25 - (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم) في صنعه (عليم) بخلقه
يقول تعالى ذكره : "وإنا لنحن نحيي" من كان ميتاً إذا اردنا "ونميت" من كان حياً إذا شئنا "ونحن الوارثون" يقول : ونحن نرث الأرض ومن عليها بأن نميت جميعهم ، فلا يبقى حي سوانا إذا جاء ذلك الأجل . وقوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولقد علمنا من مضى من الأمم ، فتقدم هلاكهم ، ومن قد خلق وهي حي ، ومن لم يخلق بعد ممن سيخلق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال : المستقدمون : من قد خلق ومن خلا من الأمم ، والمستأخرون : من لم يخلق .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن سعيد بن مسروق ، عن عكرمة ، في قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال: هم خلق الله كلهم ، قد علم من خلق منهم إلى اليوم ، وقد علم من هو خالقه بعد اليوم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن التمي ، عن أبيه ، عن عكرمة ، قال : إن الله خلق الخلق ففرغ منهم ، فالمستقدمون : من خرج من الخلق ، والمستأخرون : من بقي في أصلاب الرجال لم يخرج .
حدثني محمد بن أبي معشر ، قال : أخبرني أبو معشر ، قال : سمعت عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يذاكر محمد بن كعب في قول الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" فقال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : خير صفوف الرجال المقدم ، وشر صفوف الرجال المؤخر ، وخير صفوف النساء المؤخر ، وشر صفوف النساء المقدم ، فقال محمد بن كعب : ليس هكذا ،ولقد علمنا المستقدمين منكم : الميت والمقتول . والمستأخرين : من يلحق بهم من بعد ، وإن ربك هو يحشرهم ، إنه حكيم عليم ، فقال عون بن عبد الله : وفقك الله وجزاك خيراً .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : قال قتادة : المستقدمين : من مضى ، والمستأخرين : من بقي في أصلاب الرجال .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، قال : حدثنا سعيد بن مسروق ، عن عكرمة وخصيف ، عن مجاهد ، في قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قالا : من مات ومن بقي .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم" قال : كان ابن عباس يقول : آدم صلى الله عليه وسلم ومن مضى من ذريته "ولقد علمنا المستأخرين" : من بقي في أصلاب الرجال .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال : المستقدمون آدم ومن بعده ، حتى نزلت هذه الآية .
والمستأخرون : قال : كل من كان من ذريته .
قال أبو جعفر : أظنه أنا قال : ما لم يخلق ، وما هو مخلوق .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابيه ، عن عكرمة ، قال : المستقدمون : ما خرج من أصلاب الرجال . والمستأخرون : ما لم يخرج . ثم قرأ "وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم" .
وقال آخرون : عنى بالمستقدمين : الذين قد هلكوا ، والمستأخرين : الأحياء الذين لم يهلكوا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن ابيه ، عن ابن عباس ، قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" يعني بالمستقدمين : من مات ، ويعني بالمستأخرين : من هو حي لم يمت .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم" يعني : الأموات منكم "ولقد علمنا المستأخرين" بقيتهم ، وهم الأحياء ، يقول : علمنا من مات ومن بقي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال : المستقدمون منكم : الذين مضوا في أول الأمم . والمستأخرون : الباقون .
وقال آخرون : بل معناه : ولقد علمنا المستقدمين في أول الخلق ، والمستأخرين في آخرهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال :حدثنا داود ، عن عامر في هذه الآية ، "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال : قال : أول الخلق وآخره .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، في قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" : ما استقدم في أول الخلق ، وما استأخر في آخر الخلق .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال :حدثنا علي بن عاصم ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، في قوله : "ولقد علمنا المستقدمين منكم" قال: في العصر ، والمستأخرين منكم في أصلاب الرجال ، وأرحام النساء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولقد علمنا المستقدمين من الأمم ، والمستأخرين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال :حدثنا ورقاء ، وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : أخبرنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : المستقدمين منكم ، قال : القرون الأول ، والمستأخرين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ،عن مجاهد، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثني عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال : المستقدمون : ما مضى من الأمم ، والمستأخرون : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد الملك ، عن مجاهد ، بنحوه ، ولم يذكر قيساً .
