26 - (فآمن له) صدق بإبراهيم (لوط) وهو ابن أخيه هاران (وقال) إبراهيم (إني مهاجر) من قومي (إلى ربي) حيث أمرني ربي وهجر قومه وهاجر من سواد العراق إلى الشام (إنه هو العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه
يقول تعالى ذكره: فصدق إبراهيم خليل الله لوط " وقال إني مهاجر إلى ربي " يقول: وقال إبراهيم: إني مهاجر دار قومي إلى ربي إلى الشام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " فآمن له لوط " قال: صدق لوط " وقال إني مهاجر إلى ربي " قال: هو إبراهيم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " فآمن له لوط " أي فصدقه لوط " وقال إني مهاجر إلى ربي " قال: هاجرا جميعاً من كوثى، وهي من سواد الكوفة إلى الشام. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد في قوله " فآمن له لوط " قال: صدقه لوط، صدق إبراهم قال: أرأيت المؤمنين، أليس آمنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به؟ قال: فالإيمان: التصديق. وفي قوله " إني مهاجر إلى ربي " قال: كانت هجرته إلى الشأم.
وقال ابن زيد في حديث " الذئب الذي كلم الرجل، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فآمنت له أنا وأبو بكر وعمر، وليس أبو بكر ولا عمر معه " يعني آمنت له: صدقته.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي " قال: إلى حران، ثم أمر بعد بالشأم الذي هاجر إليه إبراهيم، وهو أول من هاجر. يقول: " فآمن له لوط وقال إني مهاجر " ... الآية.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي " إبراهيم القائل: إني مهاجر إلى ربي.
وقوله " إنه هو العزيز الحكيم " يقول: إن ربي هو العزيز الذي لا يذل من نصره. ولكنه يمنعه ممن أراده بسوء، وإليه هجرته، الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفه إياهم فيما صرفهم فيه.
قوله تعالى : " فآمن له لوط " لوط أول من صدق إبراهيم حين رأى النار عليه برداً وسلاماً . قال ابن إسحاق آمن لوط بإبراهيم وكان ابن أخته ، وآمنت به سارة وكانت بنت عمه . " وقال إني مهاجر إلى ربي " قال النخعي و قتادة : الذي قال : " إني مهاجر إلى ربي " هو إبراهيم عليه السلام . قال قتادة : هاجر من كوثا وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ، ومعه ابن أخيه لوط بن هاران بن تارخ ، وامراته سارة . قال الكلبي : هاجر من أرض حران إلى فلسطين . وهو أول من هاجر من أرض الكفر . قال مقاتل : هاجر إبراهيم وهو ابن خمس وسبعين سنة . وقيل : الذي قال : ( إني مهاجر إلى ربي ) لوط عليه السلام . ذكر البيهقي عن قتادة قال : أول من هاجر إلى الله عز وجل بأهله عثمان بن عفان رضي الله عنه . قال قتادة : سمعت النضر بن أنس يقول : سمعت أبا حمزة يعني أنس بن مالك يقول : خرج عثمان بن عفان ومعه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ارض الحبشة ، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم ،فقدمت امرأة من قريش فقالت : يامحمد رأيت ختنك ومعه امراته . قال : ( على أي حال رأيتهما ) قالت : رأيته وقد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يشوقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صحبهما الله إن عثمان لأنل من هاجر بأهله بعد لوط " قال البيهقي : هذا في الهجرة الأولى ، وأما الهجرة الثانية إلى الجبشة فهي فيما زعم الواقدي سنة خمس من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلى ربي " أي إلى رضا ربي وإلى حيث أمرني " إنه هو العزيز الحكيم " تقدم . وتقدم الكلام في الهجرة في ( النساء ) وغيرها .
يقول تعالى مخبراً عن إبراهيم أنه آمن له لوط, يقال إنه ابن أخي إبراهيم, يقولون هو لوط بن هاران بن آزر, يعني ولم يؤمن به, من قومه سواه وسارة امرأة إبراهيم الخليل, لكن يقال كيف الجمع بين هذه الاية وبين الحديث الوارد في الصحيح أن إبراهيم حين مر على ذلك الجبار فسأل إبراهيم عن سارة ما هي منه, فقال: أختي, ثم جاء إليها فقال لها: إني قد قلت له إنك أختي فلا تكذبيني, فإنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك, فأنت أختي في الدين. وكأن المراد من هذا ـ والله أعلم ـ أنه ليس على وجه الأرض زوجان على الإسلام غيري وغيرك, فإن لوطاً عليه السلام آمن به من قومه, وهاجر معه إلى بلاد الشام, ثم أرسل في حياة الخليل إلى أهل سدوم وأقام بها, وكان من أمرهم ما تقدم وما سيأتي.
