21 - (أولئك الذين خسروا أنفسهم) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم (وضلَّ) غاب (عنهم ما كانوا يفترون) على الله من دعوى الشريك
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم ، هم الذي غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله ، "وضل عنهم ما كانوا يفترون" ، وبطل كذبهم وإفكهم وفريتهم على الله ، بادعائهم له شركاء ، فسلك ما كانوا إلهاً من دون الله غير مسلكهم ، وأخذ طريقاً غير طريقهم ، فضل عنهم ، لأنه سلك بهم إلى جهنم ، وصارت آلهتهم عدماً لا شيء ، لأنها كانت في الدنيا حجارة أو خشباً أو نحاساً ، أو كان لله ولياً فسلك به إلى الجنة . وذلك أيضاً غير مسلكهم ، وذلك أيضاً ضلال عنهم .
قوله تعالى: " أولئك الذين خسروا أنفسهم " ابتداء وخبر. " وضل عنهم ما كانوا يفترون " أي ضاع عنهم افتراؤهم وتلف.
يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الاخرة على رؤوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان كما قال الإمام أحمد حدثنا بهز وعفان أخبرنا همام حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر إذ عرض له رجل قال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال: سمعته يقول: "إن الله عز وجل يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم" ثم يعطى كتاب حسناته, وأما الكفار والمنافقون فيقول: "الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" الاية أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قتادة به وقوله: "الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً" أي يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ويجنبونهم الجنة "ويبغونها عوجاً" أي ويريدون أن يكون طريقهم عوجاً غير معتدلة " وهم بالآخرة هم كافرون " أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها "أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء" أي بل كانوا تحت قهره وغلبته وفي قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الاخرة "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار".
وفي الصحيحين "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ولهذا قال تعالى: "يضاعف لهم العذاب" الاية أي يضاعف عليهم العذاب, وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم بل كانوا صماً عن سماع الحق عمياً عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" وقال تعالى: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب" الاية, ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه وعلى كل نهي ارتكبوه ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الاخرة وقوله: "أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا ناراً حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى: "كلما خبت زدناهم سعيراً" " وضل عنهم " أي ذهب عنهم "ما كانوا يفترون" من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئاً بل ضرتهم كل الضرر كما قال تعالى: "وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين".
وقال تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " وقال الخليل لقومه "إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين" وقوله: "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب" إلى غير ذلك من الايات الدالة على خسرهم ودمارهم ولهذا قال: " لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون " يخبر تعالى عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الاخرة لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات, واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم وعن الحور العين بطعام من غسلين وعن القصور العالية بالهاوية, وعن قرب الرحمن, ورؤيته بغضب الديان وعقوبته, فلا جرم أنهم في الاخرة هم الأخسرون.
21- "أولئك" المتصفون بتلك الصفات "الذين خسروا أنفسهم" بعبادة غير الله. والمعنى: اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله فكان خسرانهم في تجارتهم أعظم خسران "وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي ذهب وضاع ما كانوا يفترون من الآلهة التي يدعون أنها تشفع لهم ولم يبق بأيديهم إلا الخسران.
21-"أولئك الذين خسروا أنفسهم"، غبنوا أنفسهم، "وضل عنهم ما كانوا يفترون"، يزعمون من شفاعة الملائكة والأصنام.
21."أولئك الذين خسروا أنفسهم"باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى ."وضل عنهم ما كانوا يفترون"من الآلهة وشفاعتها، أو خسروا بما بدلوا وضاع عنهم ما حصلوا فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة .
21. Such are they who have lost their souls, and that which they used to invent hath failed them.
21 - They are the ones who have lost their own souls: and the (fancies) they invented have left them in the lurch