وقال آخرون : بل معناه : وقد علمنا المستقدمين منكم في الخير ، والمستأخرين عنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ،قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال : كان الحسن يقول : المستقدمون في طاعة الله ، والمستأخرون في معصية الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : اخبرنا هشيم ، عن عباد بن راشد ،عن الحسن ، قال : المستقدمين في الخير ، والمستأخرين : يقول : المبطئين عنه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة ، والمستأخرين فيها ، بسبب النساء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن رجل أخبرنا عن مروان بن الحكم أنه قال : كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء ، قال : فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال :أخبرنا جعفر بن سليمان ، قال : أخبرني عمرو بن مالك ، قال : سمعت ابا الجوزاء يقول في قول الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" قال : المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة والمستأخرين .
حدثني محمد بن موسى الحرسي ، قال : حدثنا نوح بن قيس ، قال : حدثنا عمرو بن مالك ، عن ابي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال : كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ، قال ابن عباس : لا والله ما إن رأيت مثلها قط ، فكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا ، وبعض يستأخرون ، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم ، فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبيد الله موسى ، قال : أخبرنا نوح بن قيس ، وحدثنا أبو كريب ، قال حدثنا مالك بن إسماعيل ، قال : حدثنا نوح بن قيس ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس ،فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها ، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه في الصف ، فأنزل الله في شأنها "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصحة قول من قال : معنى ذلك : ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدم موته ، ولقد علمنا المستأخرخرأين الذين استأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد لدلالة ما قبله من الكلام ، وهو قوله "وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون" وما بعده وهو قوله "وإن ربك هو يحشرهم" على أن ذلك كذلك ، إذ كان بين هذين الخبرين ، ولم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدل على خلافه ، ولا جاء بعد ، وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف ، لشأن النساء والمستأخرين فيه لذلك ، ثم يكون الله عز وجل عم بالمعنى المراد منه جميع الخلق ، فقال جل ثناؤه لهم : قد علمنا ما مضى من الخلق وأحصيناهم ، وما كانوا يعملون ، ومن هو حي منكم ، ومن هو حادث بعدكم أيها الناس ، وأعمال جميعكم خيرها وشرها ،وأحصينا جميع ذلك ، ونحن نحشر جميعهم ، فنجازي كلا بأعماله ، إن خيراً فخيراً ، وإن شراً فشراً ، فيكون ذلك تهديداً ووعيداً للمستأخرين في الصفوف لشأن النساء ، ولكل من تعدى حد الله ، وعمل بغير ما أذن له به ، ووعداً لمن تقدم في الصفوف لسبب النساء ، وسارع إلى محبة الله ورضوانه في أفعاله كلها .
وقوله : "وإن ربك هو يحشرهم" يعني بذلك جل ثناؤه : وإن ربك يا محمد هو يجمع جميع الأولين والآخرين عنده يوم القيامة ، أهل الطاعة منهم والمعصية ، وكل أحد من خلقه ، المستقدمين منهم والمستأخرين .
وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وإن ربك هو يحشرهم" قال : أي الأول والآخر .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو خالد القرشي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، في قوله : "وإن ربك هو يحشرهم" ، قال : هذا من ها هنا ،وهذا من ها هنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ،عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : "وإن ربك هو يحشرهم" ، قال: وكلهم ميت ، ثم يحشرهم ربهم .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا علي بن عاصم ،عن داود بن أبي هند ، عن عامر : "وإن ربك هو يحشرهم" ، قال : يجمعهم الله يوم القيامة جميعاً ، قال الحسن : قال علي : قال داود : سمعت عامراً يفسر قوله "إنه حكيم عليم" يقول: إن ربك حكيم في تدبيره خلقه في إحيائهم إذا أحياهم ،وفي إماتتهم إذا أماتهم ،عليم بعددهم وأعمالهم ، وبالحي منهم والميت ، والمستقدم منهم والمستأخر .
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن قتادة ، قال : كل أولئك قد علمهم الله ، يعني المستقدمين والمستأخرين .
