22 - (يوم يرون الملائكة) في جملة الخلائق هو يوم القيامة ونصبه باذكر مقدرا (لا بشرى يومئذ للمجرمين) الكافرين بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة (ويقولون حجرا محجورا) على عادتهم في الدنيا إذا نزلت بهم شدة أي عوذا معاذا يستعيذون من الملائكة
يقول تعالى ذكره : يوم يرى هؤلاء الذين قالوا : " لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا " بتصديق محمد الملائكة ، فلا بشرى لهم يومئذ بخير " ويقولون حجرا محجورا " يعني أن الملائكة يقولون للمجرمين حجرا محجورا ، حراما محرما عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله ، و من الحجر قول المتلمس :
حنا إلى نخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس
و منه قولهم : حجر القاضي على فلان ، و حجر فلان على أهله ، ومنه حجر الكعبة ، لأنه لا يدخل إليه في الطواف ، و إنما يطاف من ورائه ، و منه قول الآخر:
فهممت أن ألقى محجرا فلمثلها يلقى إليه المحجر
أي مثلها يركب منه المحرم .
و اختلف أهل التأويل في المخبر عنهم بقوله : " و يقولون حجرا محجورا " و من قائلوه ، فقال بعضهم قائلو ذلك الملائكة للمجرمين نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا أبوأسامة ، عن الأجلح ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، و سأله رجل عن قول الله " و يقولون حجرا محجورا " قال : تقول الملائكة : حراما محرما أن تكون لكم البشرى .
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، عن جدي ، عن الحسن ، عن قتادة : " ويقولون حجرا محجورا " قال : هي كلمة كانت العرب تقولها ، كان الرجل إذا نزل به شدة قال : حجرا ، يقول : حراما محرما .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله " لا بشرى يومئذ للمجرمين و يقولون حجرا محجورا " لما جاءت زلازل الساعة ، فكان من زلازلها أن السماء انشقت " فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها " الحاقة : 16-17 على شفة كل شيء تشقق من السماء ، فذلك قوله : " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين و يقولون " :يعني الملائكة تقول للمجرمين حراما محرما أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يوم يرون الملائكة " قال : يوم القيامة " و يقولون حجرا محجورا " قال: عوذا معاذا .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله وزاد فيه : الملائكة تقوله .
و قال آخرون : ذلك خبر من الله عن قبل المشركين إذا عاينوا الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثني الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين و يقولون حجرا محجورا " قال ابن جريج : كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا حجرا ، فقالوا حين عاينو الملائكة . قال ابن جريج : قال مجاهد : " حجرا " : عوذا يستعيذون من الملائكة .
قال أبو جعفر : و إنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك من أجل أن الحجر هو الحرام فمعلوم أن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر أن البشرى عليهم حرام . وأما الاستعاذة فإنها الاستجارة ، و ليست بتحريم ، و معلوم أن الكفار لا يقولون للملائكة حرام عليكم ، فيوجه الكلام إلى أن ذلك خبر عن قيل المجرمين للملائكة .
قال تعالى وأن : " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ".
يريد أن الملائكة لا يراها أحد إلا عند الموت ، فتبشر المؤمنين بالجنة ، وتضرب المشركين والكفار بمقامع الحديد حتى تخرج أنفسهم . " ويقولون حجرا محجورا " يريد تقول الملائكة حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال لا إله إلا الله ، وأقام شرائعها ، عن ابن عباس وغيره . قيل : إن ذلك يوم القيامة ، قاله مجاهد و عطية العوفي . قال عطية : إذا كان يوم القيامة تلقى المؤمن بالبشرى ، فإذا رأى ذلك الكفار تمناه فلم يره من الملائكة . وانتصب " يوم يرون " بتقدير لا بشرى للمجرمين يوم يرون الملائكة " يومئذ " بأكيد لـ" يوم يرون " قال النحاس : لا يجوز أن يكون " يوم يرون " منصوبا بـ " بشرى " لأن ما في حيز النفي لا يعمل فيما قبله ، ولكن فيه تقدير أن يكون المعنى يمنعون البشارة يوم يرون الملائكة ، ودل على هذ الحذف ما بعده . ويجوز أن يكون التقدير : لا بشرى تكون يوم يرون الملائكة ، و" يومئذ " مؤكد . ويجوز أن يكون المعنى : اذكر يوم يرون الملائكة : ثم ابتدأ فقال : " لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا " أي وتقول الملائكة حراماً محرماً أن تكون لهم البشرى إلا للمؤمنين . قال الشاعر :
ألا أصبحت أسماء حجراً محرماً وأصبحت من أدنى حموتها حما أراد ألا أصبحت أسماء حراما محرماً.
