24 - (إنما مثل) صفة (الحياة الدنيا كماء) مطر (أنزلناه من السماء فاختلط به) بسببه (نبات الأرض) واشتبك بعضه ببعض (مما يأكل الناس) من البر والشعير وغيرهما (والأنعام) من الكلأ (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) بهجتها من النبات (وازَّينت) بالزهر وأصله تزينت أبدلت التاء زاياً وأدغمت في الزاي (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) متمكنون من تحصيل ثمارها (أتاها أمرنا) قضاؤنا أو عذابنا (ليلاً أو نهاراً فجعلناها) أي زرعها (حصيداً) كالمحصود بالمناجل (كأنْ) مخففة أي كأنها (لم تغن) تكن (بالأمس كذلك نفصِّل) نبيِّن (الآيات لقوم يتفكرون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما مثل ما تباهون في الدنيا وتفاخرون به من زينتها وأموالها مع ما قد وكل بذلك من التكدير والتنغيص، وزواله بالفناء والموت، كمثل ماء أنزلناه من السماء، يقول: كمطر أرسلناه من السماء إلى الأرض، " فاختلط به نبات الأرض "، يقول: فنبت بذلك المطر أنواع من النبات، مختلط بعضها ببعض، كما.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض "، قال: اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس، كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار، وما يأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي.
وقوله: " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها "، يعني: ظهر حسنها وبهاؤها، " وازينت "، يقول: وتزينت، " وظن أهلها "، يعني: أهل الأرض " أنهم قادرون عليها "، يعني: على ما أنبتت.
وخرج الخبر عن ((الأرض)) والمعنى للنبات، إذ كان مفهوماً بالخطاب ما عني به.
وقوله: " أتاها أمرنا ليلا أو نهارا "، يقول: جاء الأرض، " أمرنا "، يعني: قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات، إما ليلاً وإما نهاراً، " فجعلناها "، يقول: فجعلنا ما عليها، " حصيدا "، يعني: مقطوعة مقلوعة من أصولها.
وإنما هي ((محصودة)) صرفت إلى ((حصيد)).
" كأن لم تغن بالأمس "، يقول: كأن لم تكن تلك الزروع والنبات على ظهر الأرض نابتةً قائمة على الأرض قبل ذلك بالأمس.
وأصله من: ((غني فلان بمكان كذا، يغنى به))، إذا أقام به، كما قال النابغة الذبياني:
غنيت بذلك إذ هم لك جيرة منها بعطف رسالة وتودد
يقول: فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم وزخرفها، فيفنيها ويهلكها، كما أهلك أمرنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حسنها وبهجتها، حتى صارت كأن لم تغن بالأمس، كأن لم تكن قبل ذلك نباتاً على ظهرها.
يقول جل ثناؤه: " كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون "، يقول: كما بينا لكم، أيها الناس، مثل الدنيا وعرفناكم حكمها وأمرها، كذلك نبين حججنا وأدلتنا لمن تفكر واعتبر ونظر. وخص به أهل الفكر، لأنهم أهل التمييز بين الأمور، والفحص على حقائق ما يعرض من الشبه في الصدور.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر م قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها "، الآية، إي والله، لئن تشبث بالدنيا وحدب عليها، لتوشك الدنيا أن تلفظه وتقضي منه.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " وازينت "، قال: أنبتت وحسنت.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: سمعت مروان يقرأ على المنبر هذه الآية: ((حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها))، قال: قد قرأتها وليست في المصحف. فقال عباس بن عبد الله بن العباس: هكذا يقرؤها ابن عباس. فأرسلوا إلى ابن عباس فقال: هكذا أقرأني أبي بن كعب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " كأن لم تغن بالأمس "، يقول: كأن لم تعش، كأن لم تنعم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا أبو أسامة، عن اسمعيل قال، سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: في قراءة أبي ((كأن لم تغن بالأمس وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)).
واختلفت القرأة في قراءة قوله: " وازينت ".
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: " وازينت "، بمعنى: وتزينت، ولكنهم أدغموا التاء في الزاي، لتقارب مخرجيهما، وأدخلوا ألفاً ليوصل إلى قراءته، إذ كانت التاء قد سكنت، والساكن لا يبتدأ به.
وحكي عن أبي العالية ، وأبي رجاء، والأعرج، وجماعة أخر غيرهم، أنهم قرأوا ذلك: ((وأزينت))، على مثال ((أفعلت)).
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك: " وازينت "، لإجماع الحجة من القرأة عليها.
