(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) انقضت عدتهن (فلا تعضُلوهن) خطاب للأولياء أي تمنعوهن من (أن ينكحن أزواجهن) المطلقين لهن لأن سبب نزولها أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فأراد أن يراجعها فمنعها معقل بن يسار كما رواه الحاكم (إذا تراضوا) أي الأزواج والنساء (بينهم بالمعروف) شرعا (ذلك) النهي عن العضل (يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) لأنه المنتفع به (ذلكم) أي ترك العضل (أزكى) خير (لكم وأطهر) لكم ولهم لما يخشى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما (والله يعلم) ما فيه المصلحة (وأنتم لا تعلمون) ذلك فاتبعوا أوامره
قوله تعالى وإذا طلقتم النساء الآية روى البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم عن معقل بن يسار أنه زوج أخته رجلا من المسلمين فكانت عنده ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها وهويته فخطبها مع الخطاب فقال له يا لكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليك أبدا فعلم الله حاجته اليها وحاجتها اليه فأنزل الله وإذا طلقتم النساء فبلغن إلى قوله وأنتم لا تعلمون فلما سمعها معقل قال سمع لربي وطاعة ثم دعاه وقال أزوجك وأكرمك وأخرجه ابن مردويه من طرق كثيرة
ثم أخرج عن السدي قال نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة فانقضت عدتها ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر فقال طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية وكانت المرأة تريد زوجها قد راضته فنزلت هذه الآية والأول أصح وهو أقوى
قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل كانت له أخت كان زوجها من ابن عم لها فطلقها، وتركها فلم يراجعها حتى انقضت عدتها، ثم خطبها منه، فأبى أن يزوجها إياه ومنعها منه، وهي فيه راغبة. ثم اختلف أهل التأويل في الرجل الذي كان فعل ذلك، فنزلت فيه هذه الآية. فقال بعضهم كان ذلك الرجل: معقل بن يسار المزني . ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن معقل بن يسار قال: كانت أخته تحت رجل فطلقها، ثم خلا عنها، حتى إذا انقضت عدتها خطبها، فحمي معقل من ذلك، أنفا، وقال: خلا عنها وهو يقدر عليها!! فحال بينه وبينها، فأنزل الله تعالى ذكره: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ".حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن، عن معقل بن يسار: أن أخته طلقها زوجها، فأراد أن يراجعها، فمنعها معقل، فأنزل الله تعالى ذكره: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" إلى آخر الآية.حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا عباد بن راشد قال، حدثنا الحسن قال، حدثني معقل بن يسار قال: كانت لي أخت تخطب وأمنعها الناس، حتى خطب إلي ابن عم لي فأنكحتها، فاصطحبا ما شاء الله، ثم إنه طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، ثم خطبت إلي، فأتاني يخطبها مع الخطاب، فقلت له: خطبت إلي فمنعتها الناس، فآثرتك بها، ثم طلقت طلاقا لك فيه رجعة، فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها مع الخطاب! والله لا أنكحها أبدا! قال: ففي نزلت هذه الآية: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"، قال: فكفرت عن يميني، وأنكحتها إياه.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"، ذكر لنا أن رجلا طلق امرأته تطليقة، ثم خلا عنها حتى انقضت عدتها، ثم قرب بعد ذلك يخطبها، والمرأة أخت معقل بن يسار، فأنف من ذلك معقل بن يسار، وقال: خلا عنها وهي في عدتها، ولو شاء راجعها، ثم يريد أن يراجعها وقد بانت منه! فأبى عليها أن يزوجها إياه. وذكر لنا أن نبي الله، لما نزلت هذه الآية، دعاه فتلاها عليه، فترك الحمية واستقاد لأمر الله. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن قوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن"، إلى آخر الآية، قال: نزلت هذه الآية في معقل بن يسار. قال الحسن: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وفرشتك أختي وأكرمتك، ثم طلقتها، ثم جئت تخطبها! لا تعود إليك أبدا! قال: وكان رجل صدق لا بأس به، وكانت المرأة تحب أن ترجع إليه، قال الله تعالى ذكره: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف". قال، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله! فزوجتها منه.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن بكربن عبد الله المزني قال: كانت أخت معقل بن يسار تحت رجل فطلقها، فخطب إليه فمنعها أخوها، فنزلت: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن" إلى آخر الآية.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" الاية، قال : نزلت في امرأة من مزينة طلقها زوجها وأبينت منه، فنكحها آخر، فعضلها أخوها معقل بن يسار، يضارها خيفة أن ترجع إلى زوجها الأول. قال ابن جريج، وقال عكرمة: نزلت في معقل بن يسار. قال ابن جريج: أخته جمل ابنة يسار، كانت تحت أبي البداح، طلقها، فانقضت عدتها، فخطبها، فعضلها معقل بن يسار.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"، نزلت في امرأة من مزينة طلقها زوجها، فعضلها أخوها أن ترجع إلى زوجها الأول، وهو معقل بن يسار أخوها.حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه لم يقل فيه: وهو معقل بن يسار.حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا سفيان،عن أبي إسحاق الهمداني: أن فاطمة بنت يسار طلقها زوجها، ثم بدا له فخطبها، فأبى معقل، فقال. زوجناك فطلقتها وفعلت! فأنزل الله تعالى ذكره: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن".حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله: "فلا تعضلوهن"، قال: نزلت في معقل بن يسار، كانت أخته تحت رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء فخطبها، فعضلها معقل فأبى أن ينكحها إياه، فنزلت فيها هذه الآية. يعني به الأولياء، يقول: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن".حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن رجل، عن معقل بن يسار قال: كانت أختي عند رجل فطلقها تطليقة بائنة، فخطبها، فأبيت أن أزوجها منه، فانزل الله تعالى ذكره: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن"، الآية.وقال آخرون كان ذلك الرجل: جابر بن عبد الله الأنصاري .ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"، قال: نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري، وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها. فأما جابر فقال: طلقت ابنة عمنا، ثم تريد أن تنكحها الثانية! وكانت المرأة تريد زوجها، قد راضته. فنزلت هذه الأية. وقال آخرون: نزلت هذه الآية دلالة على نهي الرجل مضارة وليته من النساء، يعضلها عن النكاح. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن"، فهذا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله سبحانه أن يمنعوها.حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه،عن ابن عباس: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"، كان الرجل يطلق امرأته فتبين منه وينقضي أجلها، ويريد أن يراجعها وترضى بذلك، فيأبى أهلها، قال الله تعالى ذكره: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف".حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق في قوله: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن"، قال: كان الرجل يطلق امرأته ثم يبدو له أن يتزوجها، فيأبى أولياء المرأة أن يزوجوها، فقال الله تعالى ذكره: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف".حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم في قوله:"وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن"، قال: المرأة تكون عند الرجل فيطلقها، ثم يريد أن يعود إليها، فلا يعضلها وليها أن ينكحها إياه.