26 - (قالت إحداهما) وهي المرسلة الكبرى أو الصغرى (يا أبت استأجره) اتخذه أجيرا يرعى غنمنا بدلنا (إن خير من استأجرت القوي الأمين) استأجره بقوته وأمانته فسألها عنهما فأخبرته بما تقدم من رفعه حجر البئر ومن قوله لها امشي خلفي وزيادة انها لما جاءته وعلم بها صوب رأسه فلم يرفعه فرغب في إنكاحه
يقول تعالى ذكره: قالت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما موسى لأبيها حين أتاه موسى، وكان اسم إحداهما صفوراً، واسم الأخرى ليا، وقيل: شرفا كذلك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني وهب بن سليمان الرمادي، عن شعيب الجبئي، قال: اسم الجاريتين ليا، وصفورا، وامرأة موسى صفورا ابنة يثرون كاهن مدين، والكاهن: حبر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إحداهما صفورا ابنة يثرون وأختها شرفا، ويقال: ليا، وهما اللتان كانتا تذودان. وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف، فقال بعضهم: كان اسمه يثرون.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: كان الذي استأجر موسى ابن أخبي شعيب يثرون.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: الذي استأجر موسى يثرون ابن أخبي شعيب عليه السلام.
وقال آخرون: بل اسمه: يثرى.
ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.
حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم، قال: ثنا أبو قتيبة، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة عن ابن عباس، قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.
حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم، قال: ثنا أبو قتيبة، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال: اسم أبي المرأة: يثرى.
وقال آخرون، بل اسمه شعيب، وقالوا: هو شعيب النبي عليه السلام.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا قرة بن خالد، قال: سمعت الحسن يقول: يقولون شعيب صاحب موسى، ولكنه سيد أهل الماء يومئذ.
قال أبو جعفر: وهذا مما لا يدرك علمه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه " وجد من دونهم امرأتين تذودان "... "قالت إحداهما يا أبت استأجره " تعني بقولها: استأجره ليرعى عليك ماشيتك " إن خير من استأجرت القوي الأمين " تقول: إن خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها، الأمين الذي لا تخاف خيانته، فيما تأمنه عليه. وقيل: إنها لما قالت ذلك لأبيها، استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها: وما علمك بذلك؟ فقالت: أما قوته فما رأيت من علاجه ماعالج عند السقي على البئر، وأما الأمانة فما رأيت من غض البصر عني.
وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " قال: فأحفظته الغيرة أن قال: وما يدريك ما قوته وأمانته؟ قالت: أما قوته، فما رأيت منه حين سقى لنا، لم أر رجلاً قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما أمانته، فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه، ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك، ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين، فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت.
حدثني علي، قال: ثنا أبوصالح، ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله لموسى " إن خير من استأجرت القوي الأمين " يقول: أمين فيما ولي، أمين على ما استودع.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " قال: إن موسى لما سقى لهما، ورأت قوته، وحرك حجراً على الركية، لم يستطعه ثلاثون رجلاً، فأزاله عن الركية، وانطلق مع الجارية حين دعته، فقال لها: امشي خلفي وأنا أمامك، كراهية أن يرى شيئاً من خلفها مما حرم الله أن ينظر إليه، وكان يوماً فيه ريح.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، في قوله " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " قال لها أبوها: ما رأيت من أمانته؟ قالت: لما دعوته مشيت بين يديه، فجعلت الريح تضرب ثيابي، فتزلق بجسدي، فقال: كوني خلفي، فإذا بلغت الطريق فاذهبي، قالت: ورأيته يملأ الحوض بسجل واحد.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " القوي الأمين " قال: غض طرفه عنهما، قال محمد بن عمرو في حديثه حين، أو حتى سقى لهما فصدرتا. وقال الحارث في حديثه: حتى سقى بغير شكز