قوله تعالى: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء" معنى الآية التشبيه والتمثيل، أي صفة الحياة الدنيا في فنائها وزوالها وقلة خطرها والملاذ بها كماء، أي مثل ماء، فالكاف في موضع رفع. وسيأتي لهذا التشبيه مزيد بيان في الكهف إن شاء الله تعالى. أنزلناه من السماء نعت لـماء. "فاختلط" روي عن نافع أنه وقف على فاختلط أي فاختلط الماء بالأرض، ثم ابتدأ به نبات الأرض أي بالماء نبات الأرض، فأخرجت ألواناً من النبات، فنبات على هذا ابتداء، وعلى مذهب من لم يقف على فاختلط. مرفوع باختلط، أي اختلط النبات بالمطر، أي شرب منه فتندى وحسن وأخضر. والاختلاط تداخل الشيء بعضه في بعض.
قوله تعالى: "مما يأكل الناس" من الحبوب والثمار والبقول. "والأنعام" من الكلإ والتبن والشعير. "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها" أي حسنها وزينتها. والزخرف كمال حسن الشيء، ومنه قيل للذهب: زخرف. "وازينت" أي بالحبوب والثمار والأزهار، والأصل تزينت أدغمت التاء في الزاء وجيء بألف الوصل، لأن الحرف المدغم مقام حرفين الأول منهما ساكن والساكن لا يمكن الابتداء به. وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وتزينت على الأصل. وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية وأزينت أي أتت بالزينة عليها، أي الغلة والزرع، وجاء بالفعل على أصله ولو أعله لقال وازانت. وقال عوف بن أبي جميلة الأعرابي: قرأ أشياخنا وازيانت وزنه اسوادت. وفي رواية المقدمي وازاينت والأصل فيه تزاينت، وزنه تقاعست ثم أدغم. وقرأ الشعبي وقتادة وأزينت مثل أفعلت. وقرأ أبو عثمان النهدي وازينت مثل افعلت، وعنه أيضاً وازيانت مثل افعالت، وروي عنه ازيأنت بالهمزة، ثلاث قراءات.
قوله تعالى: "وظن أهلها" أي أيقن. "أنهم قادرون عليها" أي على حصادها والانتفاع بها، أخبر عن الأرض والمعني النبات إذا كان مفهوماً وهو منها. وقيل: رد إلى الغلة، وقيل: إلى الزينة. "أتاها أمرنا" أي عذابنا، أو أمرنا بهلاكها. "ليلا أو نهارا" ظرفان. "فجعلناها حصيدا" مفعولان، أي محصودة مقطوعة لا شيء فيها. وقال حصيداً ولم يؤنث لأنه فعيل بمعنى مفعول. قال أبو عبيد: الحصيد المستأصل. "كأن لم تغن بالأمس" أي لم تكن عامرة، من غني إذا أقام فيه وعمره. والمغاني في اللغة: المنازل التي يعمرها الناس. وقال قتادة: كأن لم تنعم. قال لبيد:
وغنيت سبتاً قبل مجرى داحس لو كان للنفس اللجوج خلود
وقراءة العامة تغن بالتاء لتأنيث الأرض. وقرأ قتادة يغن بالياء، يذهب به إلى الزخرف، يعني فكما يهلك هذا الزرع هكذا كذلك الدنيا. "نفصل الآيات" أي نبينها. "لقوم يتفكرون" في آيات الله.
ضرب تبارك وتعالى مثلاً لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها, بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض, بماء أنزل من السماء, مما يأكل الناس من زروع وثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها, وما تأكل الأنعام من أب وقضب وغير ذلك, "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها" أي زينتها الفانية "وازينت" أي حسنت بما خرج من رباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان "وظن أهلها" الذين زرعوها وغرسولها "أنهم قادرون عليها" أي على جذاذها وحصادها, فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة, فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها, ولهذا قال تعالى: "أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً" أي يابساً بعد الخضرة والنضارة "كأن لم تغن بالأمس" أي كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك. وقال قتادة: كأن لم تغن كأن لم تنعم, وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن.
