21 - (قال خذها ولا تخف) منها (سنعيدها سيرتها) منصوب بنزع الخافض أي إلى حالتها (الأولى) فأدخل يده في فمها فعادت عصا فتبين أن موضع الإدخال موضع مسكها بين شعبتيها وأري ذلك السيد موسى لئلا يجزع إذا انقلبت حية لدى فرعون
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عنابن إسحاق ، عن وهب بن منبه "قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى" تهتز، لها أنياب وهيئة كما شاء الله أن تكون ، فرأى أمراً فظيعاً، فولى مدبراً، ولم يعقب فناداه ربه : يا موسى أقبل ولا تخف "سنعيدها سيرتها الأولى".
وقوله "قال خذها ولا تخف" يقول تعالى ذكره قال الله لموسى : خذ الحية والهاء والألف من ذكر الحية "ولا تخف" يقول : ولا تخف من هذه الحية "سنعيدها سيرتها الأولى" يقول : فإنا سنعيدها لهيئتها الأولى التي كانت عليها قبل أن نصيرها حية، ونردها عصاً كما كانت. يقال لكل من كان على أمر فتركه ، وتحول عنه ثم راجعه : عاد فلان سيرته الأولى ، وعاد لسيرته الأولى ، وعاد إلى سيرته الأولى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "سيرتها الأولى" يقول : حالتها الأول
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "سيرتها الأولى" قال : هيئتها.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه "سنعيدها سيرتها الأولى" أي سيرتها عصاً كما كانت.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "سنعيدها سيرتها الأولى"قال : إلى هيئتها الأولى.
فقال الله له: " خذها ولا تخف " وذلك أنه " أوجس في نفسه خيفة " [طه: 67] أي لحقه ما يلحق البشر. وروي أن موسى تناولها بكمي جبته فنهي عن ذلك، فأخذها بيده فصارت عصاً كما كانت أول مرة وهي سيرتها الأولى، وإنما أظهر له هذه الآية لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون. ويقال: إن العصا بعد ذلك كانت تماشيه وتحادثه ويعلق عليها أحماله، وتضيء له الشعبتان بالليل كالشمع، وإذا أراد الاستقاء انقلبت الشعبتان كالدلو، وإذا اشتهى ثمرة ركزها في الأرض فأثمرت تلك الثمرة. وقيل: إنها كانت من آس الجنة. وقيل: أتاه جبريل بها. وقيل: ملك. وقيل قال له شعيب: خذ عصا من ذلك البيت فوقعت بيده تلك العصا، وكانت عصا آدم عليه السلام هبط بها من الجنة. والله أعلم.
قوله تعالى: " فإذا هي حية تسعى " النحاس : ويجوز " حية "، يقال: خرجت فإذا زيد جالس وجالساً. والوقف " حية " بالهاء. والسعي المشي بسرعة وخفة. وعن ابن عباس: انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيء خافه ونفر منه. وعن بعضهم: إنما خاف منه لأنه عرف ما لقي آدم منها. وقيل لما قال له ربه: " لا تخف " بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها. " سنعيدها سيرتها الأولى " سمعت علي بن سليمان يقول: التقدير إلى سيرتها، مثل " واختار موسى قومه " [الأعراف: 155] قال: ويجوز أن يكون مصدراً لأن معنى سنعيدها سنسيرها.
هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام, ومعجزة عظيمة, وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل, وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل. وقوله: "وما تلك بيمينك يا موسى" قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له, وقيل: وإنما قال له ذلك على وجه التقرير, أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها, فسترى ما نصنع بها الان "وما تلك بيمينك يا موسى" استفهام تقرير " قال هي عصاي أتوكأ عليها " أي أعتمد عليها في حال المشي "وأهش بها على غنمي" أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي. قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك : الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود, فهذا الهش ولا يخبط, وكذا قال ميمون بن مهران أيضاً.
