة بهذا المقام, ولله الحمد على جزيل الإنعام, على تعاقب الأعوام والأيام. وقال ابن جرير : حدثني المثنى , حدثنا مطرف بن عبد الله المدني , حدثنا مالك عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم, فكتب إليه عمر : أما بعد, فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة يجعل الله بعدها فرجاً, وإنه لن يغلب عسر يسرين, وإن الله تعالى يقول في كتابه: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" وهكذا روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن المبارك من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة , قال: أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس, وودعته للخروج, وأنشدها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة, وفي رواية سنة سبع وسبعين ومائة.
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امريء ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب
قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام, فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني, ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث ؟ قال: قلت: نعم, قال فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى علي الفضيل بن عياض : حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله, علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله, فقال "هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر, وتصوم فلا تفطر ؟ فقال: يا رسول الله, أنا أضعف من أن أستطيع ذلك, ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله, أو ما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله, فيكتب له بذلك الحسنات" وقوله تعالى: "واتقوا الله" أي في جميع أموركم وأحوالكم, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن "اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن" "لعلكم تفلحون" أي في الدنيا والاخرة ـ وقال ابن جرير : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أنبأنا أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في قول الله عز وجل "واتقوا الله لعلكم تفلحون" واتقوا الله فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون غداً إذا لقيتموني.
قوله 199- "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" هذه الجملة سيقت لبيان أن بعض أهل الكتاب لهم حظ من الدين، وليسوا كسائرهم في فضائحم التي حكاها الله عنهم فيما سبق وفيما سيأتي، فإن هذا البعض يجمعون بين الإيمان بالله وبما أنزل الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزله على أنبيائهم حال كونهم "خاشعين لله لا يشترون" أي: يستبدون "بآيات الله ثمناً قليلاً" بالتحريف والتبديل كما يفعله سائرهم بل يحكون كتب الله سبحانه كما هي، والإشارة بقوله "أولئك" إلى هذه الطائفة الصالحة من أهل الكتاب من حيث اتصافهم بهذه الصفات الحميدة "لهم أجرهم" الذي وعد الله سبحانه به بقوله "أولئك يؤتون أجرهم مرتين" وتقديم الخبر يفيد اختصاص ذلك الأجر بهم. وقوله "عند ربهم" في محل نصب على الحال.
199-قوله عز وجل:" وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله " الآية، قال ابن عباس وجابر وأنس وقتادة : نزلت في النجاشي ملك الحبشة ، واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية ، وذلك أنه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ، النجاشي ، فخرج الى البقيع وكشف له إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط، وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عطاء: نزلت في أهل نجران أربعين رجلاً [من بني حارث بن كعب] ، إثنين وثلاثين من أرض الحبشة وثمانية من الروم ، كانوا على دين عيسى عليه السلام ، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن جريج : نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه .
وقال مجاهد: نزلت في مؤمني اهل الكتاب كلهم ،" وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله "، "وما أنزل إليكم"، يعني: القرآن، "وما أنزل إليهم"، يعني: التوراة والإنجيل،" خاشعين لله" خاضعين متواضعين لله،" لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً"، يعني: لا يحرفون كتبهم ولا يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم لأجل الرياسة والمأكلة ، كفعل غيرهم من رؤساء اليهود ،"أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب".
199" وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله " نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه. وقيل في أربعين من نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا نصارى فأسلموا. وقيل في أصحمة النجاشي لما نعاه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى عليه فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط. وإنما دخلت اللام على الاسم للفصل بينه وبين إن بالظرف. "وما أنزل إليكم" من القرآن، "وما أنزل إليهم" من الكتابيين. " خاشعين لله " حال من فاعل يؤمن وجمعه باعتبار المعنى "لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً" كما يفعله المحرفون من أحبارهم." أولئك لهم أجرهم عند ربهم" ما خص بهم من الأجر ووعده في قوله تعالى: "أولئك يؤتون أجرهم مرتين" " إن الله سريع الحساب " لعمله بالأعمال وما يستوجبه من الجزاء واستغنائه عن التأمل والاحتياط، والمراد أن الأجر الموعود سريع الوصول فإن سرعة الحساب تستدعي سرعة الجزاء.
199. And Lo! of the People of the Scripture there are some who believe in Allah and that which is revealed unto you and that which was revealed unto them, humbling themselves before Allah. They purchase not a trifling gain at the price of the revelations of Allah. Verily their reward is with their Lord, and Lo! Allah is swift to take account.
199 - And there are, certainly, among the people of the book, those who believe in God, in the revelation to you, and in the revelation to them, bowing in humility to God: they will not sell the signs of God for a miserable gain for them is a reward with their lord, and God is swift in account.