23 - (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) بالشرك (يا أيها الناس إنما بغيكم) ظلمكم (على أنفسكم) لأن إثمه عليها هو (متاعُ الحياة الدنيا) تمتعون فيها قليلاً (ثم إلينا مرجعكم) بعد الموت (فننبئكم بما كنتم تعملون) فنجازيكم عليه وفي قراءة بنصب متاع أي تتمتعون
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنوا في البحر أنهم أحيط بهم، من الجهد الذي كانوا فيه، أخلفوا الله ما وعدوه، وبغوا في الأرض، فتجاوزا فيها إلى غير ما أذن الله لهم فيه، من الكفر به، والعمل بمعاصيه على ظهرها. يقول الله: يا أيها الناس، إنما اعتداؤكم الذي تعتدونه على أنفسكم، وإياها تظلمون. وهذا الذي أنتم فيه، " متاع الحياة الدنيا "، يقول: ذلك بلاغ تبلغون به في عاجل دنياكم.
وعلى هذا التأويل، ((البغي))، يكون مرفوعاً بالعائد من ذكره في قوله: " على أنفسكم "، ويكون قوله: " متاع الحياة الدنيا "، مرفوعاً على معنى: ذلك متاع الحياة الدنيا، كما قال: " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ "، [الأحقاف: 35]، بمعنى: هذا بلاغ.
وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: إنما بغيكم في الحياة الدنيا على أنفسكم لأنكم بكفركم تكسبونها غضب الله، متاع الحياة الدنيا، كأنه قال: إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا، فيكون ((البغي)) مرفوعاً بـ((المتاع))، و" على أنفسكم " من صلة ((البغي)).
وبرفع ((المتاع)) قرأت القرأة سوى عبد الله بن أبي إسحق، فإنه نصبه، بمعنى: إنما بغيكم على أنفسكم متاعاً في الحياة الدنيا، فجعل ((البغي)) مرفوعاً بقوله: " على أنفسكم "، و((المتاع)) منصوباً على الحال.
وقوله: " ثم إلينا مرجعكم " يقول: ثم إلينا بعد ذلك معادكم ومصيركم، وذلك بعد الممات، " فننبئكم بما كنتم تعملون "، يقول: فنخبركم يوم القيامة، بما كنتم تعملون في الدنيا من معاصي الله، ونجازيكم على أعمالكم التي سلفت منكم في الدنيا.
"فلما أنجاهم" أي خلصهم وأنقذهم. "إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق" أي يعملون في الأرض بالفساد وبالمعاصي. والبغي: الفساد والشرك، من بغى الجرح إذا فسد، وأصله الطلب، أي يطلبون بالاستعلاء بالفساد. "بغير الحق" أي بالتكذيب، ومنه بغت المرأة طلبت غير زوجها.
قوله تعالى: "يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" أي وباله عائد عليكم، وتم الكلام، ثم ابتدأ فقال: "متاع الحياة الدنيا" أي هو متاع الحياة الدنيا، ولا بقاء له. قال النحاس: بغيكم رفع بالابتداء وخبره "متاع الحياة الدنيا" وعلى أنفسكم مفعول معنى فعل البغي. ويجوز أن يكون خبره على أنفسكم وتضمر مبتدأ، أي ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا، وبين المعنيين حرف لطيف، إذا رفعت متاعاً على أنه خبر بغيكم فالمعنى إنما بغى بعضكم على بعض، مثل: "فسلموا على أنفسكم" [النور:61] وكذا "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" [التوبة:128]. وإذا كان الخبر على أنفسكم فالمعنى إنما فسادكم راجع عليكم، مثل "وإن أسأتم فلها" [الإسراء:7]. وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال: أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا، أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا، كما يقال: البغي مصرعة. وقرأ ابن أبي إسحاق متاع بالنصب على أنه مصدر، أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا. أو بنزع الخافض، أي لمتاع، أو مصدر، بمعنى المفعول على الحال، أي متمتعين. أو هو نصب على الظرف، أي في متاع الحياة الدنيا، ومتعلق الظرف والجار والحال معنى الفعل في البغي. وعلى أنفسكم مفعول ذلك المعنى.
يخبر تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم كالرخاء بعد الشدة, والخصب بعد الجدب, والمطر بعد القحط ونحو ذلك "إذا لهم مكر في آياتنا" قال مجاهد: استهزاء وتكذيب كقوله: "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً" الاية, وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح على أثر سماء كانت من الليل أي مطر ثم قال: "هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟" قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر, فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب, وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب" وقوله: "قل الله أسرع مكراً" أي أشد استدراجاً وإمهالاً حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب وإنما هو في مهلة ثم يؤخذ على غرة منه والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ويحصونه عليه ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة فيجازيه على الجليل والحقير والنقير والقطمير.