وقال آخر :
حنت إلى النخلة القصوى فقالت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس
وروي عن الحسن أنه قال : ( ويقولون حجرا) وقف من قول المجرمين ، فقال الله عز وجل : ( محجوراً) عليهم أن يعاذوا أو يجاروا ، فحجر الله ذلك عليهم يوم القيامة . والأول قول ابن عباس . وبه قال الفراء ، قاله ابن الأنباري . وقرأ الحسن و أبو رجاء : ( حجراً ) بضم الحاء والناس على كسرها . وقيل : إن ذلك من قول الكافر قالوه لأنفسهم ، قاله قتادة فيما ذكر الماوردي . وقيل : هو قول الكفار للملائكة . وهي كلمة استعادة وكانت معروفة في الجاهلية ، فكان إذا لقي الرجل من يخافه قال : حجرا محجوراً ، أي حراماً عليك التعرض لي . وانتصابه على معنى : حجرت عليك ، أو حجر الله عليك ، كما تقوم : سقيا ورعيا . أي إن المجرمين إذا رأوا الملائكة يلقونهم في النار قالوا : نعوذ بالله منكم ، وذكره القشيري وحكى معناه المهدوي عن مجاهد . وقيل : ( حجراً ) من قول المجرمين . ( محجوراً ) من قول الملائكة ، أي قالوا للملائكة نعوذ بالله من كم أن تتعرضوا لنا . فتقول الملائكة ( محجوراً ) أن تعاذوا من شر هذا اليوم ، قاله الحسن .
يقول تعالى مخبراً عن تعنت الكفار في كفرهم, وعنادهم في قولهم "لولا أنزل علينا الملائكة" أي بالرسالة كما تنزل على الأنبياء, كما أخبر الله عنهم في الاية الأخرى "قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله" ويحتمل أن يكون مرادهم ههنا "لولا أنزل علينا الملائكة" فنراهم عياناً فيخبرونا أن محمداً رسول الله, كقولهم " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " وقد تقدم تفسيرها في سورة سبحان, ولهذا قالوا: "أو نرى ربنا" ولهذا قال الله تعالى: "لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً" وقد قال تعالى: " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى " الاية. وقوله تعالى: "يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً" أي هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم, بل يوم يرونهم لا بشرى يومئذ لهم, وذلك يصدق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار, والغضب من الجبار, فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه, اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث, اخرجي إلى سموم وحميم وظل من يحموم, فتأبى الخروج وتتفرق في البدن فيضربونه, كما قال الله تعالى: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" الاية, وقال تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم" أي بالضرب "أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" ولهذا قال في هذه الاية الكريمة "يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين" وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم, فإنهم يبشرون بالخيرات, وحصول المسرات, قال الله تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم ". وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب : أن الملائكة تقول لروح المؤمن: اخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب إن كنت تعمرينه, اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان. وقد تقدم الحديث في سورة إبراهيم عند قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ".
وقال آخرون: بل المراد بقوله "يوم يرون الملائكة لا بشرى" يعني يوم القيامة, قاله مجاهد والضحاك وغيرهما, ولا منافاة بين هذا وما تقدم, فإن الملائكة في هذين اليومين: يوم الممات ويوم المعاد, تتجلى للمؤمنين وللكافرين, فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان, وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران, فلا بشرى يومئذ للمجرمين "ويقولون حجراً محجوراً" أي وتقول الملائكة للكافرين: حرام محرم عليكم الفلاح اليوم. وأصل الحجر المنع ومنه يقال حجر القاضي على فلان إذا منعه التصرف, إما لفلس أو سفه أو صغر أو نحو ذلك, ومنه سمي الحجر عند البيت الحرام, لأنه يمنع الطواف أن يطوفوا فيه, وإنما يطاف من ورائه, ومنه يقال للعقل حجر, لأنه يمنع صاحبه عن تعاطي ما لا يليق, والغرض أن الضمير في قوله "ويقولون" عائد على الملائكة, هذا قول مجاهد وعكرمة والحسن والضحاك وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخراساني وخصيف وغير واحد واختاره ابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو نعيم , حدثنا موسى يعني ابن قيس , عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري في الاية "ويقولون حجراً محجوراً" قال: حراماً محرماً أن يبشر بما يبشر به المتقون. وقد حكى ابن جرير عن ابن جريج أنه قال ذلك من كلام المشركين "يوم يرون الملائكة" أي يتعوذون من الملائكة, وذلك أن العرب كانوا إذا نزل بأحدهم نازلة أو شدة يقول "حجراً محجوراً" وهذا القول وإن كان له مأخذ ووجه, ولكنه بالنسبة إلى السياق بعيد لا سيما وقد نص الجمهور على خلافه, ولكن قد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال في قوله "حجراً محجوراً" أي عوذاً معاذاً فيحتمل أنه أراد ما ذكره ابن جريج , ولكن في رواية ابن أبي حاتم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال "حجراً محجوراً" عوذاً معاذاً الملائكة تقول ذلك, فا لله أعلم.