ولهذا جاء في الحديث "يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول: لا, ويؤتى بأشد الناس عذاباً في الدنيا فيغمس في النعيم غمسة ثم يقال له هل رأيت بؤساً قط ؟ فيقول لا" وقال تعالى إخباراً عن المهلكين: " فأصبحوا في دارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها " ثم قال تعالى: " كذلك نفصل الآيات " أي نبين الحجج والأدلة "لقوم يتفكرون" فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعاً مع اغترارهم بها, وتمكنهم وثقتهم بمواعيدها وتفلتها عنهم, فإن من طبعها الهرب ممن طلبها, والطلب لمن هرب منها, وقد ضرب الله تعالى مثل الدنيا بنبات الأرض في غير ما آية من كتابه العزيز, فقال في سورة الكهف: "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً" وكذا في سورة الزمر والحديد, يضرب الله بذلك مثل الحياة الدنيا. وقال ابن جرير: حدثني الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: سمعت مروان يعني ابن الحكم, يقرأ على المنبر: وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها, وما كان الله ليهلكهم إلا بذنوب أهلها. قال قد قرأتها وليست في المصحف, فقال عباس بن عبد الله بن عباس هكذا يقرؤها ابن عباس, فأرسلوا إلى ابن عباس فقال هكذا أقرأني أبي بن كعب, وهذه قراءة غريبة وكأنها زيدت للتفسير.
وقوله تعالى: "والله يدعو إلى دار السلام" الاية. لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها, رغب في الجنة ودعا إليها وسماها دار السلام أي من الافات, والنقائص والنكبات فقال: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " قال أيوب عن أبي قلابة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل لي لتنم عينك وليعقل قلبك ولتسمع أذنك, فنامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني ثم قيل لي: مثلي ومثل ما جئت كمثل سيد بنى داراً ثم صنع مأدبة وأرسل داعياً فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد, ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ولو يرض عنه السيد, والله السيد والدار والإسلام والمأدبة الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم" وهذا الحديث مرسل, وقد جاء متصلاً من حديث الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال "إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً, فقال اسمع سمعت أذنك, واعقل عقل قلبك, إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه, فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة, وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل منها" رواه ابن جرير, وقال قتادة: حدثني خليد العصري عن أبي الدرداء مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" قال وأنزل في قوله يا أيها الناس هلموا إلى ربكم "والله يدعو إلى دار السلام" الاية. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
لما ذكر الله سبحانه ما تقدم من متاع الدنيا جاء بكلام مستأنف يضمن بيان حالها وسرعة تقضيها، وأنها تعود بعد أن تملأ الأعين برونقها، وتجتلب النفوس ببهجتها. وتحمل أهلها على أن يسفكوا دماء بعضهم بعضاً، ويهتكوا حرمهم حباً لها وعشقاً لجمالها الظاهري، وتكالباً على التمتع بها، وتهافتاً على نيل ما تشتهي الأنفس منها بضرب من التشبيه المركب، فقال: 24- "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء" إلى آخر الآية. والمعنى: أن مثلها في سرعة الذهاب والاتصاف بوصف يضاد ما كانت عليه ويباينه، مثل ما على الأرض من أنواع النبات في زوال رونقه وذهاب بهجته وسرعة تقضيه، بعد أن كان غضاً مخضراً طرياً قد تعانقت أغصانه المتمايلة، وزهت أوراقه المتصافحة، وتلألأت أنوار نوره، وحاكت الزهر أنواع زهره، وليس المشبه به هو ما دخله الكاف في قوله: "كماء أنزلناه من السماء" بل ما يفهم من الكلام، والباء في "فاختلط به نبات الأرض" للسببية: أي فاختلط بسببه نبات الارض بأن اشتبك بعضه ببعض حتى بلغ إلى حد الكمال، ويحتمل أن يراد أن النبات كان في أول بروزه ومبدأ حدوثه غير مهتز ولا مترعرع فإذا نزل الماء عليه اهتز وربا حتى اختلط بعض الأنواع ببعض "مما يأكل الناس والأنعام" من الحبوب والثمار والكلأ والتبن وأخذت الأرض زخرفها. قال في الصحاح الزخرف: الذهب، ثم يشبه به كل مموه مزور انتهى. والمعنى: أن الأرض أخذت لونها الحسن المشابه بعضه للون الذهب، وبعضه للون الفضة، وبعضه للون الياقوت، وبعضه للون الزمرد. وأصل ازينت: تزينت أدغمت التاء في الزاي وجيء بألف الوصل لأن الحرف المدغم مقام حرفين أولهما ساكن، والساكن لا يمكن الابتداء به. وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وتزينت على الأصل. وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية وأزينت على وزن أفعلت: أي أزينت الزينة التي عليها، شبهها بالعروس التي تلبس الثياب الجيدة المتلونة ألواناً