21 - (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) أي أراد نطقه (وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) قيل هو من كلام الجلود وقيل هو من كلام الله تعالى كالذي بعده وموقعه قريب مما قبله بأن القادر على إنشائكم ابتداء وإعادتكم بعد الموت أحياء قادر على إنطاق جلودكم وأعضائكم
يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء الذي يحشرون إلى النار من أعداء الله سبحانه لجلودهم إذ شهدت عليهم بما كانوا في الدنيا يعملون : لم شهدتم علينا بما كنا نعمل في الدنيا ؟ فأجابتهم جلودهم : " أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " فنطقنا . وذكر أن هذه الجوارح تشهد على أهلها عند استشهاد الله إياها عليهم إذا هم أنكروا الأفعال التي كانوا فعلوها في الدنيا بما يسخط الله ، وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
حدثنا أحمد بن حازم الغفاري ، قال : أخبرنا علي بن قادم الفزاري ، قال : أخبرنا شريك ، عن عبيد المكتب ، عن الشعبي ، عن " أنس قال ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : ألا تسألوني مم ضحكت ؟ قالوا : مم ضحكت يا رسول الله ؟ قال : عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، قال : يقول : يا رب أليس وعدتني أن لا تظلمني ؟ قال : فإن لك ذلك ، قال : فإني لا أقبل علي شاهداً إلا من نفسي ، قال : أوليس كفى بي شهيداً ، وبالملائكة الكرام الكاتبين ؟ قال فيختم على فيه ، وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، قال : فيقول لهن : بعداً لكن وسحقاً ، عنكن كنت أجادل " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن فضيل بن عمرو ، عن الشعبي ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثني عباس بن أبي طالب ، قال : ثنا يحيى بن أبي بكر ، عن شبل ، قال : سمعت أبا قزعة يحدث عمرو بن دينار ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ، وأشار بيده إلى الشأم ، قال : ها هنا إلى هنا تحشرون ركباناً ومشاة على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفدام ، توفون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وإن أول ما يعرب من أحدكم فخذه " .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال :ثنا يزيد ، قال : أخبرنا الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام ، وإن أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه " .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي أمسك بحجزكم من النار ؟ ألا إن ربي داعي وإنه سائلي هل بلغت عبادة ؟ وإني قائل رب قد بلغتهم ، فيبلغ شاهدكم غائبكم ، ثم إنكم مدعون مفدمة أفواهكم بالفدام ، ثم إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه " .
حدثني محمد بن خلف ، قال : ثنا الهيثم بن خارجة ، عن إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ،عن عقبة " سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول عظم تكلم من الإنسان يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال " .
وقوله : " وهو خلقكم أول مرة " يقول تعالى ذكره : والله خلقكم الخلق الأول ولم تكونوا شيئاً ، " وإليه ترجعون " يقول : وإليه مصيركم من بعد مماتكم .
قوله تعالى : " وقالوا " يعني الكفار " لجلودهم لم شهدتم علينا " وإنما كنا نجادل عنكم " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " لما خاطبت وخوطبت أجريت مجرى من يعقل . "وهو خلقكم أول مرة " أي ركب الحياة فيكم بعد أن كنتم نطفاً ، فمن قدر عليه قدر على أن ينطق الجلود وغيرها من الأعضاء . وقيل : ( وهو خلقكم أول مرة ) ابتداء كلام من الله . " وإليه ترجعون " وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال ( هل تديون ممن أضحك ) قلنا : الله ورسوله أهلم ، قال : من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال يقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكتابيين شهوداً قال تفيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي فتنطنق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول لعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل " وفي حديث أبي هريرة ثم قال : " الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذبلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه " خرجه أيضاً مسلم .
