2 - (فإذا بلغن أجلهن) قاربن انقضاء عدتهن (فأمسكوهن) بأن تراجعوهن (بمعروف) من غير ضرار (أو فارقوهن بمعروف) اتركوهن حتى تنقضي عدتهن ولا تضاروهن بالمراجعة (وأشهدوا ذوي عدل منكم) على المراجعة أو الفراق (وأقيموا الشهادة لله) لا للمشهود عليه أو له (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا) من كرب الدنيا والآخرة
وأخرج الحاكم عن جابر قال نزلت هذه الآية ومن يتق الله يجعل له مخرجا في رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال اتق الله واصبر فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ابن له بغنم وكان العدو أصابوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال كلها فنزلت قال الذهبي حديث منكر له شاهد
ك وأخرج ابن جرير مثله عن سالم بن أبي الجعد ك والسدي وسمي الرجل عوفا الأشجعي ك وأخرج الحاكم أيضا من حديث ابن مسعود وسماه كذلك
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال يا رسول الله ان ابني أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني فقال آمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة نعم ما أمرك فجعلا يكثران منها فتغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية
وأخرجه الطيب في تاريخه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ك وأخرجه الثعلبي من وجه آحر ضعيف ك وابن أبي حاتم من وجه آخر مرسلا
وقوله " فإذا بلغن أجلهن " يقول تعالى ذكره : فإذا بلغ المطلقات اللواتي هن في عدة أجلهن وذلك حين قرب انقضاء عددهن " فأمسكوهن بمعروف " يقول : فأمسكوهن برجعة تراجعوهن ، إن أردتم ذلك بمعروف ، يقول : بما أمرك الله به من الإمساك وذلك بإعطائها الحقوق التي أوجبها الله عليه من النفقة والكسوة والمسكن وحسن الصحبة ، أو فارقوهن بمعروف ، أو اتركوهن حين تنقضي عددهن ، فتبين منكم بمعروف ، يعني بإيفائها ما لها من حق قبلها من الصداق والمتعة على ما أوجب عليه لها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن عبد الأعلى ، قال : ثني المحاربي عبد الرحمن بن محمد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قوله " فإذا بلغن أجلهن " يقول : إذا انقضت عدتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة ، أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض ، يقول : فراجع إن كنت تريد المراجعة قبل أن تنقضي العدة بإمساك بمعروف ، والمعروف أن تحسن صحبتها " أو تسريح بإحسان " والتسريح بإحسان : أن يدعها حتى تمضي عدتها ويعطيها مهراً إن كان لها عليه إذا طلقها ، فذلك التسريح بإحسان ، والمتعة على قدر الميسرة .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " فإذا بلغن أجلهن " قال : إذا طلقها واحدة أو ثنتين ، يشاء أن يمسكها بمعروف ، أو يسرحها بإحسان .
وقوله " وأشهدوا ذوي عدل منكم " وأشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهن ، وذلك هو الرجعة ذوي عدل منكم ، وهما اللذان يرضى دينهما وأمانتهما .
وقد بينا فيما مضى قبل العدل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وذكرنا ما قال أهل العلم فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال : إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها ، أشهد رجلين كما قال الله " وأشهدوا ذوي عدل منكم " عند الطلاق وعند المراجعة ، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين ، وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة ، وهي أملك بنفسها ، ثم تتزوج من شاءت ، هو أو غيره .
حدثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط في قوله " وأشهدوا ذوي عدل منكم " قال : على الطلاق والرجعة .
وقوله " وأقيموا الشهادة لله " يقول : وأشهدوا على الحق إذا استشهدتم ، وأدوها على صحة إذا أنتم دعيتم إلى أدائها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " وأقيموا الشهادة لله " قال : أشهدوا على الحق .
وقوله " ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " يقول تعالى ذكره : هذا الذي أمرتكم به ، وعرفتكم من أمر الطلاق ، والواجب لبعضكم على بعض عند الفراق والإمساك عظة منا لكم ، نعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فيصدق به .
وعني بقول " من كان يؤمن بالله " من كانت صفته الإيمان بالله .
كالذي حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " قال : يؤمن به .
وقوله : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " يقول تعالى ذكره : من يخف الله فيعمل بما أمره به ، ويجتنب ما نهاه عنه ، يجعل له من أمره مخرجاً ، بأن يعرفه بأن ما قضى فلا بد من أن يكون ، وذلك أن المطلق إذا طلق ، كما ندبه الله إليه للعدة ، ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه ، جعل الله له مخرجاً فيما تتبعها نفسه ، بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها ، ولو طلقها ثلاثاً لم يكن له إلى ذلك السبيل .
