20 - (وجعلنا لكم فيها معايش) بالياء من الثمار والحبوب وجعلنا لكم (ومن لستم له برازقين) من العبيد والدواب والأنعام فإنما يرزقهم الله
يقول تعالى ذكره : "وجعلنا لكم" أيها الناس في الأرض "معايش" ، وهي جمع معيشة "ومن لستم له برازقين" .
اختلف أهل التأويل في المعنى في قوله "ومن لستم له برازقين" فقال بعضهم : عني به الدواب والأنعام .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال :حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا ورقاء ، وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله جميعاً ، عن ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد "ومن لستم له برازقين" الدواب والأنعام .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : عني بذلك : الوحش خاصة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور في هذه الآية ، "ومن لستم له برازقين" قال : الوحش . فتأويل من في : "ومن لستم له برازقين" على هذا التأويل بمعنى ما ، وذلك قليل في كلام العرب .
وأولى ذلك بالصواب ، وأحسن أن يقال : عني بقوله "ومن لستم له برازقين" من العبيد والإماء والدواب والأنعام . فمعنى ذلك : وجعلنا فيها معايش ، والعبيد والإماء والدواب والأنعام ، وإذا كان ذلك كذلك ، حسن أن توضع حينئذ مكان العبدي والإماء والدواب من ، وذلك أن العرب تفعل ذلك إذا أرادت الخبر عن البهائم معها بنو آدم . وهذا التأويل على ما قلناه وصرفنا إليه معنى الكلام إذا كانت من في موضع نصب عطفاً به على معايش بمعنى : جعلنا لكم فيها معايش ، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين . وقيل : إن من في موضع خفض عطفاً به على الكاف والميم ، في قوله "وجعلنا لكم" بمعنى : وجعلنا لكم فيها معايش "ومن لستم له برازقين" وأحسب أن منصوراً في قوله هو الوحش قصد هذا المعنى وإياه أراد ، وذلك وإن كان له وجه في كلام العرب ، فبعيد قليل ، لأنها لا تكاد تظاهر على معنى في حال الخفض ، وربما جاء في شعر بعضهم في حال الضرورة ، كما قال بعضهم :
لا سألت بذي الجماجم عنهم وأبي نعيم ذي اللواء المخرق
فرد أبا نعيم على الهاء والميم في عنهم . وقد بينت قبح ذلك في كلامهم .
" وجعلنا لكم فيها معايش " يعني المطاعم والمشارب التي يعيشون بها، واحدها معيشة ( بسكون الياء). ومنه قول جرير:
تكلفني معيشة آل زيد ومن لي بالمرقق والصناب
والأصل معيشة على مفعلة ( بتحريك الياء). وقد تقدم في الأعراف. وقيل: إنها الملابس، قاله الحسن. وقيل: إنها التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة. قال الماوردي : وهو الظاهر. " ومن لستم له برازقين " يريد الدواب والأنعام، قاله مجاهد. وعنده أيضاً هم العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم: " نحن نرزقهم وإياكم " ( الإسراء: 31) ولفظ ( من) يجوز أن يتناول العبيد والدواب إذا اجتمعوا، لأنه إذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل، غلب من يعقل. أي جعلنا لكم فيها معايش وعبيداً وإماء ودواب وأولاداً نرزقهم ولا ترزقونهم. فـ ( ـمن) على هذا التأويل في موضع نصب، قال معناه مجاهد وغيره. وقيل: أراد به الوحش. قال سعيد: قرأ علينا منصور ( ومن لستم له برازقين) قال: الوحش. فـ ( ـمن) على هذا تكون لما لا يعقل، مثل " فمنهم من يمشي على بطنه " ( النور: 45) الآية. وهي في محل خفض عطفاً على الكاف والميم في قوله: ( لكم). وفيه قبح عند البصرييين، فإنه لا يجوز عندهم عطف الظاهر على المضمر إلا بإعادة حرف الجر، مثل مررت به وبزيد. ولا يجوز مررت به وزيد إلا في الشعر. كما قال:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقد مضى هذا المعنى في ( البقرة) وسورة ( النساء).
يذكر تعالى خلقه السماء في ارتفاعها وما زينها به من الكواكب الثوابت والسيارات, لمن تأمل وكرر النظر فيما يرى من العجائب والايات الباهرات, ما يحار نظره فيه, وبهذا قال مجاهد وقتادة: البروج ههنا هي الكواكب. (قلت): وهذا كقوله تبارك وتعالى "تبارك الذي جعل في السماء بروجاً" الاية. ومنهم من قال: البروج هي منازل الشمس والقمر. وقال عطية العوفي: البروج ههنا هي قصور الحرس. وجعل الشهب حرساً لها من مردة الشياطين لئلا يسمعوا إلى الملأ الأعلى, فمن تمرد وتقدم منهم لاستراق السمع جاءه شهاب مبين فأتلفه, فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه فيأخذها الاخر ويأتي بها إلى وليه, كما جاء مصرحاً به في الصحيح.