وقوله: "ولي فيها مآرب أخرى" أي مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك, وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت, فقيل: كانت تضيء له بالليل وتحرس له الغنم إذا نام, ويغرسها فتصير شجرة تظله, وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة, والظاهر أنها لم تكن كذلك, ولو كانت كذلك لما استنكر موسى عليه الصلاة والسلام صيرورتها ثعباناً فما كان يفر منها هارباً, ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية, وكذا قول بعضهم: إنها كانت لادم عليه الصلاة والسلام, وقول الاخر: إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة, وروي عن ابن عباس أنه قال: كان اسمها ما شا, والله أعلم بالصواب.
وقوله تعالى: "قال ألقها يا موسى" أي هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها "فألقاها فإذا هي حية تسعى" أي صارت في الحال حية عظيمة ثعباناً طويلاً يتحرك حركة سريعة, فإذا هي تهتز كأنها جان, وهو أسرع الحيات حركة, ولكنه صغير, فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة, "تسعى" أي تمشي وتضطرب. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن عبدة , حدثنا حفص بن جميع , حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس "فألقاها فإذا هي حية تسعى" ولم تكن قبل ذلك حية, فمرت بشجرة فأكلتها, ومرت بصخرة فابتلعتها, فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبراً, ونودي: أن يا موسى خذها فلم يأخذها, ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف, فقيل له في الثالثة: إنك من الامنين, فأخذها.
وقال وهب بن منبه في قوله: "فألقاها فإذا هي حية تسعى" قال فألقاها على وجه الأرض ثم حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون فدب يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه, يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها, ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها, عيناه توقدان ناراً, وقد عاد المحجن منها عرفاً, قيل: شعره مثل النيازك, وعاد الشعبتان منها مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف, فلما عاين ذلك موسى ولى مدبراً ولم يعقب, فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية, ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى أن ارجع حيث كنت فرجع موسى وهو شديد الخوف فقال: "خذها" بيمينك "ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى" وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان, فلما أمره بأخذها, أدلى طرف المدرعة على يده, فقال له ملك: أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً ؟ قال: لا ولكني ضعيف, ومن ضعف خلقت, فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب, ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها, وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين, ولهذا قال تعالى: "سنعيدها سيرتها الأولى" أي إلى حالها التي تعرف قبل ذلك.
فعند ذلك 21- "قال" سبحانه "خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى" قال الأخفش والزجاج: التقدير إلى سيرتها، مثل: "واختار موسى قومه" قال: ويجوز أن يكون مصدراً، لأن معنى سنعيدها سنسيرها، ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل: أي سائرة، أو بمعنى اسم المفعول: أي مسيرة. والمعنى: سنعيدها بعد أخذك لها إلى حالتها الأولى التي هي العصوبة. قيل إنه لما قيل له لا تخف بلغ من عدم الخوف إلى أن كان يدخل يده في فمها ويأخذ بلحيتها.
21. " قال خذها "، بيمينك، " ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "، هيئتها الأولى، أي: نردها عصاً كما كانت، وكان على موسى مدرعة من صوف قد خلها بعيدان، فلما قال الله تعالى: خذها، لف طرف المدرعة على يده، فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشف.
وذكر بعضهم: أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك: أرأيت لو أذن الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك. شيئاً؟ قال: لا، ولكنى ضعيف، ومن ضعف خلقت، فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت، ويده في شعبتها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ.
قال المفسرون: أراد الله عز وجل أ، يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون.
وقوله: " سيرتها الأولى " نصب بحذف ((إلى))، يريد: إلى سيرتها الأولى.
21ـ " قال خذها ولا تخف " فإنه لما رآها حية تسرع وتبتلع الحجر والشجر خاف وهرب منها . " سنعيدها سيرتها الأولى " هيئتها وحالتها المتقدمة ، وهي فعلة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وانتصابها على نزع الخافض أو على أن أعاد منقول من عاده بمعنى عاد إليه ، أو على الظرف أي سنعيدها في طريقتها أو على تقدير فعلها أي سنعيد العصا بعد ذهابها تسير سيرتها الأولى فتنتفع بها ما كنت تنتفع قبل . قيل لما قال له ربه ذلك اطمأنت نفسه حتى أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها .
21. He said: Grasp it and fear not. We shall return it to its former state.
21 - (God) said, seize it, and fear not: we shall return it at once to its former condition.