قوله تعالى: " فإذا بلغن أجلهن " أي قاربن انقضاء العدة، كقوله تعالى: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن " البقرة:231 أي قربن من انقضاء الأجل. " فأمسكوهن بمعروف " يعني المراجعة بالمعروف، أي بالرغبة من غير قصد المضارة في الرجعة تطويلاً لعدتها. كما تقدم في البقرة. " أو فارقوهن بمعروف " أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن. وفي قوله تعالى: " فإذا بلغن أجلهن " ما يوجب أن يكون القول قول المرأة في انقضاء العدة إذا ادعت ذلك، على ما بيناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " البقرة:228 الآية.
قوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم " فيه ست مسائل: الأولى-: قوله تعالى: " وأشهدوا " أمر بالإشهاد على الطلاق. وقيل: على الرجعة. والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. فإن راجع من غير إشهاد ففي صحة الرجعة قولان للفقهاء. وقيل: المعنى وأشهدوا عند الرجعة والفرقة جميعاً. وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة، كقوله تعالى: " وأشهدوا إذا تبايعتم " البقرة:282. وعند الشافعي واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة.وفائدة الإشهاد ألا يقع بينهما التجاحد، وألا يتهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث.
الثانية-: الإشهاد عند أكثر العلماء على الرجعة ندب. وإذا جامع أو قبل أو باشر يريد بذلك الرجعة، وتكلم بالرجعة يريد به الرجعة فهو مراجع عند مالك، وإن لم يرد بذلك فليس بمراجع. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذ قبل أو باشر أو لامس بشهوة فهو رجعة. وقالوا: والنظر إلى الفرج رجعة. وقال الشافعي وأبو ثور: إذا تكلم بالرجعة فهو رجعة. وقد قيل: وطؤه مراجعة على كل حال، نواها أو لم ينوها. وروي ذلك عن طائفة من أصحاب مالك. وإليه ذهب الليث. وكان مالك يقول: إذا وطئ ولم ينو الرجعة فهو وطء فاسد، ولا يعود لوطئها حتى يستبرئها من مائه الفاسد، وله الرجعة في بقية العدة الأولى، وليس له رجعة في هذا الاستبراء.
الثالثة-: أوجب الإشهاد في الرجعة أحمد بن حنبل في أحد قوليه، والشافعي كذلك لظاهر الأمر. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في القول الآخر: إن الرجعة لا تفتقر إلى القبول، فلم تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق، وخصوصاً حل الظهار بالكفارة. قال ابن العربي: وركب أصحاب الشافعي على وجوب الإشهاد في الرجعة أنه لا يصح أن يقول: كنت راجعت أمس وأنا أشهد اليوم على الإقرار بالرجعة، ومن شرط الرجعة الإشهاد فلا تصح دونه. وهذا فاسد مبني على أن الإشهاد في الرجعة تعبد. ونحن لا نسلم فيها ولا في النكاح بأن نقول: إنه موضع للتوثق، وذلك موجود في الإقرار كما هو موجود في الإنشاء.
الرابعة-: من ادعى بعد انقضاء العدة أنه راجع امرأته في العدة، فإن صدقته جاز وإن أنكرت حلفت، فإن أقام بينة أنه ارتجعها في العدة ولم تعلم بذلك لم يضره جهلها بذلك، وكانت زوجته، وإن كانت قد تزوجت ولم يدخل بها ثم أقام الأول البينة على رجعتها فعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما - أن الأول أحق بها. والأخرى - أن الثاني أحق بها. فإن كان الثاني قد دخل بها فلا سبيل للأول إليها.
الخامسة-: قوله تعالى: " ذوي عدل منكم " قال الحسن: من المسلمين. وعن قتادة: من أحراركم. وذلك يوجب اختصاص الشهادة على الرجعة بالذكور دون الإناث، لأن ذوي مذكر. ولذلك قال علماؤنا: لا مدخل للنساء فيما عدا الأموال. وقد مضى ذلك في سورة البقرة.
السادسة-: قوله تعالى: " وأقيموا الشهادة لله " أي تقرباً إلى الله في إقامة الشهادة على وجهها، إذا مست الحجة إليها من غير تبديل ولا تغير. وقد مضى في سورة البقرة معناه عند قوله تعالى: " وأقوم للشهادة " البقرة: 282.
قوله تعالى: " ذلكم يوعظ به " أي يرضى به. " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " فأما غير المؤمن فلا ينتفع بهذه المواعظ.
قوله تعالى:" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ".