وقوله تعالى "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل" الاية, هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر, فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء, وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل, فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين, وقد تجمعهما معاً فتكون أبعد من القبول حينئذ, ولهذا قال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً" قال مجاهد والثوري "وقدمنا" أي عمدنا, وكذا قال السدي , وبعضهم يقول: أتينا عليه.
وقوله تعالى: "فجعلناه هباء منثوراً" قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه في قوله "هباء منثوراً" قال: شعاع الشمس إذا دخل الكوة, وكذا روي من غير هذا الوجه عن علي وروي مثله عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي والضحاك وغيرهم, وكذا قال الحسن البصري : هو الشعاع في كوة أحدهم, ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "هباء منثوراً" قال: هو الماء المهراق. وقال أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي "هباء منثوراً" قال: الهباء رهج الدواب, وروي مثله عن ابن عباس أيضاً و الضحاك , وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وقال قتادة في قوله "هباء منثوراً" قال: أما رأيت يبس الشجر إذا ذرته الريح ؟ فهو ذلك الورق. وقال عبد الله بن وهب : أخبرني عاصم بن حكيم عن أبي سريع الطائي عن عبيد بن يعلى قال: وإن الهباء الرماد إذا ذرته الريح, وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الاية, وذلك أنهم عملوا أعمالاً اعتقدوا أنها على شيء, فلما عرضت على الملك الحكيم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحداً إذا إنها لا شيء بالكلية, وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية, كما قال تعالى "مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح" الاية. وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا " وقال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً" وتقدم الكلام على تفسير ذلك, ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" أي يوم القيامة "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون" وذلك أن أهل الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات والغرفات الامنات, فهم في مقام أمين حسن المنظر طيب المقام "خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً" وأهل النار يصيرون إلى الدركات السافلات, والحسرات المتتابعات, وأنواع العذاب والعقوبات "إنها ساءت مستقراً ومقاماً" أي بئس المنزل منظراً, وبئس المقيل مقاماً, ولهذا قال تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" أي بما عملوه من الأعمال المتقبلة نالوا ما نالوا, وصاروا إلى ما صاروا إليه, بخلاف أهل النار فإنهم ليس لهم عمل واحد يقتضي دخول الجنة لهم والنجاة من النار, فنبه تعالى بحال السعداء على حال الأشقياء, وأنه لا خير عندهم بالكلية, فقال تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" قال الضحاك عن ابن عباس : إنما هي ضحوة فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين, ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين.
وقال سعيد بن جبير : يفرغ الله من الحساب نصف النهار, فيقيل أهل الجنة في الجنة, وأهل النار في النار, قال الله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً". وقال عكرمة : إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, وهي الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة, فينصرف أهل النار إلى النار, وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة فكانت قيلولتهم في الجنة, وأطعموا كبد حوت فأشبعهم كلهم, وذلك قوله "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" وقال سفيان عن ميسرة عن المنهال عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينتصف النهار حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء, ثم قرأ "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" وقرأ "ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم".
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" قال: قالوا في الغرف من الجنة, وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة, وذلك الحساب اليسير, وهو مثل قوله تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا ". وقال قتادة "خير مستقراً وأحسن مقيلاً" مأوى ومنزلاً. وقال قتادة : وحدث صفوان بن محرز أنه قال: يجاء برجلين يوم القيامة أحدهما كان ملكاً في الدنيا إلى الحمرة والبياض, فيحاسب فإذا عبد لم يعمل خيراً قط فيؤمر به إلى النار, والاخر كان صاحب كساء في الدنيا فيحاسب فيقول: يا رب ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به, فيقول الله: صدق عبدي فأرسلوه فيؤمر به إلى الجنة, ثم يتركان ما شاء الله, ثم يدعى صاحب النار فإذا هو مثل الحممة السوداء, فيقال له: كيف وجدت ؟ فيقول: شر مقيل, فيقال له: عد, ثم يدعى بصاحب الجنة فإذا هو مثل القمر ليلة البدر, فيقال له: كيف وجدت ؟ فيقول: رب خير مقيل, فيقال له: عد. رواها ابن أبي حاتم كلها. وقال ابن جرير : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب , أنبأنا عمرو بن الحارث أن سعيداً الصواف حدثه أنه بلغه أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس, وإنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس, وذلك قوله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً".