يقول تعالى: "ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون" أي اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النار يوزعون أي تجمع الزبانية أولهم على آخرهم كما قال تبارك وتعالى: "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" أي عطاشاً. وقوله عز وجل: " حتى إذا ما جاؤوها " أي وقفوا عليها "شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون" أي بأعمالهم مما قدموه وأخروه لا يكتم منه حرف "وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا" أي لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم فعند ذلك أجابتهم الأعضاء "قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة" أي فهو لا يخالف ولا يمانع وإليه ترجعون. قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا علي بن قادم حدثنا شريك عن عبيد المكتب عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وابتسم فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟" قالوا يا رسول الله من أي شيء ضحكت ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول أي ربي أليس وعدتني أن لا تظلمني, قال بلى فيقول فإني لا أقبل علي شاهداً إلا من نفسي فيقول الله تبارك وتعالى أوليس كفى بي شهيداً وبالملائكة الكرام الكاتبين ـ قال ـ فيردد هذا الكلام مراراً ـ قال ـ فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل, فيقول بعداً لكن وسحقاً, عنكن كنت أجادل" ثم رواه هو وابن أبي حاتم من حديث أبي عامر الأسدي عن الثوري عن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو عن الشعبي ثم قال لا نعلم رواه عن أنس رضي الله عنه غير الشعبي وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعاً عن أبي بكر بن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن الثوري به. ثم قال النسائي لا أعلم أحداً رواه عن الثوري غير الأشجعي وليس كما قال كما رأيت والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عز وجل عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا ؟ فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته قال فإذا فعل ذلك ختم على فيه, قال الأشعري رضي الله عنه: فإني لأحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى. وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير حدثنا حسن عن ابن لهيعة قال دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقول هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقول أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله تعالى وتشهد عليهم ألسنتهم ويدخلهم النار" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي يقول حدثنا علي بن زيد عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لابن الأزرق إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم ثم يؤذن لهم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم جلودهم وأبصارهم وأيديهم ويختم على أفواههم ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول: "أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون" فتقر الألسنة بعد الجحود. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا ابن المبارك حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي, عن رافع أبي الحسن قال وصف رجلاً جحد قال فيشير الله تعالى إلى لسانه فيربو في فمه حتى يملأه فلا يستطيع أن ينطق بكلمة ثم يقول لارابه كلها تكلمي واشهدي عليه فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده وفرجه ويداه ورجلاه صنعنا عملنا فعلنا. وقد تقدم أحاديث كثيرة وآثار عند قوله تعالى في سورة يس "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون" بما أغنى عن إعادته ههنا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال "ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟" فقال فتية منهم: بلى يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والاخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً ؟ قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" هذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سليم به وقوله تعالى: "وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" أي تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم ولهذا قال تعالى: " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً مما تعملون هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم "فأصبحتم من الخاسرين" أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم. قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان ـ أو ثقفي وختناه قرشيان ـ كثير شحم بطونهم, قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه, فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا, فقال الاخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه فقال الاخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله ـ قال ـ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " وهكذا رواه الترمذي عن هناد عن أبي معاوية بإسناده نحوه, وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي أيضاً من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود بنحوه, ورواه البخاري ومسلم أيضاً من حديث السفيانين كلاهما عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود رضي الله عنه به وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" قال: "إنكم تدعون يوم القيامة مفدماً على أفواهكم بالفدام فأول شيء يبين عن أحدكم فخذه وكفه" قال معمر: وتلا الحسن "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم" ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى أنا مع عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني" ثم افتر الحسن ينظر في هذا فقال: ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل, وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل ثم قال: قال الله تبارك وتعالى: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " الاية. وقال الإمام أحمد: حدثنا النضر بن إسماعيل القاص وهو أبو المغيرة حدثنا ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن فإن قوماً قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله تعالى: "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين" " .وقوله تعالى: "فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين" أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا هم في النار لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها, وإن طلبوا ان يستعتبوا ويبدوا أعذارهم فما لهم أعذار ولا تقال لهم عثرات. قال ابن جرير: ومعنى قوله تعالى: "وإن يستعتبوا" أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا فلا جواب لهم قال وهذا كقوله تعالى إخباراً عنهم: " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ".
21- "وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا" وجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها ما ذكره الرازي أن الحواس الخمس: وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس، وآلة اللمس هي الجلد، فالله سبحانه ذكر هنا ثلاثة أنواع من الحواس، وهي السمع والبصر واللمس، وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم، فالذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتي تصير جلدة الحنك مماسة لجرم الشموم، فكانا داخلين في جنس اللمس، وإذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال لأنها قد اشتملت على ثلاث حواس، فكان تأتي المعصية من جهتها أكثر وأما على قول من فسر الجلود بالفروج فوجه تخصيصها بالسؤال ظاهر، لأن ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحاً وأجلب للخزي والعقوبة، وقد قدمنا وجه إفراد السمع وجمع الأبصار "قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء" أي أنطق كل شيء مما ينطق من مخلوقاته فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح، وقيل المعنى: ما نطقنا باختيارنا، بل أنطقنا الله. والأول أولى "وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون" قيل هذا من تمام كلام الجلود، وقيل مستأنف من كلام الله، والمعنى: أن من قدر على خلقكم وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم ورجعكم إليه.
21. " وقالوا "، يعني الكفار الذين يحشرون إلى النار، " لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء "، تم الكلام هاهنا. وقال الله تعالى: " وهو خلقكم أول مرة "، وليس هذا من جواب الجلود، " وإليه ترجعون ".
21-" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا " سؤال توبيخ أو تعجب ، ولعل المراد به نفس التعجب . " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ، أو ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذي أنطق كل حي ، ولو أول الجواب النطق بدلالة الحال بقي الشيء عاماً في الموجودات الممكنة . " وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافاً .
21. And they say unto their skins: Why testify ye against us? They say: Allah hath given us speech Who giveth speech to all things, and Who created you at the first, and unto Whom ye are returned.
21 - They will say to their skins: Why bear ye witness against us? They will say: God hath given us speech, (He) Who giveth speech to everything: He created you for the first time, and unto Him were ye to return.