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عمن طلق ثلاثاً أو ألفاً هل له من مخرج ؟ فتلاها. وقال ابن عباس والشعبي والضحاك: هذا في الطلاق خاصة، أي من طلق كما أمره الله يكن له مخرج في الرجعة في العدة، وان يكون كأحد الخطاب بعد العدة. وعن ابن عباس أيضاً " يجعل له مخرجا " ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة. وقيل: المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه، قاله علي بن صالح. وقال الكلبي: " ومن يتق الله " بالصبر عند المصيبة. " يجعل له مخرجا " من النار إلى الجنة وقال الحسن: مخرجا مما نهى الله عنه. وقال أبو ا
لعالية: مخرجاً من كل شدة. الربيع بن خيثم : " يجعل له مخرجا " من كل شئ ضاق على الناس. الحسين بن الفضل: " ومن يتق الله " في أداء الفرائض، " يجعل له مخرجا " من العقوبة.
يقول تعالى: فإذا بلغت المعتدات أجلهن أي شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك, ولكن لم تفرغ العدة بالكلية, فحينئذ إما أن يعزم الزوج على إمساكها وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده "بمعروف" أي محسناً إليها في صحبتها, وإما أن يعزم على مفارقتها بمعروف أي من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن.
وقوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" أي على الرجعة إذا عزمتم عليها, كما رواه أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها, فقال: طلقت لغير سنة ورجعت لغير سنة وأشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد, وقال ابن جريج كان عطاء يقول: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" قال لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل, كما قال الله عز وجل إلا أن يكون من عذر. وقوله تعالى: " ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " أي هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الاخر, وأنه شرع هذا ومن يخاف عقاب الله في الدار الاخرة, ومن ههنا ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى وجوب الإشهاد في الرجعة كما يجب عنده في ابتداء النكاح, وقد قال بهذا طائفة من العلماء ومن قال بهذا يقول: إن الرجعة لا تصح إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها.
وقوله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من جهة لا تخطر بباله. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أنبأنا كهمس بن الحسن, حدثنا أبو السليل عن أبي ذر قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو علي هذه الاية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " حتى فرغ من الاية ثم قال: "يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم" وقال فجعل يتلوها ويرددها علي حتى نعست, ثم قال: "يا أبا ذر كيف تصنع إذا خرجت من المدينة ؟" قلت إلى السعة والدعة أنطلق فأكون حمامة من حمام مكة قال: "كيف تصنع إذا أخرجت من مكة ؟" قلت إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة, قال "وكيف تصنع إذا أخرجت من الشام ؟" قلت: إذاً والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي, قال: "أو خير من ذلك" قلت: أو خير من ذلك ؟ قال: "تسمع وتطيع وإن كان عبداً حبشياً".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا زكريا عن عامر عن شتير بن شكل قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن أجمع آية في القرآن "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" وإن أكبر آية في القرآن فرجاً: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" وفي المسند. حدثني مهدي بن جعفر, حدثنا الوليد بن مسلم عن الحكم بن مصعب عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس, عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب". وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" يقول: ينجيه من كل كرب في الدنيا والاخرة "ويرزقه من حيث لا يحتسب" وقال الربيع بن خيثم "يجعل له مخرجاً" أي من كل شيء ضاق على الناس, وقال عكرمة من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجاً, وكذا روي عن ابن عباس والضحاك, وقال ابن مسعود ومسروق "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" يعلم أن الله إن شاء أعطى وإن شاء منع "من حيث لا يحتسب" أي من حيث لا يدري. وقال قتادة: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" أي من شبهات الأمور والكرب عند الموت "ويرزقه من حيث لا يحتسب" من حيث يرجو ولا يأمل.
وقال السدي: "ومن يتق الله" يطلق للسنة, ويراجع للسنة, وزعم أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عوف بن مالك الأشجعي كان له ابن, وأن المشركين أسروه فكان فيهم, وكان أبوه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ويقول له: "إن الله سيجعل لك فرجاً" فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً أن انفلت ابنه من أيدي العدو, فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها فجاء بها إلى أبيه وجاء معه بغنى قد أصابه من المغنم, فنزلت فيه هذه الاية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " رواه ابن جرير: وروي أيضاً من طريق سالم بن أبي الجعد مرسلاً نحوه. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان, عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سفيان وهو الثوري به.
وقال محمد بن إسحاق: جاء مالك الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أسر ابني عوف فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله" وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه, فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها وأقبل, فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم, فاتبع أولها آخرها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فقال أبوه: عوف ورب الكعبة, فقالت: أمه: واسوأتاه! وعوف كيف يقدم لما هو فيه من القد, فاستبقا الباب والخادم فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلاً, فقص على أبيه أمره وأمر الإبل فقال أبوه: قفا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنع بها ما أحببت وما كنت صانعاً بمالك" ونزل: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق, حدثنا إبراهيم بن الأشعث, حدثنا الفضيل بن عياض عن هشام بن الحسن عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها". وقوله تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" قال الإمام أحمد: حدثنا يونس, حدثنا ليث, حدثنا قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني, عن عبد الله بن عباس أنه حدثه أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, وإذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" وقد رواه الترمذي من حديث الليث بن سعد وابن لهيعة به وقال: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نزل به حاجة فأنزلها بالناس كان قمناً ألا تسهل حاجته, ومن أنزلها بالله تعالى أتاه الله برزق عاجل أو بموت آجل" ثم رواه عن عبد الرزاق عن سفيان عن بشير عن سيار أبي حمزة ثم قال وهو الصواب, وسيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق وقوله تعالى: "إن الله بالغ أمره" أي منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه "قد جعل الله لكل شيء قدراً" كقوله تعالى: "وكل شيء عنده بمقدار".