كما قال البخاري في تفسير هذه الاية: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة, عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان" قال علي وقال غيره صفوان ينفذهم ذلك, فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم ؟ قالوا: للذي قال الحق وهو العلي الكبير, فيسمعها مسترقو السمع, ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر, ووصف سفيان بيده, وفرج بين أصابع يده اليمنى, نصبها بعضها فوق بعض, فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه, وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض, وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى على فم الساحر أو الكاهن فيكذب معها مائة كذبة فيصدق, فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا, فوجدناه حقاً للكلمة التي سمعت من السماء, ثم ذكر تعالى خلقه الأرض ومده إياها وتوسيعها وبسطها, وما جعل فيها من الجبال الرواسي, والأودية والأراضي والرمال, وما أنبت فيها من الزروع والثمار المتناسبة.
وقال ابن عباس "من كل شيء موزون" أي معلوم, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وأبو مالك ومجاهد والحكم بن عتيبة والحسن بن محمد وأبو صالح وقتادة, ومنهم من يقول: مقدر بقدر. وقال ابن زيد: من كل شيء يوزن ويقدر بقدر, وقال ابن زيد: ما يزنه أهل الأسواق. وقوله: "وجعلنا لكم فيها معايش" يذكر تعالى أنه صرفهم في الأرض في صنوف الأسباب والمعايش وهي جمع معيشة. وقوله: "ومن لستم له برازقين" قال مجاهد: هي الدواب والأنعام. وقال ابن جرير: هم العبيد والإماء والدواب والأنعام, والقصد أنه تعالى يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب وصنوف المعايش, وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها, والأنعام التي يأكلونها, والعبيد والإماء التي يستخدمونها, ورزقهم على خالقهم لا عليهم, فلهم هم المنفعة, والرزق على الله تعالى.
20- "وجعلنا لكم فيها معايش" تعيشون بها من المطاعم والمشارب جمع معيشة، وقيل هي الملابس، وقيل هي التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة. قال الماوردي: وهو الظاهر. قلت: بل القول الأول أظهر، ومنه قول جرير:
تكلفني معيشة آل زيد ومن لي بالمرقق والضباب
"ومن لستم له برازقين" معطوف على معايش: أي وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين: وهم المماليك والخدم والأولاد الذين رازقهم في الحقيقة هو الله، وإن ظن بعض العباد أنه الرازق لهم باعتبار استقلاله بالكسب، ويجوز أن يكون معطوفاً على محل لكم: أي جعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لمن لستم له برازقين فيها معايش، وهم من تقدم ذكره، ويدخل في ذلك الدواب على اختلاف أجناسها، ولا يجوز العطف على الضمير المجرور في لكم لأنه لا يجوز عند الأكثر إلا بإعادة الجار، وقيل أراد الوحش.
20-"وجعلنا لكم فيها معايش"، جمع معيشة، قيل: أراد بها المطاعم والمشارب والملابس وهي ما يعيش به الآدمي في الدنيا، "ومن لستم له برازقين"، أي: جعلنا فيها من لستم له برازقين من الدواب والأنعام، أي: جعلناها لكم وكفيناكم رزقها و"من" في الآية بمعنى ما كقوله تعالى: "فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين" (النور-45).
وقيل: "من" في موضعها، لأنه أراد المماليك مع الدواب.
وقيل: "من" في محل الخفض عطفا على الكاف والميم في "لكم".
20."وجعلنا لكم فيها معايش"تعيشون بها من المطاعم والملابس .وقرئ معائش بالهمزة على التشبيه بشمائل : "ومن لستم له برازقين "عطف على"معايش"أو على محل "لكم "ويريد به العيال والخدم والمماليك وسائر ما يظنون أنهم يرزقونهم ظناً كاذباً ، فإن الله يرزقهم وإياهم .وفذلكة الآية الاستدلال يجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين مختلفة الأجزاء في الوضع محدثو فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة ، مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته، والتفرد في الألوهية والامتنان على العباد بما أنعم عليهم في ذلك ليوحدوه ويعبدوه ، ثم بالغ في ذلك وقال:
20. And We have given unto you livelihoods therein, and unto those for whom ye provide not.
20 - And we have provided therein means of subsistence, for you and for those for whose sustenance ye are not responsible.