27 - (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) تستأذنوا (وتسلموا على أهلها) فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل كما ورد في الحديث (ذلكم خير لكم) من الدخول بغير استئذان (لعلكم تذكرون) بإدغام التاء الثانية في الذال خيريته فتعملوا به
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا الآية أخرج الفريابي وابن جرير عن عدي بن ثابت جاءت إمرأة من الأنصار فقالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا الآية
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال لما نزلت آية الاستئذان في البيوت قال أبو بكر يا رسول الله فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة والمدينة والشام ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون يسلمون وليس فيها سكان فنزلت ليس عليكم جناح ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة الآية
اختلف أهل التأويل في ذلك ،فقال بعضهم : تأويله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ،قال : ثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ ولا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها قال : وإنما تستأنسوا وهم من الكتاب .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال :ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " وقال : إنما هي خطأ من الكاتب : حتى تستأذنوا ، ولكنها سقط من الكاتب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، قال : ثنا معاذ بن سليمان ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد عن ابن عباس " حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " قال : أخطأ الكاتب .وكان ابن عباس يقرأ حتى تستأذنوا وتسلموا وكان يقرؤها على قراءة أبي بن كعب .
حدثنا ابن بشار ، قال :ثنا أبو عامر ، قال ، ثنا سفيان ، عن الأعمش أنه كان يقرؤها حتى تستأذنوا وتسلموا قال سفيان : وبلغني أن ابن عباس : كان يقرؤها حتى تستأذنوا وتسلموا قال : إنها خطأ من الكاتب .
حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " قال : الاستئناس : الاستئذان .
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال : ثني هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، قال في مصحف ابن مسعود حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا .
قال : ثنا هشيم ، قال :أخبرنا جعفر بن إياس ، عن سعيد ، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا قال : وإنما تستأنسوا وهم من الكتاب .
قال : ثنا هشيم ، قال مغيرة ، قال مجاهد : جاء ابن عمر من حاجة ، وقد آذاه الرمضاء ، فأتى فسطاط امرأة من قريش ، فقال : السلام عليكم ، أدخل ؟ فقالت : ادخل بسلام ، فأعاد ، فأعادت ،وهو يراوح بين قدميه ، قال : قولي أدخل ، قالت : ادخل ، فدخل .
قال : ثنا هشيم ، قال : اخبرنا منصور ، عن ابن سيرين ، وأخبرنا يونس بن عبيد ( عن عمرو بن سعيد الثقفي ) ، "أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : الج ؟ أو أنلج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : قومي إلى هذا فكلميه ، فإنه لا يحسن يستأذن ، فقولي له يقول : السلام عليكم ، أدخل ؟ فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : أدخل " .
حدثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله " حتى تستأنسوا " قال : الاستئذان ، ثم نسخ واستثنى " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة " النور : 29 .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو حمزة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قوله " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم " قال : حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة " حتى تستأنسوا " قال : حتى تستأذنوا وتسلموا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أشعث بن سوار ، عن كردوس ، عن ابن مسعود ، قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم . قال أشعث ، عن عدي بن ثابت ، أن امرأة من الأنصار ، قالت : يا رسول الله ، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها : والد ولا ولد ، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال ، قال : فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " .
وقال آخرون : معنى ذلك : حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح والتنخم وما أشبهه ، حتى يعلموا أنكم تريدون الدخول عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " قال : حتى تتنحنحوا وتتنخموا .حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " حتى تستأنسوا " قال : حتى تجرسوا وتسلموا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله " حتى تستأنسوا " قال : تنحنحوا وتنخموا .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس ، قال : ثلاث آيات قد جحدهن الناس ، قال الله " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " الحجرات : 13 قال : ويقولون : إن أكرمهم عند الله أعظمهم شأنا ، قال : والإذن كله قد جحده الناس ، فقلت له استأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال : نعم ، فرددت على من حضرني ، فأبى ، قال : أتحب أن تراها عريانة ؟: قلت لا ، قال : فاستأذن ، فراجعته أيضا ، قال : أتحب أن تطيع الله ؟ قلت : نعم ، قال : فاستأذن ، فقال لي سعيد بن جبير : إنك لتردد عليه ، قلت : أردت أن يرخص لي .
قال ابن جريج : وأخبرني طاوس ، عن أبيه ، قال : ما من امرأة أكره إلى أن أرى ، كأنه يقول عريتها أو عريانة ، من ذات محرم ، قال : وكان يشدد في ذلك .