2- "فإذا بلغن أجلهن" أي قاربن انقضاء أجل العدة وشارفن آخرها "فأمسكوهن بمعروف" أي راجعوهن بحسن معاشرة ورغبة فيهن من غير قصد إلى مضارة لهن "أو فارقوهن بمعروف" أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيلمكن نفوسهن مع إيفائهن بما هو لهن عليكم من الحقوق وترك المضارة لهن "وأشهدوا ذوي عدل منكم" على الرجعة، وقيل على الطلاق، وقيل عليها قطعاً للتنازع وحسماً لمادة الخصومة، والأمر للندب كما في قوله: "وأشهدوا إذا تبايعتم" وقيل إنه للوجوب، وإليه ذهب الشافعي قال: الإشهاد واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل. وفي قول للشافعي: إن الرجعة لا تفتقلا إلى الإشهاد كسائر الحقوق، وروي نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد "وأقيموا الشهادة لله" هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شاهدوا به تقرباً إلى االه، وقد نقدم تفسير هذا في سورة البقرة، وقيل الأمر للأزواج بأن يقيموا الشهادة: أي اشهود عند الرجعة فيكون قوله: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" أمراً بنفس الإشهاد، ويكون قوله: "وأقيموا الشهادة" أمراً بأن تكون خالصة لله، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى ما تقدم من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة لله، وهو مبتدأو خبره "يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" وخص المؤمن بالله واليوم الآخر لأنه المنتفع بذلك دون غيره "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" أي من يتق عذاب الله بامتثال أوامر واجتناب نواهيه والوقوف على حدوده التي حدها لعباده وعدم مجاوزتها يجعل له مخرجاً مما وقع فيه من الشدائد والمحن.
2- "فإذا بلغن أجلهن"، أي قربن من انقضاء عدتهن، "فأمسكوهن"، أي راجعوهن، "بمعروف أو فارقوهن بمعروف"، أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فتبين منكم، "وأشهدوا ذوي عدل منكم"، على الرجعة والفراق. أمر بالإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق. "وأقيموا الشهادة"، أيها الشهود "لله".
"ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً"، قال عكرمة والشعبي والضحاك: ومن يتق الله فيطلق للسنة يجعل له مخرجاً إلى الرجعة.
وأكثر المفسرين قالوا: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، أسر المشركون ابناً له يسمى مالكاً فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أسر العدو ابني، وشكا أيضاً إليه الفاقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله واصبر وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو، فأصاب إبلاً وجاء بها إلى أبيه.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: فتغفل عنه العدو، فاستاق غنمهم، فجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة. فنزلت: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" في ابنه.
2-" فإذا بلغن أجلهن " شارفن آخر عدتهن " فأمسكوهن " فراجعوهن . " بمعروف " بحسن عشرة وإنفاق مناسب . " أو فارقوهن بمعروف " بإيفاء الحق واتقاء الضرار مثل أن يراجعها ثم يطلقها تطويلاً لعدتها . " وأشهدوا ذوي عدل منكم " على الرجعة أو الفرقه تبرياً عن الريبة وقطعاً للتنازع ،وهو ندب كقوله تعالى :" وأشهدوا إذا تبايعتم " وعن الشافعي وجوبه في الرجعة . " وأقيموا الشهادة " أيها الشهود عند الحاجة . " لله " خالصاً لوجهه . " ذلكم يوعظ به " يريد الحث على الإشهاد والإقامة ، أو على جميع ما في الآية . " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " فإنه المنتفع به والمقصود بذكره . " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً " .
2. Then, when they have reached their term, take them back in kindness or part from them in kindness, and call to witness two just men among you, and keep your testimony upright for Allah. Whoso believeth in Allah and the Last Day is exhorted to act thus. And whosoever keepeth his duty to Allah, Allah will appoint a way out for him,
2 - Thus when they fulfil their term appointed, either take them back on equitable terms or part with them on equitable terms; and take for witness two persons from among you, endued with justice, and establish the evidence (as) before God. Such is the admonition given to him who believes in God and the Last Day. And for those who fear God, He (ever) prepares a way out,