ثم أخبر تعالى أنه "هو الذي يسيركم في البر والبحر" أي يحفظكم ويكلؤكم بحراسته "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها" أي بسرعة سيرهم رافقين فبينما هم كذلك إذ "جاءتها" أي تلك السفن "ريح عاصف" أي شديدة "وجاءهم الموج من كل مكان" أي اغتلم البحر عليهم "وظنوا أنهم أحيط بهم" أي هلكوا "دعوا الله مخلصين له الدين" أي لا يدعون معه صنماً ولا وثناً بل يفردونه بالدعاء والابتهال كقوله تعالى: "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه. فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً" وقال ههنا: "دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه" أي هذه الحال "لنكونن من الشاكرين" أي لا نشرك بك أحداً ولنفردنك بالعبادة هناك كما أفردناك بالدعاء ههنا, قال الله تعالى: "فلما أنجاهم" أي من تلك الورطة "إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق" أي كأن لم يكن من ذلك شيء "كأن لم يدعنا إلى ضر مسه" ثم قال تعالى: "يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" أي إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرون به أحداً غيركم, كما جاء في الحديث "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الاخرة من البغي وقطيعة الرحم" وقوله: "متاع الحياة الدنيا" أي إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة "ثم إلينا مرجعكم" أي مصيركم ومآلكم "فننبئكم" أي فنخبركم بجميع أعمالكم ونوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
23- "فلما نجاهم" الله من هذه المحنة التي وقعوا فيها، وأجاب دعاءهم لم يفوا بما وعدوا من أنفسهم، بل فعلوا فعل الجاحدين لا فعل الشاكرين، وجعلوا البغي في الأرض بغير الحق مكان الشكر. وإذا في "إذا هم يبغون" هي الفجائية: أي فاجئوا البغي في الأرض بغير الحق، والبغي: هو الفساد، من قولهم بغى الجرح: إذا ترامى في الفساد، وزيادة في الأرض للدلالة على أن فسادهم هذا شامل لأقطار الأرض، والبغي وإن كان ينافي أن يكون بحق، بل لا يكون إلا بالباطل، لكن زيادة بغير الحق إشارة إلى أنهم فعلوا ذلك بغير شبهة عندهم، بل تمرداً وعناداً، لأنهم قد يفعلون ذلك لشبهة يعتقدونها مع كونها باطلة. قوله: "يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا" لما ذكر سبحانه أن هؤلاء المتقدم ذكرهم يبغون في الأرض بغير الحق ذكر عاقبة البغي وسوء مغبته. قرأ ابن إسحاق وحفص والمفضل بنصب متاع، وقرأ الباقون بالرفع. فمن قرأ بالنصب جعل ما قبله جملة تامة: أي بغيكم وبال على أنفسكم، فيكون بغيكم مبتدأ وعلى أنفسكم خبره، ويكون متاع في موضع المصدر المؤكد، كأنه قيل: تتمتعون متاع الحياة الدنيا، ويكون المصدر مع الفعل المقدر استئنافاً، وقيل: إن متاع على قراءة النصب ظرف زمان نحو مقدم الحاج: أي زمن متاع الحياة الدنيا، وقيل: هو مفعوله له: أي لأجل متاع الحياة الدنيا، وقيل منصوب بنزع الخافض: أي كمتاع، وقيل: على الحال على أنه مصدر بمعنى المفعول: أي ممتعين، وقد نوقش غالب هذه الأقوال في توجيه النصب. وأما من قرأ برفع متاع فجعله خبر المبتدأ: أي بغيكم متاع الحياة الدنيا، ويكون على أنفسكم متعلق بالمصدر، والتقدير: إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم متاع الحياة الدنيا ومنفعتها التي لا بقاء لها، فيكون المراد بأنفسكم على هذا الوجه أبناء جنسهم، وعبر عنهم بالأنفس لما يدركه الجنس على جنسه من الشفقة، وقيل: ارتفاع متاع على أنه خبر ثان، وقيل على أنه خبر لمبتدأ محذوف: أي هو متاع. قال النحاس: على قراءة الرفع يكون بغيكم مرتفعاً بالابتداء وخبره متاع الحياة الدنيا، وعلى أنفسكم مفعول البغي، ويجوز أن يكون خبره على أنفسكم ويضمر مبتدأ: أي ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا انتهى. وقد نوقش أيضاً بعض هذه الوجوه المذكورة في توجيه الرفع بما يطول به البحث في غير طائل. والحاصل أنه إذا جعل خبر المبتدأ على أنفسكم، فالمعنى: أن ما يقع من البغي على الغير هو بغي على نفس الباغي باعتبار ما يؤول إليه الأمر من الانتقام منه مجازاة على بغيه، وإن جعل الخبر متاع، فالمراد أن بغي هذا الجنس الإنساني على بعضه بعضاً هو سريع الزوال قريب الاضمحلال، كسائر أمتعة الحياة الدنيا فإنها ذاهبة عن قرب متلاشية بسرعة ليس لذلك كثير فائدة ولا عظيم جدوى. ثم ذكر سبحانه ما يكون على ذلك البغي من المجازاة يوم القيامة مع وعيد شديد فقال: "ثم إلينا مرجعكم" وتقديم الخبر للدلالة على القصر، والمعنى: أنكم بعد هذه الحياة الدنيا ومتاعها ترجعون إلى الله فيجازي المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه "فننبئكم بما كنتم تعملون" في الدنيا: أي فنخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر والمراد بذلك المجازاة كما تقول لمن أساء: سأخبرك بما صنعت، وفيه أشد وعيد وأفظع تهديد.