قوله تعالى: " وإن ربك هو يحشرهم " أي للحساب والجزاء. " إنه حكيم عليم " تقدم.
يخبر تعالى أنه مالك كل شيء وأن كل شيء سهل عليه يسير لديه, وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف "وما ننزله إلا بقدر معلوم" كما يشاء وكما يريد, ولما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة بعباده لا على جهة الوجوب بل هو كتب على نفسه الرحمة قال يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله: ما من عام بأمطر من عام, ولكن الله يقسمه بينهم حيث شاء عاماً ههنا وعاماً ههنا, ثم قرأ "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" الاية, رواه ابن جرير, وقال أيضاً: حدثنا القاسم, حدثنا هشيم, أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عتيبة في قوله: "وما ننزله إلا بقدر معلوم" قال: ما عام بأكثر مطراً من عام ولا أقل, ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون بما كان في البحر, قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس, وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت.
وقال البزار: حدثنا داود هو ابن بكير, حدثنا حيان بن أغلب بن تميم, حدثني أبي عن هشام, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خزائن الله الكلام, فإذا أراد شيئاً قال له كن فكان" ثم قال: لا يرويه إلا أغلب وليس بالقوي, وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين, ولم يروه عنه إلا ابنه. وقوله تعالى: "وأرسلنا الرياح لواقح" أي تلقح السحاب فتدر ماء, وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها, وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم, فإنه أفردها ووصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج, لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعداً.
وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو, عن قيس بن السكن, عن عبد الله بن مسعود في قوله: "وأرسلنا الرياح لواقح" قال: ترسل الريح فتحمل الماء من السماء, ثم تمرى السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة, وكذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة. وقال الضحاك: يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلىء ماء. وقال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قماً, ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب, ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب, ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر, ثم تلا "وأرسلنا الرياح لواقح".
وقد روى ابن جرير من حديث عبيس بن ميمون عن أبي المهزم عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الريح الجنوب من الجنة, وهي التي ذكر الله في كتابه, وفيها منافع للناس" وهذا إسناد ضعيف, وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده. حدثنا سفيان, حدثنا عمرو بن دينار, أخبرني يزيد بن جعدية الليثي أنه سمع عبد الرحمن بن مخراق يحدث عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق في الجنة ريحاً بعد الريح بسبع سنين, وإن من دونها باباً مغلقاً, وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب, ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء, وهي عند الله الأذيب, وهي فيكم الجنوب".
وقوله: "فأسقيناكموه" أي أنزلناه لكم عذباً يمكنكم أن تشربوا منه لو نشاء جعلناه أجاجاً, كما نبه على ذلك في الاية الأخرى في سورة الواقعة, وهو قوله تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ؟ * لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون", وفي قوله: "هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون". وقوله: "وما أنتم له بخازنين" قال سفيان الثوري: بما نعين, ويحتمل أن المراد وما أنتم له بحافظين, بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معيناً وينابيع في الأرض, ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به, ولكن من رحمته أنزله وجعله عذباً, وحفظه في العيون والابار والأنهار وغير ذلك, ليبقى لهم في طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم.
وقوله: "وإنا لنحن نحيي ونميت" إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته, وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم, ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع, وأخبر أنه تعالى يرث الأرض ومن عليها, وإليه يرجعون, ثم أخبر تعالى عن تمام علمه بهم أولهم وآخرهم, فقال: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الاية, قال ابن عباس رضي الله عنهما: المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام, والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة, وروي نحوه عن عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب والشعبي وغيرهم, وهو اختيار ابن جرير رحمه الله.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه, عن رجل, عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وقد ورد فيه حديث غريب جداً, فقال ابن جرير: حدثني محمد بن موسى الجرشي, حدثنا نوح بن قيس, حدثنا عمرو بن قيس, حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء, قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط, وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا, يعني لئلا يروها, وبعض يستأخرون, فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره, ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما, وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني, وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما, وحكي عن ابن معين تضعيفه, وأخرجه مسلم وأهل السنن, وهذا الحديث فيه نكارة شديدة, وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان, عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" في الصفوف في الصلاة " المستأخرين " فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط, ليس فيه لابن عباس ذكر, وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح بن قيس, والله أعلم, وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر, عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" وأنها في صفوف الصلاة, فقال محمد بن كعب: ليس هكذا "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الميت والمقتول " المستأخرين " من يخلق بعد "وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم" فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيراً.