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب: قال الله تعالى ذكره: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" الآية، فإذا طلق الرجل المرأة وهو وليها، فانقضت عدتها، فليس له أن يعضلها حتى يرثها، ويمنعها أن تستعف بزوج. حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن"، هو الرجل يطلق امرأته تطليقة، ثم يسكت عنها فيكون خاطبا من الخطاب، فقال الله لأولياء المرأة: "لا تعضلوهن"، يقول: لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن بنكاح جديد، "إذا تراضوا بينهم بالمعروف "، إذا رضيت المرأه وأرادت أن تراجع زوجها بنكاح جديد. قال أبو جعفر: والصواب من القول في هذه الآية أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنزلها دلالة على تحريمه على أولياء النساء مضارة من كانوا له أولياء من النساء، بعضلهن عمن أردن نكاحه من أزواج كانوا لهن، فبن منهم بما تبين به المرأة من زوجها من طلاق أو فسخ نكاح. وقد يجوز أن تكون نزلت في أمر معقل بن يسار وأمر أخته، أو في أمر جابربن عبد الله وأمر ابنة عمه. وأي ذلك كان، فالآية دالة على ما ذكرت. ويعني بقوله تعالى: "فلا تعضلوهن"، لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الأولياء من مراجعة أزواجهن بنكاح جديد، تبتغون بذلك مضارتهن. يقال منه: عضل فلان فلانة عن الأزواج يعضلها عضلا، وقد ذكر لنا أن حيا من أحياء العرب من لغتها: عضل يعضل . فمن كان من لغته عضل، فإنه إن صار إلى يفعل ، قال:، يعضل بفتح الضاد. والقراءة على ضم الضاد دون كسرها، والضم من لغة من قال عضل . وأصل العضل ، الضيق، ومنه قول عمر رحمة الله عليه: وقد أعضل بي أهل العراق، لا يرضون عن وال ولا يرضى عنهم وال ، يعني بذلك: حملوني على أمر ضيق شديد لا أطيق القيام به. ومنه أيضاً الداء العضال وهو الداء الذي لا يطاق علاجه، لضيقه عن العلاج، وتجاوزه حد الأدواء
التي يكون لها علاج، ومنه قول ذي الرمة:
ولم أقذف لمؤمنة حصان بإذن الله موجبة عضالا
ومنه قيل: عضل الفضاء بالجيش لكثرتهم، إذا ضاق عنهم من كثرتهم. وقيل: عضلت المرأة، إذا نشب الولد في رحمها فضاق عليه الخروج منها، ومنه قول أوس بن حجر:
وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا
ولكنه النائي إذا كنت آمنا وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا
وأن التي في قوله: "أن ينكحن"، في موضع نصب بقوله: "تعضلوهن". ومعنى قوله: "إذا تراضوا بينهم بالمعروف"، إذا تراضى الأزواج والنساء بما يحل ويجوز أن يكون عوضا من أبضاعهن من المهور، ونكاح جديد مستأنف، كما:-حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عميربن عبد الله، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن البيلماني، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنكحوا الأيامى. فقال رجل: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: ما تراضى عليه أهلوهم " .
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن الحارث قال، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو منه. قال أبو جعفر: وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولي من العصبة. وذلك أن الله تعالى ذكره منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك. فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها- لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها. وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها، أو إنكاح من توكله بإنكاحها، فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها. وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه، صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقا لا يصح عقده إلا به. وهو المعنى الذي أمر الله به الولي: من تزويجها إذا خطبها خاطبها ورضيت به، وكان رضي عند أوليائها، جائزا في حكم المسلمين لمثلها أن تنكح مثله، ونهاه عن خلافه: من عضلها، ومنعها عما أرادت من ذلك، وتراضت هي والخاطب به.