قال ابن جريج ، وقال عطاء عطاء ابن أبي رباح : وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ، فواجب على الناس أجمعين إذا احتلموا أن يستأذنوا على من كان من الناس ، قلت لعطاء : أواجب على الرجل أن يستأذن على أمه ومن وراءها من ذات قرابته ؟ قال : نعم ، قلت : أبر وجب ؟ قال قوله " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " النور : 59 .
قال ابن جريج : وأخبرني ابن زياد : أن صفوان مولى لبني زهرة ، أخبره عن عطاء بن يسار " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أستأذن على أمي ؟ قال : نعم ، قال : إنها ليس لها خادم غيري ، أفأستأذن عليها كلما دخلت ؟ قال : أتحب أن تراها عريانة ؟ قال الرجل : لا ، قال : فاستأذن عليها " .
قال ابن جريج عن الزهري ، قال : سمعت هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى ، أنه سمع ابن مسعود يقول : عليكم الإذن على أمهاتكم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته ؟ قال : لا .
حدثنا الحسين ، قال : ثنا محمد بن حازم ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مروة ، عن يحيى بن الجزار ، عن ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود ، عن زينت قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب ، تنحنح وبزق ، كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا " قال : الاستئناس : التنحنح والتجرس ، حتى يعرفوا أن قد جاءهم أحد ، قال : والتجرس : كلامه وتنحنحه .
والصواب من القول في ذلك عندي : أن يقال : إن الاستئناس : الاستفعال من الأنس ، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم ، مخبرا بذلك من فيه ، وهل فيه أحد ؟ وليؤذنهم أنه داخل عليهم ، فليأنس إلى إذنهم له في ذلك ، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم . وقد حكي عن العرب سماعا : اذهب فاستأنس ، هل ترى أحدا في الدار ؟ بمعنى : انظر هل ترى فيها أحدا ؟
فتأويل الكلام إذن كان ذلك معناه : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تسلموا وتستأذنوا ، وذلك أن يقول أحدكم السلام عليكم ، أدخل ؟ وهو من المقدم الذي معناه التأخير إنما هو حتى تسلموا وتستأذنوا ، كما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس .
وقوله " ذلكم خير لكم " يقول : استئناسكم وتسليمكم على أهل البيت الذي تريدون دخوله ، فإن دخولكموه خير لكم ، لأنكم لا تدرون أنكم إذا دخلتموه بغير إذن ، على ماذا تهجمون ، على ما يسوءكم أو يسركم ؟ وأنتم إذا دخلتم بإذن ، لم تدخلوا على ما تكرهون ، وأديتم بذلك أيضا حق الله عليكم في الاستئذان والسلام . وقوله " لعلكم تذكرون " يقول : لتتذكروا بفعلكم ذلك أمر الله عليكم ، واللازم لكم من طاعته ، فتطيعوه .
فيه سبع عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا " لما خصص الله سبحانه ابن آدم الذي كرمه وفضله بالمنازل وسترهم فيها عن الأبصار، وملكهم الاستمتاع بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها من غير إذن أربابها، أدبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عورة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم أن يفقئوا عينه ". وقد اختلف في تأويله، فقال بعض العلماء: ليس هذا على ظاهره، فإن فقأ فعليه الضمان، والخبر منسوخ، وكان قبل نزول قوله تعالى: " وإن عاقبتم فعاقبوا " [النحل: 126]. ويحتمل أن يكون خرج على وجه الوعيد لا على وجه الحتم، والخبر إذا كان مخالفاً لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في الظاهر وهو يريد شيئاً آخر، كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلال:
" قم فاقطع لسانه " وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئاً، ولم يرد به القطع في الحقيقة. وكذلك هذا يحتمل أن يكون ذكر فقء العين والمراد أن يعمل به عمل حتى لا ينظر بعد ذلك في بيت غيره. وقال بعضهم: لا ضمان عليه ولا قصاص، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لحديث انس، على ما يأتي.
الثانية: سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري وغيره عن عدي بن ثابت " أن امرأة من الأنصار قالت:
يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا ولد فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال،فكيف أصنع؟ فنزلت الآية".فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن، فأنزل الله تعالى: " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة " [النور: 29].
