21 - (فهو في عيشة راضية) مرضية
يقول تعالى ذكره : فالذي وصفت أمره ، وهو الذي أوتي كتابه بيمينه ، في عيشة مرضية ، أو عيشة فيها الرضا ، فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية ، لأن ذلك مدح للعيشة ، والعرب تفعل ذلك في المدح والذم فتقول : هذا ليل نائم وسر كاتم ، وماء دافق ، فيوجهون الفعل إليه ، وهو في الأصل مفعول لما يراد من المدح أو الذم ، ومن قال ذلك لم يجز له أن يقول للضارب مضروب ، ولا للمضروب ضارب ، لأنه لا مدح فيه ولا ذم .
"فهو في عيشة راضية" أي في عيش يرضاه لا مكروه فيه أي مرضية قد رضيتها. وقال أبو عبيد والفراء: راضية أي مريضة، كقولك: ماء دافق، أي مدفوق. وقيل: ذات رضاً، أي يرضى بها صاحبها. مثل لابن وتامر، أي صاحب اللبن والتمر. وفي الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنهم يعيشون فلا يموتون أبداً وصحون فلا يمرضون أبداً وينعمون فلا يرون بؤساً أبداً ويشبون فلا يهرمون أبداً"
يخبر تعالى عن سعادة من يؤتى كتابه يوم القيامة بيمينه وفرحه بذلك, وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه " هاؤم اقرؤوا كتابيه " أي خذوا اقرءا كتابيه لأنه يعلم أن الذي فيه خير وحسنات محضة, لأنه ممن بدل الله سيئاته حسنات. قال عبد الرحمن بن زيد : معنى " هاؤم اقرؤوا كتابيه " أي هااقرءوا كتابيه وؤم زائدة كذا قال, والظاهر أنها بمعنى هاكم.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا بشر بن مطر الواسطي , حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا عاصم الأحول عن أبي عثمان قال: المؤمن يعطى كتابه بيمينه في ستر من الله فيقرأ سيئاته, فكلما قرأ سيئة تغير لونه حتى يمر بحسناته فيقرؤها فيرجع إليه لونه, ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات, قال: فعند ذلك يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه. وحدثنا أبي , حدثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة , حدثنا روح بن عبادة , حدثنا موسى بن عبيدة , أخبرني عبد الله بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: إن الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي أي يظهر سيئاته في ظهر صحيفته فيقول له أنت عملت هذا, فيقول نعم أي رب, فيقول له إني لم أفضحك به وإني قد غفرت لك فيقول عند ذلك هاؤم اقرءوا كتابيه "إني ظننت أني ملاق حسابيه" حين نجا من فضيحته يوم القيامة.
وقد تقدم في الصحيح حديث ابن عمر حين سئل عن النجوى فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدني الله العبد يوم القيامة فيقرره بذنوبه كلها حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله تعالى إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم, ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه, وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" وقوله تعالى: "إني ظننت أني ملاق حسابيه" أي قد كنت موقناً في الدنيا أن هذا اليوم كائن لا محالة كما قال تعالى: " الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم " قال الله تعالى: "فهو في عيشة راضية" أي مرضية "في جنة عالية" أي رفيعة قصورها, حسان حورها, نعيمة دورها, دائم حبورها.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو عتبة الحسن بن علي بن مسلم السكوني , حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام الأسود قال: سمعت أبا أمامة قال: " سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يتزاور أهل الجنة ؟ قال : نعم إنه ليهبط أهل الدرجة العليا إلى أهل الدرجة السفلى فيحيونهم ويسلمون عليهم, ولا يستطيع أهل الدرجة السفلى يصعدون إلى الأعلين تقصر بهم أعمالهم". وقد ثبت في الصحيح "إن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض". وقوله تعالى: "قطوفها دانية" قال البراء بن عازب : أي قريبة يتناولها أحدهم وهو نائم على سريره, وكذا قال غير واحد.
قال الطبراني عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عطاء بن يسار عن سلمان الفارسي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل أحد الجنة إلا بجواز: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية" وكذا رواه الضياء في صفة الجنة من طريق سعدان بن سعيد عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي , عن سلمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن جوازاً على الصراط: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية" وقوله تعالى: "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" أي يقال لهم ذلك تفضلاً عليهم وامتناناً وإنعاماً وإحساناً, وإلا فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحداً منكم لن يدخله عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
21- "فهو في عيشة راضية" أي في عيشة مرضية لا مكروهة، أو ذات رضى: أي يرضى بها صاحبها. قال أبو عبيدة والفراء: راضية أي مرضية كقوله: "ماء دافق" أي مدفوق فقد أسند إلى العيشة ما هو لصاحبها، فكان ذلك من [المجاز] في الإسناد.
21- "فهو في عيشة"، حالة من العيش، "راضية"، مرضية كقوله: "ماء دافق" (الطارق - 6) يريد: يرضاها، بأن لقي الثواب وأمن العقاب.
21-" فهو في عيشة راضية " ذات رضا على النسبة بالصيغة . أو جعل الفعل لها مجازاً وذلك لكونها صافية عن الشوائب دائمة مقرونة بالتعظيم .
21. Then he will be in blissful state
21 - And he will be in a life of Bliss,