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله ذلك، ما ذكر في هذه الآية من نهي أولياء المرأة عن عضلها عن النكاح، يقول: فهذا الذي نهيتكم عنه من عضلهن عن النكاح، عظة مني من كان منكم أيها الناس يؤمن بالله واليوم الآخر- يعني يصدق بالله، فيوحده ويقر بربوبيته، "واليوم الآخر" يقول: ومن يؤمن باليوم الآخر، فيصدق بالبعث للجزاء والثواب والعقاب، ليتقي الله في نفسه، فلا يظلمها بضرار وليته ومنعها من نكاح من رضيته لنفسها، ممن أذنت لها في نكاحه. قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: "ذلك يوعظ به"، وهو خطاب لجميع، وقد قال من قبل: "فلا تعضلوهن"؟ واذا جاز أن يقال في خطاب الجميع "ذلك"، أفيجوز أن تقول لجماعة من الناس وأنت تخاطبهم: أيها القوم، هذا غلامك، وهذا خادمك، وأنت تريد: هذا خادمكم، وهذا غلامكم؟. قيل: لا، ان ذلك غير جائز مع الأسماء الموضوعات، لأن ما أضيف له الأسماء غيرها، فلا يفهم
سامع سمع قول قائل لجماعة: أيها القوم، هذا غلامك ، أنه عنى بذلك هذا غلامكم- الا على استخطاء الناطق في منطقه ذلك. فإن طلب لمنطقه ذلك وجها في الصواب، صرف كلامه ذلك إلى أنه انصرف عن خطاب القوم بما أراد خطابهم به، إلى خطاب رجل واحد منهم أو من غيرهم، وترك محاورة القوم بما أراد محاورتهم به من الكلام. وليس ذلك كذلك في ذلك ، لكثرة جري ذلك على ألسن العرب في منطقها وكلامها، حتى صارت الكاف- التي هي كناية اسم المخاطب فيها- كهيئة حرف من حروف الكلمة التي هي متصلة. وصارت الكلمة بها كقول القائل: هذا، كأنها ليس معها اسم مخاطب. فمن قال: "ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر"، أقر الكاف من ذلك موحدة مفتوحة في خطاب الواحدة من النساء، والواحد من الرجال، والتثنية، والجمع. ومن قال: ذلكم يوعظ به ، كسر الكاف في خطاب الواحدة من النساء، وفتح في خطاب الواحد من الرجال، وقال في خطاب الاثنين منهم: ذلكما، وفي خطاب الجمع: ذلكم . وقد قيل إن قوله: "ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله"، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك وحد، ثم رجع إلى خطاب المؤمنين بقوله: "من كان منكم يؤمن بالله" وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه، لم يكن فيه مؤونة.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلكم"،- نكاحهن أزواجهن ومراجعة أزواجهن إياهن، بما أباح لهن من نكاح ومهر جديد، "أزكى لكم"، أيها الأولياء والأزواج والزوجات. ويعني بقوله: "أزكى لكم"، أفضل وخير عند الله من فرقتهن أزواجهن. وقد دللنا فيما مضى على معنى الزكاة، فأغنى ذلك عن إعادته.
وأما قوله: "وأطهر"، فإنه يعني بذلك: أطهر لقلوبكم وقلوبهن وقلوب أزواجهن من الريبة. وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما- أعني الزوج والمرأة- علاقة حب، لم يؤمن أن يتجاوزا ذلك إلى غير ما أحله الله لهما، ولم يؤمن من أوليائهما أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعفهما أن يكونا منه بريئين. فأمر الله تعالى ذكره الأولياء- إذا أراد الأزواج التراجع بعد البينونة، بنكاح مستأنف، في الحال التي أذن لهما بالتراجع، أن لا يعضل وليته عما أرادت من ذلك، وأن يزوجها. لأن ذلك أفضل لجميعهم، وأطهر لقلوبهم مما يخاف سبوقه إليها من المعاني المكروهة. ثم أخبر تعالى ذكره عباده أنه يعلم من سرائرهم وخفيات أمورهم ما لا يعلمه بعضهم من بعض، ودلهم بقوله لهم ذلك في هذا الموضع، أنه إنما أمر أولياء النساء بإنكاح من كانوا أولياءه من النساء إذا تراضت المرأة والزوج الخاطب بينهم بالمعروف، ونهاهم عن عضلهن عن ذلك، لما علم مما في قلب الخاطب والمخطوبة من غلبة الهوى والميل من كل واحد منهما إلى صاحبه بالمودة والمحبة، فقال لهم تعالى ذكره: افعلوا ما أمرتكم به، إن كنتم تؤمنون بي، وبثوابي وبعقابي في معادكم في الآخرة، فإني أعلم من قلب الخاطب والمخطوبة ما لا تعلمونه من الهوى والمحبة. وفعلكم ذلك أفضل لكم عند الله ولهم، وأزكى وأطهر لقلوبكم وقلوبهن في العاجل.