الثالثة: مد الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس، وهو الاستئذان. قال ابن وهب قال مالك : الاستئناس فيما نرى والله أعلم الاستئذان، وكذا في قراءة أبي وابن عسباس وسعيد بن جبير حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها . وقيل: إن معنى " تستأنسوا " تستعلموا، أي تستعلموا من في البيت. قال مجاهد : بالتنحنح أو بأي وجه أمكن، ويتأنى قدر ما يعلم أنه قد شعر به، ويدخل إثر ذلك. وقال معناه الطبري ، ومنه قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا " [النساء: 6] أي علمتم. وقال الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القنـ ـاص عصراً وقد دنا الإمساء
قلت: وفي سنن ابن ماجة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي سورة " عن أبي أيوب الأنصاري قال: قلنا:
يا رسول الله، هذا السلام، فما الاستئذان؟ قال: يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت ".
قلت: وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان، كما قال مجاهد ومن وافقه.
الرابعة: وروي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير " حتى تستأنسوا " خطأ أو وهم من الكاتب، إنما هو حتى تستأذنوا . وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره، فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها " حتى تستأنسوا "، وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان، فهي التي لا يجوز خلافها. وإطلاق الخطأ والوهم على الكتاب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس، وقد قال عز وجل: " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " [فصلت: 42]، وقال تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [الحجر: 9]. وقد روي عن ابن عباس أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والمعنى: حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا، حكاه أبو حاتم. قال ابن عطية : ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس وغيره أن " تستأنسوا " متمكنة في المعنى، بينة الوجه في كلام العرب. وقد قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: استأنس يا رسول الله، وعمر واقف على باب الغرفة الحديث المشهور. وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم، فكيف يخطىء ابن عباس أصحاب الرسول في مثل هذا.
قلت: قد ذكرنا من حديث أبي أيوب أن الاستئناس إنما يكون قبل السلام، وتكون الآية على بابها لا تقديم فيها ولا تأخير، وأنه إذا دخل سلم، والله أعلم.
الخامسة: السنة في الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها. قال ابن وهب قال مالك : الاستئذان ثلاث، لا أحب أن يزيد أحد عليها، إلا من علم أنه لم يسمع، فلا أرى بأساً أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع. وصورة الاستئذان أن يقول الرجل: السلام عليكم أأدخل، فإن أذن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سكت عنه استأذن ثلاثاً، ثم ينصرف من بعد الثلاث. وإنما قلنا: إن السنة الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها لحديث أبي موسى الأشعري، الذي استعمله مع عمر بن الخطاب وشهد به لأبي موسى أبو سعيد الخدري، ثم أبي بن كعب. وهو حديث مشهور أخرجه الصحيح ، وهو نص صريح، فإن فيه:
فقال - يعني عمر - ما منعك أن تأتينا؟فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاث مرات فلم ترد علي فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع . وأما ما ذكرناه من صورة الاستئذان فما رواه أبو داود " عن ربعي قال: حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان - فقال له - قل السلام عليكم أأدخل، فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ". وذكره الطبري وقال:
" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها ((روضة)): قولي لهذا يقول السلام عليكم أدخل؟ " الحديث. وروي أن ابن عمر آذته الرمضاء يوماً فأتى فسطاطاً لامرأة من قريش فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقالت المرأة: ادخل بسلام، فأعاد فأعادت، فقال لها: قولي ادخل. فقالت ذلك فدخل، فتوقف لما قالت: بسلام، لاحتمال اللفظ أن تريد بسلامك لا بشخصك.
السادسة: قال علماؤنا رحمة الله عليهم إنما خص الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثاً سمع وفهم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى يفهم عنه، وإذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثاً. وإذا كان الغالب هذا، فإن لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر أن رب المنزل لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه، فينبغي للمستأذن أن ينصرف، لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل، وربما يضره الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشغولاً به، كما " قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب حين استأذن عليه فخرج مستعجلاً فقال:
لعلنا أعجلناك ... " الحديث. وروى عقيل عن ابن شهاب قال: أما سنة التسليمات الثلاث " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عبادة فقال: السلام عليكم، فلم يردوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم، فلم يردوا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف، فخرج سعد في أثره حتى أدركه، فقال: وعليك السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك، وقد والله سمعنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته ". قال ابن شهاب: فإنما أخذ التسليم ثلاثاً من قبل ذلك، رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة " عن قيس بن سعد قال:
زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: السلام عليكم ورحمة الله، قال فرد سعد رداً خفيا، قال قيس: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟فقال ذره يكثر علينا من السلام ... " الحديث، أخرجه أبو داود وليس فيه ((قال ابن شهاب فإنما أخذ التسليم ثلاثاً من قبل ذلك)). قال أبو داود : ورواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة عن الأوزاعي مرسلاً لم يذكرا قيس بن سعد.