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: "فانتظروا إني معكم من المنتظرين" قال: خوفهم عذابه وعقوبته. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا" قال: استهزاء وتكذيب. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "وظنوا أنهم أحيط بهم" قال: هلكوا. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص ما حاصله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أهدر يوم الفتح دم جماعة، منهم عكرمة بن أبي جهل، هرب من مكة وركب البحر فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً، فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر الإخلاص ما ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفواً كريماً، فجاء فأسلم. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث هن رواجع على أهلها: المكر، والنكث، والبغي، ثم تلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه "". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبغ ولا تكن باغياً، فإن الله يقول: "إنما بغيكم على أنفسكم"". وأخرج أبو الشيخ عن مكحول قال: ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر، والبغي، والنكث، قال الله سبحانه: "إنما بغيكم على أنفسكم".
أقول أنا: وينبغي أن يلحق بهذه الثلاث التي دل القرآن على أنها تعود على فاعلها: الخدع، فإن الله يقول: "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما". وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عمر مثله.
23-"فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض"، يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عز وجل في الأرض، "بغير الحق"، أي: بالفساد. "يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم"، لأن وباله راجع عليها، ثم ابتدأ فقال: "متاع الحياة الدنيا"، أي: هذا متاع الحياة الدنيا، خبر ابتداء مضمر، كقوله: "لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاغ" (الأحقاف-35)، أي: هذا بلاغ. وقيل: هو كلام متصل، والبغي: ابتداء، ومتاع: خبره.
ومعناه: إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا، لا يصلح زادا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله.
وقرأ حفص: "متاع" بالنصب، أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا، "ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون".
23."فلما أنجاهم"إجابة لدعائهم."إذا هم يبغون في الأرض"فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه."بغير الحق"مبطلين فيه وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فإنها إفساد بحق ." يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم"فإن وباله عليكم أو أنه على أمثالكم وأبناء جنسكم ."متاع الحياة الدنيا"منفعة الحياة الدنيا لا تبقى ويبقى عقابها، ورفعه على أنه خبر"بغيكم"و"على أنفسكم"صلته ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك متاع الحياة الدنيا و"على أنفسكم"خبر "بغيكم"، ونصبه حفص على أنه مصدر مؤكد أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا أو مفعول البغي لأنه بمعنى الطلب فيكون الجار من صلته والخبر محذوف تقدير بغيكم متاع الحياة الدنيا محذور أو ضلال ، وأو مفعول فعل دل عليه البغي وعلى أنفسكم خبره."ثم إلينا مرجعكم"في القيامة."فننبئكم بما كنتم تعملون"بالجزاء عليه.
23. Yet when He hath delivered them, behold! they rebel in the earth wrongfully. O mankind! Your rebellion is only against yourselves. (Ye have) enjoyment of the life of the world; then unto Us is your return and We shall proclaim unto you what ye used to do.
23 - But when he delivereth them, behold they transgress insolently through the earth in defiance of right O mankind your insolence is against your own souls, an enjoyment of the life of the present: in the end, to us is your return, and we shall show you the truth of all that ye did.