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " فلا تعضلوهن " روي أن معقل بن يسار كانت أخته تحت أبي البداح فطلقها وتركها حتى انقضت عدتها ، ثم ندم فخطبها فرضيت وأبى أخوها أن يزوجها وقال : وجهي من وجهك حرام إن تزوجتيه ، فنزلت الآية ، قال مقاتل : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم معقلاً فقال : إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك عن البداح ، فقال : آمنت بالله ، وزوجها منه ، وروى البخاري عن الحسن : أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت : " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " وأخرجه أيضاً الدارقطني عن الحسن قال : حدثني معقل بن يسار قال : كانت لي أخت فخطبت إلي فكنت أمنعها الناس ، فأتى ابن عمر لي فخطبها فأنكحتها إياه ، فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقاً رجعياً ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها مع الخطاب ، فقلت : منعتها الناس وزوجتك إياها ثم طلقتها طلاقاً له رجعة ثم تركتها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها مع الخطاب ! لا أزوجك أبداً ! فأنزل الله ، أو قال أنزلت : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " ، فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه ، في رواية لـ البخاري : فحمي معقل من ذلك أنفاً ، وقال : خلى عنها وهو يقدر عليها ثم يخطبها ! فأنزل الله الآية ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه الآية فترك الحمية وانقاد لأمر الله تعالى وقيل : هو معقل بن سنان ( بالنون ) قال النحاس : رواه الشافعي في كتبه عن معقل بن يسار أو سنان : وقال الطحاوي هو معقل بن سنان .
الثانية : إذا ثبت هذا ففي الآية دليل على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل كانت ثيباً ، ولو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها ، ولم تحتج إلى وليها معقل ، فالخطاب إذاً في قوله تعالى : " فلا تعضلوهن " للأولياء ، وأن الأمر إليهم في التزويج مع رضاهن ، وقد قيل : إن الخطاب في ذلك للأزواج ، وذلك بأن الارتجاع مضارة ، عضلاً عن نكاح الغير بتطويل العدة عليها ، واحتج بها أصحاب أبي حنيفة على أن تزوج المرأة نفسها قالوا : لأن الله تعالى أضاف ذلك إليها كما قال : " فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " ولم يذكر الولي ، وقد تقدم القول في هذه المسألة مستوفى والأول أصح لما ذكرناه من سبب النزول ،والله أعلم .
الثالثة : قوله تعالى : " فإذا بلغن أجلهن " بلوغ الأجل في هذا الموضع : تناهيه ، لأن ابتداء النكاح إنما يتصور بعد انقضاء العدة ، " تعضلوهن " معناه تحبسوهن ، وحكى الخليل : دجاجة معضل : قد احتبس بيضها ، وقيل : العضل التضييق والمنع وهو راجع إلى معنى الحبس ، يقال : أمراً فعضلتني عنه أي منعتني عنه وضيقت علي ، وأعضل الأمر ، إذا ضاقت عليك فيه الحيل ، ومنه قولهم ، إنه لعضلة من العضل إذا كان لا يقدر على وجه الحيلة فيه وقال الزهري : أصل العضل من قولهم ، عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه ، وعضلت الدجاجة : نشب بيضها ، وفي حديث معاوية معضلة ولا أبا حسن ، أي مسألة صعبة ضيقة المخارج ، وقال طاوس : لقد وردت عضل أقضية ما قام بها إلا ابن عباس ،وكل مشكل عند العرب معضل ، ومنه قول الشافعي :
إذا المعضلات تصدينني كشفت حقائقها بالنظر
ويقال : أعضل الأمر إذا اشتد وداء عضال أي شديد عسر البرء أعيا الأطباء وعضل فلان أيمه أي منعها ، يعضلها ويعضلها ( بالضم والكسر ) لغتان .
الرابعة : قوله تعالى : " ذلك يوعظ به من كان " ولم يقل (( ذلكم )) لأنه محمول على معنى الجمع ، ولو كان (( ذلكم )) لجاز ، مثل " ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم " أي ما لكم فيه من الصلاح : " وأنتم لا تعلمون " ذلك .
قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: نزلت هذه الاية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين, فتنقضي عدتها, ثم يبدو له أن يتزوجها وأن يراجعها, وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك, فنهى الله أن يمنعوها. وكذا روى العوفي عنه عن ابن عباس أيضاً, وكذا قال مسروق وإبراهيم النخعي والزهري والضحاك: إنها أنزلت في ذلك, وهذا الذي قالوه ظاهر من الاية, وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها, وأنه لابد في النكاح من ولي, كما قاله الترمذي وابن جرير عند هذه الاية, كما جاء في الحديث "لا تزوج المرأة المرأة, ولا تزوج المرأة نفسها, فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" وفي الأثر الاخر "لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل" وفي هذه المسألة نزاع بين العلماء, محرر في موضعه من كتب الفروع, وقد قررنا ذلك في كتاب الأحكام, ولله الحمد والمنة.
وقد روي أن هذه الاية نزلت في معقل بن يسار المزني وأخته, فقال البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح عند تفسير هذه الاية: حدثنا عبيد الله بن سعيد, حدثنا أبو عامر العقدي, حدثنا عباد بن راشد, حدثنا الحسن, قال: حدثني معقل بن يسار, قال: كانت لي أخت تخطب إلي, قال البخاري: وقال إبراهيم عن يونس, عن الحسن, حدثني معقل بن يسار ، وحدثنا أبو معمر , وحدثنا عبد الوارث, حدثنا يونس عن الحسن, أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها, فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها, فأبى معقل, فنزلت " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه من طرق متعددة عن الحسن, عن معقل بن يسار به, وصححه الترمذي أيضاً, ولفظه عن معقل بن يسار , أنه زوج أخته رجلاً من المسلمين, على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت, ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت عدتها, فهويها وهويته, ثم خطبها مع الخطاب, فقال له: يا لكع بن لكع! أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها, والله لا ترجع إليك إبداً آخر ما عليك, قال: فعلم الله حاجته إليها, وحاجتها إلى بعلها, فأنزل الله "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن" إلى قوله "وأنتم لا تعلمون" فلما سمعها معقل قال: سمع لربي وطاعة ثم دعاه, فقال: أزوجك وأكرمك, زاد ابن مردويه: وكفرت عن يميني. وروى ابن جرير , عن ابن جريج, قال: هي جمل بنت يسار , كانت تحت أبي البداح. وقال سفيان الثوري, عن أبي إسحاق السبيعي, قال: هي فاطمة بنت يسار. وهكذا ذكر غير واحد من السلف, أن هذه الاية نزلت في معقل بن يسار وأخته. وقال السدي: نزلت في جابر بن عبد الله وابنة عم له والصحيح الأول والله أعلم.
وقوله " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " أي هذا الذي نهيناكم عنه من منع الولايا أن يتزوجن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف يأتمر به, ويتعظ به, وينفعل له "من كان منكم" أيها الناس " يؤمن بالله واليوم الآخر " أي يؤمن بشرع الله, ويخاف وعيد الله وعذابه, في الدار الاخرة, وما فيها من الجزاء "ذلكم أزكى لكم وأطهر" أي اتباعكم شرع الله, في رد الموليات إلى أزواجهن, وترك الحمية في ذلك أزكى لكم وأطهر لقلوبكم "والله يعلم" أي من المصالح, فيما يأمر به وينهى عنه "وأنتم لا تعلمون" أي الخيرة فيما تأتون, ولا فيما تذرون.