وقوله تعالى: "وقال إني مهاجر إلى ربي" يحتمل عود الضمير في قوله "وقال إني مهاجر" على لوط. لأنه هو أقرب المذكورين, ويحتمل عوده إلى إبراهيم, قال ابن عباس والضحاك , وهو المكنى عنه بقوله: "فآمن له لوط" أي من قومه, ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك, ولهذا قال: "إنه هو العزيز الحكيم" أي له العزة ولرسوله وللمؤمنين به, الحكيم في أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية. وقال قتادة : هاجروا جميعاً من كوثى, وهي من سواد الكوفة إلى الشام. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم, ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم أرضهم, وتقذرهم روح الله عز وجل, وتحشرهم النار مع القردة والخنازير, تبيت معهم إذا باتوا, وتقيل معهم إذا قالوا, وتأكل ما سقط منهم".
وقد أسند الإمام أحمد هذا الحديث فرواه مطولاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية , قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي , فجئته إذ جاء رجل فانتبذ الناس وعليه خميصة, فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص , فلما رآه نوف أمسك عن الحديث, فقال عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة, فينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم, لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها, فتلفظهم أرضهم تقذرهم نفس الرحمن, تحشرهم النار مع القردة والخنازير, فتبيت معهم إذا باتوا, وتقيل معهم إذا قالوا, وتأكل من تخلف منهم" قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم, كلما خرج منهم قرن قطع كلما خرج منهم قرن قطع ـ حتى عدها زيادة على عشرين مرة ـ كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال في بقيتهم" ورواه الإمام أحمد عن أبي داود وعبد الصمد كلاهما عن هشام الدستوائي عن قتادة به, وقد رواه أبو داود في سننه فقال في كتاب الجهاد (باب ما جاء في سكنى الشام) حدثنا عبيد الله بن عمر , حدثنا معاذ بن هشام , حدثني أبي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمر , قال: سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون هجرة بعد هجرة, وينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم, ويبقى في الأرض شرار أهلها, تلفظهم أرضهم, وتقذرهم نفس الرحمن, وتحشرهم النار مع القردة والخنازير".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد , أخبرنا أبو جناب يحيى بن أبي حية عن شهر بن حوشب قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: لقد رأيتنا وما صاحب الدينار والدرهم بأحق من أخيه المسلم, ثم لقد رأيتنا بآخرة الان والدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم, ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر, وتبايعتم بالعينة, وتركتم الجهاد في سبيل الله, ليلزمنكم الله مذلة في أعناقكم لا تنزع منكم حتى ترجعوا إلى ما كنتم عليه, وتتوبوا إلى الله تعالى" وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها, وتلفظهم أرضوهم, وتقذرهم روح الرحمن, وتحشرهم النار مع القردة والخنازير, تقيل معهم إذا قالوا, وتبيت معهم حيث يبيتون, وما سقط منهم فلها" ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج قوم من أمتي يسيئون الأعمال, يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ـ قال يزيد : لا أعلمه إلا قال ـ يحقر أحدكم علمه مع علمهم, يقتلون أهل الإسلام, فإذا خرجوا فاقتلوهم, ثم إذا خرجوا فاقتلوهم, ثم إذا خرجوا فاقتلوهم, فطوبى لمن قتلهم, وطوبى لمن قتلوه, كلما طلع منهم قرن قتله الله" فردد ذلك رسول لله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة وأكثر, وأنا أسمع.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : حدثنا أبو الحسن بن الفضل , أخبرنا عبد الله بن جعفر , حدثنا يعقوب بن سفيان , حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد وهشام بن عمار الدمشقيان قالا: حدثنا يحيى بن حمزة , حدثنا الأوزاعي عن نافع , وقال أبو النضر عمن حدثه عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيهاجر أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم, حتى لا يبقى إلاشرار أهلها, تلفظهم الأرضون, وتقذرهم روح الرحمن, وتحشرهم النار مع القردة والخنازير, تبيت معهم حيث باتوا, وتقيل معهم حيث قالوا, لها ما سقط منهم" غريب من حديث نافع , والظاهر أن الأوزاعي قد رواه عن شيخ له من الضعفاء, والله أعلم. وروايته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أقرب إلى الحفظ.