وانتصاب 22- "يوم يرون الملائكة" بفعل محذوف: أي واذكر يوم يرون الملائكة رؤية ليست على الوجه الذي طلبوه والصورة التي اقترحوها، بل على وجه آخر، وهو يوم ظهورهم لهم عند الموت أو عند الحشر، ويجوز أن يكون انتصاب هذا الظرف بما يدل عليه قوله: "لا بشرى يومئذ للمجرمين" أي يمنعون البشرى يوم يرون، أو لا توجد لهم بشرى فيه، فأعلم سبحانه بأن الوقت الذي يرون فيه الملائكة، وهو وقت الموت، أو يوم القيامة قد حرمهم الله البشرى. قال الزجاج: المجرمون في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر بالله " ويقولون حجرا محجورا " أي ويقول الكفار عند مشاهدتهم للملائكة حجرا محجورا ، وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدو وهجوم نازلة يضعونها موضع الاستعاذة، يقال للرجل أتفعل كذا؟ فيقول حجراً محجوراً: أي حراماً عليك التعرض لي. وقيل إن هذا من قول الملائكة: أي يقولون للكفار حراماً محرماً أن يدخل أحدكم الجنة، ومن ذلك قول الشاعر:
ألا أصبحت أسماء حجراً محرماً وأصبحت من أدنى حمومتها حماء
أي أصبحت أسماء محرماً، وقال آخر:
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام إلا تلك الدهاريس
وقد ذكر سيبويه في باب المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها هذه الكلمة وجعلها من جملتها.
22- "يوم يرون الملائكة" عند الموت. وقيل: في القيامة. "لا بشرى يومئذ للمجرمين"، للكافرين، وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين يوم القيامة، ويقولون للكفار: لا بشرى لكم، هكذا قال عطية، وقال بعضهم: معناه أنه لا بشرى يوم القيامة للمجرمين، أي: لا بشارة لهم بالجنة، كما يبشر المؤمنون. "ويقولون حجراً محجوراً"، قال عطاء عن ابن عباس: تقول الملائكة حراماً محرماً أن يدخل الجنة، إلا من قال لا إله إلا الله.
وقال مقاتل: إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة حراماً محرماً/ عليكم أن يكون لكم البشرى.
وقال بعضهم: هذا قول الكفار للملائكة. قال ابن جريج: كانت العرب إذا نزلت بهم شدة ورأوا ما يكرهون، قالوا حجراً محجوراً، فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة.
قال مجاهد: يعني عوذاً معاذاً، يستعيذون به من الملائكة.
22ـ " يوم يرون الملائكة " ملائكة الموت أو العذاب ، و " يوم " نصب باذكر أو بما دل عليه . " لا بشرى يومئذ للمجرمين " فإنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها ، و " يومئذ " تكرر أو خبر و " للمجرمين " تبيين أو خبر ثان أو ظرف لما يتعلق به اللام ، أو لـ " بشرى " إن قدرت منونة غير مبينة مع " لا " فإنها لا تعمل ، وللـ " مجرمين " إما عام يتناول حكمه حكمهم من طريق البرهان و يلزم عن نفي البشرى لعامة المجرمين حينئذ نفي البشرى بالعفو والشفاعة في وقت آخر ، وإما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلاً على جرمهم وإشعاراً بما هو المانع للبشرى والموجب لما يقابلها . " ويقولون حجراً محجوراً " عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ ، هذه الكلمة استعاذة وطلباً من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه ، أو تقولها الملائكة بمعنى حراماً عليكم الجنة أو البشرى . وقرئ " حجراً " بالضم وأصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقعدك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه و لا يظهر ناصبه ، ووصفه بمحجوراً للتأكيد كقولهم : موت مائت .
22. On the day when they behold the angels, on that day there will be no good tidings for the guilty; and they will cry: A forbidding ban!
22 - The Day they see the angels, no joy will there be to the sinners that Day: the (angels) will say: There is a barrier forbidden (to you) altogether!