الخطاب في هذه الآية بقوله: 232- "وإذا طلقتم" وبقوله: "فلا تعضلوهن" إما أن يكون للأزواج، ويكون معنى العضل منهم أن يمنعوهن من أن يتزوجن من أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن لحمية الجاهلية، كما يقع كثيراً من الخلفاء والسلاطين غيرة على من كن تحتهم من النساء أن يصرن تحت غيرهم، لأنهم لما نالوه من رياسة الدنيا وما صاروا فيه من النخوة والكبرياء يتخيلون أنهم قد خرجوا من جنس بني آدم إلا من عصمه الله منهم بالورع والتواضع، وإما أن يكون الخطاب للأولياء، ويكون معنى إسناد الطلاق إليهم أنهم سبب له لكونهم المزوجين للنساء المطلقات من الأزواج المطلقين لهن. وبلوغ الأجل المذكور هنا المراد به المعنى الحقيقي: أي نهايته لا كما سبق في الآية الأولى. والعضل: الحبس. وحكى الخليل دجاجة معضلة قد احتبس بيضها، وقيل العضل: التضييق والمنع، وهو راجع إلى معنى الحبس، يقال: أردت أمراً فعضلتني عنه: أي منعتني وضيقت علي، وأعضل الأمر: إذا ضاقت عليك فيه الحيل. وقال الأزهري: أصل العضل من قولهم عضلت الناقة: إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه، وعضلت الدجاجة: نشب بيضها، وكل مشكل عند العرب معضل، ومنه قول الشافعي رحمه الله:
إذا المعضلات تصدين لي كشفت خفاء لها بالنظر
ويقال أعضل الأمر: إذا اشتد، وداء عضال: أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء، وعضل فلان آيمه: أي منعها. يعضلها بالضم والكسر لغتان. وقوله: "أن ينكحن" أي من أن ينكحن فمحله الجر عند الخليل، والنصب عند سيبويه والفراء، وقيل: هو بدل اشتمال من الضمير المنصوب في قوله: "فلا تعضلوهن". وقوله: "أزواجهن" إن أريد به المطلقون لهن فهو مجاز باعتبار ما كان، وإن أريد به من يردن أن يتزوجنه فهو مجاز باعتبار ما سيكون. وقوله: "ذلك" إشارة إلى ما فصل من الأحكام، وإنما أفرد مع كون المذكور قبله جمعاً حملاً على معنى الجمع بتأويله بالفريق ونحوه. وقوله: "ذلكم" محمول على لفظ الجمع، خالف سبحانه ما بين الإشارتين افتناناً. وقوله: "أزكى" أي أنمى وأنفع "وأطهر" من الأدناس "والله يعلم" ما لكم فيه الصلاح "وأنتم لا تعلمون" ذلك.
وقد أخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت فأتاني ابن عم فأنكحتها إياه، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقلت له: يا لكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها، والله لا ترجع إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله حاجته إليها وحاجته إلى بعلها فأنزل الله "وإذا طلقتم النساء" الآية. قال: ففي نزلت هي الآية، فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها ثم يبدو له تزويجها وأن يراجعها وتريد المرأة ذلك، فمنعها وليها من ذلك، فنهى الله أن يمنعوها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال: نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله الأنصاري، كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها، فأراد مراجعتها فأبى جابر، فقال: طلقت بنت عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية، وكانت المرأة تريد زوجها، فأنزل الله "وإذا طلقتم النساء". وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل "إذا تراضوا بينهم بالمعروف" يعني بمهر وبينة ونكاح مؤتنف. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنكحوا الأيامى، فقال رجل: يا رسول الله ما العلائق بينهم؟ قال: ما تراضى عليهن أهلهن". وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" قال: الله يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلم أنت أيها الولي.
232. " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن " نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار المزني، كانت تحت أبي البداح عاصم بن عدي بن عجلان فطلقها.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أخبرنا أحمد بن أبي عمرو حدثني أبي حدثني إبراهيم عن يونس عن الحسن قال حدثني معقل بن يسار قال زوجت أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها؟ لا والله لا تعود إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " فقلت: الآن أفعل يارسول اللهن قال: فزوجتها إياه.