السابعة: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الاستئذان ترك العمل به الناس. قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وذلك لاتخاذ الناس الأبواب وقرعها، والله أعلم. روى أبو داود عن عبد الله بن بسر قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: السلام عليكم السلام عليكم " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.
الثامنة: فإن كان الباب مردوداً فله أن يقف حيث شاء منه ويستأذن، وإن شاء دق الباب، لما رواه أبو موسى الأشعري:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط بالمدينة على قف البئر فمد رجليه في البئر فدق الباب أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ايذن له وبشره بالجنة ". هكذا رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد وتابعه صالح بن كيسان ويونس بن يزيد، فرووه جميعاً عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن نافع عن أبي موسى. وخالفهم محمد بن عمرو الليثي فرواه عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وإسناده الأول أصح، والله أعلم.
التاسعة: وصفة الدق أن يكون خفيفاً بحيث يسمع، ولا يعنف في ذلك، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
" كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير "، ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في جامعه.
العاشرة: روى الصحيحان وغيرهما " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا؟ فقلت أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أنا! كأنه كره ذلك ". قال علماؤنا: إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن قوله أنا لا يحصل بها تعريف، وإنما الحكم في ذلك أن يذكر اسمه كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو موسى، لأن في ذكر الاسم إسقاط كلفة السؤال والجواب. " ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فقال:
السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر؟ " وفي صحيح مسلم أن أبا موسى جاء إلى عمر بن الخطاب فقال:
السلام عليكم، هذا أبو موسى، السلام عليكم، هذ الأشعري ... الحديث.
الحادية عشرة: ذكر الخطيب في جامعه عن علي بن عاصم الواسطي قال: قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة فدققت عليه الباب فقال: من هذا؟ قلت: أنا، فقال: يا هذا! ما لي صديق يقال له أنا، ثم خرج إلي فقال: حدثني محمد بن المنكدر " عن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فطرقت عليه الباب فقال: من هذا؟ فقلت أنا، فقال: أنا أنا! كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قولي هذا "، أو قوله هذا. وذكر عن عمر بن شبة حدثنا محمد بن سلام عن أبيه قال: دققت على عمرو بن عبيد الباب فقال لي: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: لا يعلم الغيب إلا الله. قال الخطيب: سمعت علي بن المحسن القاضي يحكى عن بعض الشيوخ أنه كان إذا دق بابه فقال من ذا؟ فقال الذي على الباب أنا، يقول الشيخ: أنا هم دق.
الثانية عشرة: ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة، كما رواه أبو بكر الخطيب مسنداً عن أبي عبد الملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال: أرسلتني مولاتي إلى أبي هريرة فجاء معي، فلما قام بالباب قال: أندر؟ قالت أندرون. وترجم عليه (باب الاستئذان بالفارسية). وذكر عن أحمد بن صالح قال: كان الدراوردي من أهل أصبهان نزل المدينة، فكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل: أندرون، فلقبه أهل المدينة الدراوردي.
الثالثة عشرة: روى أبو داود عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن وجداية وضغابيس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فدخلت ولم أسلم فقال: ارجع فقل السلام عليكم وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية ". وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له ". وذكر ابن جريج أخبرني عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: إذا قال الرجل أدخل؟ولم يسلم فقل لا حتى تأتي بالمفتاح، فقلت السلام عليكم؟ قال: نعم. وروي أن حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال حذيفة: أما بعينك فقد دخلت! وما باستك فلم تدخل.
الرابعة عشرة: ومما يدخل في هذا الباب ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" رسول الرجل إلى الرجل إذنه "، أي إذا أرسل إليه فقد أذن له في الدخول، يبينه قوله عليه السلام:
" إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن ". أخرجه أبو داود أيضاً عن أبي هريرة.
الخامسة عشرة: فإن وقعت العين على العين فالسلام قد تعين، ولا تعد رؤيته إذناً لك في دخولك عليه، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد عليه تقول: أدخل؟ فإن أذن لك وإلا رجعت.
