25 - (قل لا تسألون عما أجرمنا) اذنبنا (ولا نسأل عما تعملون) لأنا بريئون منكم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين: أحد فريقنا على هدى والآخر على ضلال، لا تسألون أنتم عما أجرمنا نحن من جرم وركبنا من إثم، ولا نسأل نحن عما تعملون أنتم من عمل، قل لهم: يجمع بيننا ربنا يوم القيامة عنده، ثم يفتح بيننا بالحق. يقول: ثم يقضي بيننا بالعدل، فيتبين عند ذلك المهتدي منا من الضال " وهو الفتاح العليم " يقول: والله القاضي العليم بالقضاء بين خلقه، لأنه لا تخفى عنه خافية، ولا يحتاج إلى شهود تعرفه المحق من المبطل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
قوله تعالى: "قل لا تسألون عما أجرمنا" أي اكتسبنا، "ولا نسأل" نحن أيضاً "عما تعملون " أي إنما أقصد بما أدعوكم إليه الخير لكم، لا أنه ينالني ضرر كفركم، وهذا كما قال: " لكم دينكم ولي دين " (الكافرون: 6،) والله مجازي الجميع. فهذه آية مهادنة ومتاركة، وهي منسوخة بالسيف. وقيل: نزل هذا قبل آية السيف.
يقول تعالى مقرراً تفرده بالخلق والرزق وانفراده بالإلهية أيضاً, فكما كانوا يعترفون بأنهم لا يرزقهم من السماء والأرض, أي بما ينزل من المطر وينبت من الزرع إلا الله, فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره. وقوله تعالى: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" هذا من باب اللف والنشر أي واحد من الفريقين مبطل, والاخر محق لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال, بل واحد منا مصيب, ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله تعالى, ولهذا قال: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين". قال قتادة : قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين والله ما نحن وإياهم على أمر واحد إن أحد الفريقين لمهتد. وقال عكرمة وزياد بن أبي مريم : معناها إنا نحن لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين.
وقوله تعالى: "قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون" معناه التبري منهم, أي لستم منا ولا نحن منكم, بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده وإفراد العبادة له, فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم, وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا, كما قال تعالى: "وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون". وقال عز وجل: " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين ".
وقوله تعالى: "قل يجمع بيننا ربنا" أي يوم القيامة يجمع بين الخلائق في صعيد واحد, ثم يفتح بيننا بالحق, أي يحكم بيننا بالعدل, فيجزي كل عامل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصر والسعادة الأبدية كما قال تعالى: " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون * وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون " ولهذا قال عز وجل: "وهو الفتاح العليم" أي الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور.
وقوله تبارك وتعالى: "قل أروني الذين ألحقتم به شركاء" أي أروني هذه الالهة التي جعلتموها لله أنداداً وصيرتموها له عدلاً "كلا" أي ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل. ولهذا قال تعالى: "بل هو الله" أي الواحد الأحد الذي لا شريك له "العزيز الحكيم" أي ذو العزة الذي قد قهر بها كل شيء وغلبت كل شيء, الحكيم في أفعاله وأقواله وشرعه وقدره, تبارك وتعالى وتقدس عما يقولون علواً كبيراً, والله أعلم.
ثم أردف سبحانه هذا الكلام المنصف بكلام أبلغ منه في الإنصاف، وأبعد من الجدل والمشاغبة فقال: 25- "قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون" أي إنما أدعوكم إلى ما فيه خير لكم ونفع، ولا ينالني من كفركم وترككم لإجابتي ضرر، وهذا كقوله سبحانه: "لكم دينكم ولي دين" وفي إسناد الجرم إلى المسلمين ونسبة مطلق العمل إلى المخاطبين، مع كون أعمال المسلمين من البر الخالص والطاعة المحضة، وأعمال الكفار من المعصية البينة والإثم الواضح من الإنصاف ما لا يقادر قدره.. والمقصود: المهادنة والمتاركة، وقد نسخت هذه الآية وأمثالها بآية السيف.
25- " قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ".
25ـ " قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون " هذا أدخل في الإنصاف وأبلغ في الإخباث حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين .
25. Say: Ye will not be asked of what we committed, nor shall we be asked of what ye do.
25 - Say: Ye shall not be questioned as to our sins, nor we be questioned as to what ye do.