25- "وإن ربك هو يحشرهم" أي هو المتولي لذلك القادر عليه دون غيره كما يفيده ضمير الفصل من الحصر. وفيه أنه سبحانه يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لأنه الأمر المقصود من الحشر "إنه حكيم" يجري الأمور على ما تقتضيه حكمته البالغة "عليم" أحاط علمه بجميع الأشياء لا يخفى عليه شيء منها، ومن كان كذلك فله القدرة البالغة على كل شيء مما وسعه وعلمه، وجرى فيه حكمه سبحانه لا إله إلا هو.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله:"ولقد جعلنا في السماء بروجاً" قال: كواكب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: الكواكب العظام. وأخرج أيضاً عن عطية قال: قصوراً في السماء فيها الحرس. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة الرجيم: الملعون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إلا من استرق السمع" أراد أن يخطف السمع كقوله: "إلا من خطف الخطفة". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: كان ابن عباس يقول إن الشهب لا تقتل، ولكن تحرق وتخبل وتجرح من غير أن تقتل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله: "وأنبتنا فيها من كل شيء موزون" قال: معلوم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "من كل شيء موزون" قال: بقدر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال الأشياء التي توزن. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: ما أنبتت الجبال مثل الكحل وشبهه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "ومن لستم له برازقين" قال: الدواب والأنعام. وأخرج هؤلاء عن منصور قال: الوحش. وأخرج البزار وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خزائن الله الكلام، فإذا أراد شيئاً قال له كن فكان". وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: "إلا عندنا خزائنه" قال: المطر خاصة. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما نقص المطر منذ أنزله الله، ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر أخرى ثم قرأ وما ننزله إلا بقدر معلوم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، ثم قرأ: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم". وأخرج ابن مردويه عنه مرفوعاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله: "وأرسلنا الرياح لواقح" قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء فتلقح به السحاب فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قماً. ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب فتجعله كسفاً ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركاماً، ثم يبعث اللواقح فتلقحه فتمطر. وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ريح الجنوب من الجنة، وهي الريح اللواقح التي ذكر الله في كتابه". وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: "كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن النساء، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين"" وهذا الحديث هو من رواية أبي الجوزاء عن ابن عباس. وقد رواه عبد الرزاق وابن المنذر من قول أبي الجوزاء قال الترمذي: وهذا أشبه أن يكون أصح. وقال ابن كثير: في هذا الحديث نكارة شديدة. وأخرج الحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: المستقدمين الصفوف المتقدمة، والمستأخرين: الصفوف المؤخرة. وقد وردت أحاديث كثيرة في أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء ومقاتل بن حبان أن الآية في صفوف القتال. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال: المستقدمين في طاعة الله، والمستأخرين في معصية الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: يعني بالمستقدمين من مات، وبالمستأخرين من هو حي لم يمت. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً قال: المستقدمين آدم ومن مضى من ذريته، والمستأخرين في أصلاب الرجال. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة نحوه.
25-"وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم"، على ما علم منهم.
وقيل: يميت الكل، ثم يحشرهم، الأولين والآخرين.
أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، أخبرنا أبو سعيد الصيرفي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات على شيء بعثه الله عليه".
25."وإن ربك هو يحشرهم"لا محالة للجزاء ، وتوسيط الضمير للدلالة على أنه القادر والمتولي لحشرهم لا غير ، وتصدير الجملة بـ"إن"لتحقيق الوعد والتنبيه على أن ما تسبق من الدلالة على كما قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء بدل على صحة الحكم كما صرح به بقوله:"إنه حكيم" باهر الحكمة متقن في أفعاله ."عليم"وسع علمه كل شيء .
25. Lo! thy Lord will gather them together. Lo! He is Wise, Aware.
25 - Assuredly it is thy Lord who will gather them together: for he is perfect in wisdom and knowledge.