السادسة عشرة: هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها، إلا أنك تسلم إذا دخلت. قال قتادة : إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق من سلمت عليهم. فإن كان فيه معك أمك أو أختك فقالوا: تنحنح واضرب برجلك حتى ينتبها لدخولك، لأن الأهل لا حشمة بينك وبينهما. وأما الأمر والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها. قال ابن القاسم قال مالك : ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما. وقد روى عطاء بن يسار " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
أستأذن على أمي؟ قال: نعم قال: إني أخدمها؟ قال: استأذن عليها، فعاوده ثلاثاً، قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها " ذكره الطبري .
السابعة عشرة: فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد، فقال علماؤنا:
" يقول السلام علينا، من ربنا التحيات الطيبات المباركات، لله السلام ". رواه ابن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسنده ضعيف. وقال قتادة : إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه يؤمر بذلك. قال: وذكر لنا أن الملائكة ترد عليهم. قال ابن العربي : والصحيح ترك السلام والاستئذان، والله أعلم.
قلت: قول قتادة حسن.
هذه آداب شرعية, أدب الله بها عباده المؤمنين وذلك في الاستئذان أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا, أي يستأذنوا قبل الدخول, ويسلموا بعده, وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات, فإن أذن له وإلا انصرف, كما ثبت في الصحيح " أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثاً فلم يؤذن له انصرف, ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له, فطلبوه فوجدوه قد ذهب, فلما جاء بعد ذلك قال: ما رجعك ؟ قال: إني استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي, وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف فقال عمر لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضرباً, فذهب إلى ملإ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر فقالوا لا يشهد لك إلا أصغرنا فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال: ألهاني عنه الصفق بالأسواق " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا عمر عن ثابت عن أنس أو غيره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال : السلام عليك ورحمة الله. فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله, ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثاً, ورد عليه سعد ثلاثاً ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي, ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني, ولقد رددت عليك ولم أسمعك, وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة, ثم أدخله البيت فقرب إليه زبيباً فأكل نبي الله, فلما فرغ قال : أكل طعامكم الأبرار, وصلت عليكم الملائكة, وأفطر عندكم الصائمون " .
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي عمرو الأوزاعي سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن قيس بن سعد هو ابن عبادة قال: " زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال : السلام عليكم ورحمة الله . فرد سعد رداً خفياً, قال قيس : فقلت ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: دعه يكثر علينا من السلام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام عليكم ورحمة الله . فرد سعد رداً خفياً ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام عليكم ورحمة الله . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم, واتبعه سعد فقال: يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك رداً خفياً لتكثر علينا من السلام. قال فانصرف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر له سعد بغسل فاغتسل, ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس, فاشتمل بها ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول : اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة . قال: ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام, فلما أراد الانصراف قرب إليه سعد حماراً قد وطىء عليه بقطيفة, فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا قيس اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال قيس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اركب فأبيت, فقال : إما أن تركب وإما أن تنصرف , قال: فانصرفت ", وقد روي هذا من وجوه أخر, فهو حديث جيد قوي, والله أعلم.
ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه, ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره لما رواه أبو داود : حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين قالوا: حدثنا بقية , حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن بشر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه, ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر, ويقول : السلام عليكم, السلام عليكم " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور, تفرد به أبو داود .
وقال أبو داود أيضاً: حدثنا عثمان بن أبي شيبة , حدثنا جرير ـ (ح) ـ حينئذ, قال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا حفص عن الأعمش عن طلحة عن هزيل قال: جاء رجل, قال عثمان : سعد " فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن فقام على الباب قال عثمان : مستقبل الباب, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هكذا عنك ـ أو هكذا ـ فإنما الاستئذان من النظر" وقد رواه أبو داود الطيالسي عن سفيان الثوري عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن رجل عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم, رواه أبو داود من حديثه, وفي الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه, ما كان عليك من جناح" وأخرج الجماعة من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال:" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب, فقال : من ذا ؟ فقلت: أنا, قال : أنا أنا . كأنه كرهه, وإنما كره ذلك " لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها, وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا, فلا يحصل بها المقصود من الإستئذان الذي هو الإستئناس المأمور به في الاية, وقال العوفي عن ابن عباس : الإستئناس الإستئذان, وكذا قال غير واحد,
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الاية "لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا" قال: إنما هي خطأ من الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا, وهكذا رواه هشيم عن أبي بشر ـ وهو جعفر بن إياس ـ عن سعيد عن ابن عباس بمثله, وزاد: كان ابن عباس يقرأ " حتى تستأنسوا وتسلموا " وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه, وهذا غريب جداً عن ابن عباس , وقال هشيم : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم قال: في مصحف ابن مسعود حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا, وهذا أيضاً رواية عن ابن عباس وهو اختيار ابن جرير .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا روح , حدثنا ابن جريج , أخبرني عمرو بن أبي سفيان أن عمرو بن أبي صفوان أخبره أن كلدة بن الحنبل أخبره أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وجدابة وصغابيس, " والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي, قال: فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم أسلم ولم أستأذن, فقال صلى الله عليه وسلم : ارجع فقل السلام عليكم أأدخل ؟ وذلك بعدما أسلم صفوان " , ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن جريج به. وقال الترمذي : حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديثه. وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن ربعي قال: " أتى رجل من بني عامر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته, فقال: أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له: قل السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعه الرجل, فقال: السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم, فدخل " .