قوله تعالى: " فبلغن أجلهن " أي انقضت عدتهن " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " أي لا تمنعوهن عن النكاح، والعضل: المنع، وأصله الضيق والشدة، يقال: عضلت المرأة إذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج، والداء العضال الذي لا يطاق، وفي الآية دليل على أن المرأة لا تلي عقد النكاح إذ لو كانت تملك ذلك لم يكن هناك عضل ولا لنهي الولي عن العضل معنى، وقيل الآية خطاب مع الأزواج لمنعهم من الإضرار لأن ابتداء الآية خطاب معهم، والأول أصح.
" إذا تراضوا بينهم بالمعروف " بعقد حلال ومهر جائز " ذلك " أي ذلك الذي ذكر من النهي " يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " وإنما قال ذلك موحداً، والخطاب للأولياء لأن الأصل في مخاطبة الجمع: ذلكم، ثم كثر حتى توهموا أن الكاف من نفس الحرف وليست بكاف خطاب فقالوا ذلك، فإذا قالوا هذا كانت الكاف موحدة منصوبة في الاثنين والجمع والمؤنث والمذكر قيل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلذلك وحد ثم رجع إلى خطاب المؤمنين فقال " ذلكم أزكى لكم " أي خير لكم " وأطهر " لقلوبكم من الريبة وذلك أنه إذا كان في نفس كل واحد منهما ما لعلهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " أي يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه مالا تعلمون أنتم.
232-" وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن " أي انقضت عدتهن ، وعن الشافعي رحمه الله تعالى دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين . " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " المخاطب به الأولياء لما روي ( أنها نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته جميلاء أن ترجع إلى زوجها الأول بالاستئناف ) فيكون دليلاً على أن المرأة لا تزوج نفسها ، إذ لو تمكنت منه لم يكن لعضل الولي معنى ، ولا يعارض بإسناد النكاح إليهن لأنه بسبب توقفه على إذنهن . وقيل الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد مضي العدة ولا يتركونهن يتزوجن عدواناً وقسراً ، لأنه جواب قوله " وإذا طلقتم النساء " . وقيل الأولياء والأزواج . وقيل الناس كلهم ، والمعنى : لا يوجد فيما بينكم هذا الأمر فإنه إذا وجد بينهم وهم راضون به كانوا الفاعلين له . والعضل الحبس والتضييق منه عضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج . " إذا تراضوا بينهم " أي الخطاب والنساء وهو ظرف لأنه ينكحن أو لا تعضلوهن . " بالمعروف " بما يعرفه الشرع وتستحسنه المروءة ، حال من الضمير المرفوع ، أو صفة لمصدر محذوف ، أو تراضياً كائناً بالمعروف . وفيه دلالة على أن العضل عن التزوج من غير كفؤ غير منهي عنه . " ذلك " إشارة إلى ما مضى ذكره ، والخطاب للجميع على تأويل القبيل ، أو كل واحد ، أو أن الكاف لمجرد الخطاب . والفرق بين الحاضر والمنقضي دون تعيين المخاطبين ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " للدلالة على أن حقيقة المشار إليه أمر لا يكاد يتصوره كل أحد . " يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " لأنه المتعظ به والمنتفع . " ذلكم " أي العمل بمقتضى ما ذكر . " أزكى لكم " أنفع . " وأطهر " من دنس الآثام . " والله يعلم " ما فيه النفع والصلاح . " وأنتم لا تعلمون " لقصور علمكم .
232. And when ye have divorced women and they reach their term, place not difficulties in the way of their marrying their husbands if it is agreed between them in kindness. This is an admonition for him among you who believeth in Allah and the Last Day. That is more virtuous for you, and cleaner. Allah knoweth: ye know not.
232 - When you divorce women, and they fulfil the term of their (Iddat), do not prevent them from marrying their (former) husbands, if they mutually agree on equitable terms. this instruction is for all amongst you, who believe in God and the last day. that is (the course making for) most virtue and purity amongst you. and God knows, and ye know not.