27 - (قل أروني) أعلموني (الذين ألحقتم به شركاء) في العبادة (كلا) ردع لهم عن اعتقاد شريك له (بل هو الله العزيز) الغالب على أمره (الحكيم) في تدبره لخلقه فلا يكون له شريك في ملكه
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الآلهة والأصنام أروني أيها القوم الذين ألحقتموهم بالله فصيرتموهم له شركاء في عبادتكم إياهم: ماذا خلقوا من الأرض، أم لهم شرك في السماوات، كلا، يقول تعالى ذكره: كذبوا، ليس الأمر كما وصفوا، ولا كما جعلوا وقالوا من أن لله شريكاً، بل هوالمعبود الذي لا شريك له، ولا يصلح أن يكون له شريك في ملكه، العزيز في انتقامه ممن أشرك به من خلقه، الحكيم في تدبيره خلقه.
قوله تعالى: "قل أروني الذين ألحقتم به شركاء" يكون أروني هنا من رؤية القلب، فيكون شركاء المفعول الثالث، أي عرفوني الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء يقيما عز وجل، وهل شاركت في خلق شيء، فبينوا ما هو وإلا فلم تعبدونها. ويجوز أن تكون من رؤية البصر، فيكون شركاء حالاً. "كلا" أي ليس الأمر كما زعمتم. وقيل: إن كلا رد لجوابهم المحذوف، كأنه قال: أروني الذين ألحقتم به شركاء. قالوا: هي الأصنام. فقال كلا، أي ليس له شركاء "بل هو الله العزيز الحكيم"
يقول تعالى مقرراً تفرده بالخلق والرزق وانفراده بالإلهية أيضاً, فكما كانوا يعترفون بأنهم لا يرزقهم من السماء والأرض, أي بما ينزل من المطر وينبت من الزرع إلا الله, فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره. وقوله تعالى: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" هذا من باب اللف والنشر أي واحد من الفريقين مبطل, والاخر محق لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال, بل واحد منا مصيب, ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله تعالى, ولهذا قال: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين". قال قتادة : قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين والله ما نحن وإياهم على أمر واحد إن أحد الفريقين لمهتد. وقال عكرمة وزياد بن أبي مريم : معناها إنا نحن لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين.
وقوله تعالى: "قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون" معناه التبري منهم, أي لستم منا ولا نحن منكم, بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده وإفراد العبادة له, فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم, وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا, كما قال تعالى: "وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون". وقال عز وجل: " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين ".
وقوله تعالى: "قل يجمع بيننا ربنا" أي يوم القيامة يجمع بين الخلائق في صعيد واحد, ثم يفتح بيننا بالحق, أي يحكم بيننا بالعدل, فيجزي كل عامل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصر والسعادة الأبدية كما قال تعالى: " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون * وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون " ولهذا قال عز وجل: "وهو الفتاح العليم" أي الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور.
وقوله تبارك وتعالى: "قل أروني الذين ألحقتم به شركاء" أي أروني هذه الالهة التي جعلتموها لله أنداداً وصيرتموها له عدلاً "كلا" أي ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل. ولهذا قال تعالى: "بل هو الله" أي الواحد الأحد الذي لا شريك له "العزيز الحكيم" أي ذو العزة الذي قد قهر بها كل شيء وغلبت كل شيء, الحكيم في أفعاله وأقواله وشرعه وقدره, تبارك وتعالى وتقدس عما يقولون علواً كبيراً, والله أعلم.
ثم أمره سبحانه أن يورد عليهم حجة أخرى يظهر بها ما هم عليه من الخطأ فقال: 27- "قل أروني الذين ألحقتم به شركاء" أي أروني الذين ألحقتموهم بالله شركاء هو المفعول الثالث، لأن الفعل تعدى بالهمزة إلى ثلاثة. الأول الياء في أروني، والثاني الموصول، والثالث شركاء، وعائد الموصول محذوف: أي ألحقتموهم، ويجوز أن تكون هي البصرية، وتعدى الفعل بالهمزة إلى إثنين: الأول الياء، والثاني الموصول، ويكون شركاء منتصباً على الحال. ثم رد عليهم ما يدعونه من الشركاء وأبطل ذلك فقال: " كلا بل هو الله العزيز الحكيم " أي ارتدعوا عن دعوى المشاركة، بل المنفرد بالإلهية، هو الله العزيز بالقهر والغلبة، الحكيم بالحكمة الباهرة.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فزع عن قلوبهم" قال جلي. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال: لما أوحى الجبار إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسول من الملائكة ليبعثه بالوحي، فسمعت الملائكة صوت الجبار يتكلم بالوحي، فلما كشف عن قلوبهم سألوه عما قال الله، فقالوا الحق، وعلموا أن الله لا يقول إلا حقاً. قال ابن عباس: وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا، فلما سمعوا خروا سجداً، فلما رفعوا رؤوسهم "قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: ينزل الأمر إلى السماء الدنيا له وقعة كوقعة السلسلة على الصخرة، فيفزع له جميع أهل السموات فيقولون: ماذا قال ربكم؟ ثم يرجعون إلى أنفسهم فيقولون: الحق وهو العلي الكبير. وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله: كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال الحق وهو العلي الكبير" الحديث، وفي معناه أحاديث. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين" قال: نحن على هدى، وإنكم لفي ضلال مبين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال "الفتاح" القاضي.
27- "قل أروني الذين ألحقتم به شركاء"، أي: أعلموني الذين ألحقتموهم به، أي: بالله، شركاء في العبادة معه هل يخلقون وهل يرزقون، "كلا"، لا يخلقون ولا يرزقون، "بل هو الله العزيز"، الغالب على أمره، "الحكيم" في تدبيره لخلقه فأنى يكون له شريك في ملكه.
27ـ " قل أروني الذين ألحقتم به شركاء " لأرى بأي صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة ، وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم . " كلا " ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة . " بل هو الله العزيز الحكيم " الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة ، وهؤلاء الملحقون به متسمون بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأساً ، والضمير لله أو للشأن .
27. Say: Show me those whom ye have joined unto Him as partners. Nay (ye dare not)! For He is Allah, the Mighty, the Wise.
27 - Say: Show me those whom ye have joined with Him as partners: by no means (can ye). Nay, He is God, the Exalted in Power, the Wise.