وقال هشيم : أخبرنا منصور عن ابن سيرين , وأخبرنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد الثقفي " أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج أو أنلج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : قومي إلى هذا فعلميه, فإنه لا يحسن يستأذن, فقولي له: يقول السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعها الرجل فقالها فقال : ادخل " . وقال الترمذي : حدثنا الفضل بن الصباح , حدثنا سعيد بن زكريا عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام قبل الكلام . ثم قال الترمذي : عنبسة ضعيف الحديث ذاهب, و محمد بن زاذان منكر الحديث. وقال هشيم : قال مغيرة : قال مجاهد : جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرمضاء, فأتى فسطاط امرأة من قريش فقال: السلام عليكم أأدخل ؟ قالت: ادخل بسلام, فأعاد فأعادت وهو يراوح بين قدميه, قال: قولي ادخل. قالت: ادخل فدخل " .
ولابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو نعيم الأحول , حدثني خالد بن إياس , حدثتني جدتي أم إياس قالت: كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة , فقلت: ندخل ؟ فقالت: لا قلن لصاحبتكن تستأذن, فقالت: السلام عليكم أندخل قالت: ادخلوا, ثم قالت: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" الاية. وقال هشيم : أخبرنا أشعث بن سوار عن كردوس عن ابن مسعود قال: عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم, قال أشعث عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها لا والد ولا ولد, وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال, قال فنزلت "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً" الاية.
وقال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ثلاث آيات جحدهن الناس. قال الله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" قال: ويقولون إن أكرمهم عند الله أعظمهم بيتاً, قال والأذن كله قد جحده الناس قال: قلت: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال: نعم فرددت عليه ليرخص لي فأبى, فقال: تحب أن تراها عريانة ؟ قلت: لا, قال: فاستأذن قال: فراجعته أيضاً. فقال: أتحب أن تطيع الله ؟ قلت نعم, قال: فاستأذن. قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه قال: ما من امرأة أكره إلي أن أرى عورتها من ذات محرم, قال: وكان يشدد في ذلك, وقال ابن جريج عن الزهري . سمعت هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى أنه سمع ابن مسعود يقول: عليكم الإذن على أمهاتكم وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته قال: لا وهذا محمول على عدم الوجوب, وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به, لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها. وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا محمد بن حازم عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب ـ امرأة عبد الله بن مسعود ـ عن زينب رضي الله عنها, قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه, إسناده صحيح.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي , حدثنا عبد الله بن نمير , حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي هبيرة . قال: كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس وتكلم ورفع صوته, وقال مجاهد : حتى تستأنسوا, قال: تنحنحوا أو تنخموا. وعن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: إذا دخل الرجل بيته استحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه, ولهذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً ـ وفي رواية ـ ليلاً يتخونهم " , وفي الحديث الاخر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة نهاراً, فأناخ بظاهرها, وقال انتظروا حتى ندخل عشاء ـ يعني آخر النهار ـ حتى تمشط الشعثة وتستحد المغيبة".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن واصل بن السائب , حدثني أبو ثورة بن أخي أبي أيوب عن أبي أيوب قال: قلت: " يا رسول الله هذا السلام, فما الإستئناس ؟ قال يتكلم الرجل بتسبيحة أو تكبيرة أو تحميدة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت" هذا حديث غريب. وقال قتادة في قوله "حتى تستأنسوا" هو الاستئذان ثلاثاً, فمن لم يؤذن له منهم فليرجع, أما الأولى فليسمع الحي, وأما الثانية فليأخذوا حذرهم, وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا, ولا تقفن على باب قوم ردوك عن بابهم, فإن للناس حاجات ولهم أشغال, والله أولى بالعذر.