كثيرة. وقال عوف بن أبي جميلة. قرأ أشياخنا وازيانت على وزن اسوادت، وفي رواية المقدمي وازانت والأصل فيه تزاينت على وزن تفاعلت. وقرأ الشعبي وقتادة أزينت، ومعنى هذه القراءات كلها هو ما ذكرنا "وظن أهلها أنهم قادرون عليها" أي غلب على ظنونهم أو تيقنوا أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها، والضمير في عليها للأرض، والمراد النبات الذي هو عليها "أتاها أمرنا" جواب إذا، أي جاءها أمرنا بإهلاكها واستئصالها وضربها ببعض العاهات "فجعلناها حصيداً" أي جعلنا زرعها شبيهاً بالمحصود في قطعه من أصوله. قال أبو عبيدة: الحصيد المستأصل "كأن لم تغن بالأمس" أي كأن لم يكن زرعها موجوداً فيها بالأمس مخضراً طرياً، من غني بالمكان بالكسر يغني بالفتح إذا أقام به، والمراد بالأمس الوقت القريب، والمغاني في اللغة المنازل. وقال قتادة: كأن لم تنعم، قال لبيد:
غنيت سنينا قبل مجرى داحس لو كان للنفس اللجوج خلود
وقرأ قتادة "كأن لم يغن" بالتحتية بإرجاع الضمير إلى الزخرف. وقرأ من عداه "تغن" بالفوقية بإرجاع الضمير إلى الأرض "كذلك" أي مثل ذلك التفصيل البديع "نفصل الآيات" القرآنية التي من جملتها هذه الآية "لعلهم يتفكرون" فيما اشتملت عليه، ويجوز أن يراد الآيات التكوينية.
24-قوله عز وجل: "إنما مثل الحياة الدنيا"، في فنائها وزوالها، "كماء أنزلناه من السماء فاختلط به"، أي: بالمطر، "نبات الأرض"، قال ابن عباس: نبت بالماء من كل لون، "مما يأكل الناس"، من الحبوب والثمار، "والأنعام"، من الحشيش، "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها"، حسنها وبهجتها وظهر الزهر أخضر وأحمر وأصفر وأبيض "وازينت". أي: تزينت، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود: تزينت. "وظن أهلها أنهم قادرون عليها"، على جذاذها وقطافها وحصادها، رد الكناية إلى الأرض.
والمراد: النبات إذ كان مفهوما، وقيل: ردها إلى الغلة. وقيل: إلى الزينة. "أتاها أمرنا"، قضاؤنا، بإهلاكها، "ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً"، أي: محصودة مقطوعة، "كأن لم تغن بالأمس"، كأن لم تكن بالأمس، وأصله من غني بالمكان إذا أقام به وقال قتادة: معناه إن المتشبث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون. "كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون".
24."إنما مثل الحياة الدنيا"حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها."كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض"فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً ."مما يأكل الناس والأنعام"من الزروع والبقول والحشيش."حتى إذا أخذت الأرض زخرفها" حسنها وبهجتها."وازينت" تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزين فتزينت بها " وازينت" أصله تزينت فأدغم وقد قرأ على الأصل " وازينت" على أفعلت من غير إعلال كاغيلت ، والمعنى صارت ذات زينة (وازيانت )كابياضت . "وظن أهلها أنهم قادرون عليها"متمكنون من حصدها ورفع غلتها."أتاها أمرنا"ضرب زرعها ما يحتاجه ."ليلاً أو نهاراً فجعلناها"فجعلنا زرعها."حصيداً" شبيهاً بما حصد من أصله ."كأن لم تغن" كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث ، والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة وقرء بالياء على الأصل ."بالأمس"فيما قبيله وهو مثل في الوقت القريب والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاماً بعدما كان غضاً والتف، وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الجوائح لا الماء وإن وليه حرف التشبيه لأنه من التشبيه المركب."كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون"فإنهم المنتفعون به.
24. The similitude of the life of the world is only as water which We send down from the sky, then the earth's growth of that which men and cattle eat mingleth with it till, when the earth hath taken on her ornaments and is embellished, and her people deem that they are masters of her, Our commandment cometh by night or by day and we make it as reaped corn as if it had not flourished yesterday. Thus do We expound the revelations for people who reflect.
24 - The likeness of the life of the present is as the rain which we send down from the skies: by its mingling arises the produce of the earth which provides food for men and animals: (it grows) till the earth is clad with its golden ornaments and is decked out (in beauty): the people to whom it belongs think they have all powers of disposal over it: there reaches it our command by night or by day, and we make it like a harvest clean mown, as if it had not flourished only the day before thus do we explain the signs in detail for those who reflect.