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: فتح عن بئر حجراً على فيها، فسقى لهما بها، والأمين: أنه غض بصره عنهما حين سقى لهما فصدرتا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر وهانىء بن سعيد، عن الحجاج، عن القاسم، عن مجاهد " إن خير من استأجرت القوي الأمين " قال: رفع حجراً لا يرفعه إلا فئام من الناس.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال عمرو بن ميمون، في قوله: " القوي الأمين " قال: كان يوم ريح، فقال: لا تمشي أمامي، فيصفك الريح لي، ولكن امشي خلفي ودليني على الطريق، قال: فقال لها: كيف عرفت قوته؟ قالت: كان الحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني معاوية، عن الحجاج بن أرطأة، عن الحكم، عن شريح في قوله " القوي الأمين " قال: أما قوته: فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة، فرفعه وحده. وأما أمانته: فإنها مشت أمامه فوصفها الريح، فقال لها: امشي خلفي وصفي لي الطريق.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن عمرو، عن زائدة، عن الأعمش ، قال: سألت تميم بن إبراهيم: بم عرفت أمانته؟ قال: في طرفه، بغض طرفه عنها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " إن خير من استأجرت القوي الأمين " قال: القوي في الصنعة، الأمين فيما ولي. قال: وذكر لنا أن الذي رأت من قوته: أنه لم تلبث ماشيتها حتى أرواها، وأن الأمانة التي رأت منه أنها حين جاءت تدعوه، قال لها: كوني ورائي، وكره أن يستدبرها، فذلك ما رأت من قوته وأمانته.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قوله " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " قال: بلغنا أن قوته كانت سرعة ما أروى غنمهما. وبلغنا أنه ملأ الحوض بدلو واحد. وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " وهي الجارية التي دعته، قال الشيخ: هذه القوة قد رأيت حين اقتلع الصخرة، أرأيت أمانته، ما يدريك ما هي؟ قالت: مشيت قدامه فلم يحب أن يخونني في نفسي، فأمرني أن أمشي خلفي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " فقال لها: وما علمك بقوته وأمانته؟ فقالت: أما قوته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان، وكان لا يكشفها دون سبعة نفر. وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال: كوني خلف ظهرين وأشيري لي إلى منزلك، فعرفت أن ذلك منه أمانة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " لما رأت من قوته وقوله لها ما قال: أن امشي خلفي، لئلا يرى منها شيئاً مما يكره، فزاده ذلك فيه رغبة.
الخامسة : قوله تعالى : " قالت إحداهما يا أبت استأجره " دليل على أن الإجارة كانت عندهم مشروعة معلومة ، وكذلك كانت في كل ملة ، وهي من ضرورة الخلقية ، ومصلحة الخلطة بين الناس ، خلافاً للأص حيث كان عن سماعها أصم .
لما رجعت المرأتان سريعاً بالغنم إلى أبيهما, أنكر حالهما بسبب مجيئهما سريعاً, فسألهما عن خبرهما, فقصتا عليه ما فعل موسى عليه السلام, فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها, قال الله تعالى: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء" أي مشي الحرائر, كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: كانت مستترة بكم درعها. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم , حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر رضي الله عنه: جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها, ليست بسلفع من النساء دلاجة ولاجة خراجة. هذذا إسناد صحيح. قال الجوهري : السلفع من الرجال الجسور, ومن النساء الجارية السليطة, ومن النوق الشديدة. "قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا" وهذا تأدب في العبارة لم تطلبه طلباً مطلقاً لئلا يوهم ريبة, بل قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا, يعني ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا "فلما جاءه وقص عليه القصص" أي ذكر له ما كان من أمره وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده "قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين" يقول: طب نفساً وقر عيناً, فقد خرجت من مملكتهم, فلا حكم لهم في بلادنا, ولهذا قال: "نجوت من القوم الظالمين".
وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو ؟ على أقوال أحدها أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين, وهذا هو المشهور عند كثير من العلماء, وقد قاله الحسن البصري وغير واحد, ورواه ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبد العزيز الأوسي , حدثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيباً هو الذي قص عليه موسى القصص, قال "لا تخف نجوت من القوم الظالمين". وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد الغزي أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له "مرحباً بقوم شعيب وأختان موسى هديت" وقال آخرون: بل كان ابن أخي شعيب. وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب. وقال آخرون. كان شعيب قبل زمان موسى عليه السلام بمدة طويلة لأنه قال لقومه "وما قوم لوط منكم ببعيد" وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل عليه السلام بنص القرآن, وقد علم أنه كان بين الخليل وموسى عليهما السلام مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة, كما ذكره غير واحد. وما قيل إن شعيباً عاش مدة طويلة, إنما هو ـ والله أعلم ـ احتراز من هذا الإشكال, ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن ههنا, وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده, كما سنذكره قريباً إن شاء الله, ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه ثيرون, والله أعلم. قال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود : ثيرون هو ابن أخي شعيب عليه السلام, وعن أبي حمزة عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى يثرى صاحب مدين, رواه ابن جرير به, ثم قال: الصواب أن هذا لا يدرك إلا بخبر, ولا خبر تجب به الحجة في ذلك.
وقوله تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" أي قالت إحدى ابنتي هذا الرجل, قيل هي التي ذهبت وراء موسى عليه السلام, قالت لأبيها "يا أبت استأجره" أي لرعية هذه الغنم. قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد: لما قالت "إن خير من استأجرت القوي الأمين" قال لها أبوها: وما علمك بذلك ؟ قالت له: إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال, وإني لما جئت معه تقدمت أمامه فقال لي: كوني من ورائي, فإذا اختلفت علي الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه. وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين تفرس في عمر, وصاحب يوسف حين قال أكرمي مثواه, وصاحبة موسى حين قالت " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " قال "إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين" أي طلب إليه هذا الرجل الشيخ الكبير أن يرعى غنمه ويزوجه إحدى ابنتيه هاتين, قال شعيب الجبائي : وهما صفوريا وليا. وقال محمد بن إسحاق : صفوريا وشرفا, ويقال ليا, وقد استدل أصحاب أبي حنيفة بهذه الاية على صحة البيع فيما إذا قال بعتك أحد هذين العبدين بمائة, فقال: اشتريت, أنه يصح, والله أعلم.
وقوله: "على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك" أي على أن ترعى غنمي ثماني سنين, فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك, وإلا ففي الثمان كفاية "وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين" أي لا أشاقك ولا أؤذيك ولا أماريك, وقد استدلوا بهذه الاية الكريمة لمذهب الأوزاعي فيما إذا قال: بعتك هذا بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة أنه يصح, ويختار المشتري بأيهما أخذه صح, وحمل الحديث المروي في سنن أبي داود "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا" على هذا المذهب, وفي الاستدلال بهذه الاية وهذا الحديث على هذا المذهب نظر ليس هذا موضع بسطه لطوله, والله أعلم.
ثم قد استدل أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم في صحة استئجار الأجير بالطعمة والكسوة, بهذه الاية, واستأنسوا في ذلك بما رواه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في كتابه السنن حيث قال: باب استئجار الأجير على طعام بطنه, حدثنا محمد بن الحمصي , حدثنا بقية بن الوليد عن مسلمة بن علي عن سعيد بن أبي أيوب عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح قال: سمعت عتبة بن المنذر السلمي يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى قال: "إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه" وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف, لأن مسلمة بن علي وهو الخشني الدمشقي البلاطي ضعيف الرواية عند الأئمة, ولكن قد روي من وجه آخر, وفيه نظر أيضاً.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان , حدثنا الوليد , حدثنا عبد الله بن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه" وقوله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام " قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل " يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين, فإن أتممت عشراً فمن عندي فأنا متى فعلت أقلهما فقد برئت من العهد وخرجت من الشرط, ولهذا قال "أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي" أي فلا حرج علي, مع أن الكامل وإن كان مباحاً لكنه فاضل من جهة أخرى بدليل من خارج, كما قال تعالى: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه, وكان كثير الصيام, وسأله عن الصوم في السفر, فقال: "إن شئت فصم, وإن شئت فأفطر" مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر, هذا وقد دل الدليل على أن موسى عليه السلام إنما فعل أكمل الأجلين وأتمهما.
