23 - (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) الباقون نرث جميع الخلق
قوله تعالى : "وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون" .
أي الأرض ومن عليها، ولا يبقى شيء سوانا. نظيره. " إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون " ( مريم: 40). فملك كل شيء لله تعالى. ولكن ملك عباده أملاكاً فإذا ماتوا انقطعت الدعاوي، فكان الله وارثاً من هذا الوجه. وقيل: الإحياء في هذه الآية إحياء النطفة في الأرحام. فأما البعث فقد ذكره بعد هذا في قوله: " وإن ربك هو يحشرهم ".
يخبر تعالى أنه مالك كل شيء وأن كل شيء سهل عليه يسير لديه, وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف "وما ننزله إلا بقدر معلوم" كما يشاء وكما يريد, ولما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة بعباده لا على جهة الوجوب بل هو كتب على نفسه الرحمة قال يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله: ما من عام بأمطر من عام, ولكن الله يقسمه بينهم حيث شاء عاماً ههنا وعاماً ههنا, ثم قرأ "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" الاية, رواه ابن جرير, وقال أيضاً: حدثنا القاسم, حدثنا هشيم, أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عتيبة في قوله: "وما ننزله إلا بقدر معلوم" قال: ما عام بأكثر مطراً من عام ولا أقل, ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون بما كان في البحر, قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس, وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت.
وقال البزار: حدثنا داود هو ابن بكير, حدثنا حيان بن أغلب بن تميم, حدثني أبي عن هشام, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خزائن الله الكلام, فإذا أراد شيئاً قال له كن فكان" ثم قال: لا يرويه إلا أغلب وليس بالقوي, وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين, ولم يروه عنه إلا ابنه. وقوله تعالى: "وأرسلنا الرياح لواقح" أي تلقح السحاب فتدر ماء, وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها, وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم, فإنه أفردها ووصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج, لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعداً.
وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو, عن قيس بن السكن, عن عبد الله بن مسعود في قوله: "وأرسلنا الرياح لواقح" قال: ترسل الريح فتحمل الماء من السماء, ثم تمرى السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة, وكذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة. وقال الضحاك: يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلىء ماء. وقال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قماً, ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب, ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب, ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر, ثم تلا "وأرسلنا الرياح لواقح".
وقد روى ابن جرير من حديث عبيس بن ميمون عن أبي المهزم عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الريح الجنوب من الجنة, وهي التي ذكر الله في كتابه, وفيها منافع للناس" وهذا إسناد ضعيف, وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده. حدثنا سفيان, حدثنا عمرو بن دينار, أخبرني يزيد بن جعدية الليثي أنه سمع عبد الرحمن بن مخراق يحدث عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق في الجنة ريحاً بعد الريح بسبع سنين, وإن من دونها باباً مغلقاً, وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب, ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء, وهي عند الله الأذيب, وهي فيكم الجنوب".
وقوله: "فأسقيناكموه" أي أنزلناه لكم عذباً يمكنكم أن تشربوا منه لو نشاء جعلناه أجاجاً, كما نبه على ذلك في الاية الأخرى في سورة الواقعة, وهو قوله تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ؟ * لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون", وفي قوله: "هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون". وقوله: "وما أنتم له بخازنين" قال سفيان الثوري: بما نعين, ويحتمل أن المراد وما أنتم له بحافظين, بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معيناً وينابيع في الأرض, ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به, ولكن من رحمته أنزله وجعله عذباً, وحفظه في العيون والابار والأنهار وغير ذلك, ليبقى لهم في طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم.
وقوله: "وإنا لنحن نحيي ونميت" إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته, وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم, ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع, وأخبر أنه تعالى يرث الأرض ومن عليها, وإليه يرجعون, ثم أخبر تعالى عن تمام علمه بهم أولهم وآخرهم, فقال: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الاية, قال ابن عباس رضي الله عنهما: المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام, والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة, وروي نحوه عن عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب والشعبي وغيرهم, وهو اختيار ابن جرير رحمه الله.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه, عن رجل, عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وقد ورد فيه حديث غريب جداً, فقال ابن جرير: حدثني محمد بن موسى الجرشي, حدثنا نوح بن قيس, حدثنا عمرو بن قيس, حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء, قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط, وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا, يعني لئلا يروها, وبعض يستأخرون, فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره, ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما, وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني, وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما, وحكي عن ابن معين تضعيفه, وأخرجه مسلم وأهل السنن, وهذا الحديث فيه نكارة شديدة, وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان, عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" في الصفوف في الصلاة " المستأخرين " فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط, ليس فيه لابن عباس ذكر, وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح بن قيس, والله أعلم, وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر, عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" وأنها في صفوف الصلاة, فقال محمد بن كعب: ليس هكذا "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الميت والمقتول " المستأخرين " من يخلق بعد "وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم" فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيراً.
23- "وإنا لنحن نحيي ونميت" أي نوجد الحياة في المخلوقات ونسلبها عنها متى شئنا، والغرض من ذلك الاستدلال بهذه الأمور على كمال قدرته عز وجل، وأنه القادر على البعث والنشور والجزاء لعباده على حسب ما يستحقونه وتقتضيه مشيئته، ولهذا قال: "ونحن الوارثون" أي للأرض ومن عليها، لأنه سبحانه الباقي بعد فناء خلقه، الحي الذي لا يموت، الدائم الذي لا ينقطع وجوده، "ولله ميراث السموات والأرض".
23-" وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون "، بأن نميت جميع الخلائق. فلا يبقى حي سوانا.
والوارث من صفات الله عز وجل. قيل: الباقي بعد فناء الخلق.
وقيل: معناه إن مصير الخلق إليه.
23."وإنا لنحن نحيي"بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها. "ونميت " بإزالتها وقد أول الحياة بما يعم الحيوان والنبات تكرير الضمير للدلالة على الحصر ،"ونحن الوارثون"الباقون إذا مات الخلائق كلها.
23. Lo! and it is We, even We, Who quicken and give death, and We are the Inheritor.
23 - And verily, it is we who give life, and who give death: it is we who remain inheritors (after all else passes away).