وقوله تعالى: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" كقوله: " فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا " أي أنه لما فارق قومه, أقر الله عينه بوجود ولد صالح نبي, وولد له ولد صالح نبي في حياة جده, وكذلك قال تعالى: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة" أي زيادة, كما قال تعالى: "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" أي يولد لهذا الولد ولد في حياتكما, تقر به أعينكما, وكون يعقوب ولد لإسحاق نص عليه القرآن وثبتت به السنة النبوية, قال الله تعالى: "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً" الاية, وفي الصحيحين "إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام" فأما ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" قال: هما ولدا إبراهيم, فمعناه أن ولد الولد بمنزلة الولد, فإن هذا الأمر لا يكاد يخفى على من هو دون ابن عباس .
وقوله تعالى: "وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب" هذه خلعة سنية عظيمة مع اتخاذ الله إياه خليلاً, وجعله للناس إماماً أن جعل في ذريته النبوة والكتاب, فلم يوجد نبي بعد إبراهيم عليه السلام إلا وهو من سلالته, فجميع أنبياء بني إسرائيل من سلالة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم, حتى كان آخرهم عيسى ابن مريم, فقام في ملئهم مبشراً بالنبي العربي القرشي الهاشمي خاتم الرسل على الإطلاق, وسيد ولد آدم في الدنيا والاخرة, الذي اصطفاه الله من صميم العرب العرباء من سلالة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام, ولم يوجد نبي من سلالة إسماعيل سواه, عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقوله: " وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " أي جمع الله له بين سعادة الدنيا الموصولة بسعادة الاخرة, فكان له في الدنيا الرزق الواسع الهني, والمنزل الرحب, والمورد العذب, والزوجة الحسنة الصالحة, والثناء الجميل, والذكر الحسن, وكل أحد يحبه ويتولاه, كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم: مع القيام بطاعة الله من جميع الوجوه, كما قال تعالى: "وإبراهيم الذي وفى" أي قام بجميع ما أمر به وكمل طاعة ربه, ولهذا قال تعالى: " وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " وكما قال تعالى: " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ".
26- "فآمن له لوط" أي آمن لإبراهيم لوط فصدقه في جميع ما جاء به، وقيل إنه لم يؤمن به إلا حين رأى النار لا تحرقه، وكان لوط ابن أخي إبراهيم "وقال إني مهاجر إلى ربي" قال النخعي وقتادة: الذي قال إني مهاجر إلى ربي وهو إبراهيم. قال قتادة: هاجر من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ومعه ابن أخيه لوط وامرأته سارة، والمعنى: إني مهاجر على مقتضى الحكمة.
25- "فآمن له لوط"، يعني: صدقه، وهو أول من صدق إبراهيم وكان ابن أخيه، "وقال"، يعني إبراهيم، "إني مهاجر إلى ربي"، فهاجر من كوثى، وهو من سواد الكوفة، إلى حران ثم إلى الشام، ومعه لوط وامرأته سارة، وهو أول من هاجر، قال مقاتل: هاجر إبراهيم عليه السلام وهو ابن خمس وسبعين سنة، "إنه هو العزيز الحكيم".
26ـ " فآمن له لوط " هو ابن أخيه وأول من آمن به ، وقيل إنه آمن به حين رأى النار لم تحرقه . " وقال إني مهاجر " من قومي . " إلى ربي " إلى حيث أمرني . " إنه هو العزيز " الذي يمنعني من أعدائي . " الحكيم " الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي . روي أنه هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوط وامرأته سارة ابنة عمه إلى حران ، ثم منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم .
26. And Lot believed him, and said: Lo! I am a fugitive unto my Lord. Lo! He, only He, is the Mighty, the Wise.
26 - But Lut had faith in Him: He said: I will leave home for the sake of my Lord: for He is exalted in Might, and Wise.