وقال مقاتل بن حيان في قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه ويقول: حييت صباحاً وحييت مساء, وكان ذلك تحية القوم بينهم, وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول: قد دخلت, ونحو ذلك, فيشق ذلك على الرجل ولعله يكون مع أهله فغير الله ذلك كله في ستر وعفة, وجعله نقياً نزهاً من الدنس والقذر والدرن, فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" الاية, وهذا الذي قاله مقاتل : حسن, ولهذا قال تعالى: "ذلكم خير لكم" يعني الاستئذان خير لكم بمعنى هو خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت "لعلكم تذكرون".
وقوله تعالى: "فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم" وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه, فإن شاء أذن, وإن شاء لم يأذن, "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم" أي إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده "فارجعوا هو أزكى لكم" أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر "والله بما تعملون عليم" وقال قتادة : قال بعض المهاجرين لقد طلبت عمري كله هذه الاية, فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع, فأرجع وأنا مغتبط "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم" وقال سعيد بن جبير "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا" الاية أي لا تقفوا على أبواب الناس.
وقوله تعالى: " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة " الاية, هذه الاية الكريمة أخص من التي قبلها وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن, كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة كفى. قال ابن جريج : قال ابن عباس "لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم" ثم نسخ واستثنى, فقال تعالى: " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " وكذا روي عن عكرمة والحسن البصري , وقال آخرون: هي بيوت التجار كالخانات ومنازل الأسفار وبيوت مكة وغير ذلك, واختار ذلك ابن جرير وحكاه عن جماعة, والأول أظهر, والله أعلم. وقال مالك عن زيد بن أسلم : هي بيوت الشعر.
لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء، فربما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين، وأيضاً إن الإنسان يكون في بيته ومكان خلوته على حالة قد لا يحب أن يراه عليها غيره، فنهى الله سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية، هي قوله: 27- "حتى تستأنسوا" والاستئناس الاستعلام والاستخبار: أي حتى تستعلموا من في البيت، والمعنى: حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم، فإذا علمتم ذلك دخلتم، ومنه قوله: "فإن آنستم منهم رشداً" أي علمتم. قال الخليل: الاستئناس الاستكشاف، من أنس الشيء إذا أبصره كقوله: "إني آنست ناراً" أي أبصرت. وقال ابن جرير: إنه بمعنى وتؤنسوا أنفسكم. قال ابن عطية: وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس. ومعنى كلام ابن جرير هذا أنه من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش حتى يؤذن له، فإذا أذن له استأنس، فنهى سبحانه عن دخول تلك البيوت حتى يؤذن للداخل. وقيل هو من الإنس، وهو أن يتعرف هل ثم إنسان أم لا؟ وقيل معنى الاستئناس الاستئذان: أي لا تدخلوها حتى تستأذنوا. قال الواحدي قال جماعة المفسرين: حتى تستأذنوا، ويؤيده ما حكاه القرطبي عن ابن عباس وأبي وسعيد بن جبير أنهم قرأوا " حتى تستأنسوا " قال مالك فيما حكاه عنه ابن وهب: الاستئناس فيما يرى والله أعلم الاستئذان، وقوله: "وتسلموا على أهلها" قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بأن يقول: السلام عليكم أدخل؟ مرة أو ثلاثاً كما سيأتي.
واختلفوا هل يقدم الاستئذان على السلام أو العكس، فقيل يقدم الاستئذان، فيقول: أدخل سلام عليكم، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام. وقال الأكثرون: إنه يقدم السلام على الاستئذان فيقول: السلام عليكم أدخل، وهو الحق، لأن البيان منه صلى الله عليه وسلم للآية كان هكذا. وقيل إن وقع بصره على إنسان قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان "ذلكم خير لكم" الإشارة إلى الاستئناس التسليم: أي دخولكم مع الاستئذان والسلام خير لكم من الدخول بغتة "لعلكم تذكرون" أن الاستئذان خير لكم، وهذه الجملة متعلقة بمقدر: أي أمرتم بالاستئذان، والمراد بالتذكر الاتعاظ، والعمل بما أمروا به.