وقال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الرحيم , حدثنا سعيد بن سليمان , حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى ؟ فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله, فقدمت على ابن عباس رضي الله عنه فسألته, فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل, هكذا رواه البخاري وهكذا رواه حكيم بن جبير وغيره عن سعيد بن جبير , ووقع في حديث الفتون من رواية القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير : أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية والأول أشبه, والله أعلم, وقد روي من حديث ابن عباس مرفوعاً, قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن محمد الطوسي , حدثنا الحميدي , حدثنا سفيان , حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب عن الحكم بن أبان , عن عكرمة , عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألت جبريل: أي الأجلين قضى موسى ؟ قال: أتمهما وأكملهما" ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة : حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب وكان من أسناني أو أصغر مني فذكره. وفي إسناده قلب, و إبراهيم هذا ليس بمعروف. ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن أعين عن الحكم بن أبان عن عكرمة , عن ابن عباس عن النبي فذكره, ثم قال: لا نعرفه مرفوعاً عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.
ثم قال ابن أبي حاتم : قرىء على يونس بن عبد الأعلى , أنبأنا ابن وهب , أنبأنا عمرو بن الحارث عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن يوسف بن تيرح " أن رسول الله سئل: أي الأجلين قضى موسى ؟ قال: لا علم لي فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل, فقال جبريل: لا علم لي, فسأل جبريل ملكاً فوقه, فقال: لا علم لي, فسأل ذلك الملك ربه عز وجل عما سأله عنه جبريل, عما سأله عنه محمد صلى الله عليه وسلم فقال الرب عز وجل: قضى أبرهما وأبقاهما, أو قال أزكاهما " , وهذا مرسل, وقد جاء مرسلاً من وجه آخر, وقال سنيد حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: قال مجاهد : " إن النبي صلى الله عليه وسلم, سأل جبريل, أي الأجلين قضى موسى ؟ فقال: سوف أسأل إسرافيل فسأله, فقال: سوف أسأل الرب عز وجل, فسأله فقال: أبرهما وأوفاهما " .
(طريق أخرى مرسلة أيضاً) قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا أبي حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأجلين قضى موسى ؟ قال: "أوفاهما وأتمهما" فهذه طرق متعاضدة, ثم قد روي هذا مرفوعاً من رواية أبي ذر رضي الله عنه. قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن , حدثنا إسحاق بن إدريس , حدثنا عويذ بن أبي عمران الجوني عن أبيه عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضى موسى ؟ ـ قال ـ "أوفاهما وأبرهما ـ قال ـ وإن سئلت: أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما" ثم قال البزار : لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد. وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عوبذ بن أبي عمران , وهو ضعيف.
ثم قد روي أيضاً نحوه من حديث عتبة بن الندر بزيادة غريبة جداً, فقال أبو بكر البزار : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني , حدثنا يحيى بن بكير , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضى موسى ؟ قال: "أبرهما وأوفاهما" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن موسى عليه السلام لما أراد فراق شعيب عليه السلام, أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به, فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون, قال: فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه, فولدت قوالب ألوان كلها, وولدت ثنتين وثلاثا كل شاة ليس فيها فشوش ولا ضبوب ولا كميشة تفوت الكف ولا ثغول" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها وهي السامرية" هكذا أورده البزار .
وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا فقال: حدثنا أبو زرعة , حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير , حدثني عبد الله بن لهيعة (ح) وحدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان , أنبأنا الوليد , أنبأنا عبد الله بن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه, فلما وفى الأجل قيل: يا رسول الله أي الأجلين ؟ ـ قال: أبرهما وأوفاهما, فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به, فأعطاها ما ولدت غنمه من قالب لون من ولد ذلك العام, وكانت غنمه سوداء حسناء, فانطلق موسى عليه السلام, إلى عصاه, فسماها من طرفها ثم وضعها في أدنى الحوض, ثم أوردها فسقاها, ووقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاة إلا وضرب جنبها شاة شاة, قال: فأتأمت وألبنت ووضعت كلها قوالب ألوان إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش ", قال يحيى : ولا ضبون, وقال صفوان : ولا ضبوب , قال أبو زرعة : الصواب طنوب ولا عزوز ولا ثعول ولا كميشة تفوت الكف, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية".
وحدثنا أبو زرعة , أنبأنا صفوان قال: سمعت الوليد قال: سألت ابن لهيعة ما الفشوش ؟ قال: التي تفش بلبنها واسعة الشخب, قلت: فما الضبوب ؟ قال: الطويلة الضرع تجره, قلت: فما العزوز ؟ قال: ضيقة الشخب. قلت: فما الثعول ؟ قال: التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين, قلت: فما الكميشة ؟ قال: التي تفوت الكف كميشة الضرع صغير لا يدركه الكف. مدار هذا الحديث على عبد الله بن لهيعة المصري , وفي حفظه سوء, وأخشى أن يكون رفعه خطأ, والله أعلم. وينبغي أن يروى ليس فيها فشوش ولا عزوز ولا ضبوب ولا ثعول ولا كميشة, لتذكر كل صفة ناقصة مع ما يقابلها من الصفات الناقصة, وقد روى ابن جرير من كلام أنس بن مالك موقوفاً عليه ما يقارب بعضه بإسناد جيد, فقال: حدثنا محمد بن المثنى , حدثنا معاذ بن هشام , حدثنا أبي , حدثنا قتادة , حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه, قال: لما دعا نبي الله موسى عليه السلام صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما, قال له صاحبه: كل شاة ولدت على غير لونها, فلك ولدها, فعمد موسى فرفع حبالاً على الماء, فلما رأت الخيال فزعت, فجالت جولة, فولدن كلهن بلقاً إلا شاة واحدة, فذهب بأولادهن كلهن ذلك العام.
26- "قالت إحداهما يا أبت استأجره" القائلة هي التي جاءته: أي استأجره ليرعى لنا الغنم، وفيه دليل على أن الإجارة كانت عندهم مشروعة. وقد اتفق على جوازها ومشرعيتها جميع علماء الإسلام إلا الأصم فإنه عن سماع أدلتها أصم، وجملة "إن خير من استأجرت القوي الأمين" تعليل لما وقع منها من الإرشاد لأبيها إلى استئجار موسى: أي إنه حقيق باستئجارك له لكونه جامعاً بين خصلتي القوة والأمانة. وقد تقدم في المردوي عن ابن عباس وعمر أن أباها سألها عن وصفها له بالقوة والأمانة فأجابته بما تقدم قريباً.
26- " قالت إحداهما يا أبت استأجره "، اتخذه أجيراً ليرعى أغنامنا، "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، يعني: خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة، فقال لها أبوها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته: فإنه رفع حجراً من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة. وقيل: إلا أربعون رجلاً، وأما أمانته: فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك.
26 -" قالت إحداهما " يعني التي استدعته . " يا أبت استأجره " لرعي الغنم . " إن خير من استأجرت القوي الأمين " تعليل شائع يجري مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فيه ، جعل " خير " اسماً وذكر الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه امرؤ مجرب معروف . روي أن شعيباً قال لها وما أعلمك بقوته فذكرت إقلال الحجر وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه .
26. One of the two women said: O my father! Hire him! For the best (man) that thou canst hire is the strong, the trustworthy.
26 - Said one of the (damsels): O my (dear) father! engage him on wages: truly the best of men for thee to employ is the (man) who is strong and trusty