قوله: 27- "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون"، قيل: معنى قوله: "حتى تستأنسوا" أي: حتى تستأذنوا وكان ابن عباس يقرأ حتى تستأذنوا ويقول: تستأنسوا خطأ من الكاتب. وكذلك كان يقرأ أبي ابن كعب، والقراءة المعروفة تستأنسوا وهو بمعنى الاستئذان.
وقيل: الاستئناس طلب الأنس، وهو أن ينظر هل في البيت إنسان فيؤذنهم إني داخل.
وقال الخليل: الاستئناس الاستبصار من قوله: آنست ناراً، أي: أبصرت.
وقيل: هو أن يتكلم بتسبيحة أو تكبيرة أو يتنحنح، يؤذن أهل البيت.
وجملة حكم الآية: أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد السلام والاستئذان.
واختلفوا في أنه يقدم الاستئذان أم السلام؟ فقال قوم: يقدم الاستئذان فيقول: أأدخل سلام عليكم، لقوله تعالى: "حتى تستأنسوا"، أي: تستأذنوا، "وتسلموا على أهلها" والأكثرون على أنه يقدم السلام فيقول: سلام عليكم أأدخل. وفي الآية تقديم وتأخير، تقديرها: حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا. وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود. وروي عن كلدة بن حنبل قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل".
وروي عن ابن عمر أن رجلاً استأذن عليه فقال: أأدخل؟ فقال ابن عمر: لا، فأمر بعضهم الرجل أن يسلم فسلم فأذن له.
وقال بعضهم: إن وقع بصره على إنسان قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان، ثم سلموا، وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة: يستأذن على ذوات المحارم، ومثله عن الحسن، وإن كانوا في دار واحدة يتنحنح ويتحرك أدنى حركة.
أخبرنا أحمد عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد عبد الله بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال:" سلم عبد الله بن قيس على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سلم أحدكم ثلاثاً فلم يجب فليرجع". قال عمر: لتأتين على ما تقول ببينة وإلا لأفعلن بك كذا وكذا غير أنه قد أوعده، قال: فجاء أبو موسى الأشعري ممتقعاً لونه و أنا في حلقة جالس، فقلنا: ما شأنك؟ فقال: سلمت على عمر، فأخبرنا خبره، فهل سمع أحد منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: نعم كلنا قد سمعه، قال فأرسلوا معه رجلاً منهم حتى أتى عمر فأخبره بذلك.
ورواه بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري، وفيه: قال أبو موسى الأشعري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع".
قال الحسن: الأول إعلام والثاني مؤامرة، والثالث استئذان بالرجوع.
27 -" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم " التي لا تسكنونها فإن الآجر والمعير أيضاً لا يدخلان إلا بإذن . " حتى تستأنسوا " تستأذنوا من الاستئناس بمعنى الاستعلام من آنس الشيء إذا أبصره ، فإن المستأذن مستعلم للحال مستكشف أنه هل يراد دخوله أو يؤذن له ، أو من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش فإن المستأذن مستوحش خائف أن لا يؤذن له فإذا أذن له استأنس ، أو تتعرفوا هل ثم إنسان من الإنس . " وتسلموا على أهلها " بأن تقولوا السلام عليكم أ أدخل . وعنه عليه الصلاة والسلام " التسليم أن يقول السلام عليكم أ أدخل ثلاث مرات فإن أذن له دخل وإلا رجع " . " ذلك خير لكم " أي الاستئذان أو التسليم خير لكم من أن تدخلوا بغتة ، أو من تحية الجاهلية كان الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته قال : حييتم صباحاً أو حييتم مساء ودخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف . وروي " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أأستأذن على أمي ، قال : نعم ، قال : إنها ليس لها خادم غيري أ أستأذن عليها كلما دخلت ، قال : أتحب أن تراها عريانة ، قال : لا ، قال : فاستأذن " . " لعلكم تذكرون " متعلق بمحذوف أي أنزل عليكم ، أو قيل لكم هذا إرادة أن تذكروا وتعملوا بما هو أصلح لكم .
27. O ye who believe! Enter not houses other than your own without first announcing your presence and invoking peace upon the folk thereof. That is better for you, that ye may be heedful.
27 - O ye who believe! Enter not houses other than your own, until ye have asked permission and saluted those in them: that is best for you